سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
حاجة الاقتصاد السعودي: تخصيص أم تحدٍ ايجابي للعولمة؟ . احد التحديات الرئيسية امام القطاع الخاص السعودي ان يمارس دوراً اجتماعياً يتناسب مع مكاسبه الاقتصادية
يبدو ان هناك أجندة اقتصادية من نوع او آخر، تضبط ايقاعها ساعة عالمية التوقيت، اذ ان وقع الخطوات لم يعدّ مستقلاً في كل اقتصاد، فالانفتاح المعاش في جنبات العالم، يعني ان التناغم بين التطلعات الاقتصادية للدول اصبح مؤطراً ضمن فكر عالمي الطابع، آلياته المنظمات الاقتصادية والمالية العالمية، والشركات العالمية، والمنظمات غير الربحية. ضمن هذا السياق، يجب الا تأخذنا مشاغل الحاضر، عن الاعداد للمستقبل. ويبدو ان الاستراتيجية المناسبة للجمع بين البعدين، الأخذ بزمام الحاضر والمستقبل سوياً من دون الانشغال بأحدهما عن الآخر. لذا.. تدعو هذه الورقة الى استراتيجية مركبة تعزز الصناعة التقليدية كخيار استراتيجي لنمو الاقتصاد السعودي، وفي الوقت نفسه تشييد بنية تحتية وتنمية الموارد البشرية بما يضمن للاقتصاد السعودي تحقيق ميزة في الصناعات المعرفية والتقنية على المدى الطويل. ووسط ذلك كله يصبح الحديث عن مساهمة القطاع الخاص، مرتبطاً ليس فقط بزيادة مساهمته التي تعاني من ثبات منذ بداية التسعيات، بل بأن يصبح مستقلاً في مبادرته الاقتصادية، اذ يمكن الجدل ان القطاع الخاص السعودي لا يزال يتكئ على الحكومة في صورة او اخرى. شهد الاقتصاد العالمي نشاطاً كبيراً لتخصيص الملكية العامة، تجاوزت عائداته 155 بليون دولار بين 1990 و1996، وشمل سائر الأنشطة الاقتصادية، في اكثر من 80 بلداً. وتشير الدراسات الى ان الفترة بين 1980 و1991 شهدت تخصيص اكثر من 6800 مؤسسة عامة، منها نحو 2200 مؤسسة في بلدان نامية، كان نصيب اميركا اللاتينية منها 37 في المئة، وافريقيا 17 في المئة. وتسارعت خطوات التخصص في الاقتصادات الناشئة في النصف الاول من التسعينات بشكل واضح. فارتفعت حصيلتها من نحو بليوني دولار عام 1988، الى 25 بليوناً عام 1996 طبقاً لاحصاءات البنك الدولي. وكان الجزء الأهم من حصيلة التخصيص من نصيب البنية التحتية 42 في المئة، ثم الصناعة 24 في المئة، ثم الزراعة والتعدين 17 في المئة، ثم الخدمات المالية 14 في المئة جدول 1. ليست للتخصيص نظرية شاملة لكنها تقوم أساساً على زيادة مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني، وهذه المساهمة تتعدى رأس المال الى بقية عناصر الانتاج. ومع ذلك فالتجارب المتراكمة فاضت بدروس المستفادة، ويمكن تلخيص اهمها في التالي: ان يكون برنامج التخصيص شفافياً. الدعم السياسي أساسي لنجاح برنامج التخصيص. ان يكون الاطار التشريعي داعماً لبرنامج التخصيص. ان يوازن اطار تنظيم السوق الأهداف المتعارضة. ان يتكامل التخصيص مع بقية الاصلاحات الاقتصادية. ان يتيح التخصيص مجالاً لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر. ان يتزامن مع تطوير سوق رأس المال. الحد من اعادة هيكلة المؤسسات المشمولة ببرنامج الخصخصة. والمبرر الأساس لتخصيص المؤسسات العامة في سائر بلدان العالم، هو الرغبة في التخلص من الخسائر المتراكمة، نتيجة الأداء السيئ لتلك المؤسسات، وتحديداً فان الأسباب، من واقع الدراسات، تكمن في التالي: ان الملكية العامة مشاعة، ولا تسعى بطبيعتها للربح. لا يحاسب مديرو المؤسسات العامة طبقاً لضوابط الأداء ومرجعية المساهمين. يسعى مديرو المؤسسات العامة لتحقيق اهداف متعددة تحددها الادارة السياسية. يحمي الدعم الحكومي عدم الكفاية داخل المؤسسة العامة. تقويم الأداء في المؤسسات العامة محايد، لا يحابي الموظفين المتميزي الأداء. ولعل من المفيد بيان ان التخصيص، وخصوصاً البيع المباشر للأصول، لا بد ان يبرر انطلاقاً من المالية العامة، كما كان الأمر بالنسبة للمملكة المتحدة ولروسيا من بعدها، وكما حدث في دول الاتحاد الاوروبي التي سعت الى بيع ممتلكاتها لانجاز استحقاقات اتفاقية "ماستريخت"، اذ يقدر ما جنته تلك الحكومات من التخصيص عام 1997 بنحو 54 بليون دولار. وبالتأكيد هناك من يقول ان التخصيص انعكاسات ايجابية على كفاءة أداء المؤسسات المخصصة، وتؤيد ذلك تجارب الدول النامية. ولكن هل التخصيص، خلال الخطة الخمسية السابعة والثامنة 2000 - 2010 هو ما يحتاجه الاقتصاد السعودي للنهوض لتحدياته؟ بداية، وعلى رغم تأكيد الخطة الخمسية السادسة 1995 - 2000 على اهمية توسيع دو رالقطاع الخاص، غير ان الاقتصاد السعودي ليس مشغولاً عملياً بهذه القضية، اذ لم تشهد الخطة على رغم انها تشارف على النهاية اخضاع مؤسسات عامة للتخصيص. سوى البدء باتخاذ خطوات نحو تخصيص مرفق الاتصالات، باعادة هيكلته ليصبح مؤسسة مستقلة مملوكة للحكومة بالكامل حالياً، واطلاق شركة للخدمات في المدينتين الصناعيتين في الجبيل وينبع. ولعل ابرز دليل على عدم توسع مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني، ان مساهمة هذا القطاع في بداية الخطة السادسة كانت 47 في المئة، ولم تبرح تلك النسبة مع مشارفة فترة الخطة على الانقضاء. القطاع الخاص السعودي يتخطى عدد سكان المملكة 21 مليوناً هذه السنة، ويقدر متوسط نصيب الفرد من اجمالي الناتج المحلي بنحو 23 الف ريال. وشهد الاقتصاد السعودي تقلصاً الى نحو 489 بليون ريال العام الماضي من 547 بليوناً عام 1997. وساهم تراجع اسعار النفط بشكل مؤثر في ذلك الانكماش. اذ تقلصت مساهمة النفط في اجمالي الناتج المحلي بمقدار الثلث، الى نحو 141 بليون ريال، من 215 بليوناً تقريباً عام 1997. وعلى رغم تمتع الاقتصاد السعودي العام الماضي بفائض تجاري تجاوز 45 بليون ريال غير ان الحساب الجاري عانى من عجز قدره 48 بليون ريال. ولم تشهد مساهمة القطاع الخاص بالأسعار الحقيقية تغييراً عام 1998، اذ تقدر مساهمة القطاع الخاص في اجمالي الناتج المحلي بنحو 47 في المئة، وسجل نمواً متأرجحاً في الاعوام الماضية مقارنة بنمو الاقتصاد الوطني بالأسعار الثابتة جدول 2. وعلى رغم ان نموه عام 1994 كاد ان يبلغ ضعف معدل نمو اجمالي الناتج، لكنه تقلص عام 1993 بما تجاوز انكماش اجمالي الناتج المحلي. وفي عام 1992 كان نمو القطاع الخاص متواضعاً 1.6 في المئة مقارنة مع اداء الاقتصاد الوطني 2.8 في المئة، طبقاً للاحصاءت الرسمية. ويبدو ان تناول دور القطاع الخاص بمفرده هو تناول لشريحة من الاقتصاد الوطني تناولاً منفصلاً عن بقية الشرائح، يكون فرضياً بعيداً عن واقع الحال جدول 3. وتبرز الأهمية الاقتصادية لبقية الشرائح عند ادراك ان كل فرد طبيعي او اعتباري هو جزء من الاقتصاد الوطني يضيف اليه ويأخذ منه. وهكذا يكون ضرورياً تتبع التغيرات في دور القطاع الخاص لكن ضمن الاقتصاد الوطني مع تتبع تأثير هذه التغيرات في المجتمع ككل. وتوسيع دور القطاع الخاص يمنحه فرصة لتحقيق مزيد من النمو، وعليه ربما كان مقبولاً التساؤل عن مكاسب الاقتصاد الوطني من توسع المأمول للقطاع الخاص؟ وفي هذا السياق يبدو الحديث المنفرد عن توسيع دور القطاع الخاص او عن السعودة زيادة مشاركة العمالة الوطنية في قوة العمل مجتزأ، يصلح لإلقاء الضوء على جانب بعينه. اذ يبدو ان دخول القطاع الخاص دخولاً شاملاً في الانشطة الاقتصادية يتوقف على مدى استيعابه لضرورة قيامه بدور مزدوج: دور المستثمر في الأنشطة الاقتصادية في الخدمات والمرافق والصناعة والزراعة، ودور الممول للأنشطة الاجتماعية المكونة لبرنامج الرفاه. ويمكن الجدل ان التزام القطاع الخاص احد الدورين من دون الآخر لن يحقق له مساهمة استراتيجية في الاقتصاد الوطني، ولن يوجد للمجتمع قطاعاً اهلياً قادراً على المساهمة في النمو الاقتصادي. اذ يمكن الجدل ان استمرار تلك المساهمة يعتمد على ما تحققه للمجتمع من مكاسب. ويبدو ان العلاقة بين القطاع الخاص والاقتصاد الذي ينتمي اليه تبادلية: فالقطاع الخاص بحاجة للاستثمار في الفرص الواعدة حتى ينمو، والمجتمع بحاجة لتمويل مزيد من الخدمات والتحسين المستمر لها. وهكذا، تبرز اهمية ممارسة الاطراف جميعاً ادوارها الاقتصادية: - الحكومة في تنمية وتطوير موارد البلاد البشرية والطبيعية، وتنظيم السوق للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي. - القطاع الخاص في توظيف امواله ومدخرات الأفراد لاستثمار موارد التنمية البشرية والطبيعية لتلبية الطلب على السلع والخدمات وللمساهمة في تمويل تنمية وتطوير الموارد. - الأفراد بالعمل المنتج لتوفير دخل يمكنهم من الانفاق على احتياجاتهم والادخار. اقتصادياً، يبدو ان الوظيفة الأهم هي الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، فهو اهم اسس النمو، اذ لا نمو من دون استقرار. ووعت الحكومة هذا الجانب مبكراً، ويتضح هذا في عدد من العناصر منها: الالتزام باطار تشريعي مستقر، ووضوح توجهات التنمية الاقتصادية للبلاد دي المدى المتوسط، والتزام المملكة فلسفة اقتصادية لم تقم قط على الحمائية او على الانغلاق، والتزامها تطوير الموارد البشرية تعليماً وصحياً واجتماعياً، واتباعها سياسات مالية ونقدية رصينة، فسعر صرف الريال مستقر، والحد من التزاماتها المالية الخارجية والاعتماد على السوق المحلية. في عام 1983 قدرت ايرادات الموازنة العامة للدولة ب340 بليون ريال، فيما بلغت ايرادات عام 1998 نحو 143 بليوناً تقريباً، بتراجع يقارب 58 في المئة بالأسعار الجارية. وفي المقابل ارتفع عدد السكان خلال الفترة نفسها بنسبة تقارب 75 في المئة، من نحو 11.4 مليون نسمة، الى 19.9 مليون. وساهم ضعف ايرادات النفط ونمو عدد السكان في خفض متوسط نصيب الفرد من الايرادات بالاسعار الجارية من 34 الف ريال عام 1983 الى نحو 8600 ريال، اي الى اقل من الربع بالاسعار الجارية. ويجب الا يغيب عن الذهن ان سبب هذا الانخفاض هو انكماش ايرادات الزيت، اما الايرادات غير النفطية فأخذت في التحسن، وهي تقدر للعام 1997 بنحو 34.5 بليون ريال. ولعل كل منا يطمح للمزيد، لكن النفط بمفرده لن يتمكن من ان يكون ممولاً للتنمية. وطموح كل منا للحصول على المزيد قد يعني رغبته في المزيد من المستشفيات والمدارس والخدمات الأخرى، وقد يعني كذلك رفع مستوى الخدمات المتاحة حالياً. كل هذا مقبول ولكن من الذي سيدفع، وعدد سكان البلاد يزيد بأكثر من نصف مليون سنوياً؟ فإذا عدنا الى الأرقام، وحددنا هدفنا فقط بالمحافظة على المستوى الحالي للانفاق من الموازنة، فهذا قد يتطلب زيادة سنوية في الايرادات لا تقل عن أربعة بلايين ريال. ولا مجال لتجنب الانفاق التنموي، فالتنمية في المملكة لم تكتمل، والوقت المتاح للخطة الخمسية السادسة على وشك الأزوف، والاستعدادات على قدم وساق لاطلاق الخطة السابعة 2000-2005. ولا بد من الإقرار وعلى رغم تحديات النمو الاقتصادي، أن الاقتصاد السعودي يتمتع باستقرار في سعر صرف العملة، وفي تدني المتوسط السنوي للمؤشر العام لكلفة المعيشة. ولعل من المفيد التذكير بأن الاستقرار الاقتصادي لأي بلد لا بد أن يتركز على توظيف الموارد البشرية وخفض البطالة من جهة ومنع النقص في هذه الموارد. فبين تحقيق هذا التوازن الدقيق يمر الانتعاش. لذا بدأت المملكة في استقدام الأيدي العاملة من الخارج بكثافة منذ نحو ثلاثة عقود منعاً للتعثر الاقتصادي. ثم انتقلت في مرحلة لاحقة الى اعلان رغبتها التخفيف من الاستقدام لدعم الاستقرار بإبعاد شبح الركود وللاستفادة من الموارد البشرية المواطنة. والاهتمام بتنمية الموارد البشرية تجسد بأن نحو 660 بليون ريال انفقت فعلياً في الخطط الخمسية الخمس الماضية على تنمية الموارد البشرية، أي نحو 40 في المئة من الانفاق، ولكن يبقى التحدي قائماً، وهو أن جلّ العمالة المحلية عمالة وافدة. وفي ما يتعلق بالاقتصاد السعودي، يمكن تلخيص جملة أمور، منها: ان الاقتصاد السعودي اقتصاد رئيسي في العالم ويحتل المرتبة 31 بين اقتصاديات العالم، وهو يقوم على محاور أساسية أهمها: المحافظة على الاستقرار، والشواهد على ذلك متعددة لعل أبرزها اهتمام الدولة بالاعتماد على الموارد المالية المحلية عند تصاعد النفقات المالية في بداية التسعينات نتيجة التزامات حرب الخليج الثانية. اعطاء الدولة الأولوية المطلقة لتحسين مؤشرات المالية العامة، وساهم ذلك في خفض العجز في الموازنة العامة للدولة وفي إزالة العجز في الحساب الجاري. ان تحسين مؤشرات المالية العامة يرمي الى تعزيز الثقة في الاقتصاد الوطني، مما ييسر التعاملات المالية لكل منا باعتبار انه ينتمي الى بلد مليء. ان الاقتصاد السعودي يجابه تحديات حقيقية تتعلق بتشوهات نتجت عن "اقتصاديات الطفرة"، لا بد له من ازالتها من دون هوادة. وتتلخص هذه التشوهات في عجز في ميزان العمالة بالاعتماد على عمالة وافدة بصورة متزايدة، وعجز في ميزان السلع والخدمات، وعجز في ميزان الاستثمار فالاقتصاد السعودي مصدر للاستثمار. يبدو أن أدوات توسيع نشاط القطاع الخاص، من تخصيص وسواه، تلامس احتياجات وتطلعات الاقتصاد السعودي بقدر مساهمتها في تكوين المواطن العامل المنتج، وتحديداً عند مساهمتها في رفاه المواطن. ولعل من الصعب تجاهل أن القطاع الخاص السعودي يعتمد اعتماداً يكاد أن يكون كلياً أكثر من 90 في المئة وفقاً للتقديرات الرسمية على العمالة الوافدة. لذا، فتحديد مدى التزام القطاع الخاص ببرنامج الرفاه الذي يساهم في تعضيد المواطن أمنياً ومعيشياً وتعليمياً وصحياً يبدو وكأنه شرط لا سبيل للفكاك منه. ويمول برنامج الرفاه حالياً من الخزانة العامة للدولة، ونظراً الى زيادة المستفيدين وانخفاض الموارد التي ترتبط بريع النفط الى حد بعيد، نجد أن هناك تناقصاً في نصيب الفرد من الانفاق. وهذا يعني بداهة الحاجة الى توفير مصادر تمويل اضافية أو اللجوء لتسطيح برنامج الرفاه الحالي، فمخصصات الصحة والتنمية الاجتماعية التي بلغت نحو 1074 ريالاً للفرد في موازنة الدولة لعام 1985، تقلصت الى نحو 715 ريالاً للفرد عام 1990، والى 568 ريالاً عام 1995، وارتفعت مع توقع تحسن ايرادات النفط الى نحو 752 ريالاً عام 1997 بافتراض ان نمو السكان هو 3.4 في المئة سنوياً. أما مخصصات تنمية الموارد البشرية التي تشمل التعليم بمراحله المختلفة فراوح نصيب الفرد بالأسعار الجارية منها بين 2193 ريالاً للفرد عام 1985 و2177 ريالاً عام 1997. وللتذكير رصدت موازنة الدولة نحو 23 في المئة من مصروفاتها لتنمية الموارد البشرية و38 في المئة للأمن والدفاع وسبعة في المئة للصحة. ونظراً الى ان تكوين المواطن العامل المنتج ينبغي ان يتضمن الرعاية الصحية والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والتعليم الفعال وسوق العمل المتلهفة والضمان في حالة الإصابة والتقاعد، نجد ان تمويل برنامج الرفاه سيشكل لعقود عديدة مقبلة مركز الاهتمام، بل قد يكون عنصراً بالغ الأهمية في رسم الأولويات الاقتصادية للبلاد، وفي تصنيف الصيغ الملائمة للتخصيص، والأنشطة القابلة للتحرير والمنافسة المفتوحة. اذ من غير المتوقع ان يضعف الالتزام بهذا البرنامج ما دامت المملكة بلداً نامياً يتطلع الى تحسين مستوى التعليم وخدمات الرعاية الصحية والتأهيل والتدريب عند السكان. ليست برامج الرفاه حكراً على المملكة وبقية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية النفطية، بل هي أكثر انتشاراً وكرماً أحياناً في الدول المتقدمة، والحال كذلك منذ ان ابتدع بسمارك في الثمانينات من القرن الماضي قانوناً لإعانة المرضى والوضع وإصابات العمل وكبار السن. ولا تزال دول أوروبية عدة مثل بريطانيا والمانيا تكفل رعاية صحية من المهد الى اللحد. ويكمن التحدي في تمويل برنامج رفاه المواطن. وقد لا يكون من اليسير نفي العلاقة بين القطاع الخاص وبين برنامج الرفاه، لكن من المفيد تقصي آفاق هذه العلاقة مستقبلياً. وفي سياق تطوير برنامج الرفاه، من المفيد الإقرار ان الساحة الاقتصادية السعودية تتناول بصورة متزايدة الحديث حول التخصيص، فهل التخصيص هو تحدي المستقبل باعتباره البلسم للمعضلات الاقتصادية؟! لعل من المقبول القول ان القطاع الخاص أخذ يحقق مكاسب اقتصادية واضحة نتيجة انفتاح الحكومة عليه، ومن المهم ان يمارس نصيباً يتناسب مع مكاسبه هذه لدعم المجتمع. وانطلاقاً من هذه الأرضية، نجد ان أحد التحديات الرئيسية لمنح القطاع الخاص دوراً أكبر، هو ان يمارس دوراً اجتماعياً بارزاً يؤهله لتسنم الشأن الاقتصادي المحلي، حتى لا يكون المواطن الخاسر نتيجة للتحول الاقتصادي. ويبدو ان التحديات في المملكة أكثر شمولاً، وهي تتعلق بالقطاع الخاص ولكن من زاوية غير زاوية التخصيص التقليدية. اذ يبدو ان على الحكومة كذلك المبادرة الى اعادة صياغة دورها الاقتصادي، وهذا بالضرورة يشمل سلسلة من القضايا المترابطة منها: اعادة ترتيب أولويات الانفاق الجاري والاستثماري، واعادة توزيع حصص الانفاق بين أبواب الموازنة العامة للدولة لكسر استئثار البابين الأول والثاني بالنصيب الأوفى من المصروفات، ومراجعة الأسس الاقتصادية التي تحكم عشرات المؤسسات الاقتصادية الحكومية ذات الموازنات المستقلة، فهي تحقق للخزانة خسائر بعشرات البلايين سنوياً. والمراجعة لا بد ان تشمل جدوى تحويلها الى "مركز ربح" من "مركز تكلفة"، مع الأخذ في الاعتبار طبيعة السلعة أو الخدمة التي تقدمها كل من هذه المؤسسات وبعدها الاجتماعي ومدى ارتباطها وبالتالي تأثيرها في برنامج رفاه المواطن. ** تعبر الورقة عن رأي مؤلفها وليس عن المؤسسات التي ينتمي إليها، ويعمل لديها. * سعودي متخصص في المعلوماتية والإنتاج.