امتدت آثار ردود الفعل التي أعقبت «ثورة 25 يناير» في مصر الى بعض النقابات المهنية التي تعيش هي الأخرى حزمة من التحولات، خصوصاً في نقابات الرأي. فعلى رغم تمتع هذه الأخيرة بهامش من الاستقلال، لم تكن بمنأى عن «هيمنة» رجال الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، وأبرز تلك النقابات نقابة الصحافيين المصريين التي تعيش فراغ مرحلة ما بعد اعتذار نقيبها مكرم محمد أحمد عن ممارسة مهامه. فهذه النقابة تشهد أزمة ميلاد نقابات موازية بدأت استقطاب كثر من العاملين في مهنة الصحافة، إذ أعلنت أخيراً مجموعة الصحافيين العاملين في مصر تأسيس «نقابة الصحافيين المستقلين». هؤلاء الصحافيون كما يؤكد وائل توفيق، أحد مؤسسي النقابة، «لم يحصلوا على عضوية نقابة الصحافيين المصريين لأسباب تتعلق بنظم ولوائح استبدادية مشوهة، ومن ثم جاءت مبادرة تأسيس النقابة المستقلة للصحافيين بالتضامن مع مجموعة من زملائنا النقابيين الذين أعربوا عن اقتناعهم بأهمية استقلال العمل النقابي». ووفق توفيق، جاءت المبادرة على خلفية رفض الأوضاع القائمة وشروط النقابة الرسمية وقوانينها ونظمها حالياً، والتي جعلت غالبية الصحافيين العاملين بانتظام في المهنة ومن مختلف الصحف غير ممثلة فيها ولا تحظى بعضويتها، بل لا تنتمي إلى أي تنظيم نقابي يعبر عن مصالحها ويدافع عن حقوقها. وهذه الأوضاع، كما يراها توفيق، «جعلت نقابة الصحافيين القائمة» نقابة طاردة وتنتقي أفرادها وفق شروط غير قانونية في الأساس. فعلى خلاف بعض شروط الانضمام التي تتبعها النقابة الرسمية والتي ترتبط بالسلطة بقيد أعضاء جدد بعد موافقة رئيس التحرير أو رئيس مجلس الإدارة، وبعد التعيين بعقود رسمية في المؤسسات، ستعتمد عملية القيد في النقابة الوليدة على الأرشيف الصحافي الذي يشدد على ممارسة المهنة بانتظام والالتزام بمعايير ومواثيق الشرف المهني والاعتماد على العمل الصحافي كمصدر أساسي للدخل». والمتأمل في المشهد الصحافي المصري يعرف أن الإعلان عن تأسيس النقابة الجديدة هو ابن متغير رئيس يرتبط باعتراف وزير القوى العاملة في الحكومة المصرية الجديدة أحمد البرعي ب «التعددية النقابية» وموافقته على إعلان عدد من النقابات المستقلة في آذار (مارس) الماضي، ولكن قبل هذا الاعتراف كانت «نقابة الصحافيين المستقلين» تمارس عملها تحت عنوان «رابطة» نجحت وفق مؤسسها توفيق في تقديم الدعم القانوني لعدد من الزملاء الصحافيين الذين تعرضوا لمشكلات مع المؤسسات الصحافية التي يعملون فيها، إذ دعمت الرابطة الصحافيين المفصولين في صحف «المسائية» و «الأهالي» و «الفجر»، وقدمت لهم دعماً قانونياً ولوجيستياً عبر شبكة من المحامين المتطوعين بالتعاون مع بعض مؤسسات المجتمع المدني المعنية بحرية الصحافة. ونجحت الرابطة خلال العامين الماضيين في الحصول على أحكام قضائية منصفة بحق بعض الصحافيين ألزمت الصحف بتعيينهم رسمياً. تؤكد النقابة المستقلة في بيان تأسيسها «الالتزام بتمثيل الصحافيين في مواجهة أصحاب الصحف وملاكها وممثليهم، وحماية حقوقهم المهنية والنقابية، لتكون نقابة للصحافيين وليست نقابة لملاك الصحف». وعلى صفحتها في موقع «فايسبوك»، أعلنت نقابة الصحافيين المستقلة لائحتها الداخلية، مؤكدة أنها منظمة تقوم على العضوية الاختيارية ولا تبتغي الربح. وحددت اللائحة أهداف النقابة المستقلة في الدفاع عن حقوق الصحافيين، والسعي إلى الضغط على الحكومة والمؤسسات والشركات لتطوير عملية النشر وسياستها وتوفير المعلومات، والارتقاء بالكتابة الصحافية المتوازنة وفقاً لأخلاقيات المهنة. وبخصوص العضوية، نصّت اللائحة على أن تكون عضوية النقابة مفتوحة لكل من يباشر بصفة أساسية ومنتظمة مهنة الصحافة، ويتقاضى عن ذلك أجراً شرط ألا يباشر مهنة أخرى، وأكدت أنها تقبل أيضاً معدي البرامج (التلفزيونية) ومحرري نشرات الأخبار (في القنوات المرئية). وأشارت إلى أن النقابة لن تضم في عضويتها العاملين في مؤسسات إعلامية في غير أعمال التحرير، مثل عمال الطباعة وموظفي الأرشيف والسكرتارية وعمال النظافة والسائقين وموظفي الإدارة والتسويق. كما لا تضم النقابة في عضويتها موظفي العلاقات العامة والكتاب والمحررين الذين يعملون في إصدارات ونشرات ترويجية أو إعلانية ممن يعوزهم شرط الاستقلالية في عملهم التحريري. وعن التمويل، أوضحت اللائحة أن مواردها المالية تتكون من رسوم القيد واشتراكات الأعضاء والتبرعات والهبات، مضيفة أن جميع أموال النقابة ملك لأعضائها ولا يجوز استخدامها في غير أهداف استمرار النشاط سعياً إلى تحقيق أهدافها. وسمحت اللائحة للنقابة بتلقي التبرعات أو الهبات شرط موافقة الجمعية العمومية للنقابة بالغالبية المطلقة، بعد عرض مجلس النقابة تفاصيل التبرعات أو الهبات ومصادرها. ولم يكن الإعلان عن تأسيس «نقابة الصحافيين المستقلين» هو الأزمة الوحيدة التي تواجه نقابة الصحافيين القائمة، إذ جاء هذا الإعلان مصحوباً بالإعلان عن تأسيس «نقابة الصحافيين الإلكترونيين» بمبادرة من الصحافي صلاح عبدالصبور الذي عزا - في تصريحات - مبادرته إلى عدم وجود كيان يجمع الصحافيين الذين يعملون في المواقع الإخبارية، نظراً إلى عدم اعتراف نقابة الصحافيين المصرية بهم، إذ يحتاج هؤلاء إلى من يدعم حقوقهم ويساعدهم في الحصول على التأهيل اللازم للعمل الصحافي الإلكتروني، وكذلك لغياب القوانين التي تنظم العمل في هذه المهنة الحديثة نسبياً في مصر، مع كل ما استجدّ بها من تطورات تميّزها عن الصحافة التقليدية. وتهدف «نقابة الصحافيين الإلكترونيين»، كما تشير في بيانها، إلى مكافحة قرصنة المعلومات والحفاظ على حقوق الصحافيين والمواقع المختلفة، مع انتشار وسهولة سرقة المعلومات والأخبار ونسبها إلى غير أصحابها من دون وجه حق». وجاءت أولى خطوات تأسيس هذه النقابة عام 2009 مع تأسيس الاتحاد العربي للصحافة الإلكترونية الذي يجمع أكبر عدد من العاملين في الصحافة الإلكترونية في العالم العربي، لدعم المهنة والمحتوى العربي على الإنترنت على حد سواء. ووصل عدد الطلبات المقدمة للانضمام إلى النقابة إلى أكثر من 600 طلب. ووفق ما أعلنته النقابة الوليدة، لا يشترط في المتقدم إلى عضوية النقابة أن يكون لديه عقد عمل في مكان ما، ولكن يشترط أن تكون أساساً لديه الخبرة والمعرفة الكافيتان لتسميته صحافياً إلكترونياً، ما يتم تحديده من طريق اختبارات يدخلها المتقدمون قبل الحصول على العضوية. واللافت أن نقابة الصحافيين الرسمية استقبلت الإعلان عن تأسيس النقابتين الوليدتين بردود فعل عنيفة اشترك فيها أعضاء مجلس النقابة المنتخبين من مؤسسات قومية والمنتخبين بسبب خلفياتهم السياسية اليسارية الداعمة لحرية العمل النقابي. وتركز الاعتراض الرئيس على قرار وزير القوى العاملة والهجرة بتأسيس نقابات عمالية مستقلة، معتبرين أن هذا القرار خاص بالنقابات العمالية ولا علاقة له من قريب أو بعيد بالنقابات المهنية مثل الصحافيين والمحامين والأطباء والمهندسين والصيادلة... وغيرها من النقابات المهنية الأخرى وعددها 24 نقابة مهنية. واعتبر جمال عبدالرحيم، عضو مجلس نقابة الصحافيين، في تصريحات أن تأسيس النقابات المهنية يشترط موافقة مجلس الشعب وإقرار قانون خاص لكل نقابة ينظم عملها كشروط القيد والعضوية وإجراءات الانتخابات وخلافه. وهذه النقابات المهنية هي التي تمنح ترخيص مزاولة المهنة، وهو منطق رفضه وائل توفيق مؤسس نقابة الصحافيين المستقلين، مؤكداً أن الاتفاقات الدولية والتراث النقابي إجمالاً لا تفرق بين نقابة عملية ونقابة مهنية والتفرقة «مبتكرة» من الأنظمة الشمولية والاستبدادية التي حاولت استخدام النقابات المهنية لخدمة وجودها الاستبدادي عبر رشى خدمية تقدم لأعضائها في صورة امتيازات لتمييزهم اجتماعياً وإخراجهم من دائرة النضال ضد هذا الاستبداد. ويرفض توفيق النظر إلى مبادرته بصفتها استمراراً لظاهرة تفتيت النقابة الأساسية التي شهدت محاولة قديمة في هذا الاتجاه، مؤكداً ان مبادرته هدفها حماية المهنة وبث الوعي النقابي لدى أعضائها خارج جدول الامتيازات الذي كان سبباً في إفساد المهنة على حد قوله. فالأولى بالنقابة حالياً تحسين بيئة العمل والضغط على أجهزة الدولة لتقديم خدماتها للمواطنين كافة وليس للصحافيين فقط. ويبدي توفيق تفاؤله بمستقبل النقابات المستقلة قائلاً: «مستعدون لأية مواجهات قانونية، فالطعن في شرعية النقابات المستقلة كفيل بإعادة مصر الى اللائحة السوداء كدولة معادية للحريات النقابية». ويؤكد عبد المحسن سلامة، وكيل نقابة الصحافيين، تفهمه لمساعي تأسيس نقابات موازية، لكن في المقابل يرى أن ثمة مخاوفَ من أن يؤدي ذلك الى تفتيت وحدة العمل النقابي، مؤكداً أن النقابة باتت مطالبة أكثر من أي وقت مضى بالنظر في أهمية توسيع جداول عضويتها وتوسيع قاعدة الانضمام إليها وفق شروط وقواعد جديدة، لكن تأسيس نقابات موازية لا يخدم هذه المطالب بقدر ما يؤدي الى تفتيت وحدة العمل النقابي ويهدد الامتيازات الخدمية للعاملين في مهنة الصحافة. لكن ما تشهده نقابة الصحافيين حالياً يؤكد مجدداً أهمية تعديل القانون الحالي للنقابة ورقمه 76 لعام 1970، بعد مضي أكثر من أربعين سنة على صدوره، ما يجعله «خارج سياق العصر».