إنتهى السينمائي الجزائري المعروف محمد الأخضر حامينا من كتابة سيناريو فيلم جديد بعنوان "الضفة الرابعة"، يدور موضوعه حول "معركة الشط" الليبية الشهيرة التي تعد من أبرز المواجهات التي خاضها بدو الصحراء الليبية ضد الاحتلال الايطالي. ويسجل هذا المشروع الجديد عودة صاحب "وقائع سنوات الجمر" إلى السينما، بعد غياب امتدّ أكثر من عشر سنوات. وكان آخر أفلام حامينا "الصورة الأخيرة" 1986 أثار زوابع في بلاده، ودار حوله جدال ثقافي وسياسي صاخب. فقد رأى فيه بعض النقاد نقطة تحول مهمة في مسار السينما الجزائرية، وبداية عهد التناول الموضوعي لحرب التحرير، بعد طغيان الحماس الفياض والشوفينية على "سينما الحرب" الجزائرية طوال العقدين السابقين. فيما أخذ البعض الآخر، خصوصاً في الأوساط الثقافية القريبة من دوائر الحكم، على حامينا تعاطفاً مبالغاً فيه مع الجالية اليهودية التي كانت مقيمة في الجزائر أثناء الفترة الاستعمارية. كما اتهمه بعضهم بالتطاول على التاريخ، والاساءة إلى الحركة الوطنية التي قادت حرب التحرير الجزائرية. وجاء الخلاف بين السينمائي ورفيق دربه الروائي وكاتب السيناريو مراد بوربون، ليغذي الجدل الذي أثير حول فيلم "الصورة الأخيرة". حيث ادعى كل من حامينا وبوربون لنفسه ملكية حقوق السيناريو المذكور. وكانت المواجهة بدأت بتراشق التهم على صفحات الجرائد، قبل أن تصل إلى المحاكم الجزائرية التي أصدرت حكمها سنة 1996، أي بعد مرور عقد كامل على صدور الفيلم، معتبرةً أن حامينا سطا على السيناريو. وأعطت لمراد بوربون وحده ملكية تأليف قصة "الصورة الأخيرة". وكانت لكل هذه المعارك تأثيرها على لجوء الأخضر حامينا إلى العزلة التامة، وعلى عزوفه عن العمل السينمائي لأكثر من عشرية كاملة. لكن شركة "جانت للانتاج" التي يديرها في باريس، ساهمت في تمويل أفلام عدّة، أبرزها فيلما ولديه مالك وفريد الاخضر حامينا. ولاقى فيلم "أكتوبر: خريف الجزائر" الذي أخرجه مالك حامينا سنة 1992، رواجاً جماهيرياً كبيراً في أوساط الشباب الجزائري، كما استقبل بحفاوة نقدية بالغة. أما فريد حامينا فانتهى قبل أشهر من تصوير أول أفلامه الروائية، في مدينة بسكرة التي تعود إليها أصول عائلة حامينا. والفيلم الذي يتوقّع خروجه قريباً إلى قاعات العرض في الجزائر وفرنسا، يحمل عنوان "وجه المدينة". ولا شك في أن عودة الاخضر حامينا إلى العمل السينمائي، بعد سنوات الغياب، يعد حدثاً بارزاً في السينما المغاربية. خصوصاً أن "الضفة الرابعة" سيكون مشروعاً انتاجياً ضخماً، يُذكّر بفيلم حامينا الشهير "وقائع سنوات الجمر" الفيلم العربي الوحيد الحائز، حتّى اليوم، السعفة الذهبية لمهرجان "كان" 1975. فمن المتوقّع أن تفوق موازنة الفيلم الجديد الذي ستقوم بتمويله القيادة الليبية، أكثر من 50 مليون دولار. ونُقل عن الاخضر حامينا أن انجاز سيناريو "الضفة الرابعة" الذي كتبه مشاركة مع السيناريست والمخرج التلفزيوني الجزائري المعروف توفيق فارس، تم بالاتفاق شخصياً مع العقيد معمر القذافي الذي منح حامينا مقابل تأليف السيناريو وحده مبلغ مليون دولار قبض نصفها مقدماً. وذكر مقربون من الأخضر حامينا أنه قال منذ البداية للرئيس الليبي الذي تربطه به علاقة صداقة قديمة: "إذا أردت فيلماً من نوع الدعاية التمجيدية، فعليك بالبحث عن مخرج غيري". وبعد الاتفاق على أن يتناول الفيلم وقائع "معركة الشط الرابعة" الشهيرة "الشط" في اللهجة الليبية هو الضفة، يبدو أن حامينا قال للعقيد القذافي: "إذا أردت فيلماً حربياً تبسيطياً فما عليك سوى الاتصال بمصطفى العقاد أو يوسف شاهين! أما أنا فأريد انجاز فيلم ملحمي يستعيد وقائع المعركة وفق رؤيتي وأسلوبي الشخصيين". ووافق العقيد، حسب مصادر مقرّبة من مخرج "رياح الأوراس"، على شروط حامينا، وعلى الموازنة الضخمة التي يحتاجها لتصوير الحقب التاريخية المختلفة، واعادة خلق أجوائها وأسلحتها وأزيائها الخاصة. وستتطلّب المشاهد الحربية ل "معركة الشط"، مشاركة جيش من الكومبارس يمثلون أكثر من 1200 فارس ومقاتل. وخلافاً لما كان أشيع قبل فترة من أن العقيد القذافي اشترك شخصياً في كتابة السيناريو، ذكر مقربون من الأخضر حامينا أن الزعيم الليبي - المعروف بشطحاته الأدبيّة! - اكتفى ب "عرض الافكار والتصورات الفنية والسياسية التي يريد أن يبرزها الفيلم، وأعطى بعض التوجيهات التي يراها ضرورية أو مستحبة". أما السيناريو بحد ذاته فكتبه الاخضر حامينا وتوفيق فارس