بعد هدنة هشة لم تدم اكثر من 11 شهراً جرى توقيعها في انقره يوم 31 تشرين الاول/ اكتوبر 1996 تجددت الحرب الداخلية الكردية في شمال العراق. وعلى رغم ان الجولة الاخيرة من الحرب لم تدم اكثر من خمسة ايام 14 الشهر الجاري الى 18 منه لتعقبها هدنة اخرى، نتيجة وساطة اميركية - بريطانية - تركية مشتركة، الا ان مصادر مستقلة قريبة من مواقع القتال تؤكد نجاح قوات جلال طالباني في اختراق مواقع محددة من جبهة قوات غريمه مسعود بارزاني. ومع ان الجانبين اعلنا التزامهما وقف النار طالباني اعتباراً من يوم 17 وبارزاني اعتباراً من 18 منه، الا ان انعدام الثقة بين الطرفين وشروطهما المتبادلة لالتزام وقف نار دائم، تجعل استئناف القتال امراً شبه اكيد. واللافت ان الجولة الراهنة من الحرب تميزت بجملة مظاهر وتدخلات تؤشر الى تفاقم المخاطر على صعيد الاوضاع في شمال العراق. فإضافة الى شراستها واتساع رقعتها على طول طريق هاملتون الدولي، شاركت مجموعة من الاحزاب الكردية الصغيرة فيها الى جانب قوات طالباني، الى جانب مشاركة حزب العمال الكردستاني بزعامة اوجلان في دعم قوات الاتحاد الوطني، حسب مصادر بارزانية. كما تميز القتال الاخير بتدخل الطائرات التركية الى جانب قوات بارزاني. وعلى رغم تأكيدات انقره ان طائراتها لم تقصف غير مواقع تابعة لحزب اوجلان، الا ان وقوع ضحايا مدنيين بين اكراد العراق يوضح المشاركة التركية. واذا تم ربط ذلك بتجنب بغداد التدخل عسكرياً الى جانب بارزاني، على عكس ما حدث في 31 آب اغسطس الماضي، تتأكد حقيقة التحول في تحالف الاخير من بغداد نحو انقره. وهو ما عملت من اجله واشنطن. وعلى صعيد ثالث، تميز القتال باستخدام قوات طالباني صواريخ روسية الصنع من نوع "غراد" في قصف مقر قيادة خصمها في "سري رش". ولم يستبعد مراقبون ان تكون حصلت عليها من حليفتها ايران رداً على قيام انقره بدعم خصمها. فإيران التي تعيش صراعات خفية ومعلنة مع انقره تشعر بأن اختلال ميزان الصراع لمصلحة بارزاني، يمكن ان يمهد لاتساع نفوذ تركيا واسرائيل في ظل تحالفهما العسكري. واللافت ايضاً ان اميركا وبريطانيا وتركيا التي كانت تفضل عدم التورط في تحديد الجهة المسؤولة عن انتهاك الهدنة حرصاً على حيادية وساطتها، اعلنت في بيان مشترك مسؤولية قوات طالباني عن بدء القتال الاخير. كما طالبتها بالانسحاب الى مواقعها في 12 الشهر الماضي. لكن قيادة طالباني ردت متهمة انقره بالتحول الى طرف في الصراعات الكردية. واشارت الى عدم ارتياحها من مساهمة الطرف التركي في رعاية العملية السلمية بين الحزبين. وعلى رغم ان انقرة لم تردّ اعلامياً، لكن مطلعين يشيرون الى توقع تفاقمات مستقبلية على صعيد العلاقات الكردية - التركية، خصوصاً لجهة توسيع طالباني رقعة دعمه قوات حزب اوجلان، وتعميق تحالفه مع طهران، في وجه مظاهر التحالف الآخذة بالبروز بين بارزاني وتركيا واميركا. كما لم يستبعدوا اندماجه في علاقات تحالفية مع بغداد التي تخفي من جهة مخاوف عميقة من المطامح التركية في نفط كركوك ولاية الموصل، وتضمر من جهة ثانية كراهية لبارزاني بعد تخليه في منتصف الطريق عن تحالفه معها. وفي حال تحقق اي من الاحتمالين فان النتيجة المتوقعة هي عودة جهود واشنطن في مجال تصفية النفوذين العراقيوالايراني بين اكراد العراق الى نقطة الصفر. والاخطر ان يؤدي كل ذلك الى تفاقم الصراعات الاقليمية، خصوصاً اذا اكتفت واشنطن بالانشغال في امور غير ثابتة في الصراع الكردي، كوقف النار وتحديد الفواصل بين القوات المتحاربة، وتجنبت الخوض في حل المشاكل الاساسية التي تقف وراء القتال الكردي، مثل اقامة ادارة ذاتية موحدة في شمال العراق تتولى فرض القانون وجمع الاسلحة واجراء انتخابات جديدة وتنظيم جباية الضرائب، اضافة بالطبع، الى اقناع تركيا باحترام سيادة الحدود العراقية وعدم تورطها في حروب الاكراد.