تشهد القاهرة حاليّاً معركة ثقافيّة محتدمة، بين مؤيدي ومعارضي التظاهرة الضخمة التي تتهيّأ الحكومتان المصريّة والفرنسيّة لتنظيمها في العام المقبل، احتفالاً بمرور قرنين على حملة نابليون بونابرت على مصر 1798 - 1801. وكانت أصوات الاحتجاج بدأت تتعالى قبل أشهر، حين أعلن عن التظاهرة التي سرعان ما تحوّلت، بفعل ردود فعل الاستنكار، من "الاحتفالات بحملة نابليون" إلى "الاحتفالات بالذكرى المئويّة الثانية للعلاقات بين القاهرة وباريس". وتتالت في القاهرة المقالات الغاضبة وبيانات الاحتجاج، كما دعت هيئات ونقابات وتجمّعات إلى مقاطعة الاحتفالات، وردّت بالاعلان عن تنظيم احتفالات بذكرى ثورتي القاهرة الأولى والثانية ضدّ الغزاة الفرنسيين. ويندّد عدد كبير من مثقّفي مصر بالحملة الغازية وما تميّزت به من همجيّة الجيوش والمذابح وتدنيس المقدّسات، رافضين اعتبارها مفترق طرق حضارياً في الشرق، بل فاتحة للغزو الاستعماري للعالم العربي خلال القرنين 19 و20. والجدير بالذكر أن يوسف شاهين سبق أن تناول الموضوع من زاوية خاصة، في فيلمه "وداعاً بونابرت". ودعا مثقفو وأدباء بورسعيد إلى مقاطعة الاحتفالات، مطالبين ب "الاحتفال بمقاومة الشعب المصري للهيمنة الفرنسيّة على منطقة السويس". كما أصدر "اتحاد الكتاب المصريين" قراراً بمقاطعة الاحتفالات التي ستقام في القاهرة وباريس طوال العام المقبل، وتتضمّن محطّات ابداعيّة وثقافيّة وفكريّة مميّزة، يشارك فيها فنّانون عالميّون منهم بيتر بروك. وسيردّ الاتحاد باحياء ذكرى ثورتي القاهرة. وحسب المؤرخين المصريين في القرن التاسع عشر فإن بونابرت أمر اخماد ثورة القاهرة الأولى 23/7/1798 بقصف الأزهر الشريف الذي دنّسته جيوشه. وفي العام التالي أعدم الجنود مئات الوطنيين، كما شهدت قلعة القاهرة مذبحة كبرى استبدل خلالها الرصاص بقطع الرؤوس توفيراً للذخيرة! واعتبر شيخ الأزهر محمد سيّد طنطاوي أن "نابليون دخل مصر غازياً وأهانها، لذا فهو مجرم والذي يحتفل به مجرم أيضاً"، وأضاف: "أن الاحتفال بالذكرى المئويّة الثانية للعلاقات بين القاهرة وباريس أمر عائد إلى تقدير المسؤولين السياسيين". وردّ وزير الثقافة المصري فاروق حسني على حملات الاحتجاج خلال مؤتمر صحافي في مناسبة اكتشافات أثريّة جديدة قامت بها بعثة فرنسيّة في مصر، فقال:"إننا نحتفل بعلاقة ثقافيّة وطيدة مستمرّة من قرنين، لكن المغرضين يسيئون إلى الموقف ويعتبرون أننا نحتفل بذكرى الاحتلال". وأضاف وزير الثقافة أن الاحتلال لم يدم سوى ثلاث سنوات، أي أن حملة نابليون فشلت، "وما نجح هو الموقف الثقافي والانساني المستمرّ حتّى الآن، ولا بدّ أن نحتفل به". واعتبر حسني أن الاحتفالات ستسمح لمصر بالحضور على الساحة الفرنسيّّة والعالميّة خلال عام كامل، "وهذا أكثر ما نحتاج إليه" بعد فرار السيّاح الأجانب بسبب الارهاب.