في إجراء نادر، انسحب النواب الممثلون لاحزاب المعارضة الوفد والتجمع والأحرار والناصري من جلسة مجلس الشعب التي أقرت قانون الشركات الجديد، قبل أيام اعتراضاً على نص مادة في القانون تمنح مجلس الوزراء الحق في الموافقة أو عدم الموافقة على الشركات الهادفة لإصدار الصحف. وتستثني المادة المعترض عليها، وتحمل الرقم 17 ب من القواعد العامة لتقديم أوراق الشركات ثلاثة أنواع هي: الشركات التي تهدف إلى إنشاء الصحف والتي تعمل في مجال الأقمار الاصطناعية أو الاستشعار عن بعد، في حين ان من حق بقية أنواع الشركات التقدم إلى مصلحة الشركات والحصول على الموافقة على العمل في خلال 15 يوماً فإن من حق مجلس الوزراء أن يحدد بنفسه الموافقة على هذه الشركات. وبادر نواب المعارضة المنسحبون الى مؤتمر صحافي في البهو الفرعوني في مجلس الشعب بينما بقية أعضاء المجلس يناقشون مواد القانون الأخرى واعلنوا اعتراضهم على هذه المادة. وقالوا إن الحكومة تلجأ إلى اساليب ملتوية لفرض قيود على حرية الصحافة وتقييد الاصدار. وقال أيمن نور النائب عن حزب الوفد، وهو صحافي، إن القانون يمنح مجلس الوزراء سلطة رفض إنشاء شركات الصحافة من دون إبداء الاسباب بينما قانون العلاقة يشترط على المجلس الأعلى للصحافة إبداء سبب الرفض على أن يتم اللجوء للقضاء. وقال النائب خالد محيي الدين رئيس حزب التجمع إن "الحكومة تتعامل بازدواجية، فهي ليبرالية في الاقتصاد وغير ليبرالية في السياسة". وكان النائب سامح عاشور ممثل الحزب الناصري قال في جلسة مناقشة القانون إن "هذا القانون مثل طبيب أراد أن يعالج عين مريض فيفتح بطنه"، في إشارة إلى محاولة الحكومة معالجة مشكلة الصحافة الصفراء التي يشكو بعضهم من قيامها بابتزاز عدد من الناس. وعلى جانب آخر، وبعد يوم من صدور القانون، اصدر مجلس نقابة الصحافيين بياناً أدان فيه مواد القانون، وقال إن النقابة ترفض هذه التعديلات، ووصفها بأنها قيد على حرية الصحافة يتناقض مع المبادئ التي أقرها الدستور وقانون تنظيم الصحافة. وأضاف البيان إن اعطاء مجلس الوزراء هذا الحق، وهو سلطة ادارية، يمثل شكلاً من أشكال الرقابة المسبقة وأنه لا يقضي على مشكلة التراخيص الاجنبية للصحف. من جانبه قال مكرم محمد أحمد نقيب الصحافيين، رداً على اسئلة "الوسط":"إن بيان النقابة واضح". وأضاف: "نحن قد نتفهم مخاوف الحكومة من نشوء شركات تكون لها صلة بجهات اجنبية، لكن مواجهة المخاوف لا تكون بهذا الشكل ونحن نطالب حكومة الدكتور الجنزوري بإعادة النظر في هذا القانون، وكنا نتمنى ان تكون نقابة الصحافيين شريكة فيه". وأضاف رداً على سؤال عما إذا كان هذا التطور سيعيد إلى الساحة النقابية أجواء قانون 93/9519 الذي احتشدت جموع الصحافيين ضده قبل عامين: "إن هذا المناخ لن يعود أبداً. لأن الموقفين مختلفان تماماً. فقانون 93 كان يريد حبس الصحافيين ويحدد مصادر معلوماتهم ويؤثر تماماً في مستقبل المهنة، بينما المشكلة هذه المرة محدودة وتتعلق فقط بالإصدار". وقال: "إن الذين يتحدثون عن مناخ قانون 93 كمن ينفخون في الزبادي بعدما لسعتهم الشوربة". يذكر في هذا السياق أن عدداً من اعضاء مجلس النقابة، بينهم وجدي مهنا أمين صندوق النقابة، كانوا قد كتبوا في الصحف يدعون إلى مواجهة مع الحكومة، والى حشد مثيل لما تم في مواجهة القانون 93 الى ان سقط. لكن هذا الهدوء في الخطاب النقابي لم يمنع جهات أخرى من إعلان رفضها القانون، إذ أعلن حزب العمل في بيان رسمي رفضه، وإن كان هذا الرفض شاملاً كل مواد القانون، حيث قال: "إن القانون يمنح الأجانب الحق في عضوية مجلس إدارة الشركات، وهو يمثل تطوراً سياسياً واقتصادياً خطيراً، لأنه أيضاً يعطي الأجانب الحق نفسه في إصدار الصحف، والتالي حق القرار الاقتصادي وحق التأثير في الرأي العام". لكن البيان لم يتعرض بشكل مباشر لحق مجلس الوزراء في الموافقة أو عدمها على تأسيس الشركات الهادفة لاصدار الصحف. صدر هذا القانون بعدما تم تأسيس عدد من الصحف وفق الاجراءات التي أقرها قانون الصحافة الذي صدر في العام الماضي، وأدى إلى صدور نوع جديد من الصحافة المستقلة - غير القومية وغير الحزبية في مصر - وصدر أيضا قبل أن تحصل بعض الشركات التي تمثل اتجاهات مختلفة على حق التأسيس بعد أن تقدمت بأوراقها الى مصلحة الشركات في انتظار فحص أوراق التأسيس واسماء المساهمين. لكن السؤال الاساسي في هذا الجدل الجديد هو إلى أي مدى يمكن ان يحدث تصعيد نقابي على مستوى الصحافيين والاحزاب والاطراف الاخرى المعنية ضد هذا القانون. والاجابة على هذا السؤال تستوجب رصد الملاحظات الآتية: 1 - ان القانون لم ينص بشكل واضح على رفض إنشاء شركات الصحافة من قبل مجلس الوزراء، وإنما أعطاه حق فحص الأوراق وابداء الرأي من دون اسباب. وهو ما يدفع الحكومة للقول انه ليس ضد حرية الصحافة لانها كما يمكن ان توافق يمكن ان ترفض. 2 - ان القانون لا يمثل مصلحة اساسية لعدد كبير من الصحافيين الذين يعملون بالفعل في مؤسسات مستقرة، وليست لديهم الرغبة في امتلاك الصحف، وبالتالي فهو لا يهدر مصلحة اساسية لهولاء يمكن ان تدفعهم إلى التحرك ضده بشكل سريع وفوري كما حدث في حالة القانون 93. 3 - ان كثيراً من المؤسسات الأخرى غير المستقلة تبدو في صمتها تجاه القانون وكأنها تؤيده، الأمر الذي يدعم وجهة النظر التي ترى ان هذا القانون قد يدافع عن مصالح تلك المؤسسات والتي يمكن ان تواجه منافسة قوية لو تم السماح بإنشاء شركات صحافية محترفة ومميزة ولديها تمويل جيد. 4 - ان الصحف المستقلة التي صدرت بالفعل لن تقف ضد القانون على اعتبار انها صدرت، وعلى اعتبار ان بعضها يواجه اتهاماً بأنه يروج عبارات الصحافة الصفراء وأهمها الابتزاز. 5 - ان الجماعات الراغبة في اصدار الصحف المستقلة ليست متبلورة بشكل واضح، خصوصاً رجال الاعمال الذين يعتقد بعضهم انه يمكن ان يحصل على موافقة منفردة إذا ما التزم مقتضيات معينة في اطار ان مجلس الوزراء لا يرفض فقط وانما يوافق ايضا.