شهدت مدينتا الرياض وجدّة أخيراً معرضاً حول "الشخصية الكرتونية والطفل العربي"، افتتحه الأمير سلطان بن فهد نيابة عن الأمير طلال بن عبدالعزيز، وشارك فيه فنّانون من مختلف أنحاء العالم العربي. ورافقت المعرض ندوة قيّمة، عولج فيها هذا الفنّ من مختلف جوانبه الابداعيّة والتقنيّة والعلميّة والايديولوجيّة. وأجمع المشاركون على ضرورة "اعتماد استراتيجية تربوية تتوافق مع المتغيرات، وتدعو إلى السلام ونبذ التعصب واحترام الأقليات وتحسين صورة المرأة...". "الوسط" تابعت هذا الحدث الذي يندر أن نقع على مثيل له في العالم العربي. أقيم أخيراً في مدينتي الرياضوجدة معرض "الشخصية الكرتونية للطفل العربي" الذي رافقته مجموعة من اللقاءات والندوات. ونيابة عن الأمير طلال بن عبدالعزيز رئيس برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأممالمتحدة الانسانية ورئيس المجلس العربي للطفولة والتنمية، افتتح المعرض الأمير سلطان بن فهد نائب الرئيس العام لرعاية الشباب في قصر الثقافة في الرياض. وفي الكلمة التي ألقيت نيابة عنه، أكّد الأمير طلال دعم المجلس العربي لمشروع الشخصية الكرتونية. وقال: "جاءت دعوتنا منذ انشاء المجلس العربي للطفولة والتنمية إلى تشجيع كل المبادرات الراقية التي تساهم في ايجاد البديل العربي. ويتمثل ذلك في دعمنا لمهرجان القاهرة الدولي لسينما الأطفال على مدى السبع سنوات الماضية، وكذلك في تقديم الجوائز للأفلام العربية المشاركة في المهرجان، تشجيعاً وحافزاً للاهتمام بهذه الفنون المحببة للطفل". وتحدث الأمير طلال عن فكرة مسابقة الشخصية الكرتونية وعن التجاوب الذي لقيته من الفنانين، مشيراً إلى أنهم يتطلعون إلى تجاوب آخر معهم، يأتي من طرف شركات الانتاج. ووجه الدعوة إلى المؤسسات الإعلامية وقنوات البث التلفزيونية والفضائية للمساهمة في تشجيع شركات الانتاج والمستثمرين على ذلك. وأضاف الأمير سلطان بن فهد عاملاً مهماً في كلمته يتمثل في أنه: "إذا كان من البديهي أن نركز في المقام الأول على تأصيل العقيدة الاسلامية في نفس الطفل العربي وترسيخ الإيمان في قلبه فإن ذلك لا ينسينا أهمية الجوانب الأخرى واشباع مختلف الغرائز وتنميتها بتوازن وحكمة". وأشار عبدالفتاح جلال أستاذ في جامعة القاهرة في بحثه إلى وجود "دلالة واضحة على غزارة التراث العربي الذي لم يتم حتى الآن استثمار كنوزه الإبداعية استثماراً فعلياً. ولا يقتصر الرصيد العربي على النتاج الأدبي في عصوره المختلفة، بل يمتد إلى منبع يتمثل في الحكايات والقصص الشعبية". وطالب جلال بأن يكون استخدام شخصيات عربية شعبية على حساب اللغة الفصحى التي ينبغي للطفل العربي أن يألفها فلا تبدو غريبة عليه. وتساءل صالح الزاير أستاذ في جامعة الملك سعود في بحثه "الرسوم المتحركة للأطفال، ثقافة أم تجارة؟": "هل تنتج أفلام الرسوم المتحركة لتعميق ثقافة الطفل وإثرائه بخبرات لتكوين شخصيته، أم أنها تنتج للربح والمكسب ومحاولة تحقيق أكبر ايراد ممكن لهذا الانتاج؟". واستعرض تجارب في مجال انتاج الرسوم المتحركة وبرامج الأطفال لشركة ديزني المعروفأ، ومؤسسة الانتاج البرامجي المشترك لدول مجلس التعاون، مقارناً بين مساعيها. ومن ملاحظات الزاير أن "البرامج التي توليها الورشة ذات صبغة تربوية، لها تأثير مباشر على شخصية الطفل في العالم ككل، لأن برامجها تعرض في محطات كثيرة ومع ذلك يظهر أن مأساة الربح والخسارة لا تهمل أبداً. فالورشة منحت العديد من الشركات حقوق استخدام بعض شخوص مسلسلها التعليمي "شارع السمسم"، أما شركة ديزني فيتضح سعيها وراء الربح بكل الطرق التسويقية المتاحة. أما مؤسسة الانتاج البرامجي المشترك، فجهاز لا يسعى إلى الربح، انما إلى التوجيه والتربية. ولكن من الملاحظ أن المؤسسة اصطدمت بأولى العقبات، عندما قامت بانتاج الفيلم الكرتوني الأول لها". وركز الزاير على ضرورة دعم مشروع الشخصية الكرتونية بخطط تسويقية مدروسة. وعلى الرغم من مشاركة باحثين وأكاديميين واختصاصيّين بارزين في مناقشة "الشخصية الكرتونية للطفل العربي"، فان الدراسات المقدمة في الندوة النسائية كانت أكثر جدوى في مناقشاتها وفي بحوثها حول الموضوع. وقد يكون للعلاقة الحميمة بين المرأة والطفل دورها في ذلك. تطرقت سعدية بهادر أستاذة علم نفس الطفل وعميدة معهد الدراسات العليا للطفولة سابقاً، ورئيسة مجلس جمعية أطباء الطفولة، إلى "البعد النفسي الاجتماعي في توظيف الشخصية الكرتونية"، ورأت أن "الكرتون يعتبر من العوامل الرئيسية لتوحيد وتنميط الجيل الصاعد اجتماعياً. ولقد أكدت الدراسات المطبقة في هذا المجال أنه بعد أن غزا الانتاج الغربي المدبلج البيت العربي، أصبح الطفل العربي في حيرة من أمره إذ اهتز مفهومه لذاته، وتشوهت صورته عن نفسه، في ظل مشاهداته لسلوكيات وتصرفات غريبة عليه، ولذلك يجب توظيفها في تعديل السلوكيات غير السوية لأطفالنا لتجعلهم يتوافقون مع مجتمعهم ويتكيفون مع أنفسهم". ورأت هند خليفة أستاذة في جامعة الملك سعود في بحثها "المؤثرات الاجتماعية على الأعمال الإبداعية المقدمة للطفل في المجتمع العربي"، اننا "حين نتقدم بشخصية كرتونية للأطفال وسط هذا الزخم من القضايا، قد ننشغل بطرح آرائنا ومواقفنا حيالها، ونهمل عنصراً آخر هو الأطفال باعتبارهم فعالين ومؤثرين في تكوين آرائهم وتحديد توجهاتهم". وتناولت خلفيات واشكالات علاقة البالغ بالطفل، واشكال المزاوجة بين الأصالة والمعاصرة، الماضي أو المستقبل. وفي دراستها الميدانية على مجموعتين من الأطفال من 3 إلى 5 سنوات، ومن 8 إلى 12سنة عرضت عليهم صور الشخصيات الكرتونية، توصلت خليفة إلى نتائج غنية تؤكد سلبية الاختيارات المرشحة لتمثيل الشخصية الكرتونية للطفل العربي. تقول الباحثة: "كثير من النماذج التي قدمت لمشروع الشخصية الكرتونية اعتمدت على الجمل، مع أن بيئتنا مليئة بأنواع أخرى من الحيوان والطير التي يمكن أن يميل إليها الطفل والتي كانت وما زالت موجودة مثل الحصان العربي، الغزال... كما أن الأسلوب المستخدم لشد الطفل إلى المستقبل: صواريخ سندباد، قلادة هدهود، مروحة، بطة... لم يلق قبولاً كبيراً من الأطفال". ولفتت هند خليفة إلى ناحية منسية تماماً في ابداعنا المقدم للطفل حيث "الواقعية في التعامل مع العمل الابداعي لها أهمي لضمان نمو صحي متوازن للطفل. إن التعامل مع الماضي أو المستقبل برمزية يحجب عنا رؤية حاضرنا". ورقة عمل أخيرة اختتم بها المجلس العربي للطفولة والتنمية ندوته النسائية كانت لفوزية البكر أستاذة في جامعة الملك سعود عن "الشخصية الكرتونية والتنشئة الاجتماعية للطفل الخليجي". تطرّقت الباحثة إلى التنميط الذي يتعرض له الطفل الخليجي بشمولية أكبر : "بدلاً من الانتماء العربي الاسلامي بدأ يحل انتماء كوني عالمي إلى جيل من الطفولة والناشئة ذات الحظ والخطوة وذات الحجم العالمي والمرجعية العالمية. فإذا أراد الفتى أو الطفل أن يشعر بأنه يساير ركب الحياة ويعيش لحظاته الكثيفة، أصبح يتعين عليه استهلاك كل ما هو مستورد. وفي هذا الصدد تلعب البرامج المستوردة التي توجّه الناشئة، دوراً كبيراً في عملية الاستلاب الثقافي بواسطة التلفزيون والفيديو والكمبيوتر. لكن التلفزيون سوف يبقى الأقوى بحكم عدد الساعات التي يقضيها الطفل في صغره أمامه ومستوى التأثير المتوقع أكبر". وسلطت البكر في الجانب الآخر من دراستها الضوء على الهوة الكبرى التي تقع فيها المؤسسات الإعلامية والقنوات الفضائية، عبر محاولة تعريب برامج النشء والاهتمام بجانب اللغة واهمال جانب آخر لا يقل أهمية عن اللغة. ووجدت "أن المسلسلات والرسوم المتحركة على اختلافها، حتى لو كانت معربة في لغتها، تلعب دوراً أساسياً في احالة الطفل إلى مرجعية مغايرة لثقافة الطفل العربي". واستدلت على ذلك بشخصية "ميكي ماوس" التي يرى فيها بعض الباحثين رمزاً للثقافة الأميركية، حيث تدور قصص أفلامه حول قدرته على نصرة المظلوم والتصدي للقوى الشريرة، بما يكرس منظور العالم الجديد الذي تتزعمه الولاياتالمتحدة". واستطردت فوزية البكر: "في منطقة الخليج مثلاً، نلاحظ في ضوء التغيرات الاجتماعية والمادية السريعة، أن كل ما هو عالمي أصبح مثيراً وجديداً، وكل ما هو محلي قديماً وغير ذي بال. ولم يبق كدرع واقية غير التربية الدينية - على الرغم مما تحتاجه من دفع وتطوير لتحسين فاعليتها - فهي تمثل الدرع الأخيرة للهوية والأصالة". وطالبت ب "اعتماد استراتيجية تربوية واضحة تتوافق مع التغيرات الاجتماعية التي شهدها الوطن العربي، مثل السلام ونبذ التعصب واحترام الأقليات وتحسين صورة المرأة وهي قيم جديدة نسبياً، وتبني الشخصيات العربية والاسلامية والتأكيد على جذورها التاريخية...". كما طالبت ب "التركيز على نقل المعلومة، مع وضعها في قالب فني، إذ يلاحظ أن جزءاً كبيراً من غياب الوعي العربي يعود إلى غياب المعلومات في عصر التفجر المعرفي". وطالبت أخيراً ب "استحثاث همم رجال الأعمال، وإثارة حماسهم الوطني، لتبني تمويل مثل هذه المشاريع" . الرسوم من اليمين الى اليسار ومن الأعلى إلى الأسفل: "زعلول" فراس حسن نعوم سورية، "بدر" مصطفى أمين الفرماوي مصر، "الشاطر حسن" أسامة أحمغ نجيب مصر، "زهور" حليم فهيم عطالله مصر، "صقّور" ناصر نعساني سورية.