بقيت جيبوتي، التي تعتبر أصغر دولة في افريقيا، ومنذ استقلالها على ارتباط وثيق بفرنسا التي لم تنقطع عن دعمها، إلا أن فرنسا ومنذ بداية التسعينات بدأت تربط مساعداتها ومعوناتها للحكومة الجيبوتية بضرورة إحداث نوع من التغييرات التي تنقل الحكم في جيبوتي إلى رحاب الديموقراطية التعددية. وسعت الحكومة الجيبوتية الى وضع الشروط الفرنسية موضع التنفيذ، بعد إقدام الحزب الحاكم التجمع الشعبي للتقدم الذي بقي في الحكم منذ الاستقلال، على اجراء اصلاحات تتيح لبقية الأحزاب المشاركة في الحكم. وأجريت أول انتخابات تعددية العام 1992، وسمحت بمشاركة ضئيلة لبعض الأحزاب على رغم فوز الحزب الحاكم بغالبية مقاعد البرلمان. وخلال الفترة التي أعقبت تلك الاصلاحات، خصوصاً السنوات الثلاث الماضية التي اختفى فيها الرئيس حسن غوليد عن المسرح السياسي بسبب اعتلال صحته، ووصفت بأنها أدق المراحل في تاريخ جيبوتي، خصوصاً بعد بروز نشاط المعارضة وفتور علاقات جيبوتي مع بعض دول محيطها الاقليمي مثل اليمن التي اتهمت جيبوتي بالانحياز لليمن الجنوبي ووجود علاقات مع زعماء اليمن الجنوبيين السابقين، بعدما خرج معظم قادة الانفصال عن طريق جيبوتي، إلا أن تلك الخلافات كانت عابرة، وسرعان ما عادت العلاقات لطبيعتها، لتندلع تعقيدات أخرى بين جيبوتي واريتريا حول منطقة دميره الحدودية. خلال هذه المرحلة الدقيقة ظهرت قوى جديدة على المسرح السياسي تبحث عن موطئ قدم وسط القوى المتصارعة على خلافة غوليد، وهي جميعها من داخل الحزب الحاكم. وزادت وتيرة الخلافات والتنافس على السلطة وأدت إلى انقسام حاد داخل الحكم، خصوصاً خلال الأشهر التي غاب فيها الرئيس غوليد في الخارج للعلاج. وقد برزت تيارات قوية من داخل الحزب الحاكم تتطلع لخلافة غوليد، يقود أحدها بهدون فارح الأمين العام للحزب الحاكم وزير العدل والشؤون الإسلامية. وتيار آخر يتزعمه علي محمادي وزير الصناعة الناطق الرسمي باسم الحكومة، إلا أن هؤلاء اعتقلوا وافرج عنهم بعد أشهر. وبرز بعد ذلك إسماعيل عمر جيلي مدير مكتب غوليد رئيس الاستخبارات كأقوى رجل يسير دفة الحكم في غياب غوليد، ونجح في حسم الخلاف والتنافس بإبعاد مراكز القوى من مواقع اتخاذ القرار. وإذا كان جيلي حسم الخلاف لصالح غوليد اسمياً، فإن الحسم تم فعلياً لمصلحته، فهو يعتبر الآن محور السلطة ومركز كل القرارات، وقد أثبت جيلي خلال فترة غياب غوليد مقدرة فائقة في إدارة شؤون الحكم. وعلى الساحة المحلية كان وراء المصالحة التي تمت مع المعارضة العفرية التي تمثلها "جبهة إعادة الديموقراطية"، واستطاع، وهو المتحدر من قومية العيسى، تشكيل جبهة جديدة أتاحت الفرصة لوجوه المعارضة العفرية للمشاركة في الحكم، بعد أن نجح في شق المعارضة العفرية لجناح سياسي وآخر عسكري ليتفاوض مع كل جناح على حدة. وعلى المستوى الاقليمي يتمتع جيلي بعلاقات جيدة وقبول كبير من دول الجوار مثل اثيوبيا واليمن والصومال.