أبحث عن شيلي في قاموس اكسفورد وغيره تجد اسم برسي شيلي وحده. الشاعر الرومنطيقي الذي مات غرقاً في الثلاثين 1792 - 1822 لم يترك مقدار شعاع من النور لزوجته الثانية مع انها كتبت احدى اكثر الروايات إبهاراً وهي في التاسعة عشرة. لا نقرأ الكثير عن ماري شيلي بالرغم من ذكرى ميلادها المئتين هذا الشهر، ويجهل كثيرون انها مؤلفة "فرانكنشتاين" الذي ارعبنا وسحرنا معاً منذ الطفولة، ونقل مراراً الى السينما من دون ان يفعل الكثير لاسم مؤلفته. لو كانت ماري غودوين شيلي تعيش في عصرنا كانت هوليوود جعلتها احدى اعظم مؤلفي الخيال العلمي وأغناهم. لكنها كانت الثانية دائماً، ماري الابنة بعد ماري الام التي توفيت خلال الوضع، المرأة الأخرى التي هربت وهي في السادسة عشرة مع الشاعر الشهير المتزوج والأب لطفلين، والطرف الثاني في العلاقة مع رجل متفجر فوار ارهقها بأسلوب حياته المتطلب. "فرانكنشتاين" كتبت بعد سنة من انتهاء حروب نابوليون التي تلت الثورة الفرنسية، ويمكن فهم الأسباب الموضوعية والعائلية التي دفعت فتاة في التاسعة عشرة الى اختراع مسخ من اجساد الاموات اثناء عطلة قضتها مع الرجل الذي احبته قرب جنيف. هل كان المخلوق المقطب الوجه هو الثورة الفرنسية التي جنحت عن خطط صانعيها العاقلين ودمّرتهم، او اللورد بايرون الغامض القاتم الشخصية الذي ترك وراءه كومة من الدمار والقلوب المحطمة وارتبط بعلاقة مع اختها غير الشقيقة قبل ان يقتل وهو في السادسة والثلاثين دفاعاً عن استقلال اليونان؟ لم تكن روايتها الأولى في مجال كتابة الرعب أو الخيال العلمي، لكننا لا نزال، بازائها، نتحسر على انفسنا نحن العاجزين في آخر القرن العشرين عن حرية التفكير التي تسمح بالابداع في مختلف المجالات من دون الخوف من الادانة الاخلاقية او الدينية او العلمية حتى. فرانكنشتاين العالم الشاب يبدأ بالبحث عن المعرفة لكنه لا يلبث ان يخضع لاغراء التدخل في سنة الطبيعة ويخلق الحياة التي ترتد عليه بشرها وتحطم اصدقاءه وأسرته وحياته. انتاج علمي فذ لكنه مدمر وخارج عن السيطرة، تقول ماري شيلي، والأفضل ان تترك الاشياء على ما هي من دون ان نحاول تغييرها. كانت ماري شيلي ابنة امينة لخلفيتها الاوروبية الملأى بالأهوال واليأس، لكن حياتها ايضاً غذّت الارتباط القاتم بين الحياة والموت في كتابها. يسهل فهم اعتقادها انها قتلت امها او "اختيرت" بديلة منها، علماً ان الأخيرة كتبت في ذلك الوقت عن حقوق النساء وكانت مؤسسة النسوية الحديثة ومؤيدة متحمسة للثورة الفرنسية. ومع ان والدها دعا الى الحب الحر الا انه انكرها عندما هربت مع برسي شيلي فعانت من الرفض والتشرد والاجهاض وموت طفلتها. واذ نتذكرها اليوم ينتعش شكنا الدائم في العلم الذي يبحث عن تحدٍ جديد وينتقل من نصر الى آخر من دون ان يعبأ بالنتائج اللااخلاقية والمدمرة احياناً لانجازاته. هل يعيد الاستنساخ الموتى الى الحياة مهما كانت النتائج؟ يقول العلماء ان صنع كائن حي من جينة واحدة لا يخلق الشخصية نفسها، ويتركنا نشعر بالذعر من الفراغ الاخلاقي المحتمل ومشاكل التربية وتعليم التمييز بين الخير والشر. هل كان مسخ فرانكنشتاين شريراً لأنه افتقر الى الحب ام ان الآخرين لم يحبوه لأنه كان شريراً؟ لم يجب العلم عن سؤال ماري شيلي حتى اليوم، والحب لديه كيمياء في اي حال.