لم يبرز على الساحة الشعريّة التونسيّة سوى عدد قليل من الأصوات النسائية، في حين يتكاثر الشعراء الذكور بشكل مريع، حتّى ليخيّل لمن يزور تونس العاصمة للمرّة الأولى، أنه ليس هناك غير الشعراء في تلك المدينة! وزهرة العبيدي هي بين أولئك اللاتي استطعن فرض حضورهنّ على هذا المشهد الذكوري. "امرأة المواسم" هو عنوان ديوانها الصادر عن "دار سحر للنشر"، والذي يتصدّره قول لجبران خليل جبران: "إنما الشعر كثير من الفرح والألم والدهشة مع قليل من القاموس. نصف ما أقوله لك لا معنى له. ولكني أقوله ليتم معنى النصف الآخر". والشاعرة القادمة من منطقة الكاف المتاخمة للحدود الجزائرية، تكتب اهداءها كالآتي: "إلى أمي، مرة أخرى أنشر أوراقي المتيبسة في حجرك يا أمي، وأرجو أن تخضر كما تخضر نباتات الحبق والنعناع في حوشنا لمجرد ملامسة أصابعك المباركة". من خلال قصائد المجموعة، نستشف ملامح متعددة من حياة زهرة العبيدي، الشاعرة التي اختارت العزلة، لا خوفاً من عالم الرجال، بل لأنها ترى أن الشعر لا بد أن يكتب في الوحدة والصمت. وها هي في بيتها تستمع للريح وتكتب: "مرحى بالريح/ عادت/ تهيج أطراف الحديقة المهملة/ تعيد للشجر المشلول/ روحه القلقة/ أيتها الريح خلّصيني فإن السجن جسدي وهذا الفضاء". تكتب زهرة العبيدي بتلك البساطة البديعة التي يتميز بها شعراء الهايكو. بصوت هامس تخاطب أمّها: "كأنك من خرافة/ أيتها الواقفة/ والريح تفقأ النوافذ والمساء/ كأنك كرمة لا تتوب/ اذ تطفئ الفصول العناقيد على خدها/ كأنك الشتاء من جمر وماء/ لو كان لي هذا المدى لأهديتك صباحاً، بلا بكاء". وحتى الحب يأتي حزيناً في "امرأة المواسم": "إنك معي تردّ عن حبقي حوافر نهار/ ولكن لي رغبة في البكاء/ فخلف الستائر البعيدة/ عيون خبت ومواء/ رجل يفكر بخبز العشاء أو نشيج يكدسه المساء". تقول زهرة العبيدي قصائدها همساً، متحاشية تلك الجعجعة التي تطغى على قصائد شعراء بلادها الذكور. وتنجو من ذاك الافتعال الذي يجعلهم عاجزين عن النفاذ إلى القلب. إنها تتلو صلاتها حزينة في الخفاء، فالشعر بالنسبة إليها يكون بوحاً أو لا يكون.