تتابعت الاحداث المثيرة في اقليم كوسوفو منذ آذار مارس الماضي، بعدما ظل الوضع فيه متوتراً على مدى عشرة اعوام، على رغم الاجراءات الصربية الصارمة لاخضاع الغالبية من سكانه الالبان، وتصاعدت المخاوف من اندلاع حرب اهلية شاملة تترك انعكاسات على كل منطقة البلقان. وتتمثل مشكلة كوسوفو في موقفين متناقضين، احدهما الباني يهدف الى الاستقلال ويسعى الى تدويل الوضع، والآخر صربي يعتبر الاقليم شأنا داخلياً ويرفض كل تدخل خارجي في معالجة ما يحدث فيه او تقرير مستقبله، ولكل طرف ذرائعه التي يعرضها مع سيل من البراهين التي تبين انه الاصيل والاقدم وهو صاحب المنطقة. وازاء هذا الوضع برز الموقف الغربي بقيادة الولاياتالمتحدة الذي ينسجم مع مطالب الالبان جميعها باستثناء الاستقلال الذي يتناقض مع المبدأ المتفق عليه في الاممالمتحدة، بعدم تغيير خرائط الجمهوريات اليوغوسلافية السابقة باعتبارها اتخذت مزايا الحدود الدولية. خلافات التسمية وتذكر المصادر القديمة المنطقة باسم "داردانيا" وسكانها "الاليريين" الذين يقول الالبان الحاليون انهم يتحدرون من احد فروعهم، شعباً ولغة، ويرجح انها اتخذت اسمها الحالي "كوسوفو" بعدما استقر فيها الصرب السلافيون الذين نزحوا من منطقة جبال ونهر الاورال في القرن السابع، حيث كانت ضمن نفوذ الامبراطورية البيزنطية. ويختلف الصرب والالبان على صيغة كوسوفو ومعناها، اذ يلفظها الصرب "كوسوفو" ويعتبرونها مركبة من كلمتين بلغتهم "كوس: منجل، وفو: هذا" اسوة بپ"صرب" التي تعني "منجل" ايضاً، ويعللونه بأنه نتيجة اهتماماتهم الزراعية التي تناقلتها مأثوراتهم الشعبية. ويستخدم الصرب حالياً في المجالات الرسمية تسمية "كوسوفو وميتوخيا"، واختصاراً "كوسميت"، باعتبار ان الاقليم يتكون تاريخياً من منطقتين: جنوبية "كوسوفو" وشمالية "ميتوخيا" ولا يقبل الالبان هذه التسمية على اساس انها محاولة صربية لشطر الاقليم الى قسمين. ويطلق الالبان على الاقليم "كوسوفا" ويفسرون التسمية "ميدان الطيور السوداء" ويربطون اصولها برمز "النسر الاسود ذي الرأسين" الشعار القومي للشعب الالباني عموماً، ويتوسط رايته التراثية ذات الارضية الحمراء، علماً ان "البانيا" تسمية اجنبية غير متداولة لدى اهل هذه البلاد، اذ انها بلغة سكانها "شغيبيريا" اي "بلاد النسور" والالبان "شغيبتر". ويجهل الصرب تاريخهم السابق لانتقالهم الى كوسوفو، حيث بدأوا حياتهم بالولاء للبيزنطيين وانتموا الى مذهبهم الارثوذكسي، وشرعوا بترسيخ وجودهم على حساب السكان الاصليين، حتى كونوا مملكة مستقلة "صربيا" العام 1217 مركزها المنطقة المحيطة بمدينة بريشتينا، العاصمة الحالية للاقليم. وامتد نفوذ صربيا الى الاراضي المجاورة لكوسوفو في عهد ملكيها ستيفان نيمانيا وساره دوشان، لكنها انهارت وهي في اوج هيبتها حين زحف العثمانيون عليها في 1389 وقضوا عليها بعد معركة ضارية في موقع "كوسوفكو بوليي - ميدان كوسوفو" القريب من بريشتينا، واسفرت عن مقتل قائدي الجيشين المتحاربين: السلطان العثماني مراد الاول والملك الصربي لازار، اللذين يوجد لهما حالياً ضريحان متقابلان في ارض تلك المعركة. واثر هذه الهزيمة تراجع الصرب شمالاً واختاروا بلغراد "المدينة البيضاء" عاصمة جديدة لهم، واستمروا في مقاومة العثمانيين منها، حتى اقتحمها السلطان سليمان القانوني العام 1521 اي بعد 132 سنة على معركة كوسوفو و86 سنة من وصول العثمانيين إلى ساراييفو و68 سنة من انهائهم حكم البيزنطيين، فانتقلت مقاومة الصرب الى الجبال ودخلوا في صراع مباشر مع الالبان الذين اعتنقوا الاسلام واصبحوا ركيزة الحكم العثماني في المنطقة. واستمر الصرب في هجمات الكر والفر ضد العثمانيين حتى العام 1860 عندما عادوا الى بلغراد وشرعوا بالتوجه جنوبا، وتحقق حلمهم بالعودة الى كوسوفو بعد حروب البلقان 1912 و1913 ما ادى الى نزوح الكثير من الالبان عن الاقليم، اثر قرار المؤتمرات الاوروبية الاعتراف بالحدود الناتجة عن هذه الحروب. وانتقل الصرب بهجرة جماعية نظمتها دولتهم الى كوسوفو، وشكلوا غالبية سكان المنطقة حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، عندما تغيرت الحال لمصلحة الالبان نتيجة اجراءات النظام الشيوعي اليوغوسلافي الذي وفر لصرب كوسوفو حياة مستقرة في انحاء اخرى من صربيا، فاسحاً المجال لانتقال المعارضين والراغبين من دولة البانيا الى الاقليم في خضم الصراع العقائدي بين جوزف بروز تيتو وأنور خوجه. نظظام تيتو وانتفض الالبان مرات عدة رافضين ان يكون الاقليم خاضعاً للصرب، فارتأى نظام تيتو العام 1974 ان يمنحه حكماً ذاتياً وأسعاً مع استمرار بقائه ضمن حدود صربيا، وفي العام 1989 لمناسبة مرور 600 سنة على معركة كوسوفو بوليي الغت الحكومة الصربية بقيادة الرئيس سلوبودان ميلوشيفيتش معظم صلاحيات الحكم الذاتي، وردّ الالبان على ذلك باستفتاء شعبي في العام 1991 اكد خيارهم الانفصال والاستقلال، وانتخبوا في 24/5/1992 زعيمهم ابراهيم روغوفا رئيساً لجمهورية كوسوفو التي اعلنوها من جانب واحد، واعادوا انتخابه في 22/3/1998. وكشف ابراهيم روغوفا، وهو كاتب معروف وحائز على شهادة الدكتوراه في الادب الالباني، في تصريح لپ"الوسط" النقاب عن انه تعرض لضغوط دولية شديدة من اجل التخلي عن مطلب الاستقلال. وقال: "كان جوابي انني غير قادر على الغاء قرار شعب عبّر عنه في استفتاء ديموقراطي". واعتاد روغوفا ان يظهر مطوقاً عنقه بشال من القماش رمزاً لما يسميه "الاحتلال الصربي". واضاف: "في تقديري ان شعبنا مصمم على الاستقلال لأن ما اصابه من اضطهاد وتنكيل السلطات الصربية يفوق اي امل للعيش بصفاء داخل صربيا، فالصرب لا بد وان يتخلوا عن عنادهم، لان عبء الاحتفاظ بكوسوفو سيكون ثقيلاً عليهم ومرهقاً يلحق بهم افدح الاضرار التي لا يمكنهم تحملها على المدى الطويل". ورفض زعيم البان كوسوفو كل المشاريع الرامية الى تقسيم الاقليم بين صربيا والبانيا "لانه يمثل كياناً سكانياً وتاريخياً وثقافياً واقتصادياً لا يقبل التجزئة، اضافة الى ان اي تقسيم سيبقي نحو مليون الباني في المنطقة الصربية ما سيؤدي الى استمرار الوضع القائم وغياب الحل الدائم". وأشار الى أنه ليس في نية قيادة البان كوسوفو ضم الاقليم الى البانيا أو أي دولة اخرى لأن الظروف ليست مناسبة لمثل هذا الاتحاد "على رغم ان تحقيق دولة تضم جميع اراضي الالبان طموح لا يمكن نكرانه". وأكد ان سبيل الالبان من اجل حريتهم هو الوسائل السلمية التي تحظى بمساندة المجتمع الدولي وتجنب كل اشكال الصراعات المؤدية الى الدمار واراقة الدماء، ونفى اي علم له بما يسمى جيش تحرير كوسوفو السري، ووصف المواجهات التي تحدث مع القوات الصربية بأنها "دفاع عن النفس ضد ممارسات التعسف وعمليات التطهير العرقية التي تقوم بها السلطات الصربية لتغيير الطبيعة الديموغرافية للاقليم بذرائع البحث عن الاسلحة وملاحقة المقاتلين والمتسللين". ويعتبر روغوفا انه لا فرق بين صربي وآخر، سواء كان حكومياً او معارضاً، ما دام الجميع متفقين على حجب رغبة ألبان كوسوفو في تقرير مصيرهم "وهو ما جعل الألبان يرفضون المشاركة في اي انتخابات صربية خلال السنوات العشر الاخيرة، اضافة الى انهم لم يعودوا يعتبرون صربيا دولتهم، وان أي مشاركة في الممارسات الصربية ستعني تخليهم عن قرار الاستقلال واعطاء الشرعية لوجودهم في صربيا". وعلى رغم تأكيد روغوفا الاستقلال، فان مصدراً ألبانياً مطلعاً ابلغ "الوسط" ان الألبان "لن يصروا على الانفصال والاستقلال في الوقت الحاضر، بناء على الضغوط الدولية، وسيقبلون في المفاوضات الانضمام الى الاتحاد اليوغوسلافي كطرف متساو في الحقوق مع الطرفين الحاليين للاتحاد: صربيا والجبل الاسود، على ان يكون ذلك وفق ضمانات دولية تكفل عدم التجاوز المستقبلي على حقوق سكان كوسوفو". تأييد ألبانيا وتمثل ألبانيا العمق القومي الذي يلجأ اليه ألبان كوسوفو منذ حرب البلقان، لكن الموقف الألباني تباين باختلاف الانظمة، اذ كان في عهد الملك احمد زوغو على أشده، الا ان النظام الشيوعي الذي حكم ألبانيا بعد الحرب العالمية الثانية ركّز على مشاكله الداخلية، في حين ان زعيم الحزب الديموقراطي صالح بريشا وهو شمالي من مدينة تروبايا الحدودية وينتمي الى عشرة بريشا الموزعة بين ألبانيا وكوسوفو الذي تولى رئاسة ألبانيا العام 1992 اقترب كثيراً من طموحات ألبان كوسوفو واعترف بالجمهورية التي اعلنوها. وتراجع هذا التأييد منذ منتصف 1997 عندما انتقلت السلطة في ألبانيا الى الاشتراكيين الشيوعيين السابقين بزعامة فاتوس نانو وهو جنوبي من مدينة جيروكاسترا القريبة من حدود اليونان فالتزم الموقف الاوروبي المعارض للاستقلال واعتبر ان الحل الأنسب لجميع الاطراف هو في بقاء كوسوفو ضمن الاتحاد اليوغوسلافي كجمهورية ثالثة الى جانب جمهوريتي صربيا والجبل الاسود. وبرز منذ اضطرابات العام الماضي في ألبانيا المطالب بالعرش ليكا الذي التقته "الوسط" في العاصمة الألبانية تيرانا، وقال انه عندما يتسلّم مهامه الملكية سيكون أول أهدافه جعل اراضي الألبان في البلقان داخل حدود دولة واحدة، وانه بذلك يسلك نهج ابيه الملك احمد زوغو في اعتبار نفسه ليس ملك ألبانيا "وانما كل الألبان من دون الالتزام بتحديدات المناطق الجغرافية الراهنة التي توزع هذا الشعب بين ألبانياومقدونيا وصربيا والجبل الاسود واليونان". وأوضح ليكا: "ان التسمية قد تبدو رمزية في ظل الواقع الراهن، لكنها حقيقية ضمن حق الشعوب في تقرير مصيرها، وما يفرضه علي واجبي الاخلاقي في الدفاع عن الألبان جميعاً لانهم قوم واحد". وأكد "الملك" ليكا انه افضل من يجمع شمل الألبان، اعتماداً على أصله العريق وخصوصياته الذاتية المنسجمة مع الواقع الالباني حيث انه مسلم مثل والده بينما زوجته ارثوذكسية وأمه كانت كاثوليكية. هدف قومي ويبلغ عدد الألبان في منطقة البلقان زهاء ستة ملايين نسمة، بينهم نحو 3 ملايين و350 الفاً في ألبانيا، 70 في المئة من المسلمين و30 في المئة من المسيحيين 20 في المئة ارثوذكس و10 في المئة كاثوليك. ويحرص الألبان على الابتعاد عن النعوت الدينية ويعتبرون كل من يربط اسمهم القومي بإضافات دينية بأنه يعمل على الاضرار بهم وتشتيت شملهم ووحدتهم، مهما كانت نيّاته من ذلك، وانه يدخل في خانة الصرب واليونانيين الذين يحاولون تحريض الارثوذكس، والايطاليين الذين طالما عملوا لاستمالة الكاثوليك. وفي حديث مع "الوسط" اوضح الصحافي أغيم من كوسوفو، وهو مسلم ملتزم اداء الشعائر الدينية، انه وغيره من الألبان يريدون ان يوصفوا بانتمائهم القومي فقط. وأورد أغيم، على سبيل المثال لا الحصر، اسماء مسؤولين كبار من ألبان كوسوفو هم مسيحيون: تادي روديجي رئيس المحكمة العليا الخاصة بألبان كوسوفو الذي اشرف على انتخابات الاقليم ومن السياسيين مارك كرسينفتش وانتون نوكا وجيرجا رابي. وأشار أغيم الى ان الألبان بصورة عامة، يعتبرون قضاياهم السياسية ذات هدف قومي لاديني، وقال "هذا ما نتوخاه في عرض قضية كوسوفو من كل اعلام يخدم الحقيقة، لئلا يتشوه مسار الشعب الألباني". وتبلغ مساحة كوسوفو 10887 كيلومتراً مربعاً اي 13 في المئة من مجموع مساحة صربيا و38 في المئة من مساحة دولة البانيا، وتتكون أراضي الاقليم من سهول واسعة خصبة تحيط بها سلاسل جبلية، وتوجد فيها مناجم من الفحم والرصاص والنيكل والمغنسيوم والبوكسيت. ويبلغ مجموع سكان كوسوفو في آخر احصاء في صربيا العام 1981 مليونان و585 الف نسمة، شكل الألبان 77.4 في المئة منهم مليون و227 الف نسمة والصرب وأبناء الجبل الأسود 14.9 في المئة والباقي بوشناق وأتراك وغجر. وقاطع الألبان احصاء 1991 وهو الاخير في صربيا لكن الجهات المشرفة عليه قدرت عددهم في جميع انحاء الاتحاد اليوغوسلافي الجديد - صربيا والجبل الأسود بحوالي مليون و727 الف شخص 16.6 في المئة من مجموع سكان الاتحاد البالغ عددهم عشرة ملايين و345 ألف نسمة لكن التقديرات تشير الى ان عددهم حالياً في كوسوفو لا يتجاوز مليونا و300 الف في ضوء المعلومات على نزوح نحو نصف مليون الباني خارج كوسوفو خلال السنوات الاخيرة، في حين ان عدد الصرب زاد في الاقليم نتيجة توطين اعداد كبيرة من لاجئي كرايينا الكرواتية فيه. معونات الخارج ويعيش البان كوسوفو اوضاعاً اقتصادية متردية، اذ نادراً ما يوجد موظف او عامل منهم في المؤسسات والقطاعات الانتاجية العامة، لأن اداراتها الصربية ترفض تشغيل من تعتبرهم انفصاليين او متمردين على الواجبات الالزامية كالخدمة العسكرية، ما جعل غالبية الالبان تعيش على المعونة التي يرسلها لها اقرباؤها في الخارج. وتنشط جمعيات "التعاون في المساعدة" التي يمكن ان يشترك فيها اي الباني بتقديم مبلغ من المال شهرياً الى صندوق خاص يتولى المشرفون عليه توزيع ما هو متوافر لديهم على الأسر الفقيرة التي لا يوجد من يساعدها، وتقوم جمعية "سامي فراشلي" الألبانية الخيرية بأعمال الاغاثة العلنية. ويداوم حوالي 70 الفاً من طلبة الثانويات و20 الفاً من طلبة الكليات في كوسوفو في البيوت الخاصة منذ سبع سنوات، عندما منعت السلطات الصربية دوام اي مدرسة في المباني الحكومية اذا رفضت الالتزام بالمناهج الرسمية. ولا يزال جيش تحرير كوسوفو السري الذي تأسس منذ نحو عام، التنظيم الألباني الوحيد حالياً الذي يقود الكفاح المسلح، وتتوالى انباء مواجهاته مع القوات العسكرية الصربية هذه الأيام، ويقدر عدد افراده بحوالي الف مقاتل، ويحظى بدعم شعبي كبير، وهو يرفض اي حل لا يحقق الاستقلال الكامل للاقليم. ويشكل هذا الجيش تحدياً جدياً للاحزاب السياسية التي تستخدم الوسائل السلمية، وطالب بحصة له من اموال المساعدات الخارجية للحركة الوطنية الألبانية، كما اعلن انه لن يعترف بنتائج اي مفاوضات مع حكومة بلغراد لا يكون مشاركاً فيها، وتتهم الاوساط الصربية البانيا وتركيا وإيران بتدريب مقاتلي الجيش وتزويدهم بالأموال والأسلحة، وهو يضم في صفوفه عدداً من "المجاهدين" العرب. وتوجد في كوسوفو ميليشيتان صربيتان، احداهما "النمور الصربية" بقيادة جيليكو ارجناتوفيتش الملقب اركان، والاخرى "تشيتنيك" للحزب الراديكالي، وكانتا شاركتا في حروب كرواتيا والبوسنة وارتكبتا اعمالاً شنيعة. وقامت السلطات الصربية بتشكيل قوات دفاعية خاصة مسؤولة عن مناطقها في كوسوفو، تضم غالبية الصرب وأبناء الجبل الأسود ومعارضي الاستقلال من الألبان وغيرهم، ويحتفظ افرادهابأسلحة خفيفة في بيوتهم. الحريات العامة وتبدو حرية الرأي والكلمة متوافرة الى حد كبير بالنسبة الى ألبان كوسوفو، اذ تتجنب السلطات الصربية مقاومتها، وتمارس الاحزاب الوطنية الألبانية نشاطها بصورة علنية كاملة على رغم انها ليست شرعية من الناحية القانونية لأنها لم تقدم طلباً لاجازتها بسبب عدم اعترافها بتبعية كوسوفو لصربيا، وتسعى هذه الاحزاب جهاراً الى انفصال الاقليم واستقلاله، ويقوم روغوفا نفسه بجميع نشاطاته في مقر حزبه "الاتحاد الديموقراطي" في وسط بريشتينا الذي يبعد نحو مئة متر عن مبنى القيادة العامة للشرطة والأمن الصربية في المدينة. وتقوم لجنة حقوق الانسان في كوسوفو برئاسة رجب تشوسيا، الذي امضى 28 سنة في سجون يوغوسلافيا السابقة بسبب آرائه المعارضة للنظام، باتصالاتها الداخلية والخارجية وتصدر بياناتها المنددة بممارسات السلطات الصربية من مقرها في بريشتينا. وتصدر الحركة الوطنية الألبانية في كوسوفو صحيفتين يوميتين باللغة الالبانية هما: بويكو المزارع وكوخاديتورا جريدة العصر اضافة الى عدد من الصحف والمجلات الاسبوعية والدورية، منها زيري الصوت فياليا الكلمة سكينديا الشرارة كوسوفكا نساء كوسوفو ولا تخضع لأي رقابة من الحكومة الصربية وتتصرف وكأنها في دولة مستقلة، وتهاجم السلطات الصربية وممارساتها بأقسى العبارات. وتعبر عن موقف الحكومة الصربية في كوسوفو صحيفة واحدة تصدر في بريشتينا باللغة الصربية هي "ييدينتسفو" الوحدة وتوزع في الاقليم غالبية الصحف والمجلات التي تصدر في انحاء صربيا. ولألبان كوسوفو اكاديمية للعلوم والفنون وجمعيات ادبية وثقافية وفرق فنية ورياضية وعيادات صحية تشرف عليها الحركة الوطنية الاستقلالية. ويرفض الألبان استخدام اللغة الصربية في اي مجال يخصهم، وحتى المواطن العادي منهم لا يرد على اي سؤال يوجه اليه بالصربية، باستثناء القلة المعارضة للاستقلال، على رغم انهم يتقنونها أسوة بالألبانية. وأبلغ مصدر في رئاسة مسلمي كوسوفو "الوسط" عدم وجود اي عائق صربي تجاه الممارسات الدينية، اذ تتم في نحو 450 جامعاً ومسجداً ومركزاً اسلامياً في كوسوفو الشعائر الدينية وتعليم القرآن الكريم، اضافة الى ان الدراسة تجري في ثانوية "علاء الدين" التابعة لرئاسة المسلمين في بريشتينا بصورة طبيعية لتأهيل طلبتها للواجبات الدينية والدراسات الاسلامية العليا، كما تصدر الرئاسة مجلة شهرية باللغة الألبانية باسم "المعارف الاسلامية". النزاع والمستقبل ويبدو الوضع في كوسوفو يتجه بسرعة نحو الحرب الأهلية في ظل عدم توازن للقوة بين الألبان والصرب. وتشير التحركات العسكرية الصربية المتزايدة الى ان صربيا تنوي اقامة حزام امني عرضه نحو عشرة كيلومترات على طول المنطقة الحدودية لكوسوفو مع البانيا، خال من اي وجود سكاني الباني، بهدف منع كل تسلل او نقل للاسلحة من البانيا الى كوسوفو، علماً بأن العقوبات الدولية التي يمكن ان تفرض على بلغراد لن تكون مؤثرة في خضم المعارضة الشديدة من دول البلقان لأي عقوبات اقتصادية كما كان الحال اثناء حرب البوسنة. وبالنسبة الى البانيا، لا يتوقع المراقبون ان ترسل قواتها الى داخل كوسوفو، لأنها ستتعرض لهزيمة، نظراً الى الاحتياطات العسكرية الصربية في كوسوفو. ومن جهتها، قامت مقدونيا المجاورة باجراءات حدودية صارمة لمنع مواطنيها الألبان البالغ عددهم نحو نصف مليون نسمة ومعظمهم يعيش في المنطقة الحدودية مع كوسوفو، من تقديم المساعدة العسكرية المباشرة لألبان كوسوفو. وإزاء هذا الوضع، يبدو ان التحذيرات من انتقال حرب كوسوفو الى الدول المجاورة مبالغ فيها، وان انفجار البرميل البلقاني بسبب كوسوفو بعيد الاحتمال، لأن صربيا لا مصلحة لها بمهاجمة جيرانها، وستعمل على ابقاء عملياتها داخل كوسوفو. اما مقدونيا فتعارض بشدة استقلال كوسوفو لأنها تخشى ان تكون الجولة التالية للألبان في اراضيها 0