في الاجتماع الذي رعته الولاياتالمتحدة بين الفصيلين الكرديين الرئيسين المتنازعين في لندن قبل أقل من 24 ساعة على استعادة القوات العراقية السيطرة على مدينة أربيل ودخول قوات الحزب الديموقراطي الذي يتزعمه مسعود بارزاني الى جانبها, كانت تقارير مختلفة تصل الى المشاركين في الاجتماع, وفي مقدمتهم روبرت دويتش مسؤول شؤون العراقوايران في وزارة الخارجية الاميركية وستيفن غرامنون مسؤول ملف العراق في مكتب الامن القومي الاميركي, تتحدث عن تحركات عراقية عسكرية باتجاه أربيل وقد أكد ممثلا الاتحاد الوطني في الاجتماع وهما الدكتور لطيف رشيد وعدنان المفتي هذه التقارير في حين نفاها محسن دزئي وهوشيار زيباري ممثلا الديموقراطي وطلبا بعض الوقت لاجراء اتصالات مع قيادتهم قبل اختتام اللقاء الذي دام أربع ساعات في مقر السفارة الأميركية على أمل عقد لقاء ثان في الساعة العاشرة من صباح اليوم التالي, وهو الأمر الذي لم يتم, اذ رفض المسؤولون في السفارة الأميركية استقبال دزئي وزيباري بعدما تأكد لهم احتلال أربيل من قبل قوات الحزب الديموقراطي والقوات العراقية. ولم يعد هناك, حسب مصادر أميركية, من مبرر لاستكمال المحادثات التي كانت تهدف في الأساس الى بناء الثقة بعدما تم التوصل الى اتفاق لوقف اطلاق النار بين المتحاربين لم يعمر طويلاً. ويقول مسؤولون اميركيون انهم لم يقفلوا الباب في وجه الحزب الديموقراطي الكردستاني على رغم ما تردد من معلومات عن تعاون بينه وبين بغداد, وان موقف الحزب الديموقراطي ومسعود بارزاني لا يزال يكتنفه الغموض في شأن التعاون مع الغرب والولاياتالمتحدة على وجه الخصوص. ويوضح هؤلاء هذه النقطة فيقولون بعد 24 ساعة على تصريحات أدلى بها بارزاني لوسائل اعلام تركية في مدينة صلاح الدين, قال انه لا يزال يتطلع الى تعاون مع الغرب والولاياتالمتحدة, وعلى رغم ذلك, فإن الولاياتالمتحدة ما زالت على استعداد لبذل كل جهد يساعد على استقرار المنطقة الذي يعتمد بشكل أساسي على وحدة الأكراد وتفاهم تنظيماتهم. ويؤكد عدنان المفتي عضو المكتب الوطني في الاتحاد الوطني الكردستاني ومسؤول منطقة أربيل قبل سقوطها في أيدي الحزب الديموقراطي هذه الحادثة ل "الوسط" مضيفاً أنه "خلال الاجتماع في السفارة الأميركية في لندن في الساعة الثانية من بعد ظهر يوم التاسع والعشرين من الشهر الماضي, تلقى الدكتور أحمد الجلبي رئيس المجلس التنفيذي للمؤتمر الوطني العراقي الذي كان يشارك في الاجتماع اتصالاً هاتفياً من أربيل يبلغه بأن الجيش العراقي تقدم باتجاه المدينة, وهو يزداد حجماً وعدداً. لكن بعض الحاضرين لم يأخذ الأمر على محمل الجد, ونفاه ممثلو الحزب الديموقراطي في الاجتماع, واستمروا في مناقشة مسألة تثبيت وقف اطلاق النار وتوزيع المراقبين على خطوط التماس وتهيئة الأجواء لعقد لقاء بين جلال طالباني ومسعود بارزاني في لندن بهدف التوقيع على الاتفاق الشامل. لكن وفد الديموقراطي طلب وقف المحادثات بهدف استكمالها في اليوم التالي لافساح المجال أمامهم للتشاور مع قيادتهم, في حين لم نكن نعرف انهم يهيئون لاجتياح أربيل". ورفض المفتي الاتهامات التي يروجها البعض عن سقوط أربيل بسهولة, المدينة التي يزيد عدد سكانها عن 700 ألف نسمة, في أيدي الحزب الديمقراطي والقوات العراقية, وقال: "لم تسقط المدينة بسهولة, بل قاتل المدافعون عنها لمدة 14 ساعة, اذ بدأ الهجوم في الساعة الخامسة صباحاً واستسلمت بعد السابعة مساء. ودار القتال داخل المدينة من جهة طريق كركوك ? قشتبه بمواكبة اكثر من مئة دبابة وبعد 6 ساعات من القتال دمرت خلالها 9 دبابات للقوات العراقية، تقدمت قوات بغداد باتجاه المدينة الجامعية على مشارف اربيل، وفي محور الموصل ? أربيل، استطاعت مع الحزب الديموقراطي بعد 8 ساعات من القتال، الوصول الى مدينة عنكاوة التي يقطنها مسيحيون فقط. واستغل الحزب الديموقراطي الفرصة وبدأ هجومه على المدينة بعد 6 ساعات من هجوم الجيش العراقي اي عندما تأكدوا ان هذا الجيش اخترق دفاعاتنا. ونحن لا ننكر انه ليست لدينا القدرة على مواجهة جيش بهذا الحجم. ولعل المفاجأة بالنسبة الينا كانت في الموقف الاميركي، اذ ان الولاياتالمتحدة اكدت لنا انها لن تسمح للجيش العراقي بالتقدم، وأقصى ما كنا نتوقع من الجيش العراقي القصف المركّز وتقديم المساعدة لجماعة بارزاني. والمفاجأة الاخرى هي ان الولاياتالمتحدة لم ترد وسكتت عن هذا التدخل بضعة ايام". ويعترف المفتي المسؤول في الاتحاد الوطني الكردستاني بوجود تدخل ايراني، ويقول انه "بسيط ومحدود وليس بالدرجة الخطيرة التي يتحدثون عنها، انه اقل من التدخلات التركية التي تمت خلال السنوات الثلاث الماضية، كما يمكن الاشارة الى التدخلات الايرانية في السنتين الماضيتين الى جانب الحزب الديموقراطي الكردستاني وبحجم اكبر من التدخل الحالي، فقد تدخلت ايران في مدينة بنجوين وفي قلعة دزه لمساعدة الديموقراطي كما ساعدته في حلبجة. اما التدخل الايراني الاخير، فكان لقصف حاج عمران ولأمر يتعلق بعلاقات الحزب الديموقراطي مع ايران، ولم ندخلها كاتحاد، بل دخلها "حزب الله الثوري" وأعضاؤه ايضاً بارزانيون". ويضيف المفتي: "ان للولايات المتحدة اقماراً اصطناعية تعمل بنشاط، فلماذا لم تبث صوراً تبين وجود قوات ايرانية في كردستان. كما ان دخول الجيش العراقي الى اربيل لم يكشف عن وجود عنصر ايراني واحد من الذين روج الديموقراطي الكردستاني لوجودهم". وأشار عضو المكتب السياسي للاتحاد الوطني الى ان المنطقة الكردية في شمال العراق معرضة للانفجار اذا تخلى الغرب عن حمايتها، لأن نفوذ الدول الاقليمية مثل ايرانوتركيا سيزداد. وقال ان للاتحاد الوطني "الحق في طلب المساعدة من اي كان اذا تخلى الغرب عن مساعدتنا" لافتاً الى ان "للأكراد حدوداً مشتركة مع ايران يزيد طولها على 300 كيلومتر، ونحن بحاجة لأن تكون علاقة حزبنا مع ايران ايجابية بسبب سيطرة الديموقراطي على منافذ المنطقة الكردية العراقية مع سورية وتركيا". اما سفئين دزئي احد ابرز مستشاري مسعود بارزاني زعيم الحزب الديموقراطي الكردستاني وممثله في تركيا، فقال ل "الوسط" ان قيادة حزبه لاحظت في الاشهر الماضية تزايد النفوذ الايراني في المنطقة، الامر الذي دفعهم الى تحذير عواصم غربية من مغبة الاخلال بتوازن القوى، "لكن عدم الحصول على اجوبة من الحلفاء الغربيين اقلقنا بشكل لم يترك امامنا غير اللجوء الى بغداد للتحالف معها ولو بشكل موقت وتكتيكي لوضع حد لما يمكن ان يهدد حتى وجود الحزب الديموقراطي من أساسه". ويأمل دزئي في ان تهدأ الاعتراضات على سياسة حزبه، ويقول: "عندما تهدأ العاصفة، سيكون وضعنا افضل خصوصاً ان اتصالاتنا مع الغرب مستمرة وجيدة. صحيح ان ما حدث كان مفاجأة للكثيرين، لكنها ظروف "نتوقع ان يستمر على أثرها الاميركيون في بذل جهودهم لتأمين الاستقرار في المنطقة". ولم يخف الاميركيون قلقهم من التطورات على حد قول دزئي، لكن الاتصالات مع سفاراتهم في أنقرةولندن وواشنطن مستمرة، حيث "أكدنا لهم ان الايرانيين ساهموا بشكل فعال في احتلال طريق هاملتون الحيوي الذي يوصل أربيل بحاج عمران" القريبة من الحدود الايرانية. ويحمّل قادة الديموقراطي، الاتحاد الوطني مسؤولية فشل تنفيذ الاتفاقات التي رعتها الولاياتالمتحدة بين الطرفين في دروغيدا في ايرلنداولندن وكردستان وطهران، وأسفرت في آب اغسطس الماضي عن "اتفاق مبادئ" لحل مشكلة اربيل وجعلها مدينة خالية من السلاح. ويضيفون "ان مخطط الاتحاد الوطني كان يقضي بالسيطرة على حوض رواندوز ثم السيطرة على النقطة الاستراتيجية سبيلك لتضييق الخناق على الحزب الديموقراطي بعد خسارته مواقع استراتيجية مهمة في منطقة المثلث". تاريخ النزاع ويقول الدكتور محمود عثمان وهو سياسي كردي يتمتع باحترام الحزبين المتصارعين، ل "الوسط" عن تاريخ النزاعات الكردية ? العراقية في العصر الحديث "انها بدأت في العام 1964 عندما اختلف الملا مصطفى البارزاني مع اعضاء المكتب السياسي القديم الذي كان يقوده حينذاك ابراهيم احمد وجلال طالباني، وكان اساس الخلاف من يقود الحزب ويسيطر على مقدراته. وكان المكتب السياسي للحزب الديموقراطي يتخذ من السليمانية مركزاً له، في حين كان بارزاني في منطقته المعروفة، وكان يعتقد بأن رئاسته للحزب هي التي تخوله القيادة والسيطرة على الوضع داخلياً وخارجياً، لكن اعضاء المكتب السياسي كانوا يخالفونه هذا الطرح، مما افسح مجالاً لتدخل ايرانوالعراق، فأيد الايرانيون المكتب السياسي وأيد العراقيون بارزاني. وحاول الرئيس العراقي يومها عبدالسلام عارف تطرية الاجواء، ثم ما لبث ان تحول الصراع الى قتال، استمر بضعة ايام، سيطر على أثره بارزاني على المنطقة، ولجأ اعضاء المكتب السياسي الى ايران ومعهم حوالي 500 من انصارهم". واستطرد الدكتور عثمان الذي بذل جهوداً حثيثة لتقريب وجهات النظر بين طالباني وبارزاني في الآونة الاخيرة قائلاً: "شخصياً بقيت مع بارزاني، وقد اتهموه في حينها بأنه صفى القضية الكردية وخضع لشروط عبدالسلام عارف. وعندما استؤنف القتال بين انصار بارزاني والحكومة العراقية في نيسان ابريل 1965، عاد طالباني ورفاقه الى المنطقة الكردية بموجب اتفاق آخر، لكن التفاهم لم يكن كاملاً، على رغم ان قواعدهم استوعبت داخل الحزب، وبقي قادتهم شبه مجمدين بانتظار عقد المؤتمر السابع للحزب، لكن تأخر عقد المؤتمر، وحصول اتصالات من قبل رئيس الوزراء العراقي عبدالرحمن البزاز مع الطرفين، كان مقدمة لعودة جلال طالباني ورفاقه الى بغداد في العام 1966، حيث عاشوا هناك في كنف الحكومة العراقية يقاتلون بارزاني والأكراد. وفي العام 1970، بعد اعلان بيان 11 آذار مارس الذي تضمن اعلان الحكم الذاتي تمت اتصالات بيننا وبين الحكومة العراقية، واعتبرت بمثابة مقدمة لفك العلاقة بين طالباني ورفاقه من جهة والحكومة العراقية من جهة اخرى. وفي العام 1975 بعد انهيار الثورة شكلوا الاتحاد الوطني الكردستاني على خلفية الصراعات القديمة بقيادة الاتحاد الوطني، والتحق بهم قسم من مؤيديهم في حين التحق آخرون ببارزاني، وشكلنا نحن الحزب الاشتراكي. وقد احتدم الصراع بين الاتحاد الوطني والحزب الديموقراطي الذي كان يسمى القيادة الموقتة لمدة عشر سنوات تخللتها معارك وفترات هدوء. استمرت حتى العام 1986، حين تولت ايران مصالحة الطرفين في طهران واتفق قادة الحزبين عبر ادريس بارزاني وطالباني. وعمرت المصالحة حتى العام 1988، حيث اتفقت الاحزاب الكردستانية على اقامة جبهة موحدة. وبعد تعرض الجبهة الجديدة لنكسة نتيجة التوافق العراقي ? الايراني استمرت الصيغة الموحدة بشكل او بآخر الى ان اندلعت حرب الخليج، وما سببته من مآس ادت الى نزوح الاكراد، وأعقبت ذلك إقامة منطقة آمنة في شمال العراق، تلاها اجراء انتخابات واقامة حكومة، واستمر الاتفاق بين الحزبين لمدة سنتين، لكن تزايد الحساسيات تحول الى قتال بين الحزبين الرئيسين في العام 1994، أسفر عن سيطرة الاتحاد الوطني على مدينة أربيل". ويستبعد الخبراء في الشأن الكردي العراقي احتواء الازمة الاخيرة، ويقولون، ان الحل او الاتفاق بين الطرفين قد يتم في حال تراجعا عن مواقفهما، وبكلام أدق تراجع بارزاني عن تفاهمه مع صدام حسين، وطالباني عن مطالبه. كما ان ذلك يعتمد على حجم اهتمام الولاياتالمتحدة والغرب بالوضع الكردي.