شكلت زيارة الرئيس الايراني السابق رئيس هيئة مجمع تشخيص النظام علي أكبر هاشمي رفسنجاني للسعودية تتويجاً لجهود من التقارب بين البلدين قاربت السنتين. وتعني هذه الزيارة من خلال حجم الاهتمام السعودي والايراني بها بداية حقبة جديدة ومهمة في العلاقات الثنائية أكد وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل انها "بدأت بالفعل". ورفسنجاني هو أول مسؤول ايراني رفيع المستوى يزور المملكة منذ قيام الجمهورية الاسلامية الايرانية في العام 1979 تلبية لدعوة من الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد السعودي. واتضح من برنامج الزيارة ومن طبيعة الوفد المرافق ان البلدين دخلا مرحلة عملية متطورة لتعميق العلاقات وتنميتها، خصوصاً في مجال التبادل الاقتصادي. وقال رفسنجاني: "جئت هنا ومعي وفد كبير يضم مختلف الفعاليات في ايران من اجل تحريك العلاقات بين البلدين في جميع المجالات". ولا شك ان البرنامج الحافل الذي امتد لعشرة أيام وازدحم بنشاطات تأخذ في بعض جوانبها طابعاً ودياً، وفي الجانب الآخر صورة عملية لپ"تحريك العلاقات"، ينقل صورة معقولة عن حجم التقارب بين البلدين وتطلعهما الى تمتين علاقاتهما. وتجول رفسنجاني في مدن المملكة المختلفة الرياض، جدة، مكة، المدينة، الطائف، الجبيل، الدمام والتقى شخصياتها وزار مصانعها وجامعاتها ومزارعها وآثارها، كما أدى العمرة برفقة عائلته والوفد المرافق. ولا شك ان هذه المرونة في الحركة خففت كثيراً من الطابع الرسمي، وأضفت على الزيارة الطابع الودي. واستقبل خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز الضيف الايراني وتدارس معه العلاقات الثنائية والمستجدات على الساحتين الاسلامية والدولية. كما تباحث معه الأمير عبدالله بن عبدالعزيز. ووصف الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي الزيارة بأنها "مهمة" وسيكون لها "أثرها الايجابي على العلاقات الثنائية وعلى علاقات ايران بالمنطقة العربية كلها، خصوصاً دول مجلس التعاون". وتباحث رفسنجاني مع الملك فهد والأمير عبدالله في العلاقات الثنائية وتوسيع أطر التعاون الاقتصادية اجمالاً، والقضايا ذات الاهتمام المشترك وفي مقدمها الأزمة العراقية والقضية الأفغانية وأسعار النفط والأمن في منطقة الخليج، وقضية الشرق الأوسط والحقوق الفلسطينية وما تقوم به اسرائيل من ممارسات. كما بحث في موضوع التعاون الأمني الثنائي والعمل على تحقيق الاستقرار في المنطقة. وقال الأمير سعود الفيصل ان هذه الزيارة "ستؤدي الى تطور كبير ليس فقط في العلاقات الثنائية وانما التعاون في شتى المجالات، على المستوى الدولي". وقال رفسنجاني ان العلاقات بين البلدين تسير في "طريق مرضٍ للطرفين"، ووصفها بأنها "جيدة". وقال بأن وجهات النظر كانت متفقة بخصوص استمرار التنسيق حيال الأمن في المنطقة، وضرورة حل جميع القضايا بين دول المنطقة وتحديداً المشاكل الحدودية الموجودة بين بعض دول المنطقة بالحوار والاتصالات الديبلوماسية، معبراً عن رغبة بلاده في ايجاد حل للنزاع مع دولة الامارات حول الجزر الثلاث. وقال: "ان وزير الخارجية السابق علي ولايتي قام بزيارة الامارات في وقت سابق واجرى هناك الجولة الأولى والثانية من المحادثات، والآن يأتي دور الاماراتيين ليأتوا الى طهران لاستكمال المحادثات". وتمتد العلاقة بين السعودية وايران لأكثر من سبعين عاماً. وكانت السعودية ترحب منذ عودة العلاقات الديبلوماسية العام 1991 بخطوات التقارب مع ايران، وتؤكد رغبتها في بناء علاقات ودية قائمة على التعاون والثقة وحسن الجوار مع جميع جاراتها. وسبق للأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس الوزراء وزير الدفاع السعودي ان أكد حرص السعودية على تحسين العلاقات مع ايران قائلا: "البوادر من جانبنا نحن في المملكة العربية السعودية قيادة وشعباً نحو اخوتنا في ايران لن تتغير، لأنها حوار المحبة والاخاء، أما من جانبهم فكل ما نتمناه ان كل ما يقال يطبقه الإخوة في ايران". ويمكن القول ان الاشارات الايرانية في ذلك الوقت كانت متناقضة ومحيرة أحياناً، ولم تتضح ملامح الموقف الايراني الا العام 1996 واستمر في اتجاه شبه تصاعدي بجهود ملحوظة من رفسنجاني. وكان الخطاب الايراني يركز على أهمية تدعيم العلاقات مع السعودية باعتبار البلدين أكبر وأهم قوتين اسلاميتين. وعبرت السعودية عن دعمها القوي لهذا التحول الايجابي بموافقتها على حضور القمة الاسلامية الثامنة في طهران وذلك خلال لقاء الأمير عبدالله والرئيس رفسنجاني على هامش القمة الاسلامية الاستثنائية في اسلام آباد في آذار مارس 1997. هذه الاستجابة السعودية تبعتها موافقة الكثير من الدول المترددة على حضور قمة طهران بحكم انه ليس هناك ما يدعو لعقد قمتين في عام واحد، الأمر الذي أخرج ايران من عزلتها الديبلوماسية وأدخلها في اجواء من الحوار المباشر معپكثير من الدول الاسلامية، كما انها سمحت لايران بتوضيح موقفها من قضايا عدة وإبراز التحولات في سياستها. واحتفت ايران بهذه البادرة المهمة فاستقبلت الأمير عبدالله بحفاوة خاصة والتقى علي خامنئي مرشد الثورة، كما زاره الرئيس محمد خاتمي. وتوضح البرقية التي بعثها الأمير عبدالله للرئيس الايراني عن تنامي العلاقة بين البلدين اذ قال "فما بيننا، يا فخامة الرئيس، من حقائق خالدة معتقداً وتاريخاً وحضارة وجواراً هو ما عليه بعد الله المتكأ والاعتماد". وساهم انتخاب محمد خاتمي رئيساً للجمهورية الاسلامية في تغيير الصورة الايرانية عموماً. وعبر خاتمي في رسالة بعثها الى الملك فهد رداً على برقية التهنئة بانتخابه رئيساً، عن أمله في "فتح صفحة جديدة في علاقات بلدينا الشقيقين خدمة للمصالح المشتركة وتحقيقاً لما تصبو اليه أمتنا الاسلامية من اهداف ومصالح عليا". لقد مرت العلاقات السعودية - الايرانية عبر مراحلها التاريخية المختلفة الممتدة منذ العام 1925 بحالات من التقارب والتباين. ولعل أول خطوات الاتصال المباشر كانت العام 1926 حينما زار حبيب الله خان هويدا "مملكة الحجاز ونجد وملحقاتهما" باعتباره أول ديبلوماسي ايراني يزور المملكة. وفي آب اغسطس 1929 وقع البلدان معاهدة صداقة تلاها افتتاح سفارة ايرانية في جدة، واستمرت العلاقات حتى انقطعت العام 1944. وفي العام 1946 بادر الملك عبدالعزيز ببعث رسالة شخصية لمحمد رضا بهلوي شاه ايران يدعوه فيها لاستئناف العلاقات "على أساس من روابط الثقة والتاريخ" وهو ما تحقق واستمرت العلاقات بدرجات متفاوتة حتى انقطاعها العام 1988. ومن الواضح على رغم هذا المسار المتذبذب وجود احترام متبادل بين الطرفين وتقدير كل منهما لمكانة وتأثير الطرف الآخر. الأمر الذي سمح دوماً بتجاوز العقبات المختلفة والتعاون مجدداً. كان وزير النفط الايراني ضمن الوفد المرافق لرفسنجاني، واستغرق البحث في موضوع تدهور أسعار النفط جانباً كبيراً من المحادثات للتنسيق في المواقف بما يمنع حدوث انتكاسة شبيهة بما حدث العام 1986، وللمحافظة على الأسعار كما قررتها "أوبك". والمسألة النفطية كانت من القضايا الأساسية كون البلدين أكبر منتجين داخل منظمة "أوبك". ومن هنا كان التفاهم على موقف ثنائي مشترك من الممكن ان يدعم سعر هذا المنتج الحيوي ويوقف تدهوره ويحمي اقتصاديات الدول المنتجة. وكان تأثير هذه المحادثات على السوق فورياً اذ استعاد النفط بعض استقراره بعد الاعلان عن وجود اتفاق سعودي - ايراني بخصوص النفط. وحرص رفسنجاني على لقاء رجال الأعمال السعوديين في المناطق السعودية الكبرى لتنشيط التبادل التجاري. ودعاهم خلال لقائه بهم في غرفة تجارة الرياض الى زيارة ايران ومتابعة النهضة الصناعية "الكثيفة" فيها. وقال: "نحن لا ننظر الى هذا الاجتماع من منطلق رؤيتنا للعمل التجاري، بل نعتقد انه بمقدورنا من هذا المنطلق ان نصل الى نتائج مهمة على المستويات السياسية والاجتماعية وأيضاً نعزز مكانة علاقاتنا الودية". ودعا السعودية الى استقدام العمالة الايرانية الماهرة والمدربة التي يمكن ان تسد احتياجات السعودية وفي المقابل فإن الأسواق الايرانية يمكن ان تستورد الكثير من المنتجات السعودية مضيفاً بأنه "بمقدورنا التعاون للدخول في أسواق دول اسيا وروسيا". ورافق رفسنجاني وفد نسائي ضم حوالي 16 سيدة بينهن زوجة رفسنجاني وابنتاه وحفيدته. وكان للوفد النسائي نشاطاته الخاصة المستقلة، ففي الرياض زار جمعية الأطفال المعاقين حيث استقبلته الأميرة حصة بنت سلمان بن عبدالعزيز التي قدمت شرحاً عن نشاطات الجمعية وخدماتها، مثمنة اهتمام الوفد النسائي الايراني بهذه الخدمات ومعبرة عن أهمية ان يكون هناك تعاون بين المرأة السعودية والمرأة الايرانية في المجالات الانسانية والثقافية لتكون المرأة المسلمة في الصدارة دائماً. وزار الوفد مركز الأمير سلمان الاجتماعي والمركز السعودي لزراعة الأعضاء. وتمنت السيدة فائزة كريمة رفسنجاني توثيق التعاون بين السعودية وايران في مجال زراعة الأعضاء. وكانت السيدة فائزة زارت السعودية العام الماضي للاطلاع على تجربتها في هذا المجال ولدرس سبل الاستفادة منها