أمضى وزير التجارة والصناعة الاسرائيلي ناثان شارانسكي بضعة أيام في زيارة عمل لموسكو لقي خلالها حفاوة بالغة وعومل كأنه رئيس وزراء. فكانت له لقاءات مع رئيس الحكومة فيكتور تشيرنوميردين ووزير الخارجية يفغيني بريماكوف ومدير الأمن الفيديرالي الروسي نيكولاي كوفاليوف. وبحث شارانسكي مع تشيرنوميردين توسيع التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين اضافة الى بعض القضايا الدولية الخطيرة. ولم يكشف النقاب عما دار في اللقاء المغلق في مبنى مديرية الأمن الفيديرالي الكي. جي. بي. سابقاً ربما لتفادي التساؤلات عما يمكن أن يجمع بين وزير التجارة الاسرائيلي والاستخبارات الروسية! ويذكر أن شارانسكي من أصل يهودي روسي، اسمه في الميلاد أناتولي وليس ناثان، وكان أمضى في سجون الكي. جي. بي. تسعة أعوام بتهمة التجسس على الاتحاد السوفياتي وجرت مبادلته مع آخرين لمصلحة تل أبيب. فشكل حزب "اسرائيل با علية" للناطقين بالروسية وتمكن من ايصال سبعة نواب من اليهود السوفيات الى الكنيست. وهذه هي زيارته الرسمية الثانية الى روسيا بصفة وزيراً في الحكومة الاسرائيلية. فقد زارها في العام الماضي ولقي حفاوة شديدة في موسكو "كواحد من أهلها"، إلا أنه لم يكن على ما يبدو مرتاحاً لنتائج التعاون الاقتصادي الاسرائيلي - الروسي. وزيارته الثانية هدفها تحقيق المزيد من التعاون. فقد صرح في مقابلة مع التلفزيون الروسي ان التداول التجاري بين البلدين لا يرقى حتى الى مستوى التداول مع دولة صغيرة مثل رومانيا وكأن اسرائيل أكبر من رومانيا، إذ لا يتعدى حالياً 350 مليون دولار، وهذا أقل من حجم التجارة مع بولونيا، فيما يبلغ التداول الاسرائيلي - الأميركي 6 بليارات دولار. وعزا شارانسكي أسباب ذلك الى ممانعة البرلمان الروسي في ابرام اتفاقية الغاء الضرائب المزدوجة، وقال انه قرأ محاضر جلسات البرلمان المدونة بالاختزال ووجد فيها ما أثار غضبه واستنكاره. فقد اعترض بعض النواب الروس على الاتفاقية قائلين: كيف نتعاون مع اسرائيل في وقت يتعرض فيه العراق لهجمة أميركية صهيونية؟ غير أن شارانسكي اعترف بأن التعاون العسكري والفني بين روسيا واسرائيل يتطور بنجاح. من جهة أخرى أكد ل "الوسط" البروفيسور ألكسي فاسيلييف مدير معهد افريقيا للبحث العلمي ومؤلف "تاريخ العربية السعودية" وكتاب "روسيا والشرق الأوسط" ان اسرائيل تفوقت على جميع شركاء روسيا في العالم العربي بما فيهم مصر، وشغلت المرتبة الأولى بينهم من حيث التداول التجاري مع الروس 757 مليون دولار في العام 1996 وأضاف ان العلاقات بين روسيا واسرائيل تتطور بسرعة مذهلة في جميع الميادين. إلا أن ما شغل وزير التجارة الاسرائيلي في موسكو ليس التداول التجاري وحده، بل ليس التداول التجاري أصلاً. فقد جاءت زيارته في أعقاب محادثات وزير الخارجية الايراني كمال خرازي المكثفة مع الروس وبعد مداولات بين شارانسكي وألبرت غور في واشنطن حول ايران. وإذا تذكرنا ان الشأن الايراني حاضر دوما في أي لقاء بين المسؤولين الاسرائيليين والروس وان تشيرنوميردين يلتقي غور أيضاً قريباً تتضح أبعاد الدائرة المرتسمة حول مهمة شارانسكي. فالمقابلة بينه وبين تشيرنوميردين استطالت متجاوزة اطار المراسم وتحولت لقاء سرياً بينهما وجهاً لوجه. وأكد شارانسكي بعدها ان "الأصولية الاسلامية تشغل السياسيين الروس لا أقل من الاسرائيليين، وهم مهتمون بها أكثر مما نتصور. وفي تصريح لاذاعة "صوت اسرائيل" بالروسية قال رومان بولونسكي المتحدث الصحافي باسم شارانسكي ان الحوار مع المسؤولين الروس تناول "تسرب التكنولوجيا الصاروخية من روسيا الى ايران، وقد لمسنا تفهماً جيداً للمشكلة من الجانب الروسي". وبعد هذه المقابلة مباشرة فوجئ المراقبون "باستقالة" وزير الطاقة الذرية الروسي الاكاديمي فيكتور ميخائيلوف محرك ومنفذ مشروع محطة بوشهر الكهرذرية. وجاءت الاستقالة "الطوعية" فور عودة الوزير من طهران، حيث أجرى محادثات للتعجيل في انجاز المشروع. ويعود بعض أسبابها غير المعلنة رسمياً الى اختلاف آراء كبار المسؤولين في موسكو في شأن التعاون مع ايران. واللافت ان الوزارة التي عين هذا العالم النووي الكبير لادارتها قبل ست سنوات فرغت أخيراً من إعداد برنامج تنمية الطاقة الكهربائية الذرية في روسيا لغاية العام 2010 وأن العقود التجارية الخارجية التي وقعتها الوزارة في العام 1997 وحده وفرت للدولة عائدات قدرها 2.2 بليون دولار، أي اضعاف مبلغ التبادل التجاري مع اسرائيل. ولذا تردد في أوساط المحللين الروس ان خيوط "المؤامرة" على ميخائيلوف حيكت في واشنطن وتل أبيب، والا فالمنطق، كما يقولون، لا يقبل استقالة رجل كهذا.