في شمال بوتسوانا، وفي دلتا أوكافانغو الرائعة يعتبر مخيم "أبو" مملكة عالِم الحيوانات الأميركي راندل مور. ففي هذه المنطقة من القارة الافريقية يعيش ما بين عشرين وثلاثين ألفاً من الفيلة. ومن المهمات الأخرى التي يقوم بها مور، علاوة على مراقبة هذه الحيوانات ورعايتها، تمثيل "المؤسسة الدولية لقيادة البراري" - وهي رابطة تكافح من أجل تحسين مكانة الفيل وصورته وسمعته بين مربي الماشية. والى ذلك يقدم العالم مور أيضاً رحلات منتظمة على ظهور الفيلة ما بين شهري تشرين الأول اكتوبر ونيسان ابريل من كل عام للراغبين في اكتشاف تلك المراعي والسهوب الخلاّبة. تغرب الشمس على سبّخات نهر أوكافانغو وعلى أبو وكاثي وبيني وبيبي والآخرين... وتبدأ الفيلة السبعة في الاستحمام في مياه نهر "زيناغا" الذي يقع الى الجنوب الغربي من سبّخات أوكافانغو. وفي أقصى شمال بوتسوانا الواقعة في قلب افريقيا الجنوبية أقام راندل مور عالم الحيوانات الأميركي مخيمه الذي أطلق عليه اسم "مخيم أبو" نسبة الى الفيل الذكر الذي يهيمن على المجموعة. وفي وسعك أن تصل الى ذلك المكان بعد رحلة تدوم يوماً طويلاً عقب هبوطك في "غابورون". ومنها تقلع طائرتان صغيرتان، احداهما بمحرك واحد، لنقل الزوار الى مطار "يوم يوم" الصغير حيث تنتظر سيارات اللاندروفر لتحملهم بعد ذلك الى مخيم أبو خلال ساعتين. ولدى وصولك الى المخيم تجد خمسة بيوت من القش للترحيب بالسياح الذين يريدون القيام برحلات "السفاري" على ظهر فيلة مور. إذ أن أبو وكاثي وبيني وبيبي وغيرها هي الأسماء التي أطلقها على تلك الفيلة. ولا بد لنا من الاشارة في هذا المقام الى أن مور حقق نجاحاً لا نظير له. إذ أن من المعروف عن الفيلة الآسيوية أنها مطواعة ويمكن استخدامها في أداء جميع الأعمال والمهمات. أما الفيلة الافريقية فهي على النقيض منها يكاد يستحيل على المرء تهجينها أو تدريبها. وقد اشتهرت الفيلة الافريقية بالفساد الذي تعيثه في الأراضي الزراعية، وبما تلحقه من تخريب بالمراعي وما تسببه من خوف بين قطعان الماشية، فهي فيلة لا تنصاع لأوامر الانسان خلافاً لنظيرتها الآسيوية. لكن مور نجح بخبرته ودراسته في الولاياتالمتحدة في تدجين العديد من تلك الفيلة وصار يستخدمها في رحلات السفاري للزوار. وكان مور بدأ هذا الجهد الذي أطلق عليه اسم "العودة الى افريقيا" عام 1983، فسارعت منظمات وجمعيات متخصصة عدة الى تمويل العملية. وكانت بداية نجاح هذه العملية هي مولد سبعة فيلة تتراوح أعمارها الآن بين ثمانية عشر واثني عشر شهراً. واكتشفت هذه الفيلة الصغيرة بيئتها التي تعيش فيها من خلال رحلاتها التي تنقل فيها الزوار الى السفانا الداخلية. ولدى وصولنا يعلن مور أنه سينظم رحلة في صباح اليوم التالي يشترك فيها عشرة من الزوار المحظوظين لزيارة الأدغال الداخلية ومشاهدة الحيوانات على الطبيعة. وحين تمتطي ظهور الفيلة وتجد أنك أصبحت على ارتفاع أكثر من ثلاثة أمتار عن سطح الأرض تكتشف أن أفضل طريقة للتعامل مع هذه الحيوانات هي تدليلها وملاطفتها. والواقع أن جنوب القارة الافريقية هو أجمل أجزاء القارة من الناحية الطبيعية والجغرافية. ففي وسعك أن تشاهد الى ما استطاع أن يمتد اليه بصرك الأرض السهلية والمراعي والمياه والغابات دون أن يفصل معلم منها واحداً عن الآخر. ففي هذه المنطقة تعيش الحيوانات البرية التي تعتمد، مثلما يعتمد البشر والأرض هنا على "سيد بوتسوانا" - أي نهر أوكافانغو. وهذا النهر امتداد لنهر كوبانغو الذي ينبع من أنغولا المجاورة ويخترقها حتى بوتسوانا حيث يطلق عليه السكان فيها اسم أوكافانغو. وعبر رحلته الطويلة تتفرع منه فروع عديدة جداً لتشكل سبخات وبحيرات ضحلة. لكن النهر لا يصب في البحر وانما ينتهي في صحراء كالاهاري حيث يفيض غامراً مساحة تزيد على عشرين ألف كيلومتر مربع في موسم المطر مما يعني أنه يغير طبيعة المنطقة خلال ذلك الموسم تغييراً جذرياً. ومن البديهي أن الخضرة والحياة النباتية والأعشاب الخصبة تنمو بصورة اكثف حيثما فاضت مياه النهر. وكلما زادت كثافة الاخضرار والأشجار كلما استطعت أن ترى حيوان الحمار الوحشي والزراف والغزلان والكركدن وحيد القرن والقردة تتعايش معاً. أما التمساح فقد شهد خلال السنوات الأخيرة عمليات قتل جماعية على نطاق واسع طلباً لجلده حتى أصبح شبه نادر الآن، مع أنك تستطيع مشاهدة أعداد منه في مياه النهر. وتواصل الفيلة رحلتها وعلى ظهورها الزوار فتصعد الهضاب والتلال ليتمتع السائح بمناظر خلابة لا تكاد تصدقها العين. ويلتقي الزوار الذين نظم مور رحلتهم مع آخرين ممن وصلوا الى المنطقة عن طريق القارب أو اللاندروفر أو حتى مشياً على الأقدام. وينتهز الجميع هذه الفرصة للراحة وتناول الطعام. كذلك تنتهز الفيلة المناسبة بدورها للارتياح، والاستحمام في مياه النهر. فالفيل سباح ماهر يستطيع أن يقطع عشرات الكيلومترات سباحة. ومن الطريف أن فيلة العالم مور أصبحت نجوماً سينمائية لأن الكثيرين من المنتجين والمصورين استخدموها في أفلامهم، لا سيما تلك التي لها علاقة أو صلة بالحيوانات. ومن خلال هذه الرحلات والأفلام، ومن خلال ما يقوم به مور من دراسة يسعى الى تغيير نظرة مربي الماشية الى هذه الفيلة بالذات والى الفيلة بصورة عامة. اذ أن الأفارقة يعتبرون الفيل حيواناً خطراً يدمر كل شيء في طريقه. ولهذا يسعى مور الى تحقيق وئام بين الانسان والفيل في هذا الجزء من المعمورة تمهيداً لتحقيق التعاون بينهما في ميداني الزراعة والسياحة من أجل خدمة عملية النمو في بوتسوانا ككل .