وجعلنا من الماء كل شيء حيا! تبارك الله تعالى الذي يحيل هذه البذرة بنعمةِ الماء والتراب الى حبّةٍ من الذهب بألف لون ولون، لتعبر الحدود تحت رحمة الرياح وتنمو وسط الرطوبة والمياه والحرارة، وتتحول بجهد الانسان وعرقه الى غذاء فريد. فهي بذرة يكنّ لها الانسان احتراماً كبيراً، لأن قيمتها في حياته تفوق قيمة الذهب، ولأنها مصدر أساسي لغذائه جيلاً بعد جيل. لهذا لا غرو في ان يحتفل الناس في مختلف ارجاء المعمورة بهذه البذرة التي أنعم الله بها عليهم. ولا أحد يعرف أصل الرز مع انه الغذاء الأساسي لأكثر من نصف سكان العالم. وقد عبر الرز حدود القارات الخمس، وتعلّم الانسان كيف يزرع هذه البذور على ارتفاعات مختلفة وكيف يؤمن لها البيئة اللازمة للنمو والانتاج رغم ما تحتاج اليه من جهود مضنية. إذ ان مزارعي الرز يقضون في بعض الاحيان اكثر من خمس عشرة ساعة في اليوم وهم يعتنون بتلك البذور لكي يضمنوا جني الحصاد الثمين في نهاية المطاف. وللرز ألوان مختلفة: فمنه الأبيض ومنه البنيّ والأخضر والفضي والذهبي والأصفر والأحمر. لكن أصله غير معروف مع أن الرأي السائد هو ان زراعته بدأت في الصين ثم حملت الرياح بذوره الى المناطق المجاورة فنمت وحدها بفضل الرطوبة والمياه والحرارة، وأثارت انتباه الانسان قبل اكثر من ثلاثة آلاف عام. وعندئذ أخذ يجرب زراعتها بصورة منتظمة مستخدماً المعاول والمحاريث البدائية، الى ان اهتدى الى فكرة زراعتها في أراض ممهدة على شكل مصاطب متدرجة في سفوح الجبال والسهول والوديان وحيثما توافر الماء بغزارة، من أجل توزيعه على حقول الرز وغمرها به على أعماق متساوية. هذه البذور البريّة في أصلها تنمو على شكل نبتات قد يصل ارتفاعها في بعض الاحيان الى متر ونصف المتر بأوراق عريضة وسيقان تعطي زهرة واحدة. أما أنواع الرز فتصل الى حوالي ألفي نوع منها الجبلي الذي يزرع في الحقول غير المغمورة بالمياه، والرز الذي يزرع في المستنقعات المغمورة ثم النوع الذي لا يحتاج الى غمر بالمياه إلا في مراحل النمو الأولى. لكن اكثر انواعه شيوعاً هو ذلك الذي يزرع في الحقول المغمورة في البلدان الآسيوية، بالأيدي. كما ان الفلاحين يقتلعون الاعشاب الضارة التي تنمو معه بأيديهم ايضاً. وعندما تبدأ القشرة في التكون تبدأ عملية التخلص من المياه لاتاحة الفرصة للمحصول لكي يجف وينضج. ولهذا تسير عملية زراعته والعناية به وتصريف المياه والحصاد تبعاً لدورة الرياح والامطار الموسمية في المناطق التي ينمو فيها. غذاء نصف سكان العالم يعتمد نصف سكان العالم هذه الأيام على الرز وحده في غذائهم. وفي العام 1994 ارتفع استهلاك العالم منه ليصل الى معدل ستين كيلوغراماً للفرد، مما يعني انه كان يؤلف نسبة عشرين في المئة من مجموع السعرات الحرارية التي يتناولها الانسان في اليوم. والرز في الواقع هو طعام الفقراء. اذ ان المواطن في بورما على سبيل المثال يتناول حوالى 190 كيلوغراماً في السنة، والفيتنامي حوالى 155 كيلوغراماً بينما يتناول الاميركي حوالى ثمانية كيلوغرامات والأوروبي اربعة كيلوغرامات سنوياً. وتنتج الدول الآسيوية اربعة أخماس الانتاج العالمي من الرز كما انها اكثر دول العالم استهلاكاً له. ففي العام 1996 بلغ انتاج العالم منه حوالى 558 مليون طن، انتجت منها القارة الآسيوية حوالى 510 ملايين طن. وفي مقدمة الدول الآسيوية المنتجة تأتي الصين بأكثر من 188 مليون طن ثم الهند التي انتجت 121 مليون طن، وأندونيسيا حوالى خمسين مليون طن، وبعدها فيتنام وبنغلاديش بسبعة وعشرين مليون طن لكل منهما مما يعني ان دول الشرق الاقصى وجنوب شرق آسيا تنتج تسعة أعشار ما ينتجه العالم اجمع. اما القارة الافريقية فهي تستورد الرز منذ اكثر من عشرين عاماً بعدما تضرر انتاجها بسبب الحروب والقحط والجفاف، وارتفع استهلاكها نتيجة الزيادة السكانية ففي العام 1964 على سبيل المثال كان انتاج القارة الافريقية من الرز يكفي حاجة 85 في المئة من سكانها. اما الآن فلا يكفي محصول الرز الافريقي اكثر من نسبة 48 في المئة من السكان. ومن الامثلة على عدم كفاية المحصول المحلي ان السنغال اصبحت تستورد اربعة أخماس حاجة السكان اي اكثر من ثلاثمائة ألف طن في العام، كما هي الحال في كل من نيجيريا ومدغشقر وعدد كبير من دول القارة الافريقية. والمصدر الأساسي لواردات الرز الى القارة الافريقية هو الولاياتالمتحدة، التي يبلغ معدل ما ينتجه الفرد فيها اكثر من ألفين ومئتي كيلوغرام في اليوم مقارنة بتسعة كيلوغرامات فقط ينتجها المزارع النيجيري مثلاً. وقد اصبح الرز الآن المادة الغذائية الأساسية التي تسارع الدول الى تقديمها الى سكان المناطق التي تضربها المجاعة او القحط من حين لآخر. وأخيراً لا بد لنا من الاشارة الى ان نبات الرز له فوائد اخرى علاوة على انه مصدر اساسي للغذاء. إذ ان بعض الدول تنتج منه الجعة البيرة والسلال والأوعية الخاصة من قشه