نعلم جميعا ما تحدثه أفلام الكرتون على شخصية الأطفال، وما يترسخ لديهم من قيم ومعايير من جراء مشاهدة تلك الأفلام. ففي هذه السن الصغيرة تلعب الرسوم المتحركة دوراً كبيرا في لفت وشد انتباه الأطفال، فيختزن الطفل كل ما يراه ويسمعه في ذاكرته, ويحاول تقليد الشخصيات الكرتونية التي يشاهدها والعبارات التي يسمعها, وتصبح قيم الطفل ومبادئه وثقافته رهينة بمايراه في هذه الأفلام الكرتونية، التي تحمل قيم وثقافة البلاد التي أنتجتها. وتتسبب مشاغل الحياة في أن نجعل أطفالنا - وهم كالمادة اللدنة التي يسهل تشكيلها - تحت رحمة ما تبثه محطات التلفاز من تلك الأفلام ، فكثيرا ما نرى الأم تفتح لابنها أفلام الكرتون لكي تضمن جلوسه ساكنا لفترة تمكنها من أداء أعمال المنزل. لقد أوضحت دراسة علمية أجرتها منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة "يونسكو" أنه مع بدء القرن ال21 زاد المعدل العالمي لمشاهدة الطفل للتلفاز من ثلاث ساعات و20 دقيقة يومياً إلى خمس ساعات و50 دقيقة، وذلك نتيجة الانتشار الواسع للفضائيات التلفزيونية. كما أوضحت الدراسة أن الطفل العربي على وجه الخصوص- قبل أن يبلغ ال18 من عمره- يقضي أمام شاشة التلفاز 22 ألف ساعة، مقابل 14 ألف ساعة يقضيها في المدرسة خلال المرحلة نفسها، وإذا استبعدنا مرحلة ما قبل التعليم العام، فإن هذا يعني أن الطفل في عمر مراحل التعليم العام يقضي ساعة أمام التلفاز أمام كل ساعة يقضيها في المدرسة. وإذا علمنا أن الميزانية السنوية للتعليم العام في المملكة قد بلغت حوالي 80 مليار ريال – أي حوالي خمس ميزانية الدولة- فإن هذا يعني أنه يتم على مدار العام إنفاق حوالي مائة مليون ريال على كل ساعة يقضيها 4.5 مليون طالب – وهم عدد طلاب التعليم العام في المملكة- في مدارس مراحل التعليم المختلفة. وبعد هذا الإنفاق الهائل على تلك الساعات التي يقضيها الطلاب في المدرسة - في حصص للتعليم التقليدي الذي يدفع العديد منهم إلى التسرب - يتم تسليمهم كل يوم إلى شاشات التلفاز ذات المؤثرات السمعية والبصرية المبهرة، وذلك لمدة زمنية مماثلة لتلك التي يقضونها في المدرسة، وهي فترة كافية – بما تقدمه من أفلام عالمية ينفق عليها عشرات الملايين من الدولارات - لمسح أدمغة الطلاب مما يكون قد استقر فيها من ساعات المدرسة. ترى ما الذي يمنعنا من إنفاق نصف ميزانية التعليم العام أو ربعها أو حتى عشرها في مقابل استغلال ساعات التلفاز في التثقيف والتعليم؟ لا نعني بالطبع أن يكون ذلك بأسلوب البرامج التعليمية المملة التي تبثها بعض القنوات، ولكننا نعني أن يتم إنتاج أفلام كرتونية تلفزيونية عالية التقنية مماثلة للأفلام العالمية التي تجذب الأطفال. إن نسبة ما ينتج من أفلام للرسوم المتحركة العربية مقارنة بما يأتي من الخارج هي أقل من 0.5% . ولا زال إنتاج هذه الأفلام حكرا على شركات عالمية معدودة، ومن يقومون بشراء هذه الأفلام من المهرجانات العالمية ثم دبلجتها والترويج لها، إنما يدفعهم لذلك أغراض تجارية بحتة، فهم لا يبذلون أي جهد في الاطلاع عليها قبل شرائها حيث أنهم لا يهتمون بمحتواها. وبذلك فنحن نجعل أطفالنا رهينة لما يقتنيه هؤلاء مما تنتجه شركات الأفلام العالمية. بينما في الدول نفسها المنتجة لأفلام الكرتون هناك حظر على بعض هذه الأفلام التي قد تكون من إنتاج شركات عالمية وذلك لأنها تشكل خطرا على الأطفال، أفلا نكون- على الأقل- بنفس حرصهم على منع تلك المواد غير المناسبة لمجتمعنا. إن إحدى استراتيجيات المنع هي الإحلال، أي إحلال المواد الجيدة محل المواد السيئة. إن إنتاج فيلم كرتون مدته خمس دقائق يستغرق عدة أشهر، وإذا كان بجودة الأفلام الأمريكية فإن تكلفته تبلغ عشرات الآلاف من الدولارات للدقيقة الواحدة. إن تكلفة فيلم lion king - وهو من أشهر الأفلام التي أنتجتها شركة ديزني العالمية- تبلغ 80 مليونا من الدولارات، ومدته 95 دقيقة ، وهو ما يعني أنه لا يقدر على مثل هذه الأعمال إلا الشركات العالمية العملاقة مثل ديزني. وقد استطاع اليابانيون المنافسة والتفوق في إنتاج أفلام الكرتون وذلك بسبب الدعم الذي تقدمه الحكومة اليابانية لشركات إنتاج أفلام الكرتون والذي تبلغ نسبته 50% إلى 70% من تكاليف الإنتاج، مما جعل المنتجين يتنافسون فيما بينهم، وبالمثل ففي فرنسا تقوم الحكومة بدعم شركات أفلام الكرتون بحوالي 50% إلى 60%، وهم يهدفون من ذلك إلى نشر ثقافتهم وحضارتهم. إن وجود التلفاز في منازلنا هو شر لا بد منه، ومشاهدة الأطفال لأفلام الكرتون هو شر آخر لا بد منه، فإذا كنا لا نستطيع منع هذه الشرور من الدخول إلى منازلنا فلنسعى لكي نحولها إلى ما هو خير. فهل آن الأوان لاستبدال هذه الشرور بما فيه الخير لأطفالنا؟ هل آن الأوان لإنتاج الدراما الكرتونية العربية بتقتية عالية تحاكي الإنتاج العالمي بحيث تنمي المعرفة والقدرة على التفكير والابتكار لدى الأطفال، وتساعدهم على اكتساب الصفات الإنسانية الحميدة وتنمي شخصتيهم ، وتساهم في تعميق ثقافتهم العربية وتعليمهم مباديء الأخلاق بصورة جذابة وبطريقة غير مباشرة تناسب استيعابهم؟ * استاذ المعلومات -جامعه الملك سعود عضو مجلس الشورى