"لو كان هناك فيلم من بطولة كاترين دونوف بين أفلام المسابقة الرسمية لمهرجهان كان لهذا العام، لكان من شأن اللعبة ان تكون أجمل بكثير". الناقد الفرنسي الصديق الذي قال هذه العبارة عند انتهاء المؤتمر الصحافي الذي عقده جيل جاكوب، المفوض العام لمهرجان كان السينمائي، في حضور الوزير دوست - بلازي ورئيس المهرجان بيار فيو، في أوائل الاسبوع الفائت لاعطاء نقطة الانطلاق للمهرجان، ذلك الناقد قال عبارته وهو يبتسم موضحاً انه لا يقول هذا بسبب اعجابه بكاترين دونوف وامنيته الخاصة بأن تشارك في المهرجان، بل لسبب آخر تماماً. ففي العام 1994 كانت دونوف، ثاني أهم شخصية في لجنة تحكيم مسابقة "كان" بعد رئيس اللجنة كلينت ايستوود. يومها كان كافة النقاد والمتابعين يتوقعون ان تكون جائزة أفضل ممثلة من نصيب ايزابيل آدجاني عن دورها المميز في فيلم "الملكة مارغو"، ولكن الجائزة ذهبت بقدرة قادر الى الايطالية فيرنا ليزي عن دور صغير لعبته في الفيلم نفسه "ألسنة السوء" وجهت يومها أصابع الاتهام الى كاترين دونوف قائلة أنها لا شك مارست ضغطاً على لجنة التحكيم من أجل ابعاد الجائزة عن ايزابيل آدجاني. فدونوف كانت يومها، وربما لا تزال، سيدة الشاشة الفرنسية من دون منازع، وكان من شأن ادجاني لو فازت بالسعفة، ان تحل مكانها. وهكذا ابتعدت السعفة عن آدجاني، بل والأدهى من هذا انها ذهبت للفيلم نفسه... ولكن لممثلة أخرى. أما السبب الذي جعل صاحبنا يتمنى لو كان ثمة فيلم لدونوف في المسابقة، فهو يكمن في ان ايزابيل آدجاني قد اختيرت لتكون رئيسة لجنة التحكيم ورئيسة متميزة لأنها ترأس الدورة الخمسين. وعلى هذا تكون حققت... نصف ثأر على غريمتها دونوف. وكان من شأن الثأر ان يكتمل لو كانت هذه الأخيرة في المسابقة لتجد نفسها يوم إعلان الجوائز محرومة من أي سعفة. ولكن "الله ستر" قال صاحبنا ضاحكاً و"حُرمنا نحن من حرب النجمتين"... لكننا لن نحرم من ملذات أخرى خلال الدورة الخمسينية لمهرجان كان، هذه الدورة التي تفتح يوم 7 أيار مايو الجاري، وسط صخب اعلامي لن يخفف منه، بالطبع، كون الرئيس جاك شيراك اختار هذه الأيام بالذات لتشهد معركة انتخابية نيابية فرنسية لم تكن في حسبان أحد، ولا حتى منظمي المهرجان. المفاجآت الغائبة لأن دورة "كان" الجديدة تحمل الرقم خمسين، كان من الطبيعي لها ان تكون استثنائية، غير ان استثنائيتها ستكون محدودة، تكريم لكافة الرابحين السابقين. يوم كامل تجري خلاله احتفالات متواضعة ربما في حضور رئيس الجمهورية الفرنسية، أو تحت رعايته على الأقل، ثم أخيراً، وخاصة "سعفة السعف" تعطى لمخرج كبير يمكن ان يكون واحداً من الذين استحقوا الفوز دائماً لكنهم لم ينالوه، مثل انغمار برغمان، او ستانلي كوبريك... عدا عن هذا سيكون كل شيء أقرب الى العادية، وتنبئ عن ذلك، على الأقل قوائم الافلام المشاركة في كل التظاهرات، ولا سيما في التظاهرة الأساسية "تظاهرة الاختيارات الرسمية" سواء كانت أفلاماً في المسابقة أو خارج المسابقة. فهنا، وحتى الآن، لا يبدو ان ثمة مفاجآت كبيرة تنتظر جمهور "كان"، اللهم الا إذا اعتبرنا مشاركة فيلم أول حققه النجم الشاب جوني ديب، ويمثله فيه مارلون براندو دوراً صغيراً، أمراً يستحق التنويه، أو حضور الفيلم الاميركي الذي حققه الفرنسي لوك بيسون أمراً استثنائياً. مهما يكن فإن فيلم لوك بيسون "العنصر الخامس" لم يتأكد حتى كتابة هذه السطور ما إذا كان سيشارك في المسابقة الرسمية أم يبقى خارجها. تأكد فقط انه سيكون فيلم الافتتاح، وسيكتشف المتفرجون يومها ما اذا كان الفيلم الذي تمتزج فيه الخرافة العلمية بالشاعرية، بالعنف، والذي كلف ما لا يقل عن مئة مليون دولار يستحق كل هذه الضجة المثارة من حوله. والفيلم ينطلق اساساً من حكاية فتى ريفي يربح جائزة ليقوم برحلة في القرن الثالث والعشرين بين المجرات فتصادفه أنواع شتى من المغامرات. مقابل فيلم الافتتاح الفرنسي الاميركي، سيكون فيلم الختام اميركياً خالصاً من اخراج كلينت ايستوود بعنوان: "السلطة المطلقة". في هذا الفيلم يلعب ايستوود دور لص يجابه رئيس الولاياتالمتحدة جين هكمان وحرسه الشخصي. وبين الافتتاح والختام في الاختيارات الرسمية هناك 18 فيلماً في المسابقة وستة أفلام خارجها، في تكريمات خاصة على أي حال، من بينها الفيلم العربي الوحيد في تظاهرات المهرجان الرئيسية "المصير" ليوسف شاهين، عن حياة فيلسوف الاندلس ابن رشد. صحيح ان هذا الفيلم لن يعرض في القاعة الرئيسية، بل في القاعة الثانية "ديبوسي" لكن ذلك لن يحول، بالطبع، بين نجومنا الثلاثة ليلى علوي ونور الشريف ومحمود حميدة، وهم يلعبون أدوار "المصير" الرئيسية، من ارتقاء درجات المهرجان ذات البساط الأحمر، وهو أمر سنعود اليه في عدد مقبل بالطبع. الى جانب يوسف شاهين، في عروض التكريم خارج المسابقة هناك كينيت براناف، الشكسبيري البريطاني الممتاز، الذي يخبط من جديد، شكسبيرياً، عبر اقتباس لپ"هاملت" سيسيل حبراً كثيراً بالطبع. وهناك ايضاً الاميركي آبيل فيرارا، في فيلمه الجديد. "تعتيم" الذي يقدم كلوديا شيفر الى جانب الفرنسية بياتريس دال، ساحرة اكثر مما كانت في أي وقت مضى. وهناك ايضاً البرتغالي العجوز، الذي لم يعد بإمكان أي دورة لپ"كان" تفاديه: مانويل دي اوليفيرا الذي يقدم وقد جاوز التسعين فيلمه الجديد، "رحلة حتى نهاية العالم". الى جانب "نيرفانا" لغابريال سالفاتوريس و"أشباح" لستاف ونستون. في المسابقة هناك، بالطبع، الأسماء التي أصبحت معهودة، من الصيني جانك ييمو "إهدأ" الى الألماني فيم فندرز في "نهاية العنف" والايطالي العائد بعد غياب فرانشسكو روزي في "الهدنة" والبوركينابي ادريسا ودراغو في "كيني وآدامس" وماركو بلوكيو الذي يقتبس هذه المرة "أمير هامبورغ" لهاينريش نون كليست في رؤية سينمائية يقال انها ستكون احدى مفاجآت الدورة. في المقابل هناك الجيل الأجد، وفي مقدمته نيك كاسافيتس ابن الراحل جون كاسافيتس، في فيلمه الجديد "سمّه الحب"، وجوني ديب النجم الشهير الذي يخوض تجربته الاخراجية الأولى في "الشجاع" ويرشحه كثيرون منذ الآن لجائزة "الكاميرا الذهبية" التي تعطى لمخرج يقدم عمله الأول. ويعود الأرمني الكندي آتوم اغويان في "الأيام المقبلة اللذيذة" الذي سيحاول من خلاله ان يستعيد النجاح الذي كان حققه في "كان" قبل سنوات بفيلمه "اكزوتيكا". ومقابل المخضرم الياباني شوهي ايمامورا الذي يعود في فيلمه الجديد "اوناجي" هناك الفرنسي ماثيو كازوفتز الذي سيحاول في فيلمه الجديد "قتلة" ان يكرر النجاح الذي حققه قبل عامين بفيلمه السابق "الحقد". والى جانب هؤلاء سنجد كورتيس هانسون في "ل. أ. سرّي"، وفيليب هارل في "المرأة المحظورة" ومايكل هانيكي في "العاب مضحكة" وانج لي في "عاصفة الثلج" وسمانتا لانغ في "المقبل" وغاري اولدمان، الممثل الذي يتحول بدوره هنا الى مخرج يقدم عمله الأول، في فيلم يقال انه جيد عنوانه "لا تبتلع"، ومانول بوارييه و"سترن" وونغ كار - واي "سعداء معاً" وأخيراً مايكل ونتربروتوم في "اهلاً بكم في ساراييفو". اكتشافات بالجملة امام مثل هذه الاسماء، وعلى الرغم من ان معظم أهل المهنة يجهلون كل شيء تقريباً عن الافلام المعروضة، من المؤكد انه ليس لنا ان نتوقع الكثير من المفاجآت، ربما يكون ثمة اكتشاف من هنا أو اكتشاف من هناك، ولكن بصورة عامة، يمكن النظر الى قائمة افلام المسابقة على انها تشكل ما يسمى ب "المرحلة الانتقالية" حيث يتأكد زوال جيل بكامله، مقابل صعود جيل جديد، ولكن من الآن وحتى يبدأ الجيل الجديد بتوطيد مكانته سيحتاج الأمر الى اكثر من دورة "كافية" بالطبع. من هنا، وفيما سيتنقل أهل المهرجان بين الصالات والافلام طائرين يبحثون عن "العيد الثمين"، ستأتي تظاهرة خاصة من تظاهرات الخمسينية عنوانها "اكتشافات كان" تقدم افلاماً لم يكن احد انتبه لها او لمؤلفيها حين عرضت في كان للمرة الأولى، لكنها بعد مفاجأة وصدمة اللقاء الأول، سرعان ما تحولت الى كلاسيكيات وهذه التظاهرة تشتمل على نحو 35 فيلماً من بينها "ابن النيل" ليوسف شاهين الذي شكل اوائل الخمسينات اول احتكاك لشاهين بعالم المهرجانات، وهو احتكاك لم يبرأ منه حتى يومنا هذا! والى جانب شاهين هناك عربي آخر هو محمد الأخضر حامينا سعفة 1975 الذهبية عن "وقائع سنوات الجمر" الذي يعرض له في التظاهرة فيلمه الرائع "رياح الاوراس". عدا عن هذين العربيين تتوزع العروض على شتى القارات والبلدان في "اعادة اكتشاف" غنية الى حدود التخمة، اذ سيكون فيها ساتياجيت راي الى جانب جيري مانزل ومايكل كاكويانيس الى جانب دايفيد لين وبيلي اوغست وجين كامبيون وكريستوف كيشلوفسكي واندريه فايدا وكوينتن تارانتينو... وغيرهم. كل هذه الافلام ستقول بالطبع كم ان ماضي السينما، كما قدمته دورات "كان" السابقة كان جميلاً ورائعاً. اما الذين لن يقنعهم هذا الحنين الى الماضي فسيكون بامكانهم ان يتابعوا رحلة البحث المضنية في الحاضر، وهم لئن عجزوا عن العثور على ما يريدون في المسابقة الرسمية، التي يبدو ان اختياراتها ستزيد كثيراً من حيرة لجنة التحكيم التي ترأسها ايزابيل ادجاني وفي عضويتها فنانون كبار من طينة الصينية الحسناء غونغ لي، والكاتب الاميركي بول اوستر، والمخرجون ناني حوريتي ومايك لي وتيم بيرتون، والكاتب ميكائيل اونداتجي الذي فاز بالاوسكار الأخير عن فيلم "المريض الانكليزي" المأخوذ عن احدى اجمل رواياته، ان لن يعجزوا اذن عن العثور على ما يريدون، هناك، ستكون امامهم تظاهرات عديدة اخرى. فيما يهمنا، نحن العرب، ان اياً منها لا تضم فيلاً عربياً رغم كل ما كان اعلن سابقاً. ف "اسبوع النقاد" خال من الافلام العربية، و"اسبوعا المخرجين" لم يتمكنا من العثور على اي فيلم عربي رغم ما يقال من ان ما لا يقل عن دزينة من الافلام اقترحت ثم استبعدت تباعاً لسبب او لآخر. "نظرة ما" هو عنوان التظاهرة الرئيسية الثانية، التي تأتي في ترتيب الاهمية تالية ل "المسابقة الرسمية" وهي تظاهرة يحدث لها احياناً ان تضم افلاماً سرعان ما تتكشف ذات اهمية فنية تفوق اهمية كافة افلام التظاهرة الرئيسية. ولعل هذا ما يجعل من تظاهرة "نظرة ما" محط انظار النقاد الجديين ومحبي السينما الحقيقيين الذين تسئمهم عادة احتفاليات التظاهرة الرئيسية. وتضم تظاهرة "نظرة ما" هذه المرة فيلمي افتتاح وختام فرنسيين هما"قبلة الافعى" اول فيلم لفيليب روسلو، و"بوست - كوتيوم، حيوان حزين" لبريجيت روان. وما بينهما عشرون فيلما، تحمل اسماء رهط واعد من المخرجين، اضافة الى اسم جان - يوك غودار الذي تقدم له التظاهرة فصلين من فيلم تلفزيوني الاصل طويل عن "تاريخ السينما". الى جانب غودار هناك الخاندرو آغريستي والكسي بالابانوف وشاروناس بارناس، الذي حير مشاهدي "كان" في العام الفائت بفيلمه الجميل والممل في آن معاً "قليل منّا"، وهناك التركي عمر كافور في "برج الساعة" واريك خو في "12 حكاية" والايراني الاصل امير نادري في "ا. ب. ت. مانهاتن" والنروجية ليف اولمان التي تخبط من جديد كمخرجة في "محادثات خاصة"، والصيني يوان جاتغ في "قصر شرقي، قصر غربي" بين آخرين. نجوم ومخرجون وماض جميل لئن كانت ليف أولمان تحضر في هذه التظاهرة بوصفها مخرجة، فهي مدعوة الى مهرجان كان، ايضاً، بوصفها نجمة كبيرة من نجمات سينما انغمار برغمان، الى جانب هارييت اندرسون وغونيل ليندبلوم وغيرهن من نساء سيد السينما السويدية الذي سيكون الحاضر الغائب في المهرجان. الغائب أولاً، لأن كافة المظاهر تشير إلى استنكافه الحضور، والحاضر، بعد ذلك، لأن ثمة أقوالاً عديدة تؤكد أنه ربما كان هو الذي سيفوز ب "سعفة السعفات"، بحيث ان دورة كان ستكون تكريماً خاصاً له، كما لبعض زملائه الكبار مثل الياباني أكيرا كوروساوا، الذي بات حضوره وتكريمه في حكم المؤكد. في المقابل واضح ان ستانلي كوبريك لن يحضر حتى وإن كان ثمة ميل لتكريمه، وسبب عدم حضوره لا يعود فقط إلى انشغاله في انجاز فيلمه الجديد من تمثيل توم كروز ونيكول كيدمان، بل أيضاً لأنه هو نفسه اعتاد مقاطعة كل ضروب التكريمات والمهرجانات، بحيث ان هذا الذي يعتبر اليوم أكبر سينمائي في العالم إلى جانب برغمان وانطونيوني وكدروساوا، لم يصوره أو يلتقيه أحد منذ سنوات عديدة، هو الذي جددت سينماه، سينما العالم خلال العقود الأخيرة! أما النقاد والنجوم العرب، الذين يتوافدون بكثرة على مهرجان "كان" عادة، فمن المؤكد ان حديثهم سيتوزع بين محورين، أولهما الغياب شبه التام لأي حضور فيلمي عربي، إلى جانب "مصير" يوسف شاهين، وثانيهما فيلم يوسف شاهين هذا. وسيعلو الصراخ كالعادة، وتثور الأحقاد، وستتابع ليلى علوي الأفلام المعروضة، ولكن - هذه المرة - ليست كمجرد متفرجة متحمسة، بل أيضاً بوصفها بطلة "المصير". في ليلى علوي سيتجسد هذه المرة حلم "كان" العربي، الحلم الطويل الذي سنعود إليه في الأسبوع المقبل، في رسالة لاحقة من وعن "كان"