مساء الاثنين الماضي دخل كلينت ايستوود ونائبته كاترين دونوف بثياب بيضاء براقة قاعة الاحتفالات الرئيسية في مبنى قصر المؤتمرات في "كان" وعلى شفتي كل منهما نصف ابتسامة كان من الواضح انها تعني الكثير. الذين لمحوا نصف الابتسامة راحوا يضربون أخماساً في أسداس ويخمنون. غير أن أكثرهم شطارة لم يتمكن من أن يتوقع أن ابتسامة ايستوود تخفي وراءها انتصاراً أميركياً غير مستحق، وان ابتسامة كاترين دونوف تخفي استبعاداً عن الجوائز لايزابيل ادجاني، تلك التي تعتبر المنافسة الرئيسية لكاترين دونوف على عرش السينما الفرنسية، وكان من المفروض بفيلمها الجديد "الملكة مارغو" أن يكون منعطفاً أساسياً في حياتها وفنها. فإذا بالموعد المضروب يخيب، مثلما خابت رجاءات كثيرة في كان هذا العام، على مذبح تسويات أتت روائحها لتزكم الأنوف. ثوان قبل اعلان الممثل الأميركي كلينت ايستوود، رئيس لجنة التحكيم في الدورة السابعة والأربعين لمهرجان كان السينمائي، عن اسم الفيلم الفائز بالسعفة الذهبية، خيّل لمعظم الحاضرين في الصالتين الرئيسيتين، صالة كبار الضيوف وصالة الصحافيين، ان ايستوود عرف هذه المرة كيف يكون أوروبيا ويتخلى عن دور "الكاوبوي". وذلك لأنه بعد الاعلان عن سلسلة الجوائز، كانت كل التوقعات تشير الى أن واحداً من فيلمين كبيرين سيفوز بالسعفة: اما "ترجمة براوننغ" لمايك فيدجيس، واما - على وجه الخصوص - "ثلاثة ألوان: أحمر" لكريستوف كيشلوفسكي. وكان الحضور يرون أن في مثل هذه النتيجة تعويضاً على رائحة التسويات التي تبدت من خلال الاعلان عن الجوائز الأخرى. لكن الذين اعتقدوا هذا نسوا في الحقيقة ان قواعد اللعبة تفرض على أن يعود ايستوود الى بلده بالجائزة الكبرى، حتى ولو كان في الاختيار النهائي ما من شأنه أن يثير سخط واستياء معظم الحضور. وهكذا، أعلن ايستوود ان السعفة الذهبية ذهبت الى فيلم "كتب الجيب البوليسية" وتلك هي الترجمة الأقرب الى مضمون العنوان الأميركي الذي يشير الى كتب جيب بوليسية كانت شديدة الشعبية في الولاياتالمتحدة قبل الحرب العالمية الثانية، وهو الفيلم الأميركي الوحيد تقريباً الذي شارك في المسابقة الرسمية، وكان من شأنه أن يتبدى على مزاج ايستوود: دم وعنف ومخدرات وقتلى لا يعدون أو يحصون. ما أن أعلن ايستوود أن فيلم كوينتن تارانتينو هذا هو الفائز بالجائزة الكبرى، حتى تعالى صراخ الحضور وصفيرهم، وبدا واضحاً للجميع أن "كان" وقع مرة أخرى أسير التسويات ولم يف بوعوده النزيهة. صحيح أن فيلم تارنتينو يعتبر فيلماً جيداً وشعبياً بشتى المقاييس، لكنه فيلم لا يمكن مقارنته بأي حال، بأربعة على الأقل من الأفلام المشاركة في المسابقة، والتي طلع فيلمان من بينها من مولد "كان" بلا حمّص، وهو أمر لم يكن يتوقعه أحد بالطبع. والأدهى من هذا ان الحضور أدركوا أن في اعطاء الجائزة لفيلم أميركي شعبي وعنيف، تسوية تفرض بالمقابل اتحاف فرنسا بالعديد من الجوائز. وهنا أيضاً كمنت مفارقة في غاية الطرافة. لعبة كاترين دونوف؟ الحقيقة أن حضور المهرجان كانوا منذ اللحظات الأولى لعرض الفيلم الفرنسي "الملكة مارغو" من اخراج باتريس شيرو أدركوا أنه لئن حصل هذا الفيلم على جائزة، فانها ستكون جائزة أفضل تمثيل انثوي تذهب الى ايزابيل ادجاني بطلة الفيلم لا أكثر ولا أقل. ولقد زاد من حدة هذا التوقع أمران: أولهما ان كاترين دونوف - نائبة رئيس لجنة التحكيم - وغريمة ادجاني على لقب سيدة الشاشة الفرنسية، كانت دخلت في عراك صحافي مع هذه الأخيرة، يحتم عليها - صوناً لسمعتها - أن تبذل ما في وسعها لكي تعطى الجائزة لغريمتها. لكن المفاجأة كانت في أن العكس هو الذي حصل: ذهبت جائزة التمثيل الانثوي ل "الملكة مارغو" لكن الفائزة بها كانت الايطالية فيرنا لينري عن دورها "كاترين دي مديسيس" في الفيلم نفسه. عندما أعلن عن فوز لينري فهم الجميع لماذا لم تحضر ايزابيل ادجاني الحفلة بصخب وقوة حضورها حفلة الافتتاح. هذه الجائزة ل "الملكة مارغو" لم تكن الوحيدة التي تفوز بها فرنسا، كانت هناك ايضاً جائزتان فاز بهما فيلم الهزلي الفرنسي ميشال بلان جائزة أفضل سيناريو - وهي جائزة عادت لتحضر هذه المرة بعد غياب عشرة أعوام - وجائزة الانجاز التقني. فوز هذا الفيلم العادي والمكرر الذي أطلق عليه صاحبه اسم "لقب كبير" وكان مجرد حضوره لقباً كبيراً للجمهور، اثار صفيراً حاداً في القاعتين جعل ميشال بلان يستاء استياء حقيقياً. ولكن خفف من استيائه بالطبع فوزه المزدوج الذي لم يكن هو يأمل به ولا يتوقعه له أحد. الجائزة الأخرى التي كانت من نصيب فرنسا، وأثارت ضجة واستياء كانت جائزة "الكاميرا الذهبية" التي كان من المتوقع حتى اللحظات الأخيرة أن تذهب الى الفيلم التونسي "صمت القصور" للمخرجة مفيدة تلاتلي، فاذا بها بقدرة قادر تذهب الى فيلم فرنسي شديد العادية عنوانه "تسويات صغيرة مع الموت" من اخراج باسكان فيران. وهنا أيضاً كان من الواضح للجمهور ان التعليمات أتت بضرورة فوز فرنسا بحصة الأسد لأسباب شديدة المحلية، تماماً كما ان منح الجائزة الكبرى ل "كتب الجيب البوليسية"، كان نوعاً من الترضية للسينما الأميركية التي كانت شبه غائبة عن مهرجان هذا العام، بعد أن استنكفت الشركات الكبرى عن ارسال أفلامها بسبب حدة السجال الفرنسي الأميركي حول اتفاقيات "الغات" ومسألة الاستثناء الثقافي. جوائز بالجملة للسينما العربية فيلم مفيدة تلاتلي الجديد والجميل كان ضحية الرغبة في اعطاء فرنسا حصة كبيرة من الجوائز. وهذا الفيلم كان أثار استحسان الجمهور في كل عرض من عروضه، وفاز بجائزة "الاتحاد الدولي لصالات الفن والتجربة". ولقد كان التصفيق بشأنه كبيراً خلال حفلة الختام حين أعلنت لجنة التحكيم عن تنويه خاص به، قبل الاعلان عن منح الفيلم الفرنسي جائزة "الكاميرا الذهبية". مهما يكن كانت تلك هي المرة الأولى التي تذكر فيها السينما التونسية في مناسبة صاخبة كهذه، فإذا تذكرنا أنه أول فيلم تحققه مفيدة تلاتلي، وانه في نهاية الأمر صرخة لصالح المرأة التونسية والعربية. وإذا تذكرنا كذلك أن "صمت القصور" كان واحداً من ثلاثة أفلام عربية عرضت في "كان" هذا العام، الى جانب "حومة باب الواد" للجزائري مرزاق علواش، و"حتى اشعار آخر" للفلسطيني رشيد مشهراوي، وإذا أضفنا الى هذا أن فيلم مرزاق علواش قد فاز بجائزتين منهما جائزة "جرفي"، وان فيلم مشهراوي قد نال جائزة "اليونسكو" التي تعطى هذا العام للمرة الأولى، يمكننا أن نشعر بالسرور تجاه سينما عربية جديدة بدأت تحتل مكانها بقوة على خارطة السينما العالمية رغم كل المعوقات. في المقابل لوحظ مدى تراجع السينما في بلدان أوروبا الشرقية، ومن ناحية الكم على الأقل، غير أن هذا التراجع والكارثة الاقتصادية التي تعيشها تلك البلدان لم تمنع السينمائي الروسي الكبير نيكيتا ميخالكوف من أن يحلق بفيلمه الجديد "الشمس الخادعة" تحليقاً عالياً يعيد به الى الأذهان أفلامه القديمة مثل "تقسيم غير مكتمل لبيانو ميكانيكي" و"عبدة الحب" و"خمس سهرات". هذه المرة جاء ميخالكوف وفي جعبته فيلم كبير، يسير - بشكل من الأشكال - عكس تيار سينما التنديد السريع السائدة في بلدان ما كان يسمى بالمنظومة الاشتراكية. في فيلمه هذا لا يعمد ميخالكوف الى التنديد بالمرحلة الستالينية، بل يصور صراعاتها بين الجيش والمخابرات، ويصور كيف أن الثورة التهمت ابناءها المخلصين قبل أن تلتهم اعداءها. كل هذا على خلفية حكاية عائلية على النمط التشيكوفي، وحكاية غيرة وصراع بين رجلين لامتلاك قلب امرأة. فيلم ميخالكوف الذي لعب هو فيه الدور الرئيسي ببراعة، فيلم شفاف، اعتبره الجميع من أجمل ما عرض في هذا المهرجان. ولئن أعطي هذا الفيلم "جائزة لجنة التحكيم الكبرى" شراكة مع الفيلم الصيني "أن تعيش" لجانغ ييمو - في غياب هذا الأخير الذي ترددت أنباء واشاعات متضاربة حول سبب غيابه، قبل أن يتبين أنه منهمك في التحضير لمشروعه الجديد - فإن فيلم ميخالكوف كان - وبكل بساطة، ولو كانت ثمة في توزيع الجوائز نزاهة ما - كان يستحق الجائزة الكبرى، اسوة بفيلم "أحمر" الذي لم يعط أية جائزة على عكس ما كانت تشير كل التوقعات. انهم يظلمون كيشلوفسكي! "أحمر" هو الجزء الثالث من ثلاثية "ثلاثة ألوان" التي بدأها المخرج البولندي الكبير كيشلوفسكي ب "أزرق" ثم "أبيض". وفي رأي الكثيرين فإن الجزء الثالث يمكن أن يعتبر ليس فقط خاتمة للثلاثية وخلاصة لها، بل خلاصة لعمل كيشلوفسكي ككل: فهنا اختلط الواقع بالخيال، واختلطت رغبات الفنان بدوره كقصاص ومبدع. حيث أن المخرج انطلق من قصيدة لشاعرة بولندية معاصرة تتحدث عن حبيبين "ربما يكونان التقيا قبل أن يلتقيا.. في محطة قطار، أو على رصيف ما، دون أن يعرفا بعضهما بعضاً". انطلاقاً من هذه الصورة بنى كيشلوفسكي فيلماً شاعرياً غريباً ومدهشاً، يتحدث عن قاض متقاعد يعيش وحدته وسط ذكريات القضايا التي حكم فيها وما طفق يتساءل عما اذا كانت أحكامه صائبة. وهو لكي يستكمل دوره - بالتطابق مع استكمال المخرج لدوره كجامع للغرباء الذين قد لا يمكن لهم أن يلتقوا إلا في الخيال، أو في الفن - نراه يعيش يراقب حياة الآخرين وينحو للتدخل في تلك الحياة، كل هذا قد يبدو هنا غريباً وعادياً في الوقت نفسه، لكنه في الفيلم يتخذ أبعاداً أخرى ويتسم بكثير من الغرابة التي تتحدث في نهاية الأمر عن معجزة الفن. معجزة الفن هي ما تتحدث عنه أفلام أخرى منها فيلم "عبر أشجار الزيتون" للايراني عباس كياروستامي، الذي كان يتوقع له أن يفوز بجائزة رئيسية لكنه غاب تماماً عن حفلة الختام. في فيلمه الجديد هذا يعود كياروستامي الى مسألة الفن كمحول للخيال الى حقيقة، وكملجأ يختبئ لديه الانسان من عذابات مصيره. هذا الدور نفسه يلعبه الفن ايضاً في فيلم "ان تعيش" لجانغ ييمو، وهو فيلم فاز بجائزتين رئيسيتين، على الرغم من أن مخرجه خيّب فيه الآمال التي كانت معقودة عليه، منذ أفلامه الرائعة "ارفع القنديل الأحمر" و"كيو جو امرأة صينية". هذه المرة ايضاً يتناول جانغ ييمو تاريخ أربعين سنة من حياة الصين، وذلك عبر تقلبات حياة أسرة صينية يفلس ربها، فيتسبب في موت ابيه وتهجره زوجته بعد أن يخسر كل أمواله في القمار. ومنذ تلك اللحظة تبدأ مغامراته الحياتية عبر تاريخ الصين، فنراه حيناً يجنّد في قوات تشانغ كاي تشيك "الوطنية" ثم يؤسر من قبل الشيوعيين، وبعدها يعود الى حياته الطبيعية، وهو في كل مرة يجد حريته بفضل الفن الذي يمارسه. يلعب دور هذه الشخصية الممثل الصيني الشهير غي يو، الذي فاز عليه بجائزة أفضل تمثيل ذكوري وسط تصفيق الحضور وتهليلهم، وان كان كثيرون استشعروا غصة بسبب عدم اعطاء هذه الجائزة للممثل الانكليزي الكبير البيرت فيني عن الدور الرائع الذي اداه في فيلم "ترجمة براوننغ" الذي حققه مايك فيدجيس عن حكاية استاذ ثانوي ينهمك في عمله وحياة التدريس الى درجة أنه يكتشف في النهاية انه انما مر الى جانب الحياة لا في عمق أعماقها، وان تصرفاته الخرقاء قد أسلمته لوحدته فتركه الجميع، وها هو يتلقى في النهاية دروس الحياة من تلاميذه الصغار. جائزة أفضل اخراج ايطالية دروس حياة من نوع آخر تلك التي تلوح في ثنايا فيلم الايطالي ناني موريتي الجديد "يومياتي العزيزة" الذي فاز بجائزة أفضل اخراج بجدارة، حتى ولو كان فيلمه أثار قدراً كبيراً من السجال بين مؤيد متحمس ومعارض مشمئز. سينما ناني موريتي سينما خاصة، أما فيلمه الجديد هذا فإنه أكثر خصوصية منها، حيث صاغه على شكل مفكرة سينمائية وجعله أشبه بتصفية حسابات مع النقد السينمائي ومع الواقع الايطالي ومع شتى الايديولوجيات والأفكار. ولئن تميز هذا الفيلم بشيء فإنه تميز بنكهته الساخرة وبفوضويته التي تضعه في بوتقة واحدة مع فيلم الختام الأميركي الذي عرض خارج المسابقة بعنوان "الأم القاتلة" وهو من اخراج جون واترز وتمثيل كاتلين تيرنر، التي تلعب هنا دور ربة أسرة أميركية متوسطة، تحقق أمنية ابنائها عبر ارتكاب سلسلة من الجرائم المتلاحقة التي غالباً ما يكون ضحاياها اناس اما اساؤوا لابنائها واما ارتكبوا أخطاء في حق مجتمع "السليم سياسياً". وهي حين يقبض عليها في النهاية لتحاكم تصبح بطلة شعبية بفضل التلفزيون والاعلام الذي يسود من حولها. فيلم مجازي هذا الفيلم عن أميركا اليوم. فيلم قد لا يكون تحفة فنية - خاصة اذا ما اتفقنا ان صفة "تحفة" قد لا يستحقها في المهرجان عدد كبير من الأفلام، خارج نطاق أفلام كيشلوفسكي وميخالكوف وكياروستامي وفيدجيس - لكنه بالتأكيد أخف أفلام المهرجان ظلاً، وأكثرها مرارة في نقده للظواهر الاجتماعية المتفشية في أميركا. ويكاد وحده أن يكون رداً على فيلم "كتب الجيب البوليسية" الذي منح الجائزة الكبرى. على أي حال، ما يمكن قوله في نهاية الأمر هو أن دورة "كان" لهذا العام، كانت دورة الخيبات الكبرى، ودورة المفاجآت الكبرى: فمن جهة كانت الخيبة من نصيب فيلم الافتتاح "توكيل هادساكر" للاخوين كوين الذي لم يعد أحد يذكره بكلمة بعد عرضه بيومين، وكانت من نصيب فيلم "الدجاجة التي تبيض ذهباً" لاندريه كونتشالوفسكي، العائد الى روسيا بعد غيبة غربية طويلة. كونتشالوفسكي هو شقيق نيكيتا ميخالكوف صاحب "الشمس الخادعة"، الأول هاجر الى الغرب وعاد بعد غياب ليحقق فيلماً عن روسيا، أما الثاني فلم يبارح بلده الا بشكل متقطع. وفي اعتقادنا أن انتصار ميخالكوف، مقابل هزيمة شقيقه الحاسمة، أتى ليرمز الى الفارق الكبير بين سينما أصيلة ظلت تعيش الوضع المحلي رغم الآلام والمشقات، وبين سينما أخرى اختارت الهروب السهل الى "فراديس الغرب الوهمية" - حسب تعبير ميخالكوف نفسه خلال حوار له مع أخيه - وكانت الخيبة ايضاً من نصيب محبي سينما آلان رودولف الذي لم يأت فيلمه الجديد "السيدة باركر والحلقة الجهنمية" كما كان متوقعاً له أن يكون، على ضوء التفوق الذي كانت بلغته أفلام رودولف السابقة. هذا بالنسبة الى الخيبات الأساسية. أما المفاجآت فكانت الى تفاهة النتائج النهائية، متمثلة في عدد كبير من الأفلام التي عرضت في التظاهرات الموازية، ولا سيما في تظاهرة "خمسعشرية المخرجين" و"نظرة ما" و"اسبوع النقاد"، وهي التظاهرات الثلاث التي عرضت فيها الأفلام العربية الثلاثة التي كانت جوائزها من بين الجوائز الأولى التي أملت عنها.. وكان في هذا ما من شأنه أن أرض زحام الحضور العرب، من صحافيين ونقاد وسينمائيين، الذين كان كل واحد منهم يتساءل لماذا لا يكون الحضور العربي أكبر وأهم، وفي التظاهرة الرئيسية، ولا يكف عن ابداء أمله في أن تذهب جائزة ما.. مجرد جائزة الى فيلم عربي، فكانت المفاجأة: أربع جوائز وتنويه للأفلام الثلاثة، وهو أمر نادر الحدوث في "كان" بالطبع. اذاً، غادر العرب "كان" راضين، كما كان أيضاً كلينت ايستوود راضياً، والسينما الايطالية نالت حصتها، والفرنسيون أعطوا أنفسهم ما طاب لهم الهوى من الجوائز. أما آسيا وأميركا اللاتينية اللتان ازداد حضورهما بشكل لافت هذا العام، فكان لأفلامهما عبق التظاهرات الثانوية وتحيات الجمهور والوعد بالمستقبلات المضيئة. عشية الاعلان عن الجوائز هدأ كل شيء وراحت "كان" تستعيد هدوءها، وخلت شوارعها ومقاهيها، وعادت مواطناتها العجائز يجررن كلابهن ويتمشين وهن يتنفسن الصعداء. أما جيل جاكوب، رئيس المهرجان وسيده، فبدا وكأنه الرابح الأكبر وسط تسويات من الواضح أنه كانت له اليد الطولى فيها.