في عشر شاحنات لنقل اللحوم المجمدة دخل حوالي ألف رجل من قوات العقيد محمود خودابردييف مدينة خوجند مركز محافظة لينين آباد الطاجيكية، واستولوا على أهم النقاط فيها، في هجوم مباغت أثار الفزع في آسيا الوسطى وأسفر عن وقوع العشرات من القتلى والجرحى. وتقدمت قوات العقيد الثائر لتحتل مدينة عيني على بعد 140 كيلومتراً شمال شرقي دوشنبه عاصمة طاجيكستان، وكذلك ممر انزوب الجبلي الاستراتيجي الذي يربط خوجند بالعاصمة، اضافة الى مدينة تشكالوفسك. واللافت أن المنطقة التي سيطرت عليها قوات خودابردييف في بادئ الأمر واستعادتها القوات الحكومية بشق الأنفس تعتبر ذات أهمية استراتيجية بالغة. وكانت تعتبر أهدأ بقعة في طاجيكستان. ففي مدينة تشكالوفسك يوجد المطار الوحيد الذي يخدم تلك البقاع. وفيها مجمع تركيز اليورانيوم الذي يعتبر أكبر مؤسسة من نوعها في آسيا الوسطى. وتعد المنطقة المذكورة من أغنى بقاع الاتحاد السوفياتي السابق بالمعادن النادرة. ومعروف أن الشحنة التي استخدمت في صنع أول قنبلة نووية سوفياتية كانت من مجمع تشكالوفسك. أما مدينة طورسون زاده المجاورة ففيها أكبر مصنع للالومنيوم. ولعل أهمية المنطقة تأتي في مقدم الأسباب التي دفعت أوزبكستان الى تحريك قواتها في اتجاه الحدود الطاجيكية، كما ان القوات الحكومية الطاجيكية نفسها قامت بإنزال جوي في موقع أسفار شمال خوجند. وليس في الأحداث الأخيرة ما يشير الى دور "العامل الاسلامي" أو الى علاقة بحركة "طالبان" الأفغانية. أما التوقيت فقد تكون أسبابه طقسية، ذلك أن الشتاء على الأبواب وستغلق الثلوج كل المنافذ الجبلية، وليس سهلاً على فصائل خودابردييف أن تقضي شتاء آخر في الجبال على الحدود الطاجيكية الاوزبكية. واستبعد المحللون "الأثر الاسلامي" لأن خودابردييف من القادة العسكريين الشيوعيين سابقاً. وهو يطالب اليوم بالافراج عن جميع السجناء السياسيين والسماح لهم بممارسة النشاط السياسي، كما يطالب بتأليف مجلس دولة يشارك فيه كل الزعماء الاقليميين المتنفذين وبعقد دورة طارئة للبرلمان. وواضح ان هذه الدعوات التي قدمها خودابردييف انذاراً الى السلطات المركزية تتناسب طردياً مع الأهمية الاستراتيجية للمنطقة التي حاول السيطرة عليها، وإذا نفذ هذا الانذار فسيلحق ضرراً بالغاً بمصالح حكومة الرئيس إمام علي رحمانوف وبمصالح المعارضة الاسلامية بزعامة سيد عبدالله نوري، المتعاونة معها على أساس اتفاقية المصالحة. ويعتقد المحللون ان خودابردييف ينطق هذه المرة باسم قوة سياسية ثالثة كانت الأكثر تضرراً من المصالحة. فقد كان من شروط الانذار الذي وجهه الى السلطات في دوشنبه ان تهيئ له فرصة التحدث من التلفزيون وكذلك لنائب رئيس الوزراء السابق عبدالملك عبدالله جانوف الذي كان المنافس الأول لرئيس الجمهورية في الانتخابات الرئاسية التي أجريت العام 1944. وكان الادعاء العام قد أقام عليه في 1996 دعوى جنائية بتهمة اختلاس أموال الدولة أثناء توليه منصب نائب رئيس الوزراء. وفي الآونة الأخيرة اختفى عبدالله جانوف من الساحة السياسية وسرت اشاعات عن انه يتمتع بحماية طشقند وأنه مختفٍ في الأراضي الاوزبكية. ولعل ذلك هو ما دفع اوزبكستان لاعلان موقفها الرسمي من حركة خودابردييف، إذ وزعت وزارة الخارجية بياناً في شأن تأييد للحكومة الطاجيكية برئاسة رحمانوف في نهجها الرامي الى التسوية السلمية، وأكدت "ان اوزبكستان أقرب جيران طاجكيستان وأكثرهم مصلحة في السلام والاستقرار في هذه البلاد". وأغلقت السلطات الاوزبكية حدودها مع مقاطعة لينين آباد وسمحت للامدادات العسكرية الطاجيكية بالمرور عبر أراضيها في اتجاه مدينة خوجند، مما بدد مخاوف دوشنبه وشكوكها في شأن موقف طشقند. ومن ناحيتها أعلنت موسكو استعدادها للمساعدة في إخماد التمرد المسلح وذلك في اطار معاهدة الأمن الجماعي الموقعة في العام 1992. ولم تصل أنباء حول مشاركة فرقة المشاة الآلية الروسية المرابطة في طاجيكستان، في إطار قوات حفظ السلام، في العمليات العسكرية، على رغم التأهب المعلن للقتال. إلا أن أوزبكستان وروسيا ظلتا تنتظران إشارة وتأكيداً من طاجيكستان على تعرضها لغزو خارجي يوجب نجدتها عسكرياً بموجب الحلف الثلاثي الذي وقعه الرئيس الروسي بوريس يلتسن أثناء زيارته لطشقند الشهر الماضي. ويخشى المراقبون في موسكو ان تتطور الأحداث بشكل يجعل روسيا تتورط في حرب لا يبدو أنها ستخدم مصلحتها بأي حال.