يتفاخر المسؤولون المصريون دوماً، أن تجربة التخصيص في بلادهم متميزة ومغايرة، لكل ما سبقها من تجارب، في مختلف بلدان العالم، واعتمدت على الفهم العميق للظروف المجتمعية والنفسية للدولة بكل عناصرها. وربما يكون ذلك، هو الحقيقة الوحيدة المتفق عليها، في مصر، بين مؤيدي ومعارضي سياسة التخصيص، سواء داخل فصائل الكتل السياسية، أو في أوساط الرأي العام، أو حتى في التقارير الدولية الدورية التي تتعرض لتقويم التجربة المصرية، وهو ما دفع الدولة الى التصميم على المضي في برنامج الاصلاح، وتذليل كل العقبات التي يواجهها. واكتسبت تجربة التخصيص المصرية أهميتها، من زوايا عدة، فهي تتم أولاً في دولة حاكمة استراتيجياً في إقليمها، ذات دور سياسي مهم، وتأثير إقليمي غير محدود، وهي حدثت في بلد اعتاد المركزية، ودوراً جوهرياً للدولة في العملية الانتاجية والخدمية لآلاف السنين، وهي تمت في وطن ظل يعيش منذ مطلع الخمسينات في ظل أهداف سياسية، وتوجهات اجتماعية مغايرة، بل مناقضة ومعادية للخلفيات الفكرية لمعاني التخصيص ومن ينفذها. وعلى رغم كل ذلك، فإن عشر سنوات من مرحلة الانتقال، لم تكف لخلق إجماع على هذه السياسة، على رغم قناعة كل الأطراف، أن النكوص عنها ضرب من المستحيل، بعد ما حققته من نتائج ومتغيرات مهمة في البلاد. ولعل ضخامة حجم المؤسسات والهيئات الاقتصادية العامة في مصر، المطروحة للتخصيص 311 شركة، وارتفاع قيمة أصولها الدفترية 80 مليار جنيه والدور المهم الذي لعبته في تعبئة الاقتصاد الوطني في مرحلة المواجهات العسكرية، بالاضافة الى مساهمتها في موازنة الدولة لتوفير الخدمات وتحقيق التوازن الاجتماعي، كانت كلها عوامل وراء الصعوبات التي واجهتها سياسة التخصيص، وارتفاع حدة المعارضة ضدها. وتمثل القضية الأخيرة الأبعاد الاجتماعية نقطة التوازن، التي تمسكت بها الحكومات المصرية، على مدار عقد كامل، لضمان مسيرة آمنة مستقرة، تحقق أهداف الانتقال الى الاقتصاد الحر، بأقل الخسائر الممكنة، ومن دون اضطرابات طبقية، ويمكن القول إن تحقق ذلك كان السبب الجوهري وراء نجاح الحكومة، في الانتقال بسياسات الاقتصاد الحر الى ملفات ذات آثار متنوعة اجتماعية وسياسية. ويمكن رصد مرحلتين لعملية التحول في مصر، الأولى 1990 - 1995، والتي استقرت في ملف الاصلاح المالي والنقدي، وشهدت نتائج ايجابية وسلبية في آن واحد، والثانية تتعلق بالإصلاح الهيكلي، وبيع الشركات العامة. وتحققت نتائج مهمة، من خلال تطبيق المرحلة الأولى، إذ انخفضت نسبة التضخم بحسب الاحصاءات الرسمية بمعدلات سريعة لتبلغ الآن نحو 5،1 في المئة، بعد أن تجاوزت في نهاية الثمانينات نسبة 28 في المئة، ونجحت حكومة الدكتور عاطف صدقي في تثبيت سعر الصرف، والقضاء على السوق السوداء في المضاربة على العملة الصعبة، وتحقيق احتياطي من النقد الأجنبي، غير مسبوق في تاريخ البلاد 18 مليار دولار. وأدت تلك السياسات الى سد العجز في الموازنة العامة للدولة، وزيادة حجم المدخرات الشخصية في البنوك بعد رفع سعر الفائدة الى أرقام غير مسبوقة 18 في المئة، لتتجاوز المدخرات 180 مليار جنيه، وزادت مواد الخزانة العامة للدولة، والتي استخدمت لسد العجز في الموازنة، كما رفعت الحكومة من سعي فوائد الائتمان، ما أدى الى انخفاض الاقبال على الاقتراض. غير أن تلك السياسات عكست في الوقت ذاته أوضاعاً اجتماعية وانتاجية صعبة، حيث أقبل المواطنون على إيداع أموالهم في المصارف، فساد كساد تجاري واسع في البلاد، وتسبب ذلك في انخفاض الانتاجية، وضعف عمليات الاستثمار الجديدة، ما ترتب عليها زيادة في أعداد البطالة، التي بلغت آنذاك - بحسب إحصاءات الحكومة - 6 في المئة بينما قدرتها المعارضة 14 في المئة، وارتفاع في الأسعار في مقابل زيادة محدودة في الدخول، ما أطلق عليه المفكر الاقتصادي الدكتور اسماعيل صبري عبدالله ظاهرة "الكساد التضخمي" كظاهرة فريدة في علم الاقتصاد. ولم تتجاهل حكومة صدقي هذه الظواهر، بل اعترفت بها أمام البرلمان، مرات عدة، على خلفية أن السياسات المطبقة، تستهدف الاصلاح النقدي والمالي بالأساس، من خلال الحد من الانفاق، وزيادة الادخار، للحد من عجز الموازنة العامة، ومواجهة غول التضخم، ومن ثم فوجود انعكاسات اقتصادية واجتماعية، أمر طبيعي ولا بد من حدوثه. وشهدت تلك المرحلة تعديلات جوهرية على البنية التشريعية، استهدفت إعداد المسرح، لاستقبال الممثلين الجدد، فظهرت قوانين عدة تتعلق بالاستعداد لمرحلة الاصلاح الهيكلي، ونقل الملكية القانونية للمؤسسات العامة، الى القطاع الخاص، وتأهيل المؤسسات المصرفية للتعاطي مع الأوضاع المستقبلية الجديدة، وكان كل ذلك في إطار تنفيذ المرحلة الأصعب، التي أطلقت عليها المعارضة "مرحلة البيع". واللافت أن فترة الاصلاح النقدي، تواكبت مع تحولات واسعة في التركيبة السياسية للدولة، إذ احتلت مجموعة الاصلاحيين قمة السلطتين التنفيذية والتشريعة، وإن كانوا جميعهم من صفوف المدرسة البيروقراطية، وصاحب ذلك دخول المعارضة اليسارية للبرلمان، من خلال حزب التجمع بتمثيل محدود 5 أعضاء، وحصل الحزب الناصري على رغم برنامجه المتشدد، على ترخيص تأسيسه العام 1992. وفي المقابل، تراجعت المعارضة الليبرالية والإسلامية الوفد والعمل والإخوان المسلمين، التي احتلت مقاعد المعارضة في البرلمان بكثافة 90 عضواً خلال حقبة الثمانينات، وجهت خلالها انتقادات عنيفة الى استمرار الأوضاع الموروثة من فترة المد الاشتراكي في عهد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، ومارست ضغوطاً على الحكومات المتوالية آنذاك لدفعها الى تبني الاتجاه المضاد، وتطبيق سياسات الاقتصاد الحر. ورصد مراقبون سياسيون تلك التحولات، واعتبروا أنها بمثابة الخلفية الملائمة للبناء الفوقي، القادر على التعامل مع طرح سياسة التخصيص، من خلال وجود معارضة يسارية، تلعب دوراً في الضغط المضاد، تستوعب من خلاله الرأي العام، وتمارس عملية "فرملة" سياسية لقوة الاندفاع، بدلاً من معارضة ليبرالية تضغط في اتجاه مزيد من الاندفاع. وأثمرت تلك الأوضاع ضغوطاً حقيقية على الحكومة من خلال انتقال حمى الضغط الى صفوف نواب الحزب الوطني الحاكم، وإن كانت بالطبع بدرجات أقل حدة واستهدافات مغايرة لما تطرحه المعارضة. وعلى رغم أن غياب المعارضة الليبرالية والاسلامية، ارتبط شكلياً بقرارها مقاطعة الانتخابات البرلمانية عام 1990، احتجاجاً على الأوضاع السياسية، إلا أن ذلك لا يعد السبب الفعلي لهذه التطورات، خصوصاً أن اليسار غاب أيضاً تماماً عن المعادلة السياسية طوال الثمانينات، وظل خارجها قسراً أو اختيارياً، وهو ما تبدل في حقبة التسعينات. ولا يمكن تجاهل آثار ظاهرة الحوار، والتعاطي مع ما يطلق عليه الاتجاه الاسلامي المعتدل، في الثمانينات والتي عبرت عن نفسها في مشاركة "الاخوان" بكثافة في البرلمان، عبر التحالف تارة مع حزب الوفد، وأخرى مع حزب العمل ما زالت الأخيرة حتى الآن، والسماح لهم بالعمل العام في منابر سياسية واقتصادية واجتماعية عدة، حتى جاءت مرحلة الصدام المتوازية مع تفجر أعمال العنف والإرهاب، مطلع التسعينات، ومتواكبة مع بدء تطبيق برنامج الاصلاح الاقتصادي، فكان انقلاب الأوضاع الى اتجاه مناقض، ما زال قائماً حتى الآن. وعلى رغم كل هذه التفاعلات المتنوعة، إلا أن اللافت، محدودية أثر سياسات الخصخصة في طبيعة الملكية العامة، خلال هذه الفترة. فعلى رغم حدة الهجوم الذي تعرضت له حكومة صدقي، لم تتجاوز عمليات بيع الشركات العامة 3 هيئات، اثنتان للمياه الغازية، والثالثة للمراجل البخارية، والأخيرة أثارت ضجة، ما زالت تداعياتها ممتدة حتى الآن، نظراً للطبيعة الاستراتيجية لهذا النشاط. وفي المقابل طاولت يد الخصخصة في الفترة من العام 1995 وحتى آذار مارس من العام الماضي، بيع كامل الملكية في 9 شركات عامة الى مستثمر رئيسي، وبحسب احصاء رسمي صادر عن وزارة قطاع الأعمال العام، بلغ عدد الشركات التي انتقلت ملكيتها بالكامل من أملاك الدولة الى القطاع الخاص 13 شركة فقط. وتكشف الاحصائية عن مفارقات عدة، تشير الى عدم دقة ما يتردد عن تنفيذ الحكومات المتوالية برنامج بيع كل الممتلكات العامة، فقد تخلصت الدولة المصرية حتى الآن عن غالبية أسهم 36 شركة فقط تم طرحها في أسواق المال، وباعت نسبة أقل من 50 في المئة من أسهم 19 شركة، وشاركت القطاع الخاص في 27 شركة عامة، وطرحت كأسهم ملكية 28 شركة. ومن هذا السياق، يتبين أن برنامج الخصخصة المصري، وعلى مدار 10 سنوات، طاول 123 شركة فقط، تمثل حوالى 40 في المئة من الملكية العامة المطروحة للتخصيص وعددها 311 شركة، وفي الوقت ذاته، لا تتجاوز نسبة البيع الكامل 1 في المئة من إجمالي المطروح للتخصيص سواء في صورة التخلص من غالبية الأسهم أو أقلها. وربما كانت هذه المظاهر، هي المسؤولة عن توصيف حكومة الدكتور عاطف عبيد لدى تعيينها في تشرين الاول اكتوبر الماضي، أنها "حكومة الخصخصة والبيع"، لأن سالفتها برئاسة الدكتور كمال الجنزوري والتي استمرت 3 سنوات 1996 - 1999 وعلى رغم إعلانها المتكرر عن طرح عشرات الشركات للتخصيص، عبر أسواق المال، فإنها وفي ما بدا، تحركت في إطار الانتقال التدريجي على وتيرة هادئة مثل سابقتها برئاسة صدقي. ودائماً ما يطلق المسؤولون المصريون، إشارات متضاربة، ومتعاكسة عن برنامج التخصيص، فتارة تظهر التصريحات عن إلغاء الملكية العامة، وإعداد الشركات المطروحة للبيع، في سياق رغبة ملحّة للبيع من دون مبرر، وهو ما أطلقت عليه صحيفة "الأهالي" اليسارية في أحد إصداراتها "هيستيريا البيع الحكومي" وتارة أخرى يسعى الإعلان الحكومي لتأكيد معان للخصخصة مخالفة لانتقادات المعارضة، ونافية ما يتردد عن الاتجاه الى البيع. ووفقاً لتصريحات عبيد المتكررة، فإن التخصيص لا يعني في مفهوم الحكومة "البيع"، وإنما إعادة صوغ قانونية لملكية الشركات العامة، عبر وسائل متعددة، تتخلص فيها الدولة من امتلاك بعض الأنشطة الاقتصادية، وتتيح مشاركة القطاع الخاص في البعض الآخر، وتحقق توسيع قاعدة الملكية للمواطنين، بطرح أسهم بعض الشركات في الأسواق المالية، واستغلال حصيلة هذه العمليات في إصلاحات نقدية ومالية أخرى. المؤكد أنه ومن ثنايا هذا التضارب، يبرز التوجه الأساسي للدولة، في تغيير مفاهيم التملك القائمة، والاجهاز على مرحلة الملكية العامة، والانتقال الى مرحلة الملكية الخاصة، باتباع وسائل متعددة ومتنوعة وعبر إجراءات متدرجة لكنها في الوقت ذاته مؤثرة، وكما يقول المثل "ببطء ولكن بثقة". وعلى هذا الأساس، انطلقت الدولة بسياسات الخصخصة، الى قطاعات أبعد من بيع الشركات العامة، أو إطلاق النشاط الخاص في كل المجالات، حيث واجهت واحدة من أصعب مراحل برنامج الاصلاح الاقتصادي، وهو ما يتعلق بتحرير العلاقات الايجارية في الأرض الزراعية، وإنهاء صفة الأبدية التي لحقت بالعلاقة بين الملاك والمستأجرين، على مدار 40 عاماً، منذ اعتمدتها ثورة تموز يوليو في 9 أيلول سبتمبر 1952. وتوقع معارضو الخصخصة، انتكاس برنامج الحكومة، مع تطبيق قانون الزراعة الجديد العام 1997. وشهدت الساحة السياسية، مواجهات مع أحزاب المعارضة، غير أنها اكتست باللهجة الدعائية والتحذيرية، أكثر منها مواجهة عملية، ووقعت أحداث عدة في قرى كثيرة في مختلف المحافظات، غير أن الاجمالي العام، أثمر بمفهوم الدولة خسائر محدودة، لم تترك آثاراً ذات ضرر كبير في الاتجاه العام للدولة. وانطلقت الدولة الى آفاق متعددة، منها: خصخصة العلاقة الايجارية في المساكن الجديدة، واطلاق حرية التعاقد في المحال والوحدات السكنية التجارية، واخضاعها لقواعد السوق، وانتشرت المستشفيات الاستثمارية، وتضخمت أعداد المدارس الخاصة، ذات التكلفة الباهظة، وظهرت مدارس تتعامل بالعملات الأجنبية الدولار والاسترليني. وأطلقت الحكومة لسياستها العنان ودخلت مرحلة التعامل مع الملفات المتوترة، فخضع قطاع الخدمات للخصخصة، وصدرت قوانين الامتياز في إنشاء وإدارة الطرق والموانئ الجوية والبحرية، وتحولت هيئات الهاتف والاتصالات والكهرباء الى شركات عامة، لطرحها على مراحل في صورة أسهم في بورصة الأوراق المالية. لكن قوة الدفع الفتية التي تلقاها برنامج الاصلاح، والمحطات الصعبة التي اجتازها، لم تساعده على الاقتراب من ملفين، تتعامل معهما الحكومة بحساسية وحذر شديدين، وهما العلاقة الايجارية في المساكن القديمة وعلاقات العمل، واللذان يمثلان الجسر الأخير للتخصيص الاجتماعي، الأول يتعامل مع 80 في المئة من شعب مصر، والثاني يتصل بأوضاع العمالة المصرية في كل القطاعات، عدا العاملين في الحكومة وما تبقى من شركات محدودة تابعة للقطاع العام. كما ان عدم حدوث ردود فعل شعبية واسعة النطاق أو مؤثرة، مهد الطريق لولوج محطة جديدة، تعد من أهم أركان برنامج الاصلاح الاقتصادي، وهي اجتذاب رؤوس الأموال الأجنبية، وإزالة العقبات من طريقها لإغرائها على الاستثمار في كل المجالات من دون استثناء عدا القطاعات الحربية. فكانت التعديلات التشريعية التي ساوت في الامتيازات بين الاستثمار الوطني والأجنبي، وأنهت مرحلة القرارات والقوانين ذات الأبعاد الاستثنائية والاجتماعية، حتى أن أمين عام الحزب الناصري السيد ضياء الدين داود، وقف أمام البرلمان العام 1993، زاجراً الحكومة وداعياً اياها الى "إصدار قانون من مادة واحدة، ينص على أن تعود الأوضاع الى ما كانت عليه قبل ثورة 23 تموز يوليو وكفى". ولكن مع كل هذه التطورات، يمكن القول إن هذه الانجازات والمتغيرات، لم تنجح في تحقيق آمال وطموحات الحكومات المتعاقبة، في جذب الاستثمارات الأجنبية، والتي ما زالت مشاركتها في المشروعات الانتاجية محدودة للغاية، وأقل من المستهدف بكثير. وشهدت السنوات الأخيرة، معلومات متناثرة من مصادر اقتصادية وسياسية عدة، حول مظاهر سلبية، تتعلق باستثمار الأموال المقترضة من البنوك، والتي بلغت سقوفاً مرتفعة، تجاوزت في بعض الأحيان حدود الأمان، وتثير مخاوف عدة على مستقبل الاقتصاد الوطني، خصوصاً مع حال الكساد التي عاودت الظهور مجدداً، وشهد البرلمان سيلاً من الأسئلة وطلبات الإحاطة في هذا الشأن، ولعل هذه التفاعلات تفسر حركة التغييرات الواسعة التي شهدتها المناصب القيادية في المصارف الوطنية، والتحقيقات الكثيرة التي قامت بها أجهزة رقابية، لكن المسؤولين الذين لم ينفوا بعض هذه التطورات، عملوا في الوقت ذاته على تأكيد متانة قواعد الاقتصاد الوطني. وفي سياق هذه التأكيدات، يأتي الإعلان الأخير للحكومة، عن اخضاع 61 شركة عامة جديدة للتخصيص في برنامج العام الجاري، منها 49 شركة رابحة، و12 شركة خاسرة، سيتم اصلاحها قبل طرحها للبيع في الأسواق. وعلى خلفية تجربة السنوات الماضية، بدأت الحكومة خطة إصلاح أوضاع 62 شركة خاسرة، بتطبيق نظام المعاش المبكر بكلفة 1220 مليون جنيه، وسداد مديونية هذه الشركات للبنوك وتبلغ 3012 مليون جنيه، وإتاحة الفرصة للمستفيدين بنظام المعاش المبكر لإنشاء مشروعات صغيرة، عبر قروض الصندوق الاجتماعي، ثم إعادة هيكلة أنشطة هذه الشركات لتتحول الى هيئات اقتصادية مجدية. وزير قطاع الأعمال الدكتور مختار خطاب أدلى ببيان للصحافة قبل أيام، ذكر فيه أن عائد عملية التخصيص، بلغ حتى الآن 11065 مليون جنيه، تم تحصيل 10008 ملايين جنيه، من بيع الشركات العامة، واستخدم من هذه الحصيلة 3610 ملايين جنيه لسداد مديونيات البنوك، و1930 مليون جنيه لمصلحة المحالين على المعاش المبكر، و331 مليون جنيه لإعانة عمال المناجم وأجور الشركات الخاسرة، و4137 مليون جنيه تم تحويلها الى وزارة المال. الإعلان عن بيع الشركات الجديدة، يمثل في حد ذاته تشديداً على استمرار الدولة في سياسات الخصخصة، وإعلان ثقة في متانة الأوضاع، ونفي ما يتردد عن سلبيات التجربة، على خلفية قدرة السوق على استيعاب المشروعات المطروحة للبيع، ووفرة السيولة النقدية لدى راغبي الشراء، واستمرار إقبال الأجانب على استثمارات رؤوس أموالهم في مصر. وارتبطت تفاعلات برنامج الخصخصة، بخطط اجتماعية كانت احد الجوانب الأساسية، الملازمة لبرامج الحكومات المتعاقبة، والتي استهدفت سد جانب من الثغرات الناجمة عن عملية التحول، وفي الوقت ذاته توفير مقدار من الحماية للطبقات والفئات الاجتماعية المتضررة من سياسات الخصخصة وتداعياتها، إلا أن كل المجهودات المبذولة في هذا الشأن، لم تمنع من اتساع الفارق الاجتماعي، فوفقاً لما أعلنه رئيس الحكومة السابق الدكتور كمال الجنزوري أمام البرلمان مطلع العام 1999، فإن نسبة السكان تحت خط الفقر بلغت 29 في المئة من مجموع السكان، وهو ما تعتبره الحكومة إنجازاً على خلفية الانخفاض بنسبة 6 في المئة عن المراحل السابقة، فيما تعتبره المعارضة مؤشراً على فشل سياسات التخصيص في معالجة الأوضاع الاجتماعية والمسؤولية المباشرة عن زيادة الفقر في البلاد، وتآكل الطبقة الوسطى، ونزول أغلبها الى مصاف محدودي الدخل.