دعا رشيد الفيلالي وزير القطاع العام والتخصيص المغربي الدول العربية إلى تأهيل اقتصادياتها لتكون قادرة على مواجهة استحقاقات العولمة الذي فرضها النظام الاقتصادي العالمي الجديد، معتبراً التخصيص نوعاً من التأهيل. وقال الفيلالي، الذي ينتمي لحزب "الاستقلال" في حديث إلى "الوسط" إن الحكومة المغربية عازمة على اصلاح قانون التخصيص بحيث لا تستخدم الموارد المحصلة من تحويل مؤسسات الدولة إلى القطاع الخاص لسد عجز الموازنة، كما هو جارٍ حالياً، وإنما لاغراض التنمية الاجتماعية. وفي ما يأتي نص الحديث: ما دلالة تخصيص حقيبة وزارية للقطاع العام ودمجه بالتخصيص؟ - القطاع العام في المغرب دائماً موجود. حيث هو بمثابة القاطرة للاستثمار والانجازات، غير ان مؤسسات هذا القطاع كانت مبعثرة إلى حد ما. اعني، عدم وجود إطار يجمعها. فكانت المنشآت العامة لا تطبق على نحو كاف السياسة العامة للدولة، لهذا جاءت الوزارة الجديدة مسايرة للمنطق في ادماجها للقطاع العام والتخصيص باعتبار أن القطاع العام هو الذي يشكل ما سيخصص، فكل عمليات التخصيص آتية منه، ولكي تكون مجدية وعملية ومعقلنة لا بد من معرفة الأصل الذي هو القطاع العام. هناك من يصل بالمؤسسات العامة في المغرب إلى 686 مؤسسة ومنشأة، غير ان عدد المدرج منها على لائحة التخصيص لا يتجاوز 114 مؤسسة، هل معنى هذا ان القطاع العام سيبقى على قوته السابقة؟ - عندما نقول إن هناك 680 مؤسسة عامة تقريباً لا يعني هذا أنها كلها بالحجم نفسه أو بالأهمية نفسها، فهناك المكتب الشريف للفوسفات بثقله المعروف، كأحد أهم مصادر العملة الصعبة. وهناك شركة تعاونية زراعية صغيرة تعنى باحتياجات عدد محدود من الفلاحين. المستويات متفاوتة، وقد أعلن عن مشروع التخصيص العام 1988 وجرى عرض قانونه الخاص أمام البرلمان الذي رفض آنذاك ان يسلم الحكومة شيكاً على بياض. أحزابنا التي كانت في ذلك الوقت في المعارضة لم تكن ضد فكرة التخصيص إنما ضد الطريقة التي قدم بها المشروع، حيث لم يتقدم المشروع بفلسفة تسمح لنا بالتصويت لمصلحته، ولهذا جاء التصويت ايجابياً عندما تم تحديد 114 شركة للتخصيص. لكن هذا لا يعني أنه ليست هناك شركات أخرى لن تخصص. مبادئ وضوابط هل يمكن القول إن الدولة لم تعد توفر أي مؤسسة، بعد تخصيص عدد من المؤسسات الاستراتيجية وإدراج أخرى في الطريق؟ - سأكون صريحاً، نحن خصصنا توليد الكهرباء في الجرف الأصفر، وخصصنا توزيع الماء والكهرباء في مدينتي الدار البيضاء والرباط، وشخصياً اعتبر أنه ليس هناك أكثر استراتيجية من الماء والكهرباء. الفكرة القائمة هي أن كل ما يمكن للقطاع الخاص ان يقوم بها ليس لدولة ان تتحمل مسؤوليته، مع الحفاظ على بعض المبادئ مثل عدم الاحتكار، أي لا نخرج من احتكار الدولة ونذهب إلى احتكار الخواص. لأن ذلك سيكون أفظع وأقبح وأخطر، لذلك لا بد من ضوابط، فلن يتم تخصيص كل المؤسسات، وإذا أخذ بذلك، فكل شيء بآوانه. كيف تتصورون امكانية حماية المستهلك في حال تخصيص معامل السكر؟ - تحرير قطاع السكر يجب ان يمر من خلال تحرير السعر. إذا لم يتحرر سعر السكر لا يمكن تخصيص مصانع السكر. نحن في المغرب نعتبر السكر مادة أساسية وهي من المواد المدعومة. وهذا الدعم هو الذي يضبط سعر السكر ويجعله محدوداً، فإذا أردنا ان نخصص معامل السكر لا يمكن أن ندعم الخواص، أي لا بد من تحرير السعر أولاً، وبعد ذلك يمكن لنا المباشرة في التخصيص. توجد ميكانيزمات وسيناريوهات نحن نفكر فيها لنتمكن من تخصيص المعامل من دون أن نحرر سعر السكر، أو بعبارة أخرى مع دعم السعر النهائي للمستهلك، لكننا ما زلنا لم نصل لنتيجة بعد. والواقع ليس هناك سقف زمني لتحرير القطاع، والسياسة العامة للدولة تأخذ في الاعتبار اكراهات أخرى عند التحرير. كان رهان الدولة استخدام عائدات التخصيص في تنمية الموازنة، وبالتالي التنمية الاجتماعية، إلى أي مدى تحقق هذا الرهان بعدما بلغ المردود حتى الآن ملياراً ونصف مليار دولار تقريباً؟ - ليس هناك شك أن العائدات ساهمت في تنمية موارد الدولة، لأن المال الذي دخل من التخصيص ذهب لخزينة الدولة. أما أنها ساهمت في السياسة القديمة أو ساهمت في التنمية الاجتماعية، فهذا ما لا يمكن لي أن أجيب عليه، لأن هناك مبدأ وحدة صناديق الدولة، أي عندما تدخل أموال التخصيص الموازنة، فإنها تدخل مع جميع الموارد، وعندما تذهب قد يكون ذلك إلى الاستثمار أو إلى جزء في الاستثمار وجزء في التسيير، وإلى جزء في البادية وجزء في المدينة. هذه هي طبيعة الأموال المرصودة في الموازنة، إلا أن للحكومة الحالية طريقة أخرى تقول بأن موارد التخصيص ينبغي أن لا تستخدم لسد عجز الموازنة، وكان رئيس الحكومة عبدالرحمن اليوسفي واضحاً في ذلك عند مناقشة البرنامج الحكومي أمام البرلمان. نحن في هذه الحكومة نقول إن موارد التخصيص ستذهب لمشاريع استثمارية لها طابع النفع العام، وستحدد هذه المشاريع في إطار خطة، وعند ذلك سنقول ها هي موارد التخصيص وها هي المشاريع التي تم الصرف عليها من هذه الموارد. للتخصيص مواعيد كيف تتوقعون عوائد العملية المقبلة من برنامج التخصيص؟ - مؤسسات الدولة هي مؤسسات من نوع خاص وليست مثل المؤسسات الخاصة مجهولة الاسم التي لديها النمطية نفسها، والخطأ الذي كنا قد ارتكبناه - وأنا اقول إن هذا شيء طبيعي لأن التخصيص كان شيئاً جديداً - هو ان نحكم على شركات بالتخصيص في مواعيد نحن لا نعرف هل هي مناسبة لأن نخرج تلك الشركات إلى السوق أم لا. لذلك نقول بما ان لدينا الآن مسؤولية القطاع العام، سنتمكن من معرفة ما هي الشركات التي سيتم تخصيصها فعلاً، لأن اللائحة الموجودة الآن ضمنها العديد من الشركات التي لا يمكن تخصيصها، إما لأنها عقيمة أو لوجود عراقيل قانونية وتنظيمية لا بد من رفعها قبل الشروع في التخصيص. تعني ان عملية التخصيص، التي كان من المقرر أن تنتهي بنهاية العام الجاري، ستتواصل؟ - طبعاً، اللائحة الموجودة سنحدد لها موعداً آخر لأن ما تبقى من العام 1998 لا يكفي لانجاز العملية. غير ان الحكومة الحالية التي تعتقد بضرورة اصلاح قانون التخصيص ترى أن لا تكون هناك لائحة، بل أن تكون لدينا سنوياً عند اعداد الموازنة بعض الشركات تعرض على البرلمان للتصويت على تخصيصها، وذلك ضمن الحاجة وضمن الأولويات، بمعنى عدم برمجة أي شركة حتى تكون جميع العراقيل قد رفعت. في البرلمان السابق أثار حزبكم الاستقلال الكثير من الشكوك حول عملية التخصيص، هل تعتقدون بأن ما تم حتى الآن كان سليماً من الناحيتين المالية والإدارية؟ - اعتقد بأن من غير المجدي أن نتجه للوراء أو ننبش في الملفات. المهم عندنا الآن هو التوجه إلى الأمام، وهذا لا يعني إذا كانت هناك أخطاء لا نقوم باصلاحها. ولكن هناك مؤسسات خصصت في مقابل درهم رمزي؟ - نبيع بدرهم رمزي إذا كانت لدينا ديون أكثر من رأس مالها، ففي بعض الأحيان لن تجد من يشتري بالدرهم الرمزي، فإذا كانت شركة تساوي 100 ومدانة ب 1000، فإن الدرهم الرمزي يكون ثمناً مرتفعاً إلى حد ما. ضمانات الاستثمار هل استطاعت عملية التخصيص أن ترفع حجم الاستثمار الخارجي؟ - بالطبع، لأن 45 في المئة من ملف التخصيص هو استثمار أجنبي؟ وما هي حصة المستثمرين العرب؟ - بالاضافة إلى المملكة العربية السعودية هناك البحرين والكويت، لكن الحصة الأكبر كانت للسعودية، ونحن نرغب بأن يأتي اخواننا في الخليج للاستثمار فهذه فرصة لا تعوض لربط الاقتصادات العربية، بل اعتقد بأن موجة التخصيص التي تعرفها الدول العربية هي أحسن فرصة لبلورة ارتباطات الاقتصاد العربي. ألا ترون أن جذب الاستثمار الأجنبي يحتاج إلى ضمانات أكثر؟ - لنكن متفقين ان المغرب بدأ برنامج التخصيص بالتزامن مع تحسين ظروف الاستثمار، وهذا معناه اننا غيَّرنا قانون الشركات وأوجدنا ضمانات قانونية وتنظيمية لحقوق المستثمرين، وأنشأنا محاكم تجارية، كما ضبطنا محاسبة الشركات ومهنة المحاسبين، ووضعنا برامج لتكوين المحاسبين المدققين وفقاً للمستوى العالمي، وهذه كلها ضمانات للاستثمار ورأس المال الأجنبي والمحلي. وهناك قرارات لتجاوز التعقيدات الإدارية وتبسيط الاجراءات المتبعة، ويمكن لي أن أقول إننا خطونا خطوات مهمة في ميدان ضمان الاستثمار. عندما كنتم في المعارضة كنتم تثيرون المخاوف من سلبيات التخصيص، هل زالت هذه المخاوف بوجودكم في الحكومة؟ - هناك مخاوف مبدئية. إننا بشر، وعندما يكون الإنسان مسؤولاً عن مال الدولة ومال الشعب، فإنه أمام مسؤولية كبيرة وخطيرة. إننا نأخذ الضمانات الكافية لكي لا ينعكس التخصيص سلباً على المواطنين، فلا بد من بنود في الاتفاقات التي تعقد عن تفويت المؤسسات تضمن الأسعار المناسبة والخدمات الجيدة ومصالح العمال والمحافظة على البيئة. المخاوف التي كانت لدينا، عندما كنا في المعارضة، هي من هذا النوع. كيف تقيمون تجربة التخصيص في المغرب؟ - من محاسن التخصيص هو التخفيف من أعباء الدولة. في القطاع الخاص هناك منافسة والعلاقات شيئاً ما متوازنة، مقارنة بعلاقة شخص مع الدولة، فهي علاقة شخص مع مؤسسة والخواص، كيفما كان الحال، أقرب لقانون السوق ومنظور الزبون من الدولة. نعم، القطاع الخاص يريد الربح، وهو ربح مشروع، ونحن عندما نبيع إحدى المؤسسات من القطاع العام إلى القطاع الخاص ليس لكي يخسر، بل بالعكس ليربح ويربح معه المواطن، وربح هذا الأخير في الخدمة، فالخدمة عندما تهدى على أحسن ما يرام فهي أيضاً ربح للمواطن. يلاحظ أن عملية التخصيص تمت في البلدان العربية في وقت واحد تقريباً، ألم يؤثر هذا على حجم إقبال المستثمرين؟ - أرى من المستحسن أن يبيع الكل في الوقت نفسه، فهنا تكون حقيقة الأسعار واضحة، والتنافس لمصلحة الأفضل. أقصد بالسؤال أهمية التنسيق بين الدول العربية... - لكي نكون واضحين مع أنفسنا وواقعيين، التخصيص ليس اختياراً عربياً، هو أحد مستلزمات العولمة، فالنظام الاقتصادي العالمي الجديد يفرض ويلزم علينا أن نمشي في هذا الطريق ولا يخيرنا. فأما ان نكون غداً أو لا نكون، فلكي نكون لا بد من نهج هذا الطريق وذلك بأن نجهز أنفسنا من الآن، لأننا في ظرف الخمس عشرة سنة المقبلة سنكون أمام منافسة شديدة. كان القطاع العام ولا يزال المستثمر الأساسي بالنسبة إلى المغرب والدول العربية. نحن نقول إنه مع انفتاح الاقتصاد وانفتاح الحدود على العالم لا بد من تأهيل اقتصادنا، ويمكن ان نعتبر التخصيص نوعاً من التأهيل، لا بد من تأهيل المؤسسات الخاصة والقطاع الخاص ولا بد من تأهيل القطاع العام بترشيده، وهذا ليس اختياراً بل ضرورة، وعموماً بإن التأهيل والترشيد يعطيان مردودية أحسن