انذار عراقي وطلب اميركي منعانا من استعادة اربيل صدام : سأترك لكم كردستان وافعلوا ما تشاؤون في هذه الحلقة يتحدث جلال طالباني زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني عن تجربتين في التفاوض مع الرئيس صدام حسين وفريقه: الاولى في الثمانينات في ظل الحرب العراقية - الايرانية والثانية في العقد الحالي في ظل حرب الخليج الثانية والانتفاضة الكردية. ويقول طالباني ان حزبه هيأ للانتفاضة وان الآخرين انضموا اليها بعد اندلاعها. وينقل عن الرئيس العراقي قوله: تقبلون مقترحاتنا او ننسحب من كردستان وافعلوا بها ما تشاؤون. وينفي طالباني اي دور لطهران في تحرير حلبجة قبل قصفها بالسلاح الكيماوي لكنه يعترف بتلقي مساعدات عسكرية ايرانية مشيراً الى ان العقيد معمر القذافي كان سخياً مع الثورة الكردية. ويتطرق في حديثه الى الاقتتال الكردي - الكردي ودور الجيش العراقي في معركة اربيل والموقف الاميركي آنذاك. وهنا نص الحلقة الثانية: ماذا عن موقفكم من الحرب العراقية - الإيرانية في 1980؟ - كان موقفنا، هو عدم الموافقة وإدانة الحرب علانية باعتبارها تضر بمصالح الشعبين. لكننا قررنا عدم مقاتلة الجيش العراقي وهو يقاتل جيشاً آخر، لأننا نحسب حساباً لمشاعر المواطن العربي في العراق ومشاعر الجيش العراقي. اوفدنا الاستاذ فاضل كريم، عضو المكتب السياسي في الاتحاد آنذاك، طالبين من الحكومة العراقية ايقاف اطلاق النار حتى تنتهي الحرب، وحتى لا نتهم بأننا نقاتل الجيش العراقي، لكن الرئيس صدام رفض العرض. وفي العام 1982 تدخل الدكتور الشهيد عبدالرحمن قاسملو، الأمين العام للحزب الديموقراطي الكردستاني لإيران، وسيطاً بيننا وبين الحكومة العراقية من أجل اجراء مفاوضات. وترافقت هذه المبادرة مع هزيمة الجيش العراقي في خورمشهر، لأننا لا نوافق على الاحتلال الإيراني للعراق لسببين: الأول، هو انه في حالة قيام نظام إسلامي في العراق شبيه بإيران سنكون بين حجري رحى ونسحق. والثاني، لأننا علمانيون، وكنا يساريين في ذلك الوقت أكثر من الوقت الحالي، وكان لنا جناح كبير يتبنى الماركسية اللينينية وجناح آخر يتبنى الاشتراكية. لهذه الأسباب وافقنا على المبادرة وقبلنا الحوار مع الحكومة العراقية، وبعثنا سراً الأخ فريدون عبدالقادر، لكن الحكومة رفضت وقالت إن القضية تحل بين جلال الطالباني والرئيس صدام حسين. وبالفعل ذهبت إلى بغداد في العام 1983، وقد استقبلنا استقبالاً حاراً، لكنني في اليوم الأول اصطدمت بالسيد طارق عزيز في جلسة عقدت في مقر المخابرات العراقية. وكانت المحادثات تسير بشكل جيد إلى أن وصلنا إلى موضوع جامعة السليمانية التي جرى نقلها إلى اربيل، وكان اقتراحي أن نبقي جامعة السليمانية جامعة صلاح الدين في مكانها الجديد، وأن نؤسس جامعة باسم جامعة كردستان، أعلنوا موافقتهم على أن يتم التنفيذ بعد انتهاء الحرب. عندئذ قال الفريق الركن جواد ذنون، رئيس اركان الجيش، ان الحل الأفضل هو ان يذهب جلال الطالباني إلى صديقه معمر القذافي ويجلب منه الأموال ويبني الجامعة. وعقب السيد طارق عزيز وقال: "والله الذي يذهب بعد الانتصار ويتصل بالأجانب نقطع رأسه". صعقت وجمعت حاجاتي وأدرت الكرسي الجالس عليه، وبعد أن أكمل طلب مني الحديث. فقلت: لا استطيع. سأل: لماذا؟ أجبت: يبدو اننا محاصرون وأسرى في معركة، ولسنا في مباحثات، ثم ما الحاجة إلى هذا الكلام؟ فرد: يا اخي انني اتشاقى أمزح وانتم أيضاً تقولون البعث الفاشي. وكان ردي هو اننا نقول البعث الفاشي وانتم تطلقون النكات على الأكراد ولكن خارج المحادثات والجلسات. قال: اسحب كلامي. قلت لا اقبل. وطلب شطب ذلك من محضر الجلسة، ورفضت أيضاً، وقال يا اخوان اعتذر. عندها دس لي الشهيد قاسملو ورقة يقول بها انني حملت المسألة اكثر من اللازم، فقبلت الاعتذار، لكن الجلسة توترت. وعندما التقيت الرئيس صدام اخبرني انه فرح بتلك المشادة مع طارق، وقال ان انفعالي هو دليل على جديتي. واستمرت الجلسات واتفقنا على اغلب النقاط، وحتى قبل صياغة البيان السياسي اعلنا استعدادنا، للدفاع عن ارض الوطن والوقوف ضد الغزو الايراني للعراق وضد اي غزو اجنبي لبلدنا. وفي اجتماع مع الرئيس صدام وعزت الدوري وطارق عزيز وهشام صباح فخري، ضم من جانبنا الشهيد قاسملو وأنا وعمر عبدالله ملا بختيار والدكتور خضر معصوم، ابدى صدام فرحه بهذا الموقف وقال لي "لقد سجلت بهذا الموقف فضلاً على الوطن وعلى البعث. على الوطن لأن الوطن يتعرض لخطر، وعلى البعث لأننا في ازمة تدق الأبواب، ورغم ذلك اتيتم الينا وهذا الشيء لا أنساه، لذا - والكلام لصدام - سأعطيك شيئاً يرفع رأسك امام اكراد العراقوإيران". ما هو؟ - لا اعرف لأنه لم يحدد لكنه بالتأكيد شيء يخص القضية الكردية. ونظر الى طارق عزيز وقال ان هذا الموقف يجب ان يعمم على المدارس العراقية، وهو أن الاكراد ايام الشدة وقفوا معنا، وهنا استطرد قائلاً ان المنشقين، ويقصد البعثيين المقيمين في سورية، يتخاصمون مع القيادة السورية بسبب العراق. فرحنا بهذا الكلام وأهديت اليه ملابس كردية. رجعنا الى كردستان وشكلنا وفدا برئاسة الدكتور فؤاد معصوم وترأس الوفد الحكومي علي حسن المجيد واستمرت هذه المحادثات حتى اواسط 1984، واتفقنا على خمسة اوراق، تطبيع الأوضاع في كردستان، تطبيع الأوضاع في كركوك، صلاحيات الحكم الذاتي، منطقة الحكم الذاتي، الديموقراطية في العراق. وبقيت مسألتان، حدود منطقة كردستان وحل افواج الدفاع الوطني التي نطلق عليها "الجحوش"، وبسبب عدم موافقة الوفد الحكومي على حل هذه الافواج توقفت المفاوضات ورجع وفدنا. بعدئذ زارنا السيد عزت الدوري وكان معه علي حسن المجيد من اجل استئناف الحوار، وقال ان افواج الدفاع هي من صلاحياتي وأوافق على حلها شرط ان تتعهدوا عدم ايذاء او اغتيال احد واتفقنا، اما مسألة الحدود فقال انها ليست من صلاحياته وانما من صلاحيات الرئيس صدام، وبالفعل توجهت الى بغداد بطائرة هليكوبتر والتقيت صدام حسين وكان معه عزت الدوري وعلي حسن المجيد. وبعد ترحيبه بيّ سألني ما هو الشيء المعلق؟ قلت مسألة الحدود وذكرته بقوله انه سيعطيني شيئا ارفع رأسي به. قال: نعم، قلت هل يمكن ضم قضاء شيخان وعقرة الى منطقة الحكم الذاتي؟ قال صار. وقضاء خانقين وكفري؟ فقال صار ولكن بعد الحرب، وانتهينا من الموضوع. قال هل انتم مستعدون للتوقيع يوم الخميس؟ فقلت لا يا سيادة الرئيس لأننا بعثنا بمندوبينا لاختيار مرشحي المجلس الوطني وأسماء الوزراء. فتدخل علي حسن المجيد قائلاً ان جلال تعب وتحمل الكثير، فيجب ان نجازيه، فرد صدام قائلاً: يتدلل. وطلبت من الرئيس اعفائي من المسؤولية، وقررنا التوقيع يوم السبت، طلب من لطيف نصيف جاسم، وزير الثقافة، اعتبار يوم السبت عيدا وطنيا، وخرجنا. كم كان التفاوض مع صدام حسين صعبا؟ - في مراحل كانت هناك صعوبات، وكان لا يشترك في المحادثات، اذ ان هناك وفودا تقوم بالتفاوض. وأنا شخصياً لم اجد التفاوض معه صعباً، بل على العكس كانت الصعوبات من طارق عزيز. وإذا تعهد شيئاً هل تعتقد بأنه سيلتزم به؟ - نعم وهذا من خلال تجربتي الشخصية معه، فالكثير من الرفاق كان يخاف الذهاب لمقابلته. ولكنني كنت اسأل هل هو الذي يطلبني؟ وحالما أتبين ذلك اذهب اليه. اتصلت بعزت الدوري يوم السبت سألته هل انهم جاهزون للتوقيع؟ فرد بالايجاب، وفعلا توجهنا الى المجلس الوطني. وبعد استقباله لنا طلب منا الدخول الى الغرفة وذهب للاتصال بالقيادة لكنه رجع وعلى وجهه حيرة، وقال ان هناك مسألة يجب حلها قبل التوقيع، وتبين انها مسألة الميثاق الوطني، وذكرته بقول صدام ان مسألة الميثاق بينهم وبين الشيوعيين استمرت ثلاث سنوات، وعلنا نحلها مع اخواننا الاكراد بسنة ونصف. وترافق ذلك مع زيارة وفد تركي للعراق، وقلت لعزت ان ما حدث هو بسبب الوفد التركي، بعدها دارت الأيام دورتها، وفي العام 1991 وأثناء المفاوضات التي حضرها الأخ مسعود البارزاني في اربيل وعدد آخر من رفاقنا، ومن الجانب الآخر عزت الدوري وطارق عزيز وهاشم سلطان، قال عزت الدوري: هل تعرف يا ابو بافل ما هو سبب عدم التوقيع على الاتفاق في العام 1984؟ وعلق طارق عزيز قائلاً: ان صاحبك تورغوت اوزال كان السبب، فأمسكته من يده وقلت: ان رئيس الديبلوماسية العراقية ضبط متلبساً بالاعتراف بالحقيقة، انكم تتهموننا بالاستماع الى الاجانب! حدث بين هذين التاريخين قتال كردي - كردي؟ - كانت هناك خلافات وحدث اقتتال. ماهي قصة سامي عبدالرحمن؟ - كان سامي عبدالرحمن في تلك الفترة منشقاً عن الحزب الديموقراطي الكردستاني، وشكل حزباً سماه "حزب الشعب الديموقراطي الكردستاني" ولم يشترك في تلك الفترة في أي اقتتال. دعونا الاخ مسعود الى سورية واتفقنا معه ومع حزب البعث العراقي في سورية على سياسة مشتركة. ولكن الكثير من عناصرنا قتلوا بشكل وحشي. وهيأنا قوة اطلقنا عليها اسم 77 حدودها على طول خط بهدينان ودهوك لتسلم أسلحة مرسلة من سورية وكانت هذه القوة بقيادة الشهيد علي العسكري وخالد وبابا الشيخ، وبعد دخول هذه القوة الاراضي التركية نصب لهم كمين وقتل قسم منهم والقسم الآخر سلم الى سامي عبدالرحمن باعتباره مسؤول القيادة الموقتة فأعدمهم، وكان بينهم الشهيد علي العسكري ود. خالد والشهيد الشيخ حسين. وتجدد القتال بيننا وبين الحزب الديموقراطي وطردنا عناصرهم من محافظات اربيل والسليمانية وكركوك، وبقوا في منطقة دهوك. وعقدنا اتفاقاً، بواسطة الإيرانيين، مع المرحوم ادريس لإنهاء الخلاف في العام 1985. أما سامي عبدالرحمن فانفصل عن الحزب الديموقراطي في العام 1979وشكل حزبه. هناك من يقول إن حلبجة ما كانت تضرب بالكيماوي لو لم تحرروها بمساعدة القوات الايرانية؟ - أولاً التحرير لم يكن بمساعدة ايرانية، جاءت المساعدة بعد التحرير. وقد استعملت هذه الاسلحة ضدنا قبلها بسنة لكن العالم لم يعرف بذلك، والذي تغير هو ان الايرانيين فتحوا الحدود للصحافة كي تصور ما حدث. تجدد القتال بيننا وبين الحكومة العراقية بعدما استمرت عملية تدمير القرى وتهجير الأكراد، مما كان يناقض اتفاق الهدنة الذي عقدناه مع السيد عزت الدوري، وكان ذلك في 1985. بعدها وفي العام 1986 اسرنا ضابطاً برتبة رائد، واطلقنا سراحه وبعثنا معه رسالة الى علي حسن المجيد، وفي شريط مسجل بصوته يقول علي حسن المجيد، إن الطالباني بعث لي برسالة مع هذا الضابط يعرض فيها وقف القتال من جانبهم حتى تنتهي الحرب شرط التوقف عن هدم القرى. ويضيف: آه يا... جلال الطالباني الآن عرفت ماذا يوجعك؟ ولهذا اسرع بهدم القرى. لماذا القصف الكيماوي على حلبجة؟ - أعود وأكرر أنها حررت من قبل قواتنا وقوات الاشتراكي الكردستاني. وتوجهنا الى حلبجة من اجل فتح جبهة ثانية بعد القصف الذي تعرضت له مواقعنا ومقر قيادة حزبنا. وحتى الرئيس صدام قال يجب التركيز على رأس الحية ويقصد بذلك مقر قيادتنا. في تلك المرحلة كنتم تحصلون على مساعدات إيرانية؟ - نعم، مساعدات عسكرية فقط وليست مالية. وفي الحقيقة نحن طلبنا من الإيرانيين لأنهم استولوا على اسلحتنا التي حصلنا عليها، ثلاثة آلاف قطعة من سورية وعشرة آلاف من ليبيا قبل الحرب العراقية - الايرانية. وعندما التقيت د. مصطفى شمران، وزير الدفاع الإيراني، طالبته بها، فقال لي انني وجدت لك حلاً، هل هي للبيع؟ وكان جوابي لا. قال: إن الذي يقاتل بها اما يصاب أو يقتل. قلت نعم. قال: إذاً سأسلمها الى الحرس الثوري بدلاً من الذين يقاتلون بها. ماذا قدمت ليبيا للأكراد؟ - قدمت لنا بسخاء على الصعيدين المادي والعسكري. ويرجع هذا الدعم الى فترة السبعينات، وكانت لي علاقة بابو زيد دردة، وقد عرض عليّ المساعدة فشكرته في وقتها لأنني لم اكن على رأس حزب أو منخرطاً في الحرب. فقال اصدر صحيفة فاعتذرت، ثم قال انك سياسي وتحتاج أموالاً وهناك شيك مفتوح من الأخ العقيد، فشكرته ايضاً. ولكني كنت احضر في كل المناسبات التي دعوني إليها. وكانت لي أيضاً علاقة بابو بكر يونس، وعندما تأسس حزبنا طلبت منهم ألف دينار في الشهر. وبعدها اخذت كتاباً بالصرف الى السفارة الليبية في دمشق، ولكنهم تباطأوا وعرفت ان الأخ عبدالسلام جلود كان في العراق وكان هناك بيننا مخبر عراقي في المكتب، هو منذر النقشبندي كادر متقدم في الحزب الديموقراطي الكردستاني، ثم انضم الى حزبنا وكان يسكن مع عادل مراد في الغرفة نفسها، وتمكن من سرقة ترخيص الصرف وصوره وارسله إلى العراق، ما جعل عبدالسلام جلود في موقف حرج فأمر بايقاف المساعدة وكان ذلك في العام 1975. ولكن الليبيين لبوا كل طلباتي بعد تأسيس حزبنا، حتى ان الأخ معمر كتب مرة، "تلبى طلباته كلها". وكنت أتوسط لدى القذافي للآخرين بهذا الخصوص، مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكانت لديهم مشاكل معه، بسبب مسيحية جورج حبش. وحسب "الكتاب الاخضر" و"النظرية الثالثة"، لدى القذافي حل لمشكلة القوميات، حيث ان على كل أمة أن تحصل على استقلالها، واذا لم تحصل على استقلالها وتوحيدها فلا حل للقضية القومية. وفي كلمة له في الكرملين قال القذافي إن الأمم المقسمة مثل الأمة الكردية والكورية والعربية يجب ان تتوحد. وفي حضور الرئيس هاشمي رفسنجاني قال ان الامة الكردية يجب ان تتوحد وتستقل وتبني كردستان المستقلة. وعندما التقى نجم الدين اربكان، سأله لماذا تعترفون بإسرائيل ولا تعترفون بالأكراد؟ هل يكره القذافي صدام حسين؟ - لا اعرف ذلك، لكنه يؤيد الاكراد، ومن اقواله إنه لو كان هناك اكراد في ليبيا لكنت مع حقهم في تقرير المصير. لماذا ضربت الحزب الشيوعي العراقي في بشت آشان؟ - القتال حصل بيننا وبين جبهة "جود" التي تتألف من الحزب الشيوعي العراقي والحزب الاشتراكي الكردستاني والحزب الديموقراطي الكردستاني، وكانت علاقاتنا جيدة معها الى أن وقع القتال بين الحزب الديموقراطي الكردستاني في كل من العراقوايران، إذ شارك الحزب الديموقراطي الكردستاني العراقي مع الحرس الثوري في الهجوم على مقرات الحزب الديموقراطي الكردستاني في ايران. دافعنا عن الحزب الديموقراطي الكردستاني الايراني وحدث قتال. شن الحرس الثوري هجوماً علينا في منطقة برزنجه، فصددنا الهجوم وأسرنا 18 من "الحرس الثوري". فشنوا هجوماً آخر علىنا في منطقة بهدينان واستولوا على مقرنا، وتوصلنا الى قناعة لماذا نقاتل هنا وهناك؟ لماذا لا نحتل مقرهم الرئيس في بشت آشان وننهي الموضوع؟ وبالفعل قمنا بهجوم على هذه المنطقة وجرى احتلال مقر الحزب الاشتراكي والباسوك والحزب الشيوعي والديموقواطي الكردستاني، وأسرنا القادة. ما هو دور إيران وسورية في تأسيس الجبهة الكردستانية في العام 1987؟ - والله ليس لهم أي دور، فالجبهة الكردستانية تأسست في العراق بمبادرة من حزبنا والحزب الاشتراكي وبمراسلة مع الأخ مسعود، وجرت لقاءات عدة توصلنا بعدها إلى اعلان تأسيس الجبهة، وكان المرحوم ادريس البارزاني من المشجعين لها. بعد انتهاء الحرب العراقية - الايرانية حدثت حملة الانفال؟ - بعد انتهاء الحرب العراقية - الايرانية تفرغ الجيش العراقي لنا وهاجمنا بمئات الألوف وطردنا من المناطق السهلية، فبقينا في المناطق الحدودية وبعض المناطق الجبلية الوعرة. ومثلما تعرف وحسب آية الانفال فإن اموال الكفار وأعراضهم مباحة، ولهذا اعتبرونا كفاراً مرتدين وخارجين على الاسلام وأباحوا قتلنا. وتوجد برقية من قائد الفيلق يقول فيها "أموالهم وأعراضهم ونساؤهم حلال"، وكان يخاطب الجيش، وقد نشرناها في حينه. وركزوا على كركوك من أجل تغيير نسب سكانها فنفوا 182 ألف شخص خارجها. وذات يوم رد علينا علي حسن المجيد مكذباً هذا الرقم، وقال انهم 120 ألفاً. وحسب احصاءات منظمة "هيومن ووتش" في نيويورك فإنهم 100 ألف. وهناك وثيقة نصفها محروق سلمناها لمنظمة العفو الدولية، وهي عبارة عن مذكرات ضابط عراقي، يذكر فيها اعداد الذين قتلوا بالكيماوي والبيولوجي واعداد المغتصبات ... غزو الكويت أين كنت عندما حدث غزو الكويت؟ - كنت في دمشق، وكنا ملتزمين قرار الجبهة الكردستانية، الداخل بقيادة الأخ مسعود البارزاني، أما جبهة الخارج فكانت بقيادتي. واتذكر انني القيت محاضرة في 11 أيار مايو 1990 في "تشاتم هاوس" في لندن، حول الحركة الكردية وآفاقها ذكرت فيها ان الجيش العراقي المحتشد على الحدود الكويتية سيغزو الكويت وسيقيم حكومة تابعة لبغداد، واعترض الحاضرون ومن بينهم السير جون مابرو، رئيس الجلسة، وقال ان صدقيتك ستتأثر، والمبالغة لا تخدم المعارضة العراقية، واقنعت الصحافية هيلدا غراهام بأن تكتب عن هذا الموضوع، وبالفعل كتبت هذا الموضوع وعرضته على وزارة الخارجية فسخروا منها. بعدها ألقيت محاضرة في باريس في المعهد الاستراتيجي التابع لوزارة الدفاع ولم يصدقني أحد. وعند تقديمي لطلب التأشيرة إلى الولاياتالمتحدة سئلت، فقلت الشيء نفسه، واعطيت المحاضرة لديفيد غوربوث، المسؤول عن شؤون الشرق الأوسط في الخارجية البريطانية، وكان رده بأنني ابالغ. أخبرت الكويت ولم يصدقوا، وعندما التقيت الشيخ سعد العبدالله ولي العهد، قال إنك لو أخبرتنا بنفسك لما كنا صدقنا ما حدث. كانت مصادر معلوماتي من داخل القوات العراقية، وكنت على استعداد للمراهنة على ذلك. وبينما كنت في دمشق اتخذت الجبهة الكردستانية قرارين، الاول بايقاف القتال ما دام الجيش العراقي هناك، والثاني ارسال وفد برئاسة الدكتور محمود عثمان وهوشيار زيباري وعدنان المفتي وشازاد صائب الى تونس لمقابلة المسؤول في منظمة التحرير الفلسطينية والتوسط مع الحكومة العراقية لفتح حوار معنا لكن الحكومة رفضت ذلك. حدثت الانتفاضة بعد خروج القوات العراقية من الكويت، ما هو دوركم؟ - الحقيقة ان انتفاضة آذار حضَّر لها حزبنا، وعندنا وثائق تثبت ذلك، فقد ارسل الأخ نوشيروان الى الأخ مسعود يخبره بما عملناه في المدن، وكان جوابه حسناً فعلتم، لكننا لا نملك الامكانات حتى نقوم بهذه المسائل. وعندما اشتعل فتيل الانتفاضة اشترك فيها الجميع ومن كل الأحزاب، لكننا لعبنا الدور الاساسي في التهيئة لها والاتصال بالمقاتلين المرتبطين بالحكومة العراقية وتهيئة الخلايا المسلحة في المدن، اضافة الى ان قادتها هم من قياديي حزبنا مثلاً في منطقة بتوين قاد كوسرت رسول الهجوم على شقلاوة، وفي السليمانية قاده فريدون عبدالقادر، وقاد الهجوم على كركوك نوشيروان. وما بعد الانتفاضة؟ - كنت في الخارج، وكان الاعداد لمؤتمر بيروت، وكانت المنطقة الكردية بأيدينا، لكن الحكومة العراقية تمكنت من قمع انتفاضة الجنوب وتوجهت قواتها نحو الشمال في 11 آذار مارس وطلبت بغداد منا عبر السيد برزان التكريتي ممثل العراق السابق في جنيف الحوار. وقالت لنا إن كل شيء قابل للنقاش ما عدا تقسيم العراق، وكان ردنا بالموافقة. وقال برزان يمكنكم ان تختاروا جنيف أو عمان أو داخل الوطن مكانا للتفاوض ونحن جاهزون. قيادة الداخل وافقت لأننا كنا نسيطر على كردستان وبامكاننا ان نتفاوض من مركز قوي. كذلك وافق الحزب الديموقراطي الكردستاني في الداخل على الحوار، وبعث الاخ مسعود رسالة الى الحكومة العراقية معلناً استعداده لذلك. لكن مندوبيهم، الأخ هوشيار زيباري ومحسن دزئي رفضا الاشتراك في الوفد الذي تقرر ارساله في 21 آذار مارس إلى جنيف لمقابلة برزان التكريتي، بحجة أنهما سيسافران إلى السعودية، وبعد عودتهما يمكن الحديث. وكان رأينا أننا لو أجرينا الحوار في تلك الفترة، وكانت كركوك في أيدينا، لكان وضعنا في المفاوضات افضل، لذلك بعد اعتذار مندوبي الديموقراطي لم نرسل وفداً للحوار بمفردنا. في الداخل اتصلوا مرة أخرى بالأخ مسعود البارزاني عن طريق مكرم الطالباني، ووجهوا له رسالة شديدة اللهجة، وترافق ذلك مع القضاء على انتفاضة الجنوب والوسط، فزحف الجيش العراقي إلى الشمال باتجاه الموصل، واحتل دهوك بسرعة وشن هجوماً على كركوك واجتاحها بعد قتال ضار ما أخاف الناس وتسبب في الهروب الجماعي باتجاه ايران وتركيا، حتى المقاتلون أثرت فيهم الأجواء وهربوا. قاتلنا في جبال ازمر المشرفة على السليمانية واوقفنا تقدم الجيش العراقي ولم يدخل الى منطقة "مشاز باجير". وكان مقاتلو الحزب الديموقراطي اوقفوا تقدم الجيش العراقي على مشارف شقلاوة وأحرقوا بعض الدبابات. بعدها طلبت الحكومة العراقية الحوار، وذهب وفد من حزبنا ومن الديموقراطي الكردستاني سراً إلى بغداد بناء على طلب الحكومة العراقية، وتألف الوفد من فاضل مطني وآزاد برواري عن الحزب الديموقراطي، ومن حزبنا فريدون عبدالقادر وعمر عبدالفتاح. قطع المسؤولون في بغداد وعوداً للوفد بأن كل شيء قابل للحوار بما في ذلك الفيديرالية، ولعبوا على وتر المسألة الطائفية بحجة ان الشيعة ضدنا ونحن سنة مثلكم، بمعنى أنهم اغروهم. وقالوا: سيتحقق كل شيء بحضور جلال طالباني ومسعود البارزاني. عقدت قيادة الاتحاد اجتماعاً وكنا أحد عشر عضوا في اللجنة المركزية، عشرة منهم صوتوا مع الحوار إلا أنا. وصوتت قيادة الجبهة الكردستانية بالاجماع، أيضاً، على قرار الحوار إلا أنا، وطلبت منهم قبول اعتذاري لأسباب عدة، منها اننا طيلة الفترة السابقة كنا نشتم الحكومة، ثم عدم اقتناعي بالحوار مع الحكومة، وكذلك الخوف على نفسي من ان يسمموني، وأوردت حججاً كثيرة. وكان ردهم انك قضيت طيلة حياتك مهدداً بالقتل، وانك من المقاتلين البيشمركه، وان هناك مصلحة للشعب الكردي في ذلك. فقبلت وغيرت رأيي إنما بشرطين، ان يكتبوا رسالة بخط الأخ مسعود البارزاني، كون خطه جميلاً، يقولون فيها إنهم قرروا ارسالي على رغم تحفظي. والشرط الثاني هو ان يمنحوني حرية اختيار الذين سيرافقونني إلى بغداد، فوافقوا وكتبوا رسالة بخط الأخ مسعود، ما زلت أحتفظ بها، وهي تتضمن تكليفي بهذه المهمة. ووقع اختياري على الأشخاص الآتين، الأخ نيتشيرفان البارزاني من الحزب الديموقراطي الكردستاني، والسيد سامي عبدالرحمن من حزب الشعب الديموقراطي الكردستاني، والأخ رسول مامند من الحزب الاشتراكي الكردستاني. توجهنا الى بغداد في 7 أو 8 نيسان ابريل 1991، واستقبلونا بالأحضان والقبل وكان مضيفنا اللواء وفيق السامرائي مدير الاستخبارات العسكرية، وهو صديق قديم لي، والآن يعيش خارج العراق. زارنا في عصر ذلك اليوم السيد عزت الدوري وطارق عزيز وكان الجو ودياً، وقدمنا أربع أوراق: الأولى حول الديموقراطية في العراق. والثانية حول حقوق الانسان في العراق. والثالثة حول الحقوق الكردية. والرابعة حول تطبيع الأوضاع في كردستان العراق. أبدوا استعدادهم لمناقشة هذه الاوراق، وطلبوا منا تشكيل وفد مخول البحث فيها. إلا أن نزاعاً حدث بيني وبين طارق عزيز، بعدما أشار إلى تصريح لي أؤيد فيه اقتراحات غينشر وزير خارجية المانيا، لمحاكمة الرئيس صدام حسين كمجرم حرب، وكان ردي اننا جئنا الى هنا للحوار وليس لمناقشة هذه التصريحات. وعلى خلاف ما كان مقرراً التقينا الرئيس صدام حسين واستقبلنا بالأحضان والقبل والترحيب، وأذكر له تعليقه على كلام طارق عزيز وقوله عنه إنه لا يعرف عادات العشائر. وأثار صدام موضوع الأسلحة الكيماوية، فقلت إننا لم نقل شيئاً ضد سيادتك ولم نتهمك وإنما اتهمنا الحكومة وحزب البعث، ولكن بعد استعمال الأسلحة الكيماوية، لم يبق لنا شيء، خصوصاً بعد حادثة حلبجة بالذات. ورد صدام قائلاً، انني اتفهم مشاعركم حول حلبجة. وتمنى ان يأتي الأخ مسعود أيضاً. هل تحدث عن الكويت؟ - لا لم يتكلم. وكيف كانت اعصابه؟ - والله لم يٌظهر أي ارتباك، كان طبيعياً، لكن كانت هناك مسحة كآبة على وجهه. وطلب ان يأتي مسعود؟ - نعم، وقلت له انه مجروح، كونه رئيس عشيرة، ليس مثلي، وهناك ستة آلاف مفقود من أبناء عشيرته إضافة إلى مقتل ثلاثة من اخوانه. وهو إذا أتى سيسأل وسيطالبونه بجلاء مصير المفقودين. قال إنني أقدر ظروفه. رجعنا الى كردستان ووجدنا ان كل شيء تبدل وأنهم تراجعوا عن كل الوعود التي قطعوها. قالوا ان الديموقراطية بدعة بورجوازية غربية، أما حقوق الانسان فهي مؤامرة استعمارية ضد المعسكر الاشتراكي. في النهاية تراجعوا عن كل الوعود التي قطعوها ولم يتركوا مجالاً للبحث في هذه المسائل مستقبلاً. وكلام طارق عزيز للأخ مسعود بأن لكم الحق في أن تبكوا على كركوك كما يبكي العرب على الأندلس، فهي مدينة عربية مثل كربلاء وعراقية غير قابلة للبحث، هو خلاصة لتلك الوضعية. شراكة وانتخابات وقمتم عندئذ بتأسيس سلطة؟ - لا، كانت آخر محاولة للقاء عندما ذهبت مع الأخ مسعود الى بغداد في العام 1991. التقاني الرئيس صدام على انفراد ومن ثم التقى مسعود على انفراد أيضاً. وعندما سألني عن طبيعة الاعتراضات، قلت إن ثمة تراجعاً عن كل الوعود التي حصلنا عليها وهناك محاولة لدق اسفين التفرقة بيننا وبين الأخ مسعود وهذا لا يخدمكم، وقلت انني متألم من نشر مقال في جريدة "بابل" التي يشرف عليها ابنه عدي بعنوان "وحده بوحده" أي "واحدة... بواحدة" ومضمونها ان أجدادهم هربوا الى كردستان وكانوا تحت حماية الطالبانيين والآن جاء دورنا لرد الجميل والعفو عن جلال طالباني واستقباله في بغداد. وقلت للرئيس صدام إنكم تعرفون وضعكم بعد حرب الخليج، ومجيئي الى هنا ليس لطلب العفو، لذلك اعتبر هذا اهانة شخصية لي، لكنه لم يعلق. وقلت له ان مطالبنا تمثل الحد الأدنى فإن لم تقبل بها ماذا نعمل؟ قال ما يلي: في حال عدم قبولكم ما سنقترحه عليكم - وهذا ليس تهديداً - سأسحب قواتنا من المناطق التي اعتبرها كردستان وأترك لكم المنطقة واعملوا بها ما تشاؤون. وهذا شكل من أشكال التحدي. رجعت وبعدي رجع الأخ مسعود، وحدث الانقلاب العسكري في موسكو. بدأ الخلاف يدب بين أعضاء الجبهة الكردستانية، إذ أن الأخ مسعود كان على استعداد للتوقيع على اتفاق منفرد مع الحكومة العراقية ولو لم يوافق حزبه. في حين لم يقبل حزبنا بهذا الاتفاق لأننا اعتبرنا أن نصوصه لا تضمن أي شيء للشعب الكردي بل على العكس تهينه وفيها تمجيد لحزب البعث ولقيادته. وطرح هذا الخلاف السؤال كيف نعمل؟ فاقترح بعض الأخوان اجراء انتخابات لاختيار أعضاء المجلس التشريعي، على أن يتولى المجلس مهمة اقتراح السياسة التي نتبناها، وتم الاتفاق على ذلك. بعد ذلك انسحب الجيش العراقي من السليمانية ودربندخان وأربيل بأمر من الحكومة العراقية. في ذلك الوقت فرضت قوات التحالف المنطقة الآمنة، وطرد الجيش العراقي منها، ما سهل عودة اللاجئين الى ديارهم، وأحب أن أقول إننا، ضمن هذه الوضعية، لم نقطع المفاوضات مع الحكومة العراقية على عكس ما يدعون. وهذا تركنا نواجه وضع ادارة منطقة واسعة، بعدما أخذوا معهم كل الأموال من البنوك، فواجهنا مشكلة حقيقية، خصوصاً أن هناك أعداداً كبيرة من الموظفين في كردستان تعمدت الحكومة تشغيلهم، وهذا عقد المشكلة. في العام 1992 أجريت الانتخابات وكانت النتيجة مناصفة تقريباً، ولكن الطرفين اعترضا، وانصب اعتراضنا على نتائج كركوك واربيل والسليمانية، كوننا حصلنا فيها على الأكثرية. فيما حصل الديموقراطي الكردستاني على الأكثرية في منطقة دهوك فقط، وقلنا ان هناك تزويراً كبيراً وان عدد المقترعين أكثر من عدد السكان، وشككوا هم ايضاً بنتائجنا. ثم اتفقنا على قبول قرار اللجنة العليا المشرفة باعطائنا 44 مقعداً والحزب الديموقراطي 44 واعطاء 12 مقعداً للأحزاب الصغيرة الأخرى، لكن هذه الأحزاب رفضت هذه النسبة، فاصبح لنا 50 مقعداً وللديموقراطي 50 مقعداً و5 للآشوريين. وخيّرنا الحزب الديموقراطي الكردستاني بين منصبي رئيس الحكومة ورئيس البرلمان، فاختاروا رئاسة البرلمان وتركوا لنا رئاسة الوزراء. وتشكلت حكومة برئاسة الدكتور فؤاد معصوم ونائبه دنيو شاويس وتوزعت المناصب بين الحزبين. واختلفتم داخل الحكومة؟ - لا لم نختلف داخل الحكومة. وسيرنا الأمور بشكل جيد، عدا بعض الاختلافات الخفية حيث كنا نعتقد ان هناك علاقة بين الحزب الديموقراطي الكردستاني والحكومة وكنا نعترض عليها. وفي دورة مجلس الوزراء الثانية التي رأسها كوسرت رسول من حزبنا، كان التنسيق بيننا جيداً جداً، وكنا نذهب معاً إلى الخارج، وخول كل طرف الطرف الآخر التحدث باسمه. استمر هذا الوضع إلى العام 1994، إلى أن وقع حادث في قلعة دزه، وكنت في الخارج، فأدى إلى اندلاع القتال بين حزبينا. ومنذ ذلك الوقت غرقت كردستان في الاقتتال؟ - بذلت جهوداً لايقاف القتال، واتصلت بالأخ مسعود من أجل ذلك بحكم علاقتي الشخصية الجيدة معه، وكانت له بعض الشروط التي قبلتها، منها سحب قواتنا من شقلاوة وجبل سفين التي تشرف على مقره، وهي مناطق كانت بأيدينا، وبالفعل قررت سحبها شرط ألا تحتلها قواته، وكان هذا بشهادة أحمد الجلبي وكريم احمد من الحزب الشيوعي الكردستاني العراقي. وتعهدنا الالتزام باتفاق سميناه اتفاق نهاية القرن ووقعنا عليه. وقبله لم ننفذ اتفاق باريس، إذ كان من المفترض ان يحضر الأخ مسعود الى الأليزيه لتوقيعه بحضور الرئيس ميتران، لكنه لم يذهب. بعد ذلك تعرض بيتي في شقلاوة لهجوم، واحرقوا مكتبتي، ورغم هذا طلبت منهم ألا يحتلوا مقر حزبنا، لكنهم وعدوا وفعلوا العكس، فتجدد القتال مرة ثانية في العام 1995. وعلى رغم تدخل الأميركيين وقرار البرلمان الكردستاني والشخصيات الدينية، لم يقبلوا واستمروا في القتال، على عكس موقفنا الذي وافق على كل هذه الوساطات. وجرت وساطة إيرانية قبلت من طرفينا، وأصدر الأخ مسعود بياناً بوقف القتال، وبدأت المفاوضات بيننا. لكنهم جددوا القتال بهجوم فاشل على أربيل، ولم تنفع كل الوساطات إلا بعد تحريرها. ثم استعانوا بالقوات العراقية؟ - كانت معلوماتنا تشير الى وجود علاقة مع الحكومة العراقية، وكنا نعرف انهم تسلموا 12 مدرعة اضافة الى اصناف أخرى من الاسلحة. وبعد فشل محاولات الوساطة التي قامت بها أطراف عدة، طلبوا فجأة منا عقد لقاء بين أعضاء المكتب السياسي لحزبينا، لكن هذا لم يحدث، على رغم اعلان استعدادي لزيارة الأخ مسعود في منطقته، لكننا لم نستلم رداً على ذلك. وبعد حصار مدينة أربيل، شنت قوات البارزاني بمساعدة قوات الحرس الجمهوري هجومها علينا في 31 آب اغسطس 1996. عرفنا بالهجوم قبل اسبوع من وقوعه، وأبلغنا الأميركيين بخطورة حشد القوات العراقية حول أربيل، وكان جوابهم انهم يراقبون الموقف، وعندما اتصلت بالسيد بيللترو، مساعد وزير الخارجية الأميركي، قال بالنص الحرفي، إن مسعود وصدام سيدفعان الثمن غالياً إذا ما أقدما على هذا العمل الأحمق، وستكون عواقبه خطيرة عليهما. وبعد زيادة الحشودات اتصلت مرة أخرى بالسيد بيللترو فطمأنني، وقلت هل نعتمد على أقوالكم؟ فأجاب انه في حال حدوث هجوم من قبل القوات العراقية والبارتي سيكون الردع قوياً. ثم زارنا وفد أميركي لمعرفة خطوط التماس ومن أجل منع التجاوزات، وأعطونا وعوداً قاطعة بأنهم سيضربونهم في حال تجاوزهم هذه الخطوط. ولهذا السبب تم اعتماد خطط على أساس هذه الوعود، على اعتبار ان الأميركيين سيفون بوعودهم، وكانت تقديراتنا أن الطائرات الأميركية ستقصف القوات العراقية إذا تقدمت نحونا، وهذا يمنحنا الوقت لملاحقتها والحصول على الأسلحة التي تتركها وراءها، وللأسف تبين ان هذا خطأ. لقد كان بامكاننا ان نهيئ خططاً تنقذ ما يمكن انقاذه، فقد كانت زوجتي وأعضاء المكتب السياسي في أربيل وكذلك كان بامكاننا ان نخلي مكاتبنا ونأخذ ممتلكاتنا وأسلحتنا الثقيلة، ونعتمد على خطط دفاعية تختلف عن تلك التي اعتمدناها. فهجوم البارتي دحرناه بسرعة، لكن كيف لنا مواجهة الدبابات العراقية التي دخلت الى المدينة بالمئات. وفي صباح يوم الهجوم كنت في مقري، في قرية قلا جولان قرب السليمانية، واتصلت بالأميركان، فطلبوا منا الانتظار واستمرت حالة الانتظار الى ما بعد الظهر، وعندئذ أخبرونا ان مجلس الأمن القومي اجتمع وسيقرر. هل تعتقد ان الأميركيين عاقبوك على علاقتك بطهران وسورية؟ - والله قيل ذلك، ولكن هناك مسألة تدمير المعارضة العراقية وانا أتساءل لماذا؟ فقد كان للأميركيين مراكز وأصدقاء في أربيل، المؤتمر الوطني العراقي الموحد، وحركة الوفاق مثلاً، وهؤلاء تضرروا كثيراً، اذ قتل وأسر منهم المئات. أخذت أربيل ثم السليمانية؟ - نعم أخذوا أربيل أول الأمر، وكنا على مشارفها، وبعد تدخل الجيش العراقي الكثيف ضدنا وسقوط مدينة كويسنجق، قررنا عدم المواجهة المباشرة واتباع تكتيكات حرب الأنصار، وهذا جعلنا نتحرك حتى مدينة السليمانية تجنباً للخسائر البشرية التي تكبدناها في أربيل، والذهاب الى الجبال. ثم رفضنا العروض الأميركية بايقاف القتال، حتى ان بيللترو قال أمام الكونغرس، يبدو ان جلال طالباني مصمم على مواصلة القتال لاستعادة مناطقه ولم يقبل بنصيحتي بالسلام. وعندما تأكدنا ان الجيش العراقي تدخل في أربيل فقط، قررنا القيام بهجوم معاكس على البارتي في 10 تشرين الأول اكتوبر واستعدنا مدينة السليمانية بسرعة وكويسنجق ووصلنا الى مشارف أربيل. في تلك الفترة تداخل حدثان، الأول ارسال بغداد انذاراً لنا مفاده، اننا إذا تقدمنا باتجاه أربيل فإن الجيش العراقي سيتدخل بكل قواه ضدنا وسيكون هذه المرة أقسى من تدخل شهر آب. اما الحدث الثاني فهو اتصال السيد بيللترو، الذي طلب مني التهدئة وعدم احراج أصدقائه، الرئيس ونائبه آل غور، في الإدارة الأميركية مع اقتراب الانتخابات. فالقتال ودخول أربيل سيدفعان الجيش العراقي إلى الرد، وهذا بدوره يضع الإدارة الأميركية في موضع الحرج، لذا وعد بيللترو بالتدخل لحل هذه المشكلة. وبعد درس الوضع قررنا القتال لأنه لمصلحتنا، فهرب انصار البارتي وحتى الأخ مسعود الذي كان في السليمانية هرب الى أربيل عن طريق كركوك، وكان بامكاننا ان نحرر مدينة أربيل والمناطق الأخرى، لكن الحاح الأميركيين والبريطانيين بعدم التصعيد أوقفنا الأسبوع المقبل: "قصة العثور على ملا مصطفى في موسكو"