عاد ملف حرية الصحافة في مصر ليحتل صدارة اهتمامات الرأي العام واعتبرها فريق بمثابة "بوادر أزمة" بينما رأى البعض الاخر انها "وقفة" مهمة مع "دكاكين رخيصة" أقحمت نفسها على الوسط الصحافي. وجاء لقاء الرئيس حسني مبارك واعضاء المجلس الاعلى للصحافة السبت الماضي في دورة انعقاده الجديد ليؤكد معان عدة ربما من ابرزها إصرار الدولة على استمرار مسيرة حرية الصحافة في اطار التعددية الحزبية القائمة من ناحية ورفضها في الوقت نفسه ان تؤدي الى تداعيات تطيح بما تحقق من انجازات في السنوات الاخيرة. وتمثل الصحافة المصرية واحدة من اهم أدوات التعددية الحزبية إن لم تكن ابرزها على الاطلاق للدور المهم الذي تلعبه في المجتمع المصري مقابل محدودية فاعلية الاداء الحزبي الجماهيري. ومن هذه الزاوية يمكن فهم التطورات الدراماتيكية التي جرت اخيرا والاسباب التي تدفع دائما بهذا الملف الى بؤرة اهتمام الرأي العام. ويمكن القول ان أحداثاً متعاقبة خلال الاسبوعين الماضيين اثارت التخوفات من العودة الى مناخ ساد قبل ثلاثة اعوام أثمر صدور قانون الصحافة الشهير رقم 93 الذي اعتبره الصحافيون بكل اتجاهاتهم "قانون حماية الفساد"، ودخلوا في مواجهة مع الحكومة استغرقت نحو العام لم يحسمها سوى تدخل الرئيس مبارك وإصداره توجيهات بالتعاون بين الطرفين لبلوغ صيغة توافقية تحقق مصالح المجتمع وتحافظ على حرية الصحافة وهو ما تحقق بدرجة كبيرة في اصدار القانون 6 لسنة 1996 الخاص بتنظيم سلطة الصحافة. وبرزت الاحداث الجديدة بعد صدور اول حكم قضائي من نوعه في تاريخ الصحافة المصرية بحبس رئيس تحرير صحيفة "الشعب" المعارضة مجدي احمد حسين وهو في الوقت ذاته يشغل منصب امين عام مساعد حزب العمل المتحالف سياسيا مع جماعة "الاخوان المسلمين"، بعد إدانته في قضية نشر سب وقذف نجل وزير الداخلية السابق اللواء حسن الالفي. وقبل ذلك كانت التعديلات الحكومية في قانون تأسيس الشركات خصوصاً المتصلة بإصدار صحف واشتراط موافقة مجلس الوزراء عليها قبل تقديم اوراقها الى الجهات المختصة ما اعتبرته النقابة الصحافية واحزاب معارضة قيوداً ادارية جديدة على حرية اصدار الصحف. وتضاعفت ظواهر الازمة مع صدور قرار وقف طبع صحيفة "الدستور" الاسبوعية التي تصدر برخصة اجنبية في القاهرة، وعلى هامش تلك الاحداث تم تحويل خمسة صحافيين آخرين الى محاكم الجنايات بتهم تتراوح بين القذف والسب والتشهير بمسؤولين حكوميين. وقبل الولوج الى جوهر المشكلة لا بد من الاشارة الى نقاط مهمة. اولها التدخل السريع من جانب الرئيس مبارك بلقائه أعضاء المجلس الاعلى للصحافة في بداية دورة انعقاده وقبل اتخاذ اية اجراءات من جانب الحكومة ربما تثير في الاذهان اشتباكاً رسمياً جديداً مع الصحافة والاعتداء على حرياتها، خصوصاً وان الجميع يشهد بما حققته الصحافة من انجازات في عهد الجمهورية الثالثة. اما ثانيها فيتصل بحديث مبارك والهيئة المسؤولة عن الصحافة المصرية التي كشفت عن رغبته في تولي المجلس ونقابة الصحافيين بانفسهم مسؤولية معالجة الاوضاع ومواجهة الظواهر السلبية التي جرى رصدها في المرحلة الماضية وآثارت حفيظة المجتمع الصحافي ذاته، وتمثل ذلك في إعلان رئيس المجلس الاعلى للصحافة الدكتور مصطفى كمال حلمي عقد اجتماع عاجل في اليوم التالي للقاء الرئيس مباشرة من اجل دراسة الموقف وصوغ تصورات التعاطي معه ايجابيا. ويتصل ثالثها باتفاق الاطراف على حدوث تجاوزات من بعض افراد الاسرة الصحافية في مصر ارتبطت بخروج بعض المطبوعات عن قواعد المهنة وقيم المجتمع وعاداته وتقاليده، وظهور خطاب جديد لدى هذا البعض يعتمد على إثارة الغرائز والتشهير من دون سند قانوني او دليل ضد مسؤولين او شخصيات عامة. ولم يمنع ذلك الاتفاق ظهور خلافات عميقة في تفسير هذه الظواهر واسبابها ووسائل الخروج منها ما اعتبره مراقبون بوادر "أزمة" جديدة حول ملف حرية الصحافة اخذت شكلاً جديدا في مواجهة صحافية بين الطرفين في شأن ما اتفقوا على تسميته ب "الصحافة الصفراء" او كما اسماها الكاتب لطفي الخولي ب"الصحافة الفضائحية". وفي حين اتهمها فريق بالابتزاز وتشويه وجه الصحافة المصرية وانها ستؤدي الى العصف بمكتسبات حققتها الاسرة الصحافية ما يقتضي تصفيتها، اعتبر فريق آخر ان تلك الظاهرة هي انعكاس طبيعي للإطار القانوني الذي يحكم ملكية وأصدار الصحف ما يقتضي تعديله لجهة ميلاد طبيعي لصحافة جديدة تتماشى والتطورات المحلية والدولية. يقول الصحافي ابراهيم عيسى رئيس تحرير صحيفة "الدستور" إن المشكلة تكمن في التعنت في طريق الاصدارات الخاصة عبر الشركات المصرية. وهناك ست قضايا امام محكمة القضاء الاداري تطعن في قرار الحكومة برفض الترخيص لهذه الشركات واطلاقها على رغم استيفائها الشروط والاموال اللازمة للاصدار. يزيد من عمق تلك المشكلة التعديل الاخير لقانون الشركات المصري الذي حدد موافقة مجلس الوزراء على تأسيس شركات الصحافة والاقمار الاصطناعية والاستشعار من بُعد لإطلاقها، أو الرفض فمن دون ابداء الاسباب. وربما كان استشعار نقابة الصحافيين ببوادر التطورات الجديدة هو السبب في تشكيلها لجنة صحافية قانونية لجنة الپ16 لوضع اللائحة التنفيذية لقانون سلطة الصحافة التي تأخرت عامين كاملين لضمان تنفيذه بشكل يضمن الاستمرار للحياة الصحافية في مصر. أزمة أم افتعال؟ هذا التباين لم يتوقف عند حدود التفسير أو التحليل بل تعداه الى الخلاف عن تفسيره، إذ أنكر فريق وجود ازمة في الاساس واعتبر استخدام هذا التوصيف بمثابة "افتعال" لأن ما يحدث يرتبط بصحافة إما اجنبية او صحافة إثارة وشتائم، أما الآخرون فيحذرون من مخاض ازمة تتفاعل تحت مسميات مختلفة حتى تنفجر مجدداً. ويقول امين عام المجلس الاعلى للصحافة في مصر رئيس تحرير صحيفة "الاخبار" الصحافي جلال دويدار: "لسنا في ازمة فانضباط الصحافة وتفعيل مواثيق الشرف الصحافي والحرص على الصحافة المنضبطة والملتزمة لا يشكل ازمة وأية خروج عن تلك الاخلاقيات يهدد حرية الصحافة، ولا بد ان يواجَه فوراً". ورداً على سؤال عن ما إذا كان لا يرى ان توقيف صحف وإغلاق أخرى وسجن صحافيين لا يشكل أزمة. قال دويدار: "دلني على صحافي كتب مقالاً سياسياً وصودرت صحيفته أو قُصف قلمه، ولكن ابداً لن يُسمح بصحافة الابتزاز والمواخير، صحافة الجنس ليس لها مكان في مصر، وعندما تتحول الصحافة الى صحافة صفراء فلا بد ان نأخذ في الاعتبار مصالح مصر العليا". واضاف: ان "النقابة والمجلس الاعلى للصحافة ضد هذه النوعية من الصحافة لأنها تؤثر على سمعة الوطن وعلى سمعة الصحافة الجادة". واستنكر دويدار اتهام إحدى الصحف زوجة وزير الاوقاف المصري بأنها يهودية. واعتبر أن ذلك من شأنه تأليب المجتمع وشحنه ضد الصحافة ككل لتصبح الصحافة المصرية متهمة بانتهاك الأعراض. الصحافي المصري حسين عبدالرازق رئيس تحرير مجلة "اليسار" الشهرية التي تصدر عن حزب التجمع اليساري وعضو لجنة الپ16 قال لپ"الحياة": إنها ازمة قديمة موجودة ومستمرة وكامنة في صلب العلاقة بين السلطة والصحافة سواء في الإطار القانوني أو في طريقة التعامل بين السلطة والصحافة. تطفو الأزمة على السطح حيناً وتخبو أحيانا وفي كل الاحيان هناك أزمة لا سبيل لإنكارها. ودليلي على ذلك الاجراءات التي بدأت منذ 12 شباط فبراير الماضي حتى الآن. فاضافة مادة في قانون الشركات تجعل اصدار الشركات المساهمة تخضع لموافقة مجلس الوزراء وكانت تلك الشركات منفذاً حقيقياً لإصدارات مصرية مستقلة عن الدولة والاحزاب. ثم سجن الصحافي مجدي احمد حسين الذي أكد امرين، الاول ان قانون العقوبات المصري ما زال يفرض على جرائم النشر عقوبة السجن وهي ظاهرة خطيرة ربما تنفرد بها مصر في العالم الديموقراطي، فكل الانظمة الديموقراطية ابتعدت عن العقوبات سالبة الحرية. الثاني هو ان سجن الصحافي يعني ان القضاء المصري بدأ ومنذ عامين يتجه نحو التشدد في قضايا الرأي والصحافة واصبح ينزع لعقوبة الحبس بدلا من الغرامة والتعويضات التي كان يعتمدها من قبل في جرائم النشر. وارى ان هذا التشدد يرجع الى المناخ المثار حاليا في الصحف الحكومية ولدى اجهزة الدولة التي تشن الحملات ضد الصحافيين. ولعل منع طباعة "الدستور" هو اجراء كاشف عن حقيقة اساسية في تلك الازمة تتمثل في ان القيود على اصدار الصحف شديدة جدا، فهى وإن كانت تسمح بصدور نحو 80 صحيفة بتراخيص اجنبية فإنها في الوقت نفسه تتيح مصادرة أي من هذه الصحف من دون ان يكون لها حق اللجوء للقضاء لانها مطبوعة اجنبية. فحق صدور هذه الصحيفة منوط بجهاز الرقابة، والطبع والتوزيع منوطا بوزارة الاعلام أي خاضعة للحكومة. إذاً الأزمة - كما يقول عبدالرازق - قائمة وتكشف عن نفسها، ومن يتحدثون عن حرية صحافة في مصر يتجاوزون حقيقة انها حرية ناقصة من حيث شكل الملكية 80 في المئة تخص الدولة والقيود على الاصدار والقوانين التي تتعامل بها الحكومة مع الصحف تصل الى ثمانية قوانين جميعها تذهب بالصحافي الى السجن لمجرد ان يكتب. ولو طبقت المواد الموجودة في قانون العقوبات وحده لكان كل ما نكتبه يدخلنا السجن. ويضيف عبدالرازق: المشكلة هي ان الحملة على صحف الاثارة والفضائح موجودة ونحن معها لكن الضربات لم تمس هذه الصحف بل وجهت اساساً الى الصحف ذات التوجه الجاد، والحكومة عندما تضرب الصحافة الجادة فإنها تستند الى شيوع صحافة الجنس، واذا سألت ومن المسؤول عن شيوع تلك الصحافة؟ تجد ان الحكومة هي التي سمحت بها وان النقابة لم تواجهها والحل ليس في مزيد من القيود كما يتصور البعض". ويورد النقيب السابق للصحافيين رئيس مجلس إدارة وتحرير صحيفة "الاهرام" الاستاذ ابراهيم نافع ملاحظات اخرى على مسيرة الصحافة المصرية تتعلق عموما بالفارق بين النقد والتهجم والرصانة والاثارة من ناحية وحرية الصحافة ودورها في العالم النامي وخصوصيتها التي تتعلق بظروفه الذاتية التي تجعل مسؤولية الصحافة فيه مضاعفة في دفع مجتمعاته الى الامام خلال فترات قصيرة، على عكس ما يحدث في الدول المتقدمة التي اتاحت لها ظروف تاريخية معينة ان تتقدم عبر قرون عدة، ما يعني ان ما يعد ترفاً في بعض المجتمعات يعد ضرورياً في مجتمعات اخرى. ويرصد نافع في مقاله الاسبوعي الذي نشره في صحيفة "الاهرام" الجمعة الماضي وقبل لقاء مبارك واعضاء المجلس الاعلى للصحافة ان "البعض في الصحافة المصرية وهو يسعى الى تحقيق هدف الحرية الصحافية اصبح ينظر اليها من نافذة العالم الاول المتقدم ويجاريه في المواضيع والقضايا التي تثير اهتمام القارئ آخذاً منها جانبها المثير والفضائحي غافلاً عن دورها العضوي في بناء المجتمع ما قد يؤدي الى افتقاد العلاقة مع الاستثمار الى الحساسية المطلوبة في مرحلة دقيقة وحرجة، والواضح ان قلة معينة في صحافتنا الوطنية عقدت العزم من خلال الاساليب الصحافية المثيرة على ان تزعزع الثقة في الاقتصاد الوطني". الصحافي ابراهيم عيسى رئيس تحرير صحيفة "الدستور" قال: "اعتقد ان هناك ازمة حقيقية قائمة ومستمرة وضيق واضح في هامش الحرية والتعبير، وأرى ان العمود الفقري لتلك الازمة هو ضيق الحكومة بالهامش المحدود لحرية التعبير خصوصاً ان الهامش المتروك مطلوب ان يوظّف لمصلحة الحكومة ضد الارهاب. لكن كيف تفصل الارهاب عن الفساد والحديث عن الفساد يزعج رجال الاعمال الذين يحتاجون إلى مناخ مرحب وليس ناقدا، ولو وضعت خضوع شركات الصحافة المستقلة لسلطة الحكومة وسجن صحافي مثل مجدي احمد حسين واغلاق الدستور ومنعها من الصدور حتى برخصة مصرية حزبية. اظن ان هذا مناخ أزمة حقيقية وليس مفتعلاً من جانب المتضررين كما يقولون، فرسالة سجن مجدي احمد حسين تعني ببساطة ان اي صحافي ممكن ان يدفع من حريته ثمن مقال ربما لا يعني ما استنبطه هؤلاء من افكار ربما لم تكن واردة في المقال من الاصل فما بالك لو كانت واردة وواضحة". ويضيف ابراهيم عيسى الذي رفع دعوى قضائية لاسترداد الحق في اصدار "الدستور" والغاء قرار ادارة المطبوعات الاجنبية بمنع طبع وتوزيع صحيفته في القاهرة، "إن حرية الصحافة مهددة وممنوحة في الوقت نفسه، واي ظروف غير مواتية يمكن ان تطيح بها: قانون 93 الذي الغاه الصحافيون بتظاهراتهم كاد يقتل الصحافة وبقاياه في القانون 1996 تعصف بالمهنة". وحول اعتبار "الدستور" صحيفة اجنبية قال: لا توجد اصدارات اجنبية في مصر، هي كلها اصدارات بشكل غير منتظم ومتباعدة ولا تتمتع بصفة الاستمرار ولا توزع في السوق المصري باستثناء "العالم اليوم" و "الدستور" وكل ما يقال عن الصحافة الاجنبية او الصحافة الفضائحية يراد به التشويش على حقيقة الازمة". الصحافي مصطفى بكري رئيس تحرير صحيفة "الاسبوع" الاسبوعية المستقلة قال: "لا اتصور ان الصحافة المصرية تمر بأزمة في الوقت الراهن، لأن وجود بعض الظواهر النشاز في مسيرة هذه المهنة لا يعني انها تعاني ازمة في الهوية أو على مستوى الاداء، وكل ما اتصوره هو ان هناك بعض الدخلاء على الصحافة المصرية الذين رأوا ان الطريق الوحيد لانتشارهم واستمرارهم، ولو لفترة من الوقت، هو اللجوء الى صحافة الجنس والاثارة ومحاولة توظيف الاداة الصحافية في عمليات ابتزاز واسعة خاصة في مواجهة بعض رجال الاعمال. واعتقد ان هذه الصحف تعاني الآن من انتقادات شديدة في الشارع المصري ولدى صناع القرار، كما ان كتّابا في صحف معارضة ومستقلة وحكوميين يطالبون بتحرك الدولة لمواجهة تلك الظاهرة الغريبة عن الصحافة المصرية والتي تتصادم مع قيم الشارع وكان تحرك نقابة الصحافيين والمجلس الاعلى للصحافة - وإن كان محدودا - عملاً ايجابياً في مواجهة تلك الظاهرة واظن ان المجلس، بتشكيلته الجديدة، معني بوضع حد لهذا الخروج عن السياق العام". اضاف: المعلومات عندي هي ان المجلس ربما يتخذ اجراءات ضد الاحزاب التي تتاجر بصحفها بأن يلغي ترخيص اية صحيفة تخرج عن الخط السياسي للحزب او تتصادم مع افكاره، كما ان النية مبيتة الآن لاتخاذ اجراءات ضد صحف الجنس والابتزاز التي تصدر عن احزاب سياسية بعينها، وهذا امر طبيعي ولا يستطيع احد ان يعارضه او يصفه كتعبير عن ازمة او محاولة لوأد حرية الصحافة. اما عن توقيف "الدستور" قال بكري: "انني على قناعة بأن الحكومة لن تتخلى عن حرية الصحافة ولا احد يستطيع ان يزايد على موقف الرئيس مبارك الداعم لحرية التعبير طوال 15 سنة تعرض خلاله هو ونظامه لاستفرازات خرجت عن الحدود". وأكد أنه ضد سحب حق طباعة "الدستور" وتوزيعها في مصر. الكاتب الصحافي صلاح عيسى يقول: إن "الشواهد تقول اننا في الطريق إلى الأزمة مظاهرها تتمثل في وجود ضيق في المجتمع من الطريقة التي تمارس بها بعض الصحف حريتها ونزوع نحو التشدد في تطبيق القوانين القائمة لدى القضاء واتجاه لدى بعض دوائر الحكم لمحاولة وضع ضوابط قانونية اشد على ممارسة الحريات الصحافية خاصة حق اصدار الصحف. والدلائل على ذلك واضحة في كثرة عدد القضايا المعروضة امام القضاء، وسحب ترخيص "الدستور" ونقل الصحافي عادل حمودة الى صحيفة "الاهرام"، كل ذلك يؤكد اننا مقبلون على ازمة تحتاج من كل الاطراف السيطرة على مفرداتها حتى لا تصل إلى رحلة التفجر". واستغرب عيسى السماح للصحف الفضائحية بالصدور عن احزاب سياسية او لبعض الشركات الخاصة في الوقت الذي يواجه الراغبون في اصدار صحافة جادة محترمة وذات توجهات سياسية عقبات عدة. ومن جانبه يتخوف الكاتب الصحافي جلال عارف نائب رئىس تحرير صحيفة "الاخبار" من انفجار الازمة على نحو غير مسبوق خصوصاً ان كل شيء وارد حدوثه مع تداخل مصالح رجال الاعمال مع ازمة الصحافة القومية ومع مشاكل الصحافة الاجنبية المطبوعة في القاهرة والتي شجعتها الدولة لكي تحقق الديكور الديموقراطي بوجود عشرات منها في السوق وتغلق في الوقت الذي يراه الرقيب، ومع وجود تدني في الاداء الصحافي وانتشار صحف الاثارة. وينفي زعيم الاغلبية البرلمانية في مجلس الشعب البرلمان، الناطق باسم الحزب الوطني الحاكم احمد ابو زيد وجود ما يسمى بپ"ازمة صحافة في مصر" انطلاقا من ان ما يجري الان هو بمثابة "مواجهة مع دكاكين صحافية رخيصة ظهرت في الفترة الاخيرة واستشرت بصورة اصبحت تسيء الى الصحافة المصرية الوطنية المسؤولة التي لم يمسها اي اجراء او انتقاد". ويشير ابو زيد الى أن "ما يجري الان هو وقفة مع صحافة الاثارة ذات التأثير الخطير على الرأي العام المصري". ويتوقف ابو زيد امام انتقادات البعض قانون شركات اصدار الصحف، مشيرا الى ان ما ورد فيه من شرط موافقة مجلس الوزراء عليها لا يعد قيدا قدر ما هو ضمانات لحماية الصحافة من اي محاولات للتسلل الى كوامن المجتمع وقواعده، وأوضح ان القوانين المصرية اتاحت الفرصة امام رأس المال الاجنبي لانشاء شركات يمتلك كل اسهمها ما عدا الصحافة حتى لا يتعرض الرأي العام لمخاطر تهدد وعيه وقيمه وتقاليده. الخلافات القائمة بين الاطراف تشير الى وجود مناطق اتفاق وتباين ما يعني ان تفاعلات متوقعة ستظهر آثارها قريبا بصورة ربما تختلف عن المواجهة التي جرت ابان ازمة قانون 93 الشهير التي توحد فيها كل الصحافيين في مواجهة المشروع الحكومي آنذاك. ويعتقد مراقبون للاوضاع الداخلية ان ترتيبات قانونية جديدة ستجد طريقها الى الصدور خلال فترة وجيزة لمعالجة ظواهر عدة افرزتها الايام الاخيرة، وترتبط في جوانب منها بحقوق اصدار الصحف سواء المستقلة او الحزبية من ناحية، والدور الاقليمي المنوط بالصحافة أداؤه للحفاظ على الامن القومي المصري من ناحية اخرى ويحقق في الوقت ذاته الانضباط المطلوب في مواجهة "مثيري الازمة" داخل الاسرة الصحافية المصرية.