إذا كان مقدَّراً للسودان أن يبقى متأرجحاً بين نفوذي الدكتور حسن الترابي زعيم الجبهة الاسلامية القومية وصهره الصادق المهدي رئيس الوزراء السابق ورئيس حزب الأمة، فَقَدَرُ هذه المرأة أن تبقى ممزقة بين الزوج الحاكم والشقيق الساعي الى استرداد حكم استُلب منه. وبقيت - على رغم أنها لا تشغل منصباً تنفيذياً أو حزبياً - تثير علامات الاستفهام حول حقيقة ولائها. هل هو للبيت الكبير الذي انحدرت منه، وتنقاد له طيعة إحدى أكبر طائفتين في السودان؟ أم هو لبيتها الذي صار سيده يسود البلاد منذ ما يناهز عقداً من الزمان؟ ببساطة يتساءل السودانيون - من يوالون أهلها ومن يرقبون دول الأيام وتقلبها في البلاد - هل هي "أنصارية"؟ أم أنها "جبهة اسلامية"؟ وهي اجابة يصعب العثور عليها، لأن الرد المعتاد في دوائر الشيخ الترابي أنه لا توجد "جبهة"، منذ أن حلت بعد نجاح انقلاب "ثورة الانقاذ الوطني" في حزيران يونيو 1989. والأهم أن اسمها كان يطفو كلما أحدق الخطر بشقيقها الذي لوحق واعتقل ولما أحس خطراً داهماً غادر البلاد من دون أن تلمحه أعين رجال الحكومة. ويتساءل الذين عرفوا، مِنْ كثب، تعلّقها بأخيها: هل تقوم بوساطة، أو تؤثر في زوجها والموالين له، لتجمع بين الرئيس المنفي والرئيس الذي يدير كل شيء من وراء ستار؟ تردد ذلك بعدما اعتقل رئيس الوزراء السابق في 1991، وبقي يتردد بين زنزانات سجن كوبر الشهير و"بيوت الأشباح" نحو 18 شهراً. وتردد حديث آنذاك عن ملاسنات حادة بين شقيقته السيدة وصال الصديق عبدالرحمن المهدي وقادة جهاز الأمن السوداني. وانتهى ذلك الجدل باطلاق رئيس الوزراء السابق. وتجدد الحديث نفسه في الآونة الأخيرة، بعدما زار المهدي القاهرة قبل مقتل المشير الزبير محمد صالح النائب الأول لرئيس الجمهورية. وكان الجدل محموماً في الصحافة السودانية، داخل البلاد وخارجها، عن مساع تبذل لوفاق. وقيل أن حرم الدكتور الترابي كانت تنوي زيارة القاهرة للقاء شقيقها، ونقل مبادرة اليه من النظام السوداني. وتحدثت معلومات أخرى عن أنها كانت تزمع الذهاب الى ليبيا للقاء شقيقها هناك بدعوة من السلطات الليبية التي تسعى، هي الأخرى، الى التوسط بين الفرقاء السودانيين. والسيدة وصال - على رغم الأضواء والمتابعة الإعلامية لنشاطات زوجها - تفضل أن تبقى ربة منزل على الطريقة التقليدية السودانية. تخدم ضيوفها بنفسها. تخرج كل يوم من بيتها لمجاملات الأفراح والمآتم على رغم أنها حصلت على تعليم عال، إذ أنها مجازة من قسم الشريعة، في كلية القانون، جامعة الخرطوم. وهي الكلية التي تولى زوجها عمادتها بعد عودته من فرنسا حيث حصل على الدكتوراه في القانون. كثيرون يرى أن السيدة وصال لا تصلح لترتيب وفاق بين شقيقها وزوجها، خصوصاً بعدما بات الأخير يملك السلطة. ويرى هؤلاء أن تاريخ الانقلابات في المنطقة العربية والافريقية مليء بالشواهد التي تدل على أن صُنَّاع الانقلابات لا يهدونها عادة الى آخرين، كما أن كل الحالات التي أطيح فيها أب أو أخ لم تنته برأفة على الطرف الخاسر. ووفقاً لهذا المنطق، فإن هؤلاء يقدرون ويتفهمون لماذا اختارت السيدة وصال الوقوف الى جانب زوجها. إذ ان أخاها ينازعه السلطة، كما أنها اختارت بيتها لأنها تعتقد بأنها ساهمت - بشكل أو بآخر - في التهيئة لما حصل. ولا يعني ذلك أنها صنعت مجد زوجها الذي كان ذكياً وبارعاً منذ اليوم الأول لدخوله المعترك السياسي. ومثل مريديه، تشعر السيدة وصال بأن زوجها محسود لأنه، على النقيض من السياسيين الآخرين من أبناء جيله، يمثل ظاهرة فريدة في السياسة السودانية، فهو يعرف تماماً أهدافه والسبيل الى تحقيقها. فيما يبقى الآخرون يلهثون وراء الحكم، حتى إذا ألفوا أنفسهم فيه بدأوا البحث عن بنود يمكنهم تحقيقها. ومع أن السيدة وصال تتمسك ب "أنصاريتها" وانتمائها الى بيت الامام المهدي، منشئ أول دولة اسلامية في افريقيا في نهاية القرن الماضي، إلا أن غالبية الأنصار تمقت موقفها الحالي. قلت لأحدهم انها امرأة معذبة بين أخ وزوج، وبين انتماء وانتماء. فرد: "أي تمزق؟ الشعب السوداني كله ممزق إرباً إرباً. وإذا كانت ممزقة حقاً بين أخيها وزوجها قبل العام 1989، فلا بد أن شعورها بالتمزق تضاءل كثيراً بعدما وصل بيتها الى سدة الحكم والنفوذ. وعادت من جراء مساندتها النظام الذي يرعاه بعلها تنظر الى شقيقها النظرة ذاتها التي ترمق بها المعارض السوداني فاروق أبو عيسى وغيره من قيادات التجمع الوطني الديموقراطي الذي يعد شقيقها من أبرز زعمائه في المنفى. ويرى مثقفو طائفة الأنصار أن السيدة وصال لم تنتم ذات يوم الى حزب الأمة الذي أنشأه جدها الامام عبدالرحمن المهدي، ثم انتقلت زعامته الى والدها الامام الصديق المهدي الذي توفى في مستهل الستينات. وإذ تكشف في هذه المقابلة مع "الوسط" أنها انتمت الى تنظيم "الاخوات المسلمات" في آخر سنوات دراستها الثانوية 1959، فإن ذلك يعني أنها اختارت طريقاً حزبية أخرى حتى قبل وفاة والدها. وتكشف صراحة أنها ليست عضواً في "حزب الأمة القومي الجديد" الذي أنشأه أخوها في أعقاب نجاح الانتفاضة الشعبية التي أطاحت نظام المشير جعفر نميري في 1985. وحين يشار الى دور يحتمل أن تقوم به السيدة وصال المهدي - الترابي لتقريب الشقة بين حزبي أخيها وزوجها، يقول غلاة المعارضين من قادة طائفة "الأنصار" ان أتباع الترابي يريدون من الصادق المهدي أن يبتلع طموحه السياسي بدعوى مراعاة المصاهرة وتقدير معاناة شقيقته. وهو أمر لا يبدو مقبولاً لدى رئيس الوزراء السابق. كأنما يريدون أن يقولوا ان القربى وصلة الرحم لن تصلح ما أفسده الدهر بين حزبي الأمة والجبهة الاسلامية القومية. تقول السيدة وصال انها ليست بحاجة الى استغلال منبر عام لتوجه رسالة الى أخيها لأنها على اتصال به من خلال المكاتبات. وأخوها - في ما يبدو - لا يقيم وزناً لاحتمال اضطلاع أخته بمبادرة تقرِّب بينه وبين النظام، لأنه يدرك أن صهره تغير كثيراً عما كان عليه حين تقدم لطلب يد ابنة الامام الصديق. وهو يدرك جيداً أيضاً أنه ما كان سيختار مغادرة البلاد - بعد درسين فاشلين في الثورة المسلحة والغزو. أحدهما 1970، والآخر في 1976 - لو لم يشعر بأن صهره بات يدفع به في طريق تفضي الى حبل المشنقة. أربعة من اخوتك هم الصادق وعبدالرحمن وفيصل وعلي يقيمون في المنفى. كيف تنظرين الى ذلك باعتبار أن اثنين منهم على الأقل اضطرا الى اللجوء سياسياً الى دول أجنبية؟ - خرج شقيقي فيصل من السودان عندما كان الصادق رئيساً للوزراء. ولم يغادر البلاد لأنه كان باحثاً عن لجوء لأسباب اقتصادية أو سياسية. لم يعد بعد ذلك لأن أنجاله ارتبطوا بالمدارس والكليات. ولقدرة الانسان على التأقلم مع البيئة التي يجد نفسه فيها، استطاع فيصل أن يتأقلم مع أجواء بريطانيا حيث يقيم. فالحياة في أوروبا مريحة وليست مثل حياتنا في السودان. لكن بعضهم أبعدته السياسة والأوضاع السائدة في السودان منذ تسع سنوات... - نعم، صحيح. ينطبق ذلك بصفة خاصة على صادق، الذي اضطرته ظروفه السياسية الى الخروج من السودان. لكني لا زلت اعتقد بأن الظروف السياسية السائدة في السودان ملائمة أكثر من غيرها للصادق. فهو لا يريد شيئاً أكثر من الدين والشريعة اللذين تراعيهما ثورة الانقاذ الوطني. فمثلما قامت الحركة الانصارية على شعار "لا إله إلا الله"، قامت ثورة الانقاذ على الشعار نفسه. إذن لا يوجد تباين أو فرق بين مواقف الطرفين. هل لذلك تردد أخيراً أنك تنوين زيارة القاهرة أو طرابلس للتوسط بين أخيك والنظام؟ - شاع ذلك بعدما زارني الصحافي محمد طه محمد أحمد في منزلي وسألني عن هذا الموضوع حينما كانت الظروف توحي بتسارع خطوات الوفاق. وقلت له انني كنت حقاً أنوي زيارة القاهرة لمقابلة صادق، لأننا لم نلتق منذ مدة. لكن اعتقد الآن بأن تلك الظروف تغيرت بعد استشهاد المشير الزبير محمد صالح. وما دخل المرحوم الزبير بذلك؟ - كان المشير الراحل أكبر دعاة المصالحة في النظام. وهو الذي تمسك سابقاً بالسماح للسيدة سارة زوجة صادق بمغادرة السودان لتلقي العلاج. وبقيت خارج البلاد نحو ثلاثة أشهر زارت خلالها انكلترا ومصر والمملكة العربية السعودية، وعادت من دون أن يسألها أي طرف أو يسائلها. وحتى صادق وجماعته بمستطاعهم العودة ولن يجدوا مضايقة من أحد. وقد أكد الفريق عمر البشير والدكتور غازي صلاح الدين العتباني الأمين العام السابق للمؤتمر الوطني في خطابيهما أمام الدورة الأخيرة للمؤتمر أن الباب مفتوح أمام الجميع ليعودوا، لأن البلد بلدهم. كثيراً ما يردد المسؤولون مثل هذه التصريحات، لكن الأبواب تبقى مغلقة بوجه من يريدون العودة... - هذا الخوف يشعر به هؤلاء الأخوة الذين يقيمون في الخارج. انه لا ينبع من الداخل. ليس فينا انسان مخيف تضحك... انهم يخوفون بعضهم بعضاً. كأن يحذر بعضهم من ان الحكومة ستفعل كذا وكذا بمن يعودون. وهو كلام غير صحيح. لكنهم معذورون لبعدهم عن السودان، إذ لا يتابعون أخباره اليومية والتفاصيل الصغيرة والكبيرة التي تحدث فيه. السودان الآن فيه حرية وانفتاح، ونحن مقبلون على التعددية بعد قرارات المؤتمر الوطني لاستيعاب كل الفئات والفصائل السودانية في المؤتمر. وهذه العناصر المقيمة في الخارج لديها تاريخ وماض يحظيان بالتقدير والاحترام، لكننا لا ندري لماذا يتصرفون بهذه الطريقة. لا يزال يتردد أنك تنوين بذل جهد لتقريب المسافات بين شقيقك وزوجك. هل هناك أي تحرك ملموس في هذا الاتجاه؟ - أي جهد يحتمل ان أقوم به في هذا المجال سيتم بصفتي الشخصية، لأنه ليست لي صفة تتيح لي القيام بأي دور سياسي، فأنا لا أشغل منصباً تنفيذياً ولا تشريعياً في هذه الحكومة. علماً أني انتخبت أخيراً عضواً في هيئة الشورى المنبثقة من المؤتمر الوطني. أنا مجرد فرد عادي تضحك... يقال انك تسعين حالياً الى إقناع الحكومة بإعادة بعض ممتلكات آل المهدي التي صودرت مثل السرايا التي تشغلها دار الوثائق القومية في الخرطوم، الى أين وصلت مجهوداتك؟ - سرايا دار الوثائق غير مصادرة. لكن المشكلة تتمثل في ان هذه الحكومة عندما تولت السلطة وجدت ممتلكات عقارية مسجلة باسم حزب الأمة، فصادرتها من دون ان ترجع الى الوثائق المتعلقة بملكيتها. فمثلاً دار حزب الأمة في مدينة واد مدني وسط السودان ليست ملكاً لشقيقي صادق وحده بصفته رئيساً لحزب الأمة، بل هي مملوكة لعدد كبير من الوارثين، وأنا منهم. وكانت الدار مؤجرة من الورثة لحزب الأمة، لكن الحكومة لم ترجع الى سجلات الملكية، بل اعتبرتها مملوكة للحزب ورئيسه وصادرتها. وهذه الدار وغيرها مصادرة الآن منذ تسع سنوات. ونأمل ان تعاد الى مالكيها قريباً، خصوصاً ان بينهم يتامى وأرامل. الى متى ستظل هذه الحكومة ممسكة بالسلطة بينما يتردد أنها تواجه صعوبات جمة؟ - أنت تقيم في الخارج ولا بد أنك تسمع مقولة المعارضة بأن هذه الحكومة الحالية ستسقط بعد اسبوعين أو شهرين. وهي مقولة ظلت تتردد منذ ان انفجر صبح ثورة الانقاذ تضحك... بل سمعنا ان الانكليز قالوا إن الغد ليس آت مطلقاً قالت بالانكليزية Tommorrow Will Never Come. إنهم يمنّون أنفسهم بالأماني، ونحن نقول ما اضيق العيش لولا فسحة الأمل. يتخيلون ان هذه الحكومة ضعيفة وانهم سينقضون عليها بمساعدة البلدان المجاورة واميركا. لكننا نحمد الله ان علاقات الحكومة انفرجت مع الدول المجاورة، خصوصاً مصر، وهي اقرب الينا من بين كل دول الجوار، ويجمعنا بها الدين والنيل والثقافة. هذا الانفراج مع احدى دول الجوار يحدث في وقت لم يتحقق فيه أي انفراج بين السودانيين أنفسهم. فما الفائدة؟ - إن كنت تقصد الحزب الاتحادي الديموقراطي، فقد جاء رائد من رواده وانضم الى السلام وهو الشريف زين العابدين الهندي الذي اختير نائباً لرئيس المؤتمر الوطني. لكن المؤتمر الوطني حزب انشأته الحكومة وتتحكم فيه، فكيف تريدين ان يقتنع الآخرون بالانضمام اليه؟ - ليتك كنت معنا خلال دورة الانعقاد الثانية للمؤتمر قبل اسابيع. لقد احتشد في هذا المؤتمر أكثر من سبعة آلاف مواطن يمثلون مختلف الاتجاهات والولاءات، ولا يمكن لمنصف ان ينسبهم جميعاً الى الاتجاه الذي يساند الحكومة. لكننا في الوقت نفسه لا يمكن ان نقبل انضمام الآخرين الى جهات لها مصلحة في اضعاف السودان ومحاربته. السودان بلد شاسع - مليون ميل مربع - وليس فيه من السكان سوى 30 مليوناً، ونحن نبذل كل الجهود من خلال مشاريع الزواج الجماعي وتسهيل الزواج لزيادة عدد السودانيين وتكاثرهم، فيأتي هؤلاء ليستنزفوا البلاد بالحروب والمؤامرات؟ حرام والله... لكنكم تحاربون أنفسكم، اذ ان من القوى المناوئة للحكومة حالياً ابن شقيقك، الملازم عبدالرحمن الصادق المهدي، الذي يقود فصيلاً يسمى "جيش تحرير الأمة"... - والله قيل "كلمة غيرك ليس لك فيها يد"! ليست لي يد في هذه الحكاية. لو كان الأمر بيدي لكنت أتيت بابن أخي ورتبت له زواجاً لينجب ذرية، فأنا اعتبره ممن سيحفظون سلالة الإمام المهدي. لكن ان يخرج ويقف مع الاجانب ضد السودان فهو شيء لا يسر ولا أوافق عليه. لكن ليست بيدي حيلة. عندما غادر عبدالرحمن الصادق البلاد لم يقل لي شيئاً. والغريب انني التقيته قبل يومين من مغادرته، وسألته: أين أنت لم نعد نراك؟ فقال لي: سأزورك يا أمي. وأذكر أنه بدا مشغولاً ومتعجلاً الخروج، وكانت سيارته تنتظره. إنهم لا يسمعون كلامي لأنهم يصنفونني باعتباري جزءاً من هذه الحكومة. لكني مع الحكومة وفي الوقت نفسه معهم. تضحك هل تعتقد بأنني يمكن ان أنساهم؟ هذه الحكاية مثيرة جداً... مع من تصنفين نفسك حقيقة؟ - أنا مع هذه الحكومة، ولدي أسباب منطقية تجعلني أقف معها، فأنا لست جاهلة، ولا أتبع الآخرين. تعرف أنني تخرجت في قسم الشريعة في كلية القانون في جامعة الخرطوم. وقد بذل أهلي مجهوداً كبيراً في تعليمي، وتعهدت والدتي - رحمها الله - معلماً تولى تحفيظي القرآن، هو الشيخ أحمد العجب من شيوخ الحركة المهدية. وبنظري ان هذه الحكومة هي الأصلح للسودان، وهي أفضل نظام يمكنه ان يخطو بالسودان الى الأمام، لأنها حكومة جادة في تمسكها بالشريعة التي يتمسك بها أصلاً غالبية أهل السودان. وهي تراعي ايضاً أوضاع الأقلية المسيحية في البلاد. وقد كان تمثيل الجنوبيين والمسيحيين في المؤتمر الوطني شاملاً. ونحن نعتبرهم اخوتنا ولا فرق بينهم وبيننا. المشكلة بيننا خلقها الاجانب، خصوصاً الاستعمار البغيض والاميركيين الذين يريدون ان يسيطروا على العالم. مع أنهم غير مؤهلين للتسلط عليه. لست في حزب الأمة الجديد ما هي طبيعة العلاقة بينك وبين السيدة سارة الفاضل زوجة الصادق المهدي، خصوصاً أنكما نشأتما سوياً؟ - علاقة طبيعية ككل العلاقات بين الأهل، ونجتمع في كل المناسبات الأسرية. ونتبادل الزيارات. أما علاقاتنا السياسية فنحن لا نتحدث في السياسة، لأننا سنختلف. أنا أعتقد بأن ثورة الانقاذ أصلح نظام يستطيع ان يمضي بالسودان الى الأمام، وهي تعتقد بعكس ذلك. لكنك في الوقت نفسه تتمسكين بأنك "انصارية" أليس هناك تضارب؟ - لا يوجد أي تضارب بين أنصاريتي الأصلية وهذا النظام. هناك شيء اسمه الانصارية الجديدة، لعلك سمعت بپ"حزب الأمة القومي الجديد" هذا الحزب أنا لست عضواً فيه، فهو مفتوح لكل متسلق وشيوعي وطالب سلطة ليندسَّ وراءه حتى يحكم قبضته ذات يوم على السودان. يتردد حديث عن ان ابن عمك مبارك الفاضل المهدي يسعى الى خلافة شقيقك في زعامة الحزب والأنصار، ويقال ان السيدة سارة الفاضل تريد ان يخلف ولدها عبدالرحمن الصادق أباه. هل ذلك صحيح؟ - والله ليس لدي تعليق على هذا الكلام، لأنني لا أعيش بينهم، بل لست فارغة أصلاً لتعقب أخبارهم. الحكومة وحدها تتابع ذلك. لكني عموماً لا أتعقب الأخبار السيئة عن أهلي. دائماً أحب ان يسمع الآخرون الجانب المشرق عن سيرتهم. وعندما أصدر السيد الصادق بيانه تعليقاً على وفاة المشير الزبير وعبدالسلام سليمان المدير التنفيذي لمنظمة الدعوة الاسلامية والعميد أروك طون أروك وبقية شهداء طائرة الناصر شعرت بحرج، لأنه انطوى على شيء من الشماتة، والموت لا ينبغي ان تكون فيه شماتة. وعندما يبدر ذلك عن شخص هو ابن امام وحفيد امام فإنني أتضايق لأن هذا هو نسبي وهؤلاء هم أهلي. لا أتمنى ان تحصل بينهم خلافات ومنافسات في الخارج، وأريدهم ان يكونوا على القبلة الموحدة التي تجمعنا كلنا - نحن معشر المسلمين - ويتفقوا على كلمة سواء. لا يجب ان نختلف على الحكم، طلب الحكم في الاسلام خطأ. وأؤكد انني ملتزمة الخط الاسلامي ونهج الامام المهدي التزاماً كاملاً، ولن أحيد عنهما مطلقاً. والحمد لله ان والدتنا - عليها الرحمة - لقنتنا تاريخ المهدية وجهادها كله. وأكثر ما أنفعل معه في هذا الجانب هو جهاد المهدية. فبالجهاد وحده استطاع الامام المهدي ان ينتصر على الامبراطورية التي لم تكن الشمس تغيب عن مستعمراتها. وهي لم تكن وحدها، فقد كانت تساندها الامبراطورية العثمانية والحكومة المصرية آنذاك. أكرر آنذاك. واعتقد بأن خير مثال أتبعه هو جدي الامام المهدي، ولا أخالفه أبداً. لكن المشكلة ان زوجك يبدو متشدداً في رفضه عودة الحزبية التي يمكن ان تأتي بأخوتك الى وطنهم… - أبداً تضحك. هذا الكلام خطأ. ما الصواب اذن؟ - حسن الترابي وراء اعطاء الحرية لجميع الناس ليمارسوها، لأن الله خلقهم أحراراً. وهو الذي انشأ المؤتمر الوطني، أو هو ممن أنشأوه من رجال الحكم، ليتيحوا الفرصة لاستيعاب كل السودانيين. وقد قال الدكتور غازي صلاح الدين في خطابه أمام الدورة الأخيرة للمؤتمر ان بابهم ليس له مزلاج ولا رِتاج وهو مفتوح أمام السودانيين قاطبة. لأن هذا وطنهم. هذه الفكرة التي تملكها عن شيخ حسن مغلوطة.. انتم لا تتابعون الأخبار بتفاصيلها الدقيقة، لأنكم تقيمون خارج السودان. وهي نقمة وليست نعمة. فمن يقيم هنا هذه الأيام يتنسم نفحات الجنة والجهاد والبركة والخير، والانفتاح الاقتصادي والاجتماعي. ونحن سعداء للغاية بوجودنا هنا، ولا نتمنى ان نبدله بأي أرض. لكن كل السودانيين يشكون من الأوضاع، خصوصاً الاقتصادية. أنت قد لا تشعرين - بحكم وضعك - بمعاناة الآخرين… - كيف لا نشعر به؟ لكني قلت ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل. وعموماً في غضون أشهر سنصدّر نفطنا، ولن تواجهنا مشكلة ان شاء الله. فخورة بشيخ حسن كيف كان لقاؤك الأول مع الدكتور حسن؟ - أرجو ان تعفيني عن الاجابة عن هذا السؤال لأن هذه المسألة خاصة، ولا أريد ان أناقشها على صفحات الصحف. لكني فقط أريد ان أقرر لك حقيقة لتنشرها في هذا المقام: أنا سعيدة جداً وفخورة بأني تزوجت شيخ حسن، لأنه داعية متجرد لله سبحانه وتعالى، وهو انسان لا يفكر في شيء سوى الحساب والعقاب والجزاء والآخرة. حقيقة اعتبر نفسي محظوظة تضحك. هل كان استاذك في كلية الحقوق أم زميلك؟ - كيف يكون زميلي وهو أكبر من أخي صادق الذي هو أكبر مني؟ كان استاذي. هل عملت بعد التخرج في مجالات العمل القانوني؟ - أنا أعمل حالياً في الحقل الدعوي والاجتماعي والسياسي. لكني لا أنقطع عن استذكار دروس القانون والشريعة وأقدم معارفي في هذا الجانب في المحاضرات التي ألقيها من وقت لآخر. وقد توليت سابقاً منصب الأمين العام لمنظمة النساء المسلمات. وأتولى حالياً منصب رئيس مجلس أمناء الاتحاد النسائي الاسلامي العالمي الذي عقد آخر اجتماعاته في اليمن. هل صحيح ان حركة الاخوان المسلمين التي يتزعمها زوجك نشأت في كنف حزب الأمة وبيت والدك الامام الصديق؟ - هذا ليس صحيحاً البتة. وآمل ان يكون أخواننا في حزب الأمة صادقين مع أنفسهم ومع حقائق التاريخ، اذ ان هذه الحركة نشأت في الجامعات والمعاهد العليا. كل ما هناك أنها تعاونت ذات يوم مع حزب الأمة بحكم تاريخه الجهادي. وعندما اتضح لأعضائها ان التعاون بين الطرفين غير مثمر، رفعوا أيديهم عن حزب الأمة وسلكوا طريقاً خاصاً بهم منذ اتفاق المصالحة الوطنية مع الرئيس السابق جعفر نميري في 1977. وكان مسؤولو حزب الأمة قد قرروا الانسحاب من حكومة نميري، لكن "الاخوان المسلمين" رفضوا. وكان هذا من أسباب الخلاف. هل انتميت الى الاخوان المسلمين في أي يوم؟ - في المدرسة الثانوية كنت أصوت لمصلحتهم وقد التحقت بحركة الاخوات المسلمات منذ ذلك الوقت. وأنا بالمناسبة تخرجت في المدرسة الثانوية في 1959 وبطبيعتي وطبيعة تربيتي كنت أميل الى التدين وهذا ما جذبني الى الحركة. بصفتك مسؤولة عن النساء المسلمات، تردد ان رجال الأمن ضربوا نساء سودانيات، وهناك تقارير عن فظاظة في معاملة السودانيات. - المعارضة يهمها تضخيم أي نبأ سيئ عن الحكومة. وأرجو من اخواننا المعارضين ان ينظروا الى الحقائق المجردة ويتسموا بالعقلانية في ردود فعلهم. لا داعي لاطلاق الاشاعات التي تتردد على أفواه الجاهلين. ما حصل ان مسؤولي هيئة النظام العام ضربوا طالبات كلية الأحفاد الجامعية في أم درمان، لأنهن كن يرتدين زياً اعتبره مسؤولو الهيئة خارجاً على تعاليم الاسلام وتقاليد السودان. وهي غلطة لم تتكرر. غلطة تافهة مثل هذه تلوكها الألسن في مجالس المعارضين وتتضخم وتكبر كأنها حقيقة تحصل كل يوم. كأنما يريدون ان يقولوا ان النساء سيَثُرنَ وينتفِضْنَ ضد هذه الحكومة. لكن الواقع ان النساء أشد حماسة للحكومة ولهذه القيادة الرشيدة التي تريد ان تطبق الشريعة الاسلامية على رغم أنف الذين لا يريدونها من القوى الموجودة خارج السودان. نحن داخل السودان مجمعون - رجالاً ونساء - على تطبيق الشريعة. لكن الأنباء أوردت أيضاً ضرب ومحاكمة نساء تظاهرن احتجاجاً على اقتياد ابنائهن الى جبهات القتال… - هذه الحكاية أعرفها، لأن المظاهرة احتشدت أمام مبنى المجلس الوطني البرلمان. وقد خرج للمتظاهرات الفريق محمد عبدالله عويضة رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان. وطلب من كل متظاهرة اقتيد ولدها ضمن حملات التجنيد الاجباري ان تقف جانباً. فرددن عليه بأن كل أولاد السودان أولادنا. عندئذ أدرك الفريق عويضة انه لا توجد بينهن أمهات مجندين. وأنهن لسن سوى مغرضات كن يردن خدمة أغراضهن من خلال مسألة التجنيد الاجباري. وأنا اعتقد بأن الحكومة كانت محقّة في تجنيد الطلبة والشبان، لأن الشباب يجب ان يتمرس على القوة والجهاد والفتوة والدفاع عن الوطن. وكل أم حرمت ولدها من تعلم فكِّ السلاح وتركيبه وأداء دوره في الجهاد حرمته من ان يكون رجلاً مكتمل الرجولة. كل المجندين عادوا من الجنوب بسلام، وأظنك شاهدت حرارة استقبالهم للفريق البشير عندما زارهم في جبهات القتال. لماذا يريد بعض الناس لشبابنا ان يسترخي ويتربى على الكسل والدعة؟ السودان ملك لكل أهله، ولا بد ان ندافع عنه نحن جمعياً. حتى نحن النساء نريد ان يكون لنا دور في ذلك. المعروف ان الدولة المهدية ضُربت، خصوصاً بعدما دعا خليفة المهدى ملكة بريطانية الى الاسلام. هل تعتقدين بأن مصير الدولة السودانية الحالية سيكون مشابهاً؟ - هناك محاولة لضربها. والدولة الاسلامية إذا توجهت بايمانها ونزاهتها نحو الاسلام لن تضربها أي جهة لأن الله سيكون حاميها. والله سبحانه وتعالى أقوى من أميركا وروسيا وأي كتلة دول في العالم. نحن نتوكل على الله ونعتمد عليه وواثقون من أن نصره قريب ان شاء الله. من الانتقادات التي توجه الى النظام الحالي انه يسعى الى تغيير العادات والتقاليد واشاعة الغيبيات؟ - أنا مؤمنة بهذه الغيبيات تمام الايمان لأنني نشأت عليها. من كان يتصور ان الامام المهدي وهو رجل معزول وأعزل انتصر على الامبراطورية البريطانية ومعها قوات الاتراك؟ بمَ انتصر؟ بتلك الغيبيات والمعجزات. والثابت ان القوة المادية لأنصاره كانت ضعيفة ولا تقارن مطلقاً بقوة أعدائهم. انا مؤمنة بذلك. هل من كلمة تريدين توجيهها الى ابناء وطنك في الخارج؟ - ادعوهم، مثلما دعاهم البشير والترابي، الى ان يعودوا وأن يثوبوا الى رشدهم ليشاركوا اخوانهم في تعمير الوطن والنهوض به. فقد حصلت نهضة حقيقية في الخدمات والمستشفيات والطرق. والخرطوم - بمدنها الثلاث - ليست اليوم كما كانت بالأمس، وستصبح أجمل بقوة الدفع الايماني. وانتهز هذه الفرصة لأعبر عن تقديري واكباري للاخ الشريف زين العابدين الهندي الذي أتى الى السودان بروح وثابة، وبدأ يعمّر معنا البلاد، على رغم انه شكا من الخدود التي قال انها صُعّرت له عندما عاد. لكننا فرحنا حقاً بمجيئه. وعلى رغم كل ما يقال عن عودته، فهو حقيقة كسر صف المعارضة، وسيناله أجر وثواب عظيمان إن شاء الله. وهل لديك رسالة للسيد الصادق المهدي؟ - هناك مكاتبات بيننا. فهو ابن أمي وأبي، وهو قريب جداً الى نفسي وقلبي. وأنا أشبه اخوته به. ولو أردت ان أقول له شيئاً فسأكتب اليه مباشرة