تماماً مثلما حدث عشية زيارة منسق عملية السلام الأميركي دنيس روس قبل أسابيع، حيث سبقت وصوله بيوم واحد عملية التفجير الانتحارية المزدوجة في القدس الغربية، ستبدأ وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت أول جولة لها في منطقة الشرق الأوسط بعدما سبقتها عملية مشابهة كانت القدس الغربية أيضاً مسرحها. وحتى قبل وقوع هذه العملية الجديدة، فإن أحداً لم يكن يجرؤ على توقع نجاح السيدة أولبرايت في تحقيق اختراقات فعلية أو التوصل إلى اتفاقات جديدة تنقذ عملية السلام من المحنة العميقة التي تعانيها. لكن مجرد اتخاذ الوزيرة الأميركية قرارها المضي قدماً في زيارتها الأولى الى المنطقة منذ تعيينها، وبعد امتناع متعمد دام أشهراً، أثار مناخاً من "الترقب الايجابي"، على الأقل لدى الأطراف العربية التي تنظر إلى هذه الخطوة الآن باعتبارها مؤشراً محتملاً على عودة الاهتمام الأميركي بعملية السلام، وربما على تجدد عزم إدارة الرئيس بيل كلينتون على استئناف جهودها بشكل فعال لاحياء هذه العملية وتنشيطها. ويشابه هذا الترقب الايجابي المحيط بجولة أولبرايت الى حد ما الشعور الذي كان ظهر عندما قام روس بزيارة المنطقة قبل أسابيع لمعالجة التأزم الخطير بين الحكومة الاسرائيلية والسلطة الفلسطينية الذي لا تزال تفاعلاته ماثلة. والواقع أن المحادثات التي أجراها مع المسؤولين الاسرائيليين والفلسطينيين أثناءها لم تسفر عن أكثر من نزع موقت لفتيل الانفجار الشامل الذي كان يبدو وشيكاً آنذاك، والذي كان من شأنه أن يضع المسار الفلسطيني - الاسرائيلي، بل عملية السلام برمتها، على شفير الانهيار. من هذا المنطلق شكلت محادثات المنسق الأميركي، ونجاحه الجزئي في الحؤول دون انزلاق عملية السلام الى هاوية لا قرار لها، تمهيداً كان لا بد منه لتمكين الوزيرة أولبرايت من القيام بجولتها المرتقبة. وكانت الوزيرة الأميركية صريحة في تحديد الشروط اللازمة لمجيئها، إذ رهنت زيارتها للمنطقة بالوضع الأمني وبضرورة استتبابه. والواضح ان الإدارة الأميركية اعتبرت ان المتطلبات الأمنية توافرت بما فيه الكفاية منذ زيارة روس الأخيرة حتى بات بمستطاع أولبرايت القيام بزيارتها التي طال انتظارها، فالانفجار الذي كان يخشى وقوعه في الأراضي الفلسطينية لم يحدث، والتصعيد الدوري في الوضع على الحدود اللبنانية - الاسرائيلية بقي ضمن حدود معينة لم يتجاوزها، في حين بقت التهديدات والتحذيرات المتبادلة بين الحين والآخر بين سورية واسرائيل داخل اطر لفظية تعكس، في الدرجة الأولى، الجمود الذي يسيطر على الصراع وجهود التسوية. وإذا كانت واشنطن اعتبرت ان مجرد نجاح روس قبل أسابيع في المحافظة على الجمود وكسب الوقت والحيلولة دون انهيار السلام بشكل كامل انجاز حيوي يمكن الانطلاق على أساسه، فإن توقعات المصادر الديبلوماسية الأميركية في شأن جولة أولبرايت وفرص نجاحها لا تزيد كثيراً في تفاؤلها. بل على العكس، فإن أوساط وزارة الخارجية الأميركية تبدي قدراً ملحوظاً من الحرص على التخفيف من وقع النتائج المحتملة التي يمكن أن تسفر عنها الزيارة، والإبقاء على أي آمال معلقة عليها في حدود دنيا وبالغة التحفظ. وقد يكون هذا التوجه مفهوماً ومبرراً في ضوء المصاعب الضخمة التي يدرك المسؤولون الأميركيون جيداً ان أولبرايت مقبلة عليها في أي محاولة ستقوم بها لاحياء عملية السلام وتنشيطها. كما أنه يمكن فهم دوافع هذا التحفظ من منطلق الحرص على عدم اشاعة أي اجواء تفاؤلية زائفة قد تنعكس سلباً على مهمة وزيرة الخارجية وعلى مصداقية السياسة الأميركية. وتؤكد المصادر الأميركية، وتتفق معها في هذا المجال مصادر ديبلوماسية عربية وأوروبية أن الغرض الأول من جولة أولبرايت سيكون "استكشافياً". وربما فضلت هذه المصادر استخدام هذا التعبير لدواع ديبلوماسية بغية تجنب استخدام عبارة من قبيل "تقصّي الحقائق" التي كان وزير الخارجية السابق وارن كريستوفر يفضلها، وكثيراً ما أدت الى إثارة قدر كبير من الاحباط والسخط في العواصم العربية التي كان يزورها، والتي كانت تأمل عادة بأن يتجاوز الدور الأميركي في وقت من الأوقات مرحلة "تقصي الحقائق" الى مستوى أكثر نشاطاً وتأثيراً على الصعيد العملي وعلى المسار الفعلي للمفاوضات. وانطلاقاً من هذا الطابع "الاستكشافي" المفترض لزيارة وزيرة الخارجية، تمضي المصادر الأميركية في وصفها لما ستقوم به أولبرايت خلال وجودها في المنطقة، قائلة: "ستستمع السيدة أولبرايت جيداً الى ما سيقوله أطراف النزاع لتكوّن صورة متكاملة عن الوضع، وستحاول بعد ذلك تحديد نقاط الالتقاء المشتركة التي يمكن أن تشكل أرضية ملائمة لاستئناف المفاوضات". ومن شأن مثل هذا التلخيص لمهمة أولبرايت وأهدافها ان يحدد معايير النجاح والفشل التي ستعتمدها واشنطن في تقويم الزيارة والنتائج التي قد تسفر عنها. فالواضح ان أي نجاح تحققه أولبرايت على صعيد استئناف المفاوضات، سواء على المسار الفلسطيني أو السوري، أو ربما على المسارين معاً، سيكون بنظر الإدارة الأميركية "انجازاً أساسياً وجوهرياً"، على حد تعبير مصدر في وزارة الخارجية الأميركية. وأضاف: "سيكون رائعاً حقاً أن تتمكن الوزيرة من استئناف المسارات التفاوضية الفلسطينية والسورية واللبنانية، وإقناع أطرافها بالعودة الى المائدة دون شروط أو مطالب أو مواقف مسبقة. غير أن من الضروري أن نتوخى الحذر في توقعاتنا، لأن الوضع الحالي في المنطقة قد لا يسمح بذلك. وهنا ستصبح المسألة متعلقة بالاختيار بين الممكن والمستحيل، ومن ثم التوجه نحو الممكن وترك المستحيل لفترة لاحقة". مهمة مستحيلة والمشكلة الحقيقية التي تكمن في مثل هذا التوجه الأميركي ان أولبرايت قد تجد استئناف المفاوضات على أي من هذه المسارات مستحيلاً، على الأقل في الظروف الحالية التي تبدو فيها مواقف الأطراف أكثر تباعداً وتناقضاً مما كانته منذ بدء عملية السلام قبل نحو ست سنوات. وتضاف الى هذه المشكلة حقيقة أخرى يجمع عليها معظم الفرقاء المعنيين بعملية السلام، عدا اسرائيل والولاياتالمتحدة، تتعلق بالموقف الأميركي نفسه. ففي مقابل الاقتناع العربي والأوروبي والدولي عموماً والاسرائيلي جزئياً بأن المسؤولية الرئيسية عن وصول عملية السلام الى مأزقها الحالي تقع على عاتق السياسات التي ينتهجها رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو منذ وصوله الى السلطة، وكذلك رغبته الأكيدة في تغيير الأسس التي قامت عليها هذه العملية والتراجع عن الاتفاقات التي تم التوصل اليها في اطارها، بقيت إدارة كلينتون متمسكة، الى حد يصعب فهمه، بموقف متعاطف مع هذه السياسات، وبغض النظر عن النتائج السلبية الواضحة التي أدت اليها. وأثبتت هذه الادارة عند كل مفترق توقفت فيه مفاوضات السلام خلال العامين الماضيين انها على استعداد لأن تتبنى من دون أي تحفظات جدية طروحات نتانياهو ومواقفه. كما حرصت في جميع المناسبات على تجنب توجيه أي انتقادات علنية الى سياسات الحكومة الاسرائيلية والخطوات التي اتخذتها وكادت ان تؤدي غير مرة الى نسف عملية السلام برمتها. وليس هناك ما يشير حالياً الى أن الادارة الأميركية باتت أكثر استعداداً أو مقدرة على تعديل هذه السياسة، كما انه لا يوجد ما يدل على أن أولبرايت ستحمل في جولتها المقبلة بوادر مثل هذا التعديل. وعلى العكس من ذلك، فإن التبني الأميركي للمواقف والطروحات الاسرائيلية ولمواقف نتانياهو وطروحاته بالذات، لا يزال كاملاً، سواء في ما يختص بالمسار الفلسطيني أو المسارين السوري واللبناني. وهذا ما سيجعل من جولة الوزيرة أولبرايت مهمة صعبة جداً، ومن احتمالات توصلها الى أهدافها مهما كانت محدودة ضئيلة للغاية. فعلى المسار الفلسطيني، لم يعد خافياً ان رئيس الحكومة الاسرائيلية ماض في تنفيذ خطواته الهادفة الى الغاء "اتفاقات أوسلو" وما لحق بها من ترتيبات وتفاهمات. وعلى المسار السوري، لا يزال نتانياهو يرفض بحزم الانسحاب من مرتفعات الجولان المحتلة على أساس مبدأ "الأرض في مقابل السلام"، أو القبول بما تم التوصل اليه في المفاوضات مع الجانب السوري ابان فترة الحكومة العمالية الاسرائيلية السابقة. أما على المسار اللبناني، فإن الهدف الاسرائيلي لا يزال يتركز بصورة أساسية، وان تكن غير معلنة، على محاولة فصله عن المسار السوري وإرباك الوضع الداخلي اللبناني للضغط على دمشق. وتبدو هذه المكونات للسياسة الاسرائيلية الحالية بعيدة جداً عن الأسس التي قامت عليها عملية السلام والأهداف التي حددت لها وهي تعبّر بوضوح عن رفض رئيس الحكومة الاسرائيلية والأحزاب المؤتلفة معه لتلك الأسس والأهداف ومحاولاته الدؤوبة لتغييرها. لكن ما يثير الإحباط عدم وجود استعداد أو رغبة لدى الإدارة الأميركية للوقوف بوجه هذه المحاولات، وما أظهرته هذه الإدارة، في المقابل، من تساهل في تكييف سياساتها ومواقفها مع ما يتلاءم مع هذه السياسة الاسرائيلية. ويبرز هذا الواقع بشكل واضح على المسار الفلسطيني حيث بلغ التطابق بين المواقف الأميركية والاسرائيلية ذروته، اذ تبنت واشنطن بالكامل طرح خيار "الأمن أولاً" الذي يمثل حالياً جوهر توجه الجانب الاسرائيلي، متجاهلة في الوقت نفسه كل التراجعات الاسرائيلية عن تنفيذ أي من البنود التطبيقية التي نصت عليها اتفاقات أوسلو وملاحقها، سواء في ما يتعلق بمدى الانسحابات الاسرائيلية المتفق عليها من الأراضي الفلسطينية وجدولتها، أو في ما يختص بمسائل الاستيطان والتهويد ومستقبل القدسالمحتلة. ولعل الأكثر مدعاة للقلق الآن تبني واشنطن اقتراح نتانياهو الانتقال فورا الى المفاوضات المتعلقة بالوضع النهائي، وتحويل هذا الاقتراح الى ما وصف ب "مبادرة أميركية جديدة" لاستئناف المفاوضات على المسار الفلسطيني - الاسرائيلي. ولم يكن هذا الطرح ليتعارض مع المصالح الفلسطينية إذا كانت الأمور تسير طبيعياً، بتطبيق الاتفاقات الموقعة حسب البنود والجداول الزمنية المحددة لها أصلاً. لكن تحويله في هذا الظرف أساساً لعملية السلام على هذا المسار يشكل، من وجهة النظر الفلسطينية، "تحولاً خطيراً ذا انعكاسات سلبية بالغة على الوضع الفلسطيني تصل الى حد الانتحار"، حسبما ذكر مسؤول فلسطيني رفيع المستوى ل "الوسط". ويعتبر الفلسطينيون أنه لن يكون بمستطاعهم القبول باقتراح كهذا، في حال قدمته أولبرايت رسمياً خلال زيارتها، "حتى لو نتج عن ذلك استمرار الشلل على مسار المفاوضات الى إشعار آخر". وتعلل مصادرهم هذا الموقف متساءلة: "كيف ينتظر منا أن نوافق على الدخول في مفاوضات من شأنها أن تحدد مصير الأراضي المحتلة والشعب الفلسطيني، ونحن لا نزال تحت ضغط الاحتلال العسكري المباشر، والحصار السياسي والاقتصادي، والاغلاق الجغرافي، وفي ظل الاستيطان المستمر والمتسع من دون هوادة، وفي الوقت الذي يؤكد فيه نتانياهو رفض الانسحاب من أكثر من 2$ من الأراضي التي كان يفترض أن تكون قد أعيدت لنا بنسبة 65$؟ وهل يعقل أن نتصور انه سيكون بمستطاعنا تحقيق أي من أهدافنا في عملية السلام، مثل تحرير الأرض وبناء الدولة المستقلة والاتفاق على مستقبل القدسالمحتلة والعيش بسلام مع الاسرائيليين إذا دخلنا مفاوضات الوضع النهائي في ظل الظروف الحالية وقبل حسم ما كان يفترض أن يكون وضعاً انتقالياً موقتاً؟ نحن على اقتناع بأن الهدف من مثل هذا الاقتراح والنتيجة التي سيسفر عنها تكريس الوضع الانتقالي الحالي وجعله وضعاً نهائياً باعتباره أمراً واقعاً". ومع أن المصادر الفلسطينية لا تستبعد أن تتقدم أولبرايت خلال جولتها بما سمته "بعض الأفكار والمقترحات الشكلية التي سيكون الهدف منها تحلية الخيارات المرة التي يواجهها الفلسطينيون لتشجيعهم على القبول بالعودة الى المفاوضات"، مثل تجميد عمليات البناء والاستيطان فترة أسابيع، وتخفيف اجراءات الحصار والإغلاق، والسماح للمزيد من العمال الفلسطينيين بالعودة الى اسرائيل، فإنها تشدد في المقابل على "اقتناع الرئيس ياسر عرفات الكامل بأن لا فائدة ترجى من نتانياهو، ولا أمل حقيقياً باحداث تعديل جوهري على موقف ادارة كلينتون". وتضيف المصادر "ان عرفات بات يدرك أن هدف نتانياهو الأول والأخير الخروج من اتفاق أوسلو وليس احياءه ..."، وأنه نجح في "إقناع الادارة الأميركية بجدوى هذا الهدف". وازاء وضع من هذا القبيل "لن يكون مهماً أن يوافق عرفات على استئناف المفاوضات أو أن يرفض، فالشروط الاسرائيلية لاستئنافها معروفة، والمقترحات الأميركية تصب في اطار هذه الشروط وتتطابق معها. وما لم يطرأ تعديل على الموقف الاسرائيلي - الأميركي فيستبعد ان تسفر هذه المفاوضات، إذا تمكنت أولبرايت من التوصل الى صيغة لاستئنافها عن نتائج ملموسة، بل ستكون من قبيل كسب الوقت فحسب". وفيما تسيطر هذه التوقعات التشاؤمية على المسار الفلسطيني، كان ملاحظاً خلال الأسابيع الماضية ان المصادر الديبلوماسية الأميركية والاسرائيلية حاولت إضفاء "مسحة تفاؤل" على تقويمها للاحتمالات على المسار السوري. فبعد أكثر من عام على التجاهل المتعمد من قبل الحكومة الاسرائيلية - والادارة الأميركية الى حد ما - للوضع على هذا المسار واحتمالات استئناف المفاوضات فيه، أخذ الديبلوماسيون في واشنطنوالقدسالمحتلة يتحدثون عن "تحسن فرص العودة الى المفاوضات مع سورية"، والاشارة الى هذا المسار باعتباره "أقل تعقيداً من نظيره الفلسطيني". قد يكون لهذا الانطباع الايجابي ما يبرره. وقد لا يكون، لكنه نابع - على ما يبدو - من "رغبة نتانياهو، واتفاق أميركي مع هذه الرغبة، في التركيز على المفاوضات مع دمشق خلال المرحلة المقبلة، وتجاهل الحاجة الملحة الى استئنافها مع الفلسطينيين"، على حد تعبير مصدر أوروبي. وتشعر دمشق بأن الحكمة تتطلب "إبداء مرونة حيال استئناف المفاوضات، ولو لمجرد جس نبض الادارة الأميركية واستطلاع استعدادها الحقيقي لمتابعة عملية السلام وانجاحها". ونقل ديبلوماسيون أوروبيون عن مسؤولين سوريين قولهم ان دمشق تريد "استئناف المفاوضات وإنجاح عملية السلام، لأن هذا هو خيارنا السياسي والاستراتيجي الثابت الذي يعرفه الاسرائيليون والأميركيون. لكن ليست لدينا أوهام في شأن استعداد نتانياهو لتقديم ما هو مطلوب لسلام حقيقي دائم وشامل. وفيما نأمل بأن تتمكن الولاياتالمتحدة ووزيرة خارجيتها من اقناع نتانياهو بعقم سياساته والأخطار المترتبة عليها، وننظر الى زيارة أولبرايت باعتبارها خطوة ايجابية، فإننا لا نشعر بقدر كبير من الثقة بامكان تحقيق ذلك. أما بالنسبة الينا فإن الموقف: لا سلام من دون الانسحاب الاسرائيلي الكامل من الجولان وجنوب لبنان، ومن دون حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه الوطنية المشروعة. وعندما تتحقق هذه الأهداف، يتحقق معها السلام والأمن لجميع الأطراف في المنطقة". ولا تستبعد المصادر الديبلوماسية الأوروبية والعربية ان تقدم دمشق على ما تصفه ببادرة حسن نية تجاه أولبرايت، تتمثل في "الموافقة على استئناف المفاوضات مع اسرائيل من دون أن تعلن هذه الأخيرة بالضرورة استعدادها للالتزام بما كانت حكومتا رابين وبيريز تعهدتا به خلال جولات المفاوضات السابقة، في ما يختص بالانسحاب الكامل حتى حدود 4 حزيران يونيو 1967". وأضافت "ان الجانب السوري قد يوافق في المقابل على الاكتفاء باعلان نتانياهو استعداده لبحث موضوع الانسحاب الكامل واعتباره بنداً مطروحاً على التفاوض". لكنها أكدت "ان ذلك لن يغير جوهر الموقف السوري، ولن يبدل الحقيقة التي تتمثل في أنه لن يكون ممكناً احراز تقدم على مسار المفاوضات السورية - الاسرائيلية، ومعه طبعاً المسار اللبناني إلا في حال التزام الجانب الاسرائيلي بمبدأ الانسحاب الكامل، وهو ما لا يبدو مطروحاً حالياً". وانطلاقاً من ذلك، قد تنجح أولبرايت فعلياً في تحقيق أهداف جولتها المحدودة أصلاً، ليتم استئناف المسارات التفاوضية في ضوئها، لكن ما تخشاه المصادر "أن تكون هذه المفاوضات على شاكلة المفاوضات التي كان يريدها رئيس الحكومة الاسرائيلية السابق اسحق شامير، أي مفاوضات لا طائل منها تستمر عشر سنوات من دون أن تصل الى نتيجة". لكن السؤال الذي تطرحه المصادر: هل يتحمل الوضع في الشرق الأوسط مفاوضات عقيمة كهذه؟ والى متى؟ وهل بات مبدأ كسب الوقت وانتظار سقوط نتانياهو أساس تحركات جميع اللاعبين المعنيين بعملية السلام، بما في ذلك الولاياتالمتحدة نفسها؟ النقطة الوحيدة التي يكاد يكون هناك اجماع عربي ودولي، وحتى أميركي واسرائيلي عليها تتمثل في أنه ليس وارداً أن يقدم رئيس الحكومة الاسرائيلية شيئاً جديداً يخرج عملية السلام من مأزقها، وان أي تقدم في هذه العملية لا بد أن ينتظر خروجه من السلطة. وتعيد المصادر الى الذاكرة في هذا المجال "النصيحة" التي سمعها قادة عرب عدة في واشنطن قبل أشهر: "عليكم انتظار سقوط نتانياهو، وما نتمناه عليكم في هذه الأثناء عدم الإقدام على أي شيء من شأنه نسف عملية السلام والمطلوب ابقاؤها، ولو اسمياً، حتى يحين الوقت الملائم لاحيائها وإنجاحها". والواضح الآن ان هذه "النصيحة" لا تزال تمثل أساس الموقف الأميركي، وجوهر الطروحات التي ستقدمها أولبرايت الى من ستجتمع بهم في المنطقة .