لم يعد خافياً ان هدف رئيس الحكومة الإسرئيلية، بنيامين نتنياهو، بات التفتيش عن مخرج من مأزقه مع الإدارة الأميركية، ويؤدي الى حرف الضغوط الممارسة عليه وتحويلها الى الطرف الفلسطيني. فهو يجد صعوبة في التحرر من التزاماته مع حلفائه في اليمين المتطرف، الذي يرى في وقف الاستيطان اليهودي في القدسالشرقيةالمحتلة خيانة عظمى. وكان يراهن على اقناع الإدارة الأميركية بالتوصل الى حل وسط بخصوص هذا البناء، ولكن الرفض الأميركي جعله يبحث عن طريق آخر، ولذلك جاء اقتراحه حول «الإعلان عن دولة فلسطينية في حدود موقتة وتأجيل موضوع القدس الى مفاوضات التسوية النهائية». وقد حاول اقناع المبعوث الأميركي جورج ميتشل، بذلك قائلاً ان الانسحاب الإسرائيلي من القدس، حتى لو اقتصر على الأحياء العربية فيها، سيؤدي الى «حل غزاوي - لبناني». ويفسر: «مثلما دخلت ايران الى قطاع غزة بواسطة حركة حماس بعد الانسحاب الإسرائيلي، ومثلما دخلت ايران الى لبنان بواسطة حزب الله بعد الانسحاب الإسرائيلي، ستدخل ايرانالقدسالشرقية، وهذا لا يقبله أي سياسي وأي حزب اسرائيلي». أكثر من ذلك، حاول نتنياهو اقناع ميتشل ب «صدق نواياه»، فقال: «أنتم غير مقتنعين بأنني صادق في موافقتي على مبدأ الدولتين، وأنا أريد أن أثبت صدقي قبل بدء المفاوضات. فعندما أقترح الإعلان عن دولة فلسطينية موقتة، انما أقصد وضع هذه الدولة على الخريطة ليعترف بها العالم وتبدأ العمل وأتعاون معها كدولة وأفاوضها كدولة». وللحقيقة فإن هذه الصيغة أغرت الأميركيين حالما سمعوا بها. وهرع ميتشل الى اسرائيل لسماع تفاصيلها يوم الجمعة الماضي، بعد أن كان قد أعلن عن تأجيل زيارته أسبوعاً آخر. بل حمل هذا الاقتراح الى رام الله، محاولاً الاستفسار عن سبب الرفض الفلسطيني وموجهاً أسئلة صعبة عن هذا الرفض ومبرراته. ورد الفعل الأميركي شجع نتنياهو كثيراً فراح مساعدوه يسربون الى الصحافة الإسرائيلية أنباء عن تقدم كبير في المفاوضات، بل أن صحيفة «هآرتس» نقلت على لسان مسؤول كبير ان المفاوضات ستستأنف في الخامس عشر من شهر أيار (مايو) المقبل. وإذا كان نتنياهو قد نجح في كسب الوقت سنة كاملة منذ تسلمه الحكم، تارة من أجل دراسة الوضع وتارة أخرى من أجل دراسة الرد على مطالب الرئيس الأميركي، باراك اوباما، فإنه يجد اليوم الظرف مناسباً للحصول على مهلة أخرى، على أمل بأن تدخل ادارة أوباما فترة المعركة الانتخابية الجزئية للكونغرس في شهر تشرين الثاني المقبل، فتصبح هي المعنية بالمزيد من التأجيل. ويتحدث نتنياهو بثقة عن ان علاقاته مع الإدارة الأميركية باتت متجانسة لأقصى حد وبأنهما متفقان، بل يدفعان نحو استئناف مفاوضات السلام بنفس المقدار وبأن المسألة ما زالت متعلقة بالفلسطينيين. وبعث بوزير دفاعه، ايهود باراك، للقاء مسؤولين اميركيين في واشنطن على أمل بأن تدعم هذه اللقاءات الموقف الإسرائيلي. ويقول ان الكرة الآن في الملعب الفلسطيني، اذ ان الجميع ينتظر موافقة الرئيس محمود عباس، على استئناف المفاوضات وعدم موافقته هي التي تشكل عثرة في طريق المفاوضات. وفي حالة كهذه، يواصل اجراءاته لفرض الأمر الواقع الاستيطاني التهويدي على الأرض. ويواصل البناء في القدس . ولكن الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط، ديفيد مكوفسكي، يرفض هذا المنطق ويقول ان الخلافات بين نتنياهو وأوباما مازالت عميقة ولا تثير امالاً كبيرة في تحسن العلاقات في المستقبل. ويقترح على رئيس الحكومة بلورة خطة مبنية على رؤيا استراتيجية مشتركة مع واشنطن ويقول: «مهم أن يشرك نتنياهو أوباما في رؤيته في ما يتعلق بحل الدولتين وأن يعرض عليه استراتيجية يقبلها العقل لتحقيقها»، ويضيف «هناك فروق واضحة في وجهات النظر بين نتنياهو وأوباما وهذه مشكلة فرؤيتهما للعلاقة بين السياسة الداخلية والخارجية، هي مشكلة بحد ذاتها ويبدو انه يصعب على أوباما الإيمان بقوة القيود السياسية الداخلية التي تواجه نتنياهو، وإزاء ذلك سيكون من الصعب تحسين العلاقات بين الزعيمين على رغم انه لا يستطيع احد منهما قطع العلاقة وعليه، يرى الباحث، انهما سيجدان قاسماً مشتركاً وربما يكون الملف الإيراني. والحفاظ على علاقة جيدة مع الإدارة الأميركية يؤيده معظم وزراء حكومة نتنياهو. وزير الشؤون الاستراتيجية، دان مريدور يرى ان المصلحة الإسرائيلية الأهم اليوم هي عدم ترك الوضع القائم على حاله ويقول «لدينا مصلحة حقيقية في تقدم المسيرة السياسية. نحن في هذه اللحظة غير قادرين على الوصول الى تسوية دائمة، على رغم اني ابقي هذه الإمكانية مفتوحة اذ ربما انا مخطىء وسيكون هناك موافقة فلسطينية. بالتوازي بالمفاوضات السياسية، يجب ادارة مفاوضات من تحت الى فوق. بناء الدولة الفلسطينية التي وافق نتنياهو عليها في خطابه في بار ايلان، بشرط تجريدها من السلاح والتقدم الى الأمام». ويقترح مريدور عرض حل للدولة الفلسطينية عبر من يعتبره الإسرائيليون «بن غوريون الفلسطينيين» أي سلام فياض، على رغم تخوفه من خطة فياض التي يدعو فيها الى اقامة دولة فلسطينية في غضون سنتين من المفاوضات ويقول مريدور «يمكن العمل مع فياض لدفع الدولة الفلسطينية الى الأمام من خلال الاقتصاد، فرض القانون والنظام، والتعاون الأمني وبناء المؤسسات الفلسطينية. ويشدد مريدور على اهمية التوصل مع الفلسطينيين الى اتفاق للشروع في مفاوضات السلام ويقول «نحن الآن في معركة دولية جدية، وكلما كنا أكثر فأكثر داخل المفاوضات سيكون هناك ميل أقل لإيجاد بدائل لها. يجب الإيضاح للفلسطينيين بأن هذا الطريق الذي لا يديرون فيه مفاوضات، ليس طريقاً ممكناً. ليس لديهم بديل آخر». ومريدور كزعيمه نتنياهو يرمي الكرة في الملعب الفلسطيني، في محاولة لتعزيز الموقف الإسرائيلي تجاه الإدارة الأميركية، اذ يقول: «ليس للدى الفلسطينيين الرغبة والشجاعة لاتخاذ القرار لإنهاء النزاع»، ويتساءل «ما هي غاية المفاوضات وهل يمكن الوصول الى تسوية دائمة؟». ويكشف ان هناك حقيقة لا يجرؤ نتنياهو على قولها خشية ان يثير ضده حزبي شاس ويهودت هتوراة، فقد وافقنا على ادارة مفاوضات على التسوية الدائمة والحديث في كل المواضيع - الحدود، والأمن، والقدس واللاجئين. ولكن... خطورة هذا الحديث تكمن في احتمال عدم الوصول الى اتفاق مع الفلسطينيين». في اسرائيل يكمن الخوف الأكبر في ان يفرض الرئيس اوباما تسوية سلمية، في حال فشلت جهود ميتشيل. ويرى كثيرون ان خطوة كهذه من شأنها ان تفجر أزمة خطيرة مع الإدارة الأميركية، ومع هذا فإن الإسرائيليين على قناعة بأن اوباما يدرك ان قدراته على اخضاع اسرائيل محدودة وبأنها ستكون طريق مليئة بالأخطار. وعليه يعتقد الإسرائيليون ان كثرة الجولات التفاوضية مع ميتشل ستدخل المسيرة السلمية في نوع من الجمود غير الرسمي لفترة زمنية غير محدودة وهذا سيؤدي الى مفاوضات اسرائيلية - فلسطينية على مستويات منخفضة او محادثات تقارب المسائل العملية وليس الجوهرية. وهكذا يكون بوسع اوباما الادعاء بأنه نجح في جلب الطرفين الى استئناف المفاوضات ونتنياهو يخرج بالحفاظ على ائتلافه الحكومي وازدهار مشاريع البناء الاستيطاني، وهو الذي يجعل شعبيته في تصاعد مستمر. ولكن هناك من يرى الأمور بصورة أخرى، مثل وزير الدفاع، ايهود باراك، الذي يعتقد ان نتنياهو والمقربين منه في حزب الليكود لا يدركون بعد حقيقة مرارة البيت الأبيض حيال اسرائيل. ويقول ان المخرج الوحيد لإسرائيل هو طرح مبادرة سلام اسرائيلية على الأميركيين. ليس مبادرة جزئية كما يقترح نتنياهو، بل مبادرة متكاملة للتسوية الدائمة. ويقول ان مبادرة كهذه فقط، يمكنها أن تحقق السلام أو تعطل السلام بطريقة، تجعل الفلسطينيين في قفص الاتهام العالمي. ويذكّر هذا الطرح بسياسة باراك عندما كان رئيساً للحكومة الإسرائيلية (1999 - 2001). فهذا ما فعله عملياً في كامب ديفيد عام 2000، فاتهم الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، برفض عملية السلام، وخرج بشعاره المعروف: «لا يوجد شريك فلسطيني لنا في عملية السلام». وقد أدى هذا الشعار في حينه الى تدهور عسكري في المنطقة والاجتياح الكبير عام 2002، الذي تم في إطاره محاصرة عرفات في المقاطعة وإعادة احتلال الأراضي التي انسحبت منها اسرائيل بموجب اتفاق أوسلو وتأجيل المفاوضات الجادة سنين طويلة. والسؤال يظل متعلقاً برد فعل واشنطن. فهل ستسمح لإسرائيل بمواصلة هذا المراوغة؟ وإلى متى؟