لم تكن هناك أصلاً آمال كبيرة معلقة على نجاح المبعوث الأميركي الخاص الى الشرق الأوسط دنيس روس في تحقيق اختراق فعلي يخرج المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية من مأزقها. لكن مجرد اعلان روس مطلع الأسبوع الماضي عزمه العودة الى المنطقة لاستئناف جهوده، بعد توقف دام أسابيع، كان كافياً لاشاعة مناخ من الترقب الايجابي، ولو نسبياً، بأن تؤدي المحادثات التي كان ينوي اجراءها مع المسؤولين الفلسطينيين والاسرائيليين، و"الأفكار الجديدة" التي قال المسؤول الأميركي انه سيطرحها على الجانبين، الى التخفيف من حدة جمود المفاوضات وتحريك العملية السلمية على هذا المسار المليء بالمفاجآت قبل فوات الأوان. كان هذا طبعاً قبل حدوث "المفاجأة" الأخيرة التي سبقت وصول روس الى المنطقة هذه المرة بيوم واحد. فبعيد ظهر الأربعاء الماضي دوى في أرجاء القدسالمحتلة صدى انفجارين نجما عن عبوتين ناسفتين في عملية انتحارية مزدوجة نفذها فلسطينيان في سوق ماحانيه يهودا، الذي يعتبر سوق الخضار المركزي في الشطر الغربي اليهودي من مدينة القدس. وفيما أعلنت "حركة المقاومة الاسلامية" حماس مسؤوليتها عن هذه العملية، قالت مصادر الشرطة الاسرائيلية ان الانفجارين أسفرا عن مقتل 14 شخصاً، بمن فيهم منفذا العملية، واصابة حوالي 150 آخرين بجراح متفاوتة الخطورة. وذكرت المعلومات الأولية التي أدلى بها قائد الشرطة الاسرائيلية العميد عسّاف هيفيتز ان منفذي العملية كانا في مطلع العشرينات من عمرهما، وانهما ارتديا ملابس رسمية أنيقة لاعطاء انطباع بأنهما من رجال الأعمال. وهذا ما سهّل عليهما مهمة اخفاء العبوتين، اللتين قدّر وزن كل منهما بعشرة كيلوغرامات من المواد الشديدة الانفجار، داخل حقيبتي أعمال كانا يحملانها. وبينما كان ردّ الفعل الفلسطيني الرسمي على العملية فورياً وحاسماً من حيث استنكارها والاعراب عن الأسف حيال الخسارة البشرية التي نجمت عنها، جاء ردّ الفعل الاسرائيلي معهوداً ومتوقعاً. فالحكومة الاسرائيلية، التي لم تكن في حاجة أساساً الى مثل هذه العملية لمواصلة حملاتها الانتقادية للسلطات الفلسطينية، سارعت على لسان رئيسها بنيامين نتانياهو الى اتهام الجانب الفلسطيني بپ"التقصير في مكافحة الارهاب"، ومطالبته بضرورة "الكف عن الكلام والاستعاضة عنه بالأفعال". ونقل المتحدث الحكومي الاسرائيلي شاي بازاك عن نتانياهو انه "رفض قبول التعازي" التي أعرب له عنها الرئيس ياسر عرفات في مكالمة هاتفية معه فور سماعه أخبار العملية. وقال بازاك ان نتانياهو وجّه الى عرفات خلال تلك المكالمة "كلاماً قاسياً، وأبلغه أن الإعراب عن مشاعر الحزن والأسى لم يعد كافياً، بل ينبغي التحرك بحزم وفاعلية ضد المنظمات الارهابية لإنهاء قدرتها على العمل وتدمير بنيتها التحتية". بل وصل الأمر بمستشار رئيس الحكومة الاسرائيلية للشؤون الاعلامية دافيد بار - ايلان الى حد التصريح بأن حكومته "تحمّل السلطة الفلسطينية ورئيسها مسؤولية شخصية ومباشرة" عن العملية. وعند سؤاله عمّا يقصد بذلك، أجاب بار - إيلان بأن "الافراج عن المعتقلين من الفلسطينيين المشتبه بضلوعهم في أعمال ارهابية ضد اسرائيل، وتمجيد أعمال العنف والتفجير والمخططين لها ومنفذيها، مثلما جرى مع المهندس يحيى عيّاش الذي اغتالته اجهزة الأمن الاسرائيلية بعد الاشتباه بأنه المسؤول عن التفجيرات الانتحارية التي وقعت العام الماضي، والسماح للمنظمات المتطرفة مثل "حماس" وغيرها بالعمل بحرية داخل الأراضي الفلسطينية، هي أمور تضع السيد عرفات والسلطة الفلسطينية التي يترأسها في خانة المسؤولية عن الأعمال التي تحدث بين الحين والآخر". ولم تقتصر اتهامات بار - ايلان على ذلك، بل كررّ الادعاءات الاسرائيلية بأن "عناصر من الشرطة الفلسطينية، وحتى أحد قادة هذه الشرطة، ضالعون في الهجمات التي تستهدف الاسرائيليين". ثم كشف المستشار الاعلامي لرئيس الحكومة الاسرائيلية عن بعض جوانب التفكير التي تحكم ردود فعل نتانياهو وحكومته على ما حدث في القدس، وما تريد هذه الحكومة من السلطة الفلسطينية ان تفعله حيال الوضع في الضفة الغربية وقطاع غزة، فاعتبر ان "لا مجال لاستئناف عملية السلام مع الفلسطينيين قبل ان تتخذ السلطة اجراءات واقعية وملموسة تضع حداً للعنف والارهاب". وحدّد تلك الاجراءات بپ"اعتقال الناشطين في المنظمات التي تعتمد مثل هذه الأعمال وسيلة، كحماس وغيرها، وتسليم المطلوبين من المتهمين بتنفيذ هجمات ضد الاسرائيليين لمحاكمتهم في اسرائيل، والقضاء على البنية التحتية لهذه المنظمات، وتجريدها من السلاح، وتطهير أجهزة السلطة الفلسطينية من العناصر المتعاطفة مع الارهاب أو المتورطة فيه". وبالطبع، لم يكن متوقعاً من بار - إيلان وغيره من المسؤولين الاسرائيليين التطرق في ردودهم على عملية القدس وآثارها الى الأسباب التي ربما كانت الدافع لها. كما انه تجنّب وغيره من هؤلاء المسؤولين الاشارة الى المأزق الشديد الذي تعاني منه عملية السلام الفلسطينية - الاسرائيلية أصلاً، والشعور القوي الذي لم يعد مقتصراً على الفلسطينيين وحدهم، بل أصبح سائداً لدى الأطراف العربية والأوروبية المعنية باستمرار هذه العملية ودفعها الى الأمام، وحتى في صفوف قطاعات واسعة من الجسم الاسرائيلي السياسي والشعبي، بأنّ جزءاً رئيسياً من المسؤولية في أعمال العنف تتحمّله حكومة نتانياهو والسياسات التي اتبعتها منذ مجيئها الى السلطة قبل عام. لاعقلانية وارتباك كما انّ هذه المواقف المتشنجة من جانب المؤسسة الاسرائيلية الحاكمة، التي تصل في معطياتها الى حد اللاعقلانية في التعاطي مع المأزق الراهن وانعكاساته، تهدف في جانب أساسي منها الى اخفاء الارتباك والحرج اللذين تواجههما حكومة نتانياهو نتيجة عودة التفجيرات الانتحارية الى شوارع المدن الاسرائيلية. فهذه الحكومة جاءت ورئيسها الى السلطة تحت شعار "الأمن قبل السلام"، الذي رفعه نتانياهو في حملته الانتخابية وكان رداً مباشراً على ما اعتبره اليمين الاسرائيلي آنذاك "تهاون حكومة حزب العمل ورئيسها شمعون بيريز في مسائل الأمن"، وتشديد زعماء هذا اليمين، وفي مقدمهم نتانياهو، على ما وصفوه آنذاك بپ"فشل بيريز وحكومته في التصدّي للارهاب الفلسطيني والتعامل بحزم كاف مع السلطة الفلسطينية". وكان التبرير الذي ركّز عليه أركان اليمين في حملتهم ضد بيريز وحكومته العمالية السابقة سلسلة التفجيرات الانتحارية التي شهدتها المدن الاسرائيلية مطلع العام الماضي على يد نشطاء "حماس" وأودت بحياة 60 اسرائيلياً. فقد شكلت تلك الأحداث، في نظر اليمين وأنصاره، الدليل على ان "السلام الذي وعدت الحكومة العمالية الاسرائيلية به لم يتحقّق، وأصبح ضرورياً بالتالي اعادة ارساء قواعده على أسس جديدة لا يستطيع غير اليمين تحقيقها". وانطلاقاً من ذلك، حدّد نتانياهو في أعقاب انتخابه شعار "السلام والأمن" أساساً لتعامل حكومته الجديدة مع العملية السلمية على جميع مساراتها، وتحديداً على مسارها الفلسطيني. لكن الاسرائيليين يكتشفون أكثر فأكثر حالياً ان هذا الشعار غير ذي معنى. ومع عودة الانفجارات الانتحارية الى شوارعهم، بات الواقع الناشئ بعد عام على وجود الائتلاف اليميني - الديني المتشدد في الحكم أكثر وضوحاً من أي وقت مضى. فلا الأمن تحقّق، ولا السلام تحقّق، ولا يجد نتانياهو أو غيره من المسؤولين في حكومته تفسيراً مقنعاً لتهدئة قلق الرأي العام الاسرائيلي حيال احتمالات المستقبل التي تبدو قاتمة. من هنا، يكتسب توقيت عملية القدس أهمية مضاعفة. فهذه العملية جاءت في الوقت الذي بدا فيه وكأن الجهود التي بذلتها أطراف عدة خلال الفترة الماضية لاعادة الروح الى المسار الفلسطيني - الاسرائيلي بدأت تعطي ثمارها. واذ كانت هذه العملية برهنت على سخافة شعار "الأمن قبل السلام" الذي رفعه نتانياهو، وهشاشة التعهدات التي قطعها للاسرائيليين أثناء حملته الانتخابية بأن "الهجمات الانتحارية التي حدثت أيام حكومة بيريز لن تقع في ظل حكومة ليكودية برئاسته لأن هذه الحكومة لن تتساهل في مكافحة الارهاب وستفعل ما يلزم لوضع حدّ نهائي له"، فإنها ساهمت في الوقت نفسه باجهاض أي احتمال لاعادة تحريك المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية بشكل فعلي. ولا بدّ من الاشارة في هذا المجال الى ان الادارة الأميركية كانت، حتى أيام قليلة سبقت اعلان روس عزمه استئناف مساعيه، أظهرت تردداً واضحاً في بذل أي جهود فعلية لتحريك عجلة المفاوضات سواء على المسار الفلسطيني أم على المسار السوري - اللبناني المجمد بدوره منذ مجيء نتانياهو الى الحكم. نصائح أميركية والاقتناع الذي ساد في أكثر من عاصمة عربية ودولية معنية بالصراع والمساعي الرامية الى تسويته تركّز بشدة على ان ادارة الرئيس كلينتون، ووزيرة خارجيته مادلين أولبرايت التي عبّرت عن ذلك في مناسبات عدة، "لا تشعر بضرورة استئناف المساعي الأميركية قبل توافر الظروف الملائمة لنجاحها". ونقل مسؤولون عرب وأوروبيون التقوا خلال الفترة الماضية مسؤولين أميركيين في واشنطن انطباعاً عاماً بأن "الادارة الأميركية لا تشعر بأنه سيكون ممكناً ادخال أي تعديل على سياسات نتانياهو ومواقفه". وتضمّن هذا الانطباع العربي - الأوروبي المشترك أيضاً نصائح أميركية ضمنية بضرورة "الانتظار حتى يحين وقت خروج نتانياهو من السلطة، ليصبح ممكناً عندها استئناف عملية السلام بشكل جدّي". اما في هذه الأثناء، فسيكون من الأفضل "الاكتفاء ببذل الحد الأدنى اللازم من الجهود لضمان استمرار العملية السلمية والحؤول دون انهيارها بالكامل". وربما كان ذلك الهدف الرئيسي من قرار واشنطن ايفاد روس الى المنطقة الأسبوع الماضي. فالولايات المتحدة شعرت على ما يبدو بضرورة "الظهور على الساحة"، في وقت كانت فيه المساعي الأخرى التي بذلتها مصر ودول أوروبية بهدف إحياء المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية تراوح مكانها. وعبّرت عن ذلك التصريحات العلنية التي أطلقها كل من الرئيس حسني مبارك والرئيس عرفات نفسه، وكذلك العاهل الأردني الملك حسين والعديد من المسؤولين الفلسطينيين والعرب والأوروبيين. وبدت الحاجة ملحة بشدة الى الاستمرار بشكل من الأشكال في عملية التفاوض والحؤول دون انهيار التسوية برمتها، لا سيما في ضوء الشلل الكامل الذي ميّز تعاطي الحكومة الاسرائيلية مع هذه القضية، وانشغال رئيسها وأركانها بسلسلة من الصراعات والأزمات الداخلية والشخصية. لكن العوامل التي حالت دون احراز أي تقدم فعلي في المفاوضات، على جميعپمساراتها، كانت لا تزال على حالها. فعلى الجانب الفلسطيني، لم تظهر أي بوادر على إمكان موافقة نتانياهو وحكومته على مبدأ تجميد عمليات االاستيطان وتهويد القدس كما لم تعرب هذه الحكومة عن أدنى استعداد حقيقي لتنفيذ الاتفاقات الموقعة مع الفلسطينيين أو الالتزام ببنودها، والانطلاق نحو بدء المفاوضات على المراحل التالية من الانسحاب الاسرائيلي من الضفة والقطاع، والاتفاق على الوضع النهائي للأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك وضع القدسالشرقية. اما على المسار السوري، فإنّ الجمود الكامل الذي سيطر منذ ما قبل الانتخابات الاسرائيلية ومجيء نتانياهو الى السلطة كان لا يزال مرشحاً للاستمرار في ضوء اصرار هذا الأخير على رفض الانسحاب من مرتفعات الجولان المحتلة، والتراجع عن مبدأ "الأرض في مقابل السلام" أساساً للتسوية بين البلدين. ومع الجمود على المسار السوري، ظل الوضع على المسار اللبناني على حاله، متأرجحاً بين احتمالات التصعيد والانفجار الواسع، وبين المحافظة على وتيرته اليومية المعتادة من عمليات المواجهة العسكرية بين المقاومة اللبنانية وقوات الاحتلال الاسرائيلي والميليشيات الجنوبية المتحالفة معها. ولهذا، لم يكن مستغرباً ان يكون القاسم المشترك بين التصريحات التي أدلى بها كل من الرئيسين حافظ الأسد وحسني مبارك في أعقاب اجتماعهما الأخير في دمشق أواخر الشهر الماضي، وبعدها التصريحات التي صدرت عن الرئيس المصري والملك حسين في عمّان، ومعها ما أعلنه الرئيس عرفات خلال جولته الأوروبية الأخيرة، الإعراب عن القلق من استمرار الجمود، والتحذير من العواقب التي لا بد ان تترتب على توقف عملية السلام، والمخاطر التي ستنجم عن انهيارها. وامتزج ذلك بشعور بالإحباط، ولو الضمني، من تقاعس الادارة الأميركية في اتخاذ موقف عملي يساهم في الضغط على نتانياهو ودفعه الى ادخال أي تعديل على مواقفه. وعندما أعلن روس عزمه التوجه الى المنطقة وطرح "أفكار جديدة" على الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، كان لا بد ان يؤدي ذلك الى نشوء بصيص من الأمل في ان تكون واشنطن توصلّت بدورها الى شعور مماثل بضرورة عمل شيء ما يحول دون دخول الأزمة مرحلة اللاعودة، ويوفر للمفاوضات فرصة للتحرك من جديد مهما كانت احتمالات نجاحها ضئيلة ومحدودة. إلى نقطة الصفر لكن "الانفجار" الذي كان الجميع يخشونه ويحذرون منه وقع فعلاً، ونجح في استباق وصول روس الى المنطقة. ومرة اخرى، كانت "الضحية" الأولى لهذا الانفجار العملية السلمية نفسها. فالحكومة الاسرائيلية لم تتردد في المسارعة الى اعلان "وقف المفاوضات" مع الفلسطينيين حتى إشعار آخر، واعادة فرض الحصار والاغلاق على الأراضي الفلسطينية. والمبعوث الأميركي أعلن "تأجيل زيارته حتى تصبح الظروف أكثر ملاءمة". والوضع برمته عاد عملياً الى "نقطة الصفر" التي كان عليها في أعقاب انفجارات العام الماضي التي سبقت الانتخابات الاسرائيلية وأدت في النتيجة الى سقوط بيريز وحزب العمل ومجيء نتانياهو و"ليكود" الى السلطة. والأخطر من ذلك، هذه المرة، ان "نقطة الصفر" لم تعد تقتصر في احتمالاتها وانعكاساتها على عوامل الجمود، كما كان الوضع عليه قبل عام، بل باتت محفوفة بكل عوامل التفاقم ومخاطر الانهيار. فالواقع الفلسطيني أصبح على شفير الانفجار الذي لا بد ان تتزايد فرص اندلاعه في ضوء اجراءات الاغلاق والحصار الجديدة، وأخطار الاستيطان والتهويد المتصاعدة والحكومة الاسرائيلية الحالية لا تظهر أي رغبة، أو قدرة، على التعامل مع جهود التسوية بجدية، بل ترفض هذه التسوية على الأرجح وتتمنى فشلها، لا على المسار الفلسطيني فحسب، بل وعلى جميع مساراتها الأخرى. والتصعيد على الجبهة اللبنانية يظل قائماً بقوة، وتتزايد احتمالاته. والمواجهة على الجبهة السورية لم تعد فرضية نظرية بعيدة، بل أصبحت خطراً ماثلاً لا يمكن تجاهله. اما "لعبة الانتظار" التي يبدو ان الادارة الأميركية تفضل اعتمادها أساساً للتعامل مع هذا الوضع، فالثابت انها لم تعد كافية لدرء مخاطره ومفاجآته. مرة اخرى، أثبت الشرق الأوسط انه مليء بالمفاجآت، وأثبت الصراع العربي - الاسرائيلي ان احتمالات الخطر الكامنة في أقوى وأشد من آمال "الانتظار" وتمنياته. ومرة اخرى نجح "الانتحاريون" حيث فشل الوسطاء والسعاة والسياسيون. ومرة اخرى، عادت الأمور الى "نقطة الصفر"، وعادت معها عملية "العد العكسي" نحو "الانفجار الكبير" الذي يخشاه الجميع ويرغبون في تجنبه، لكنهم فشلوا حتى الآن في التوصل الى الوسائل الكفيلة بالحؤول دون حدوثه. وفيما تظل احتمالات النجاح في تجنب هذا "الانفجار الكبير" واردة ومطلوبة، فإن عملية القدس الأخيرة والانعكاسات الناجمة عنها أظهرت بوضوح ان هذه الاحتمالات تتضاءل وتتناقص يوماً بعد يوم، وقد تصبح معدومة ما لم يتم تدارك الأمور سريعاً. وهذا يعني، ببساطة، اعادة العملية السلمية ومساراتها الى المبادئ الجوهرية التي انطلقت منها، واستئناف المفاوضات على أساسها. لكن ذلك يبدو أملاً بعيد المنال في الوقت الحاضر، وهو مرشح لأن يزداد ابتعاداً اذا ما استمر الوضع القائم حالياً وتكرس مستقبلاً .