التلاحم الموجود بين المدينتين المقدستين لا يحرم سكانهما من الانفراد والاختلاف في بعض العادات، ما يعطي طابعاً مميزاً لكل منهما، من دون أن تفسد هذه الُلحمة المستمرة من قديم الزمان وحتى الآن. ربما يختلف العرس المكي عن المديني ولكن هذا الاختلاف، سواء في مضمون بعض المسميات وبعض الطقوس والأعراف، لا يمكن أن يفسد للود قضية. وتستعرض الأستاذة في ماجستير التراث المدني نجلاء نعيم شيخ حكاية العرس المديني فتقول: «تبدأ رؤية أم العريس وأخواته لعروس المستقبل ذات المواصفات الملائمة ديناً وأخلاقاً وحسباً ونسباً، وعندئذ تخبر الأم ولدها بمواصفات عروسه، بعد الرجوع إلى والد العريس وكبار العائلة كالجد أو العم، ثم تحدد والدة العريس مع والدة العروس موعداً لقراءة الفاتحة بعد أن يخطب العريس ودّ عروسه مع والده». وتتابع شيخ: «بعد رؤية الشاب للفتاة شرعاً تعقد المِلْكة في الحرم النبوي، إذ اعتاد المدينيون أن يتم عقد القران وهو مايعرف بيوم «المِلْكة» في المسجد النبوي الشريف الذي يسمى يوم التسليم، ويكون إيذاناً للبدء في تابلوهات مدينية بحتة تكمن في تفاصيل العرس المديني بعد الخطبة وحتى ليلة الزفاف يحفظها ويعيها أهالي المدينةالمنورة، فتقدم النساء من أهل العريس في يوم التسليم هدايا خاصة للعروس، وما يعرف ب «التخشيشة» وهي قراطيس مليئة بحلوى «اللوزية» والفل والورد والنعناع في موكب يضم أهل العريس، وتزف تلك الهدايا بالمباخر والمصابيح التي كانت تسمى قديماً في الحجاز «الأتاريك»، ويتقدم كبير العائلة الموكب وهو يحمل المصحف وصندوق المهر». وتضيف: «في الوقت ذاته تذهب «النصاصة» وهي مزينة العروس مع أخرى، تعدان ضيفتان من أهل العريس المقربين، بزي موحد وهما يحملان هدايا العروس، ومعهما امرأة تعمل على تبليغ المدعوات تدعى «المدادة» وتكون في مقدمة الموكب وتحمل المباخر الفضية التي تعبق المكان برائحة البخور والعود والمسك». وتزيد شيخ: «عند وصول الضيفات يكون أهل العروسة في استقبالهن إذ يحدد لهن أهل العروس مسبقاً مكاناً خاصاً في صدر المجلس، ثم تصدح أصوات الخطيب والمجيب أمام بيت العروس، وهما المنشدان أو الجسيسان عند أهالي الحجاز». وتشير شيخ إلى أن من أهم العادات المدينية إرجاع والد العروس نصف المهر إلى العريس مساعدة منه له، وتكفله بتجهيز منزل الزوجية وهذا لا يعتبر شرطاً لدى كل العائلات ولكنه يعد عرفاً سائداً آنذاك. وتستطرد: «لتجهيز منزل الزوجية كان يُزف جهاز المنزل قبل يوم الزفاف بأسبوع، إذ كان يمشي الجهاز في موكب أعده والد العريس مع شيخ الحمّالين الذي يضم معه نحو 50 حمّالاً، استعداداً لحمل العفش وهم في أفضل هيئة مرتدين «الغبانة» أو الشال الكشميري ذاهبين لأهل العروس لرؤية فرش المنزل الجديد وما جهزه العريس لعروسه في بيت العمر، وكذلك الحال مع جهاز العروس كان يذهب والد العروس إلى أهل العريس ليريهم جهاز ابنته أيضاً قبل يوم الزفاف بأسبوع». وتقول: «عندما يحين موعد الزفاف ويبدأ العد التنازلي ليرى العريس محبوبته وشريكته، تنظم نهاراً حفلة تسمى ب«قيلة الحنة» أوالغمرة حالياً، تلبس العروس خلالها «المنتور» أو «الزبون» ويغطي وجهها غطاء مطرز مشغول باللؤلؤ بحيث لا تظهر منه إلا عيناها، وتحاط بالورود والحلوى كما ترش بالورد البلدي المديني، ولا يظهر وجه العروس للحاضرات اعتقاداً بأن تكون رؤيتها مفاجأة لهن في المساء». وتواصل شيخ سرد رواية الماضي البعيد: «يستعد أهل العروسين في تجهيز عشاء ليلة الزفاف المسمى «التعتيمة» وهو عشاء للحضور يتكون من حلوى القرع الأصفر «الششني»، وحلوى «الهريسة» والحلاوة الطحينية والجبن والزيتون وطبق السليق في اللحم وهو الصنف الرئيس، إضافة إلى أنه في ليلة الزفاف المديني ترتدي العروس الثوب «المديني» وهو ثوب وردي مشغول بالخيوط الذهبية واللؤلؤ وله طراز معين في اللبس والمشي، لتزف مع عريسها، وكانت بعض الأعراس ترتدي فيها العروس أول المساء «المديني» ثم الفستان الأبيض وهنا لا تزف مع العريس إلا بالفستان الأبيض». وتضيف «يعقب ليلة الزفاف حفلة صباحية، إذ يعتبر أهالي المدينة «الصباحية» إتماماً لليلة الزفاف، فيجتمع أهل العريس في حضور أهل العروس على الفطور مبكراً، ويقدّم «الرفد» للعروس من الذهب غالباً، بينما يقدم «القود» أو «النقوط» للعريس.