المال والهوية الثقافية: عندما رفض ( المجلس العربي للطفولة والتنمية) العرض الذي تقدمت به شركة (والت ديزني) الأمريكية للعب الأطفال والأفلام لشراء بعض الشخصيات الكوتونية العربية كانت هناك أسباب ثقافية وراء ذلك الرفض؟ من بين أهم أسباب الرفض أن المجلس يسعى لصنع أفلام عربية من الشخصيات الكرتونية لتعميق الهوية العربية لدى الأطفال العرب وكذلك تشجيع رجال الأعمال العرب على إنتاج دمية عربية على غرار الدمية ( باربي) الأمريكية. نعم لقد سعت بعض الدول العربية للقيام بمحاولات في مجال صنع لعبة عربية تعبر عن الشخصية العربية بعيداً عن باربي والبوكيمون وميكي ماوس كما هو الحال في محاولة مصر في إنتاج مسلسلات كرتونية للأطفال مثل سندباد وبكار. " بكار" شخصية مصرية نوبية من جنوب مصر حيث المعابد الفرعونية وقد بدأ ينتشر هذا الإنتاج منذ عام 1998م حتى أن دولة كبيرة مثل الصين قامت بشراء حلقاته ووضعتها على شرائط ( سي. دي) لتسويقها ودخل المنافسة في مهرجان (برجنيث) للأطفال في برلين ووصل إلى المراكز النهائية في المنافسة؟ المال عامل مهم في الانتشار العالمي للمشروعات الثقافية، فتكلفة الدقيقة في مسلسل بكار لا تتعدى ( 6000) جنيه مصري (1500 دولار) في حين تكلفة الدقيقة في فيلم كرتوني أجنبي مثل ( أحدب نوتردام) تصل إلى مليون ونصف المليون دولار شاملة التصوير والتأليف والمونتاج والإخراج؟ يشكر الاخوة في مصر على هذه المحاولة التي شارك فيها (75) رسام كاريكاتير و(7) مخرجين للرسوم المتحركة لكن أين رجال الأعمال العرب من المشروعات الثقافية؟ الأسواق العربية في (22) دولة عربية وتعداد سكاني (280) مليون عربي متروكة لغيرهم. نوقشت مسألة إنتاج عروس عربية في اجتماعات الجامعة العربية والإدارة العامة للشئون الاجتماعية والثقافية بالجامعة وطرحت أسماء للعروس العربية منها اسم ( ليلى) لكن هذا المشروع لم يتقدم حتى حينه إلى الأمام علماً بأن مشروع الدمية العربية يقدر ب (3 ملايين دولار) فقط؟ في الوقت الذي نجحت فيه بعض الدول الإسلامية وبتميز في إنتاج عروس خاصة بها كما هو الحال في إيران فقد لاقت العروس الإيرانية المحجبة ( سارة) رواجاً في السوق الإيرانية وحققت أرباحاً كبيرة وكذلك فعلت البوسنة عندما أنتجت العروس ( أمينة). العرب يستوردون (95) في المائة من لعب الأطفال التي يستهلكونها من الخارج وتذهب حصيلتها إلى دول أخرى بينما هناك دول كثيرة مثل اليابان وتايلند والفلبين ودول شرق آسيا عموماً نهضت اقتصادياتها على أكتاف صناعة الرسوم المتحركة ولعب الأطفال. هنا يجب التذكير بالدراسة الصادرة عن الجامعة العربية والتي حذرت من أن الأطفال العرب مستهدفون من جانب ( إسرائيل) حيث أبدت الدولة الصهيونية اهتماما بصناعة لعب الأطفال مستخدمة الأيدي العاملة الفلسطينية الرخيصة لتخفيض أسعار اللعب وللسيطرة على سوق الشرق الأوسط وكذلك للسيطرة على عقول وأفئدة أطفال العرب. البعد السيكولوجي في عالمنا العربي نعاني أزمة كتابة وأزمة إنتاج في الرسوم المتحركة وقد دفعنا للكتابة حول هذا الموضوع مسألة أدب وثقافة الأطفال حتى تكون ضمن بوصلة الاهتمام، فمجتمعنا العربي (فتي) تبلغ فيه نسبة الأطفال ما يزيد على النصف وعليه فلا يغفر للمثقفين والمختصين في هذا المجال تقاعسهم ! فإذا كانت السينما تتكون من مثلث أضلاعه هي (تجارة وصناعة وفن) فالرسوم المتحركة ينطبق عليها أيضا مكونات هذا المثلث، ويمكن للمهتمين التحرك من خلال العناصر الثلاثة. التجارة يعبر عنها بالتمويل المادي المتمثل في الإنتاج ودورة رأس المال ثم الضلع الثاني وهو الصناعة وذلك باستخدام التكنولوجيا في التنفيذ وباستخدام الكاميرات وبرامج الكمبيوتر والضلع الثالث الذي تعتمد عليه الرسوم المتحركة هو (الفن) أي القصة أو الفكرة ومن خلالها يتم تحويل القصة المكتوبة إلى سيناريو أو حوار مرسوم (Story Board ) . إن أعمال التوثيق في مجال أدب الطفل العربي لا تتيح لأي باحث أن يتناول هذا الموضوع بشكل يحيط بالعناصر الثلاثة بسبب عدم وجود جهاز عربي يهتم بالمسألة باعتبارها تتعلق بأهم شريحة في المجتمع. كما أن طبيعة ثقافة الطفل تحتاج إلى شيء من (المعرفة السيكولوجية) فالأطفال لا يشكلون جمهوراً متجانساً بل يختلفون باختلاف أطوار نموهم لذا قسمت مراحل الطفولة إلى أطوار متعاقبة فثمة مرحلتان خطيرتان في خط النمو ترتبطان بالخيال وبحسب رأي علماء نفس الطفل فإن المرحلة الأولى وهي بين الثالثة والخامسة من عمره يكون فيها خيال الطفل حاداً ولكنه محدود في إطار البيئة الضيقة يتصور العصا حصاناً ويتصور الدمية كائنا حيا. أما المرحلة الثانية فهي بين السادسة والثامنة وقد تمتد إلى التاسعة وفيها يتجاوز الخيال النطاق البيئي ويكتسب طابعاً إبداعياً . إنه الخيال المنطلق مع شوق عارم إلى الصور الذهنية غير المعقدة؟ لذا أفادت منظمة الأممالمتحدة وحكومات الكومنولث البريطاني من وجود الأخصائيين في علم النفس الاجتماعي بأن عينتهم دائمين لمواجهة وصناعة مستقبل أطفالهم وشبابهم؟ كما أن دولة مثل الصين تنبهت منذ وقت مبكر- إلى أهمية وخطورة ( الرسوم المتحركة) والسينما العلمية الموجهة إلى الأطفال فأنشأت (13) ستوديو لإنتاج أفلام الخيال العلمي والأفلام التعليمية المتخصصة وأنتجت نحو (3000) فيلم خلال عشرين سنة ونال حوالي (80) فيلماً منها جوائز عالمية؟ فهل سنخرج من دائرة الثقافة العرجاء أم سنظل نعاني العاهات الثقافية المستديمة.؟ّ