موديز ترفع تصنيف المملكة الائتماني عند "Aa3" مع نظرة مستقبلية مستقرة    جمعية البر في جدة تنظم زيارة إلى "منشآت" لتعزيز تمكين المستفيدات    وفاة الملحن محمد رحيم عن عمر 45 عاما    مصر.. القبض على «هاكر» اخترق مؤسسات وباع بياناتها !    ترامب يرشح سكوت بيسنت لمنصب وزير الخزانة    حائل: دراسة مشاريع سياحية نوعية بمليار ريال    "بتكوين" تصل إلى مستويات قياسية وتقترب من 100 ألف دولار    بريطانيا: نتنياهو سيواجه الاعتقال إذا دخل المملكة المتحدة    الاتحاد يتصدر ممتاز الطائرة .. والأهلي وصيفاً    الأمر بالمعروف في عسير تفعِّل المصلى المتنقل بالواجهة البحرية    القادسية يتغلّب على النصر بثنائية في دوري روشن للمحترفين    (هاتريك) هاري كين يقود بايرن ميونخ للفوز على أوجسبورج    النسخة ال 15 من جوائز "مينا إيفي" تحتفي بأبطال فعالية التسويق    وزير الصناعة والثروة المعدنية في لقاء بهيئة الصحفيين السعوديين بمكة    مدرب فيرونا يطالب لاعبيه ببذل قصارى جهدهم للفوز على إنترميلان    الأهلي يتغلّب على الفيحاء بهدف في دوري روشن للمحترفين    نيمار: فكرت بالاعتزال بعد إصابتي في الرباط الصليبي    قبضة الخليج تبحث عن زعامة القارة الآسيوية    القبض على (4) مخالفين في عسير لتهريبهم (80) كجم "قات"    أمير المنطقة الشرقية يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    بمشاركة 25 دولة و 500 حرفي.. افتتاح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض غدا    بحضور وزير الثقافة.. «روائع الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    مدرب الفيحاء يشتكي من حكم مباراة الأهلي    أوكرانيا تطلب أنظمة حديثة للدفاع الجوي    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    أمانة الشرقية تقيم ملتقى تعزيز الامتثال والشراكة بين القطاع الحكومي والخاص    رحلة ألف عام: متحف عالم التمور يعيد إحياء تاريخ النخيل في التراث العربي    «طرد مشبوه» يثير الفزع في أحد أكبر مطارات بريطانيا    فيتنامي أسلم «عن بُعد» وأصبح ضيفاً على المليك لأداء العمرة    هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    "الجمارك" في منفذ الحديثة تحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة "كبتاجون    الملافظ سعد والسعادة كرم    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    ترمب المنتصر الكبير    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    فعل لا رد فعل    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمود عثمان يروي خفايا العلاقات الكردية الخارجية . موسكو حذرت من التعاون مع اسرائيل وبريماكوف تولى دور الوسيط لدى بغداد الأخيرة
نشر في الحياة يوم 20 - 10 - 1997

يتابع الدكتور محمود عثمان، في هذه الحلقة الثانية والأخيرة من ذكرياته، كشف تفاصيل العلاقات الكردية الخارجية التي كان له دور كبير فيها باعتبار انه كان المسؤول الأول عنها طوال فترة غير قصيرة في الستينات وأوائل السبعينات. ويتطرق الى محاولة اغتيال الملا مصطفى البارزاني في العام 1971 فيروي تفاصيلها الدقيقة التي شاهدها بأم العين.
هل شعر المرحوم البارزاني بالدور الذي رسمه له الاسرائيليون؟
نعم كان يدرك ذلك، لأنه كان ذكياً، وله ثقافته الخاصة. كان يقول باستمرار ان هؤلاء يريدون استغلالنا، نحن نريد شيئاً وهم يوجهوننا الى شيء آخر. ولم تكن لديه ثقة بإيران ايضاً، اذ كان جلّ همه الوصول الى اميركا.
كان يسخر بعض الاحيان فيقول: "أنا أتحدث مع الاسرائيلي عن اميركا، وهو يحدثني عن قنبلة". لم يكن راضياً في قرارة نفسه.
لقد دخلت اسرائيل والولايات المتحدة ايضاً بقوة معنا، بعد المعاهدة السوفياتية - العراقية العام 1972، فجنّ جنون الشاه في ذلك الوقت بسبب قرب الاتحاد السوفياتي من ايران جغرافياً. لذا ألح الشاه على الاسرائيليين والاميركيين ان يتدخلوا في القضية الكردية بشكل أكبر. وبما ان علاقتنا بالنظام العراقي الحاكم كانت صفراً، رغم وجود وزراء أكراد في الحكومة المركزية، خُلِقَت أرضية لتقوية العلاقة مع هذه الدول.
وماذا عن علاقاتكم بالدول العربية؟
- التقينا، الملا مصطفى وأنا، الملك حسين مرتين، الأولى في العام 1969 والثانية في العام 1973 على شاطئ بحر قزوين أثناء زيارته لايران. أما مصر فقد التقى الملاّ بالرئيس جمال عبدالناصر، بعد رجوعه من الاتحاد السوفياتي وبراغ، اذ عرج على القاهرة وبات ليلة فيها. وكان عبدالناصر متعاطفاً مع القضية الكردية ويفضل الحل السلمي لها كي لا يستفيد أعداء العرب منها. ولم يكن تأييده للاكراد بسبب عدائه مع عبدالكريم قاسم. وهو أول زعيم عربي بعث ببرقية يهنئ فيها ببيان 11 آذار مارس 1970، على رغم خلافه مع حكومة بعث العراق وقتذاك. وهو أكثر القوميين تفتحاً مع الأكراد. اما مصر في عهد السادات، فلم تكن لنا علاقات معها، ولم يشجعونا على شيء. وحين أُبرمت "اتفاقية الجزائر" لعام 1975 كانت مصر السادات عراباً للاتفاقية.
هل قدمتم الى اسرائيل معلومات استخبارية عن مصر أو الدول العربية؟
- كلا لم يحصل ذلك، كان الاسرائيليون يريدون معلومات عن كل العرب، لكننا لم نكن نريد ان يخرج الموضوع عن نطاق العراق. كانت علاقتنا باسرائيل تقوى في زمن الحرب وتفتر في زمن السلم.
هل اطلعتكم اسرائيل على علاقاتها بدول أو حركات عربية أو اشخاص عرب في تلك الفترة الستينات والسبعينات؟!
- اعتقد بأنه في كل مكان شهد صراعاً بين دولة عربية وجهة معينة كانت لاسرائيل يد فيه.
وماذا عن الاتحاد السوفياتي. ألم يؤيد الأكراد في إقامتهم دولة مهاباد؟
- لم تكن مهاباد دولة، حتى يصح القول ان السوفيات شجعونا على اقامتها. انما كانت تتمتع بحكم ذاتي، ولم يساهم الاتحاد السوفياتي في إقامة دولة مهاباد لكنه كان مسيطراً على المنطقة التي تقع فيها. اما انكلترا واميركا فكانتا تسيطران على جنوب ايران. لكن السوفيات ساهموا في خلق دولة اذربيجان الأقليمية لأن حزب "تودة" الشيوعي هو الذي كان يحكم في تلك الدولة. لم يساهم السوفيات في كردستان بشيء، لكنهم شجعوا الأكراد على ان يديروا أمورهم بأنفسهم أي ان يحصلوا على حكم ذاتي. واستغل الأكراد الفرصة فأداروا أمورهم بأيديهم في مهاباد حوالي 11 شهراً، ومن ثم انسحب السوفيات من المنطقة بموجب اتفاق ابرموه مع اميركا وبريطانيا وايران، وتخلوا عن الأكراد فانهارت الدولة الكردية.
الجهة الوحيدة التي كانت تحذرنا من العلاقات مع اسرائيل وهم على علم بها، السوفيات! كانت وفودهم تزور كردستان العراق بشكل مستمر حتى نهاية 1972، وحين ابرمت المعاهدة السوفياتية - العراقية، قلت زياراتهم وتركونا.
وكان للسوفيات دور في بيان 11 آذار 1970. وقد زارنا يفغيني بريماكوف وزير الخارجية الروسي الحالي وكان رأيهم ان هذا الطريق مسدود. أما علاقتنا بإيران فكانوا يقدرون بعض ظروفنا لاعتبارات جغرافية، لكنهم لم يؤيدوا علاقتنا باسرائيل.
كان جوابنا دائماً لهم هو ان لديكم علاقات بالنظام العراقي وصدام، فلماذا لا تضغطون عليه وتتوسطون من أجل الحل السلمي بيننا. وعندها ستنتهي هذه العلاقات.
هل تعتقد بأن بريماكوف كان يُطلع صدام حسين على علاقتكم باسرائيل باعتباره صديقه منذ ذلك الوقت؟
- كان بريماكوف في ذلك الوقت يعمل في صحيفة "البرافدا" ومن ثم في جهاز "كي.جي.بي" ولعب دور الوسيط بيننا وبين النظام العراقي. ثم التقيناه في بغداد ايضاً اثناء المفاوضات لكنني لا أعتقد بأنه أطلع صدام بشكل تفصيلي عن علاقتنا باسرائيل.
يُقال ان الأكراد اعطوا معلومات لاسرائيل عن مفاعل تموز النووي لغرض قصفه العام 1981. هل كانت لديكم علاقات معهم خلال الثمانينات؟
- كلا غير صحيح. لم تكن لدينا أية معلومات عن مفاعل تموز. ولم تكن لدينا علاقات مع اسرائيل العام 1981، وحسب علمي لم تحصل معها اتصالات خلال الثمانينات. انما كانت ايران هي التي تقدم المساعدات العسكرية والمالية الى الأكراد خلال حربها مع العراق في الثمانينات. اما سورية فقدمت لنا الدعم السياسي والمالي احياناً.
وهل كانت مساعدات ايران في عهد الثورة لها الشروط نفسها في عهد الشاه؟
- نعم. كانت الشروط في عهد الجمهورية الاسلامية نفسها في عهد الشاه. كانوا يريدون استغلالنا في ظروف القتال مع العراق. وتوقع بعضنا بأنه في النتيجة سيتفق البلدان المتقاتلان، ونكون نحن الاكراد كبش الفداء، لكن بعض القيادات الكردية الاخرى تصور انه ما دام الخميني حياً فلن يحصل اتفاق بين البلدين. بيد انه في النهاية أوقف الحرب مع العراق، ما يعني ان تجربة العام 1975 تكررت وتضررنا كثيراً من حملنا السلاح في وجه بغداد في الثمانينات.
كنا نعتقد في السبعينات بأنه لا يمكن ان يتفق الشاه مع نظام بغداد. وحصل ما اعتقدناه خطأ. وتكرر الاعتقاد نفسه في الثمانينات وحصل ما خشينا حصوله.
يهود العراق إلى اسرائيل
كيف كنتم تقدمون طلباتكم المستعجلة الى اسرائيل؟
- عن طريق بعثتهم في كردستان، التي كانت تستخدم جهاز لاسلكي تتصل به بإسرائيل. وما ذكره عبيدالله البارزاني لمحمد حسنين هيكل قبل أكثر من عقدين عن هذا الموضوع كان صحيحاً. لكنه لم يكن يعرف تفاصيل علاقتنا باسرائيل.
ما هو دور الحركة الكردية، والملا مصطفى البارزاني على وجه الخصوص، في تهجير يهود العراق الى اسرائيل؟
- كان اليهود يعيشون في كردستان العراق في الأربعينات بأمان وسلام، في مناطق عقرة وبهدينان وبارزان، قرية الملا مصطفى، وكان الاكراد يحترمونهم، ولم تحصل أي اعتداءات عليهم، فهم كانوا تحت رعاية الملاّ وحمايته وتربطه بهم علاقات طيبة، ويكنّون له ولعائلته احتراماً وتقديراً كبيرين.
وأثناء هجرة البارزاني من كردستان، وقفت الى جانبه في تلك المحنة عائلة ابن الحاخام اليهودي الثري داوود حاجي خانو وساعدته مادياً، فكان لها فضل على الملاّ. ولهذا اشترط البارزاني على الحكومة الاسرائيلية ان تعثر على صديقه القديم داوود حاجي خانو، قبل زيارته الأولى الى اسرائيل العام 1968. وكان خانو قد هاجر اليها من كردستان العراق قبل سنين.
في السبعينات اثناء الخلاف مع بغداد سمحنا لليهود بل وساعدناهم على الهجرة الى اسرائيل عبر ايران. ولم يكن القرار قيادياً، فكل ما كان يحصل هو ان القيادة الكردية كانت تغض النظر عن الهاربين. حيث يفّر اليهود من بغداد الى كردستان. ومنها يأخذهم "القجة قجية" الأدلاء والمهربون الى ايران في مقابل بدل مالي وأحياناً بمساعدة بعض القياديين.
وفي اسرائيل، وبدلاً من ان يلتقي البارزاني رئيس الوزراء أولاً، سأل عن داوود حاجي خانو، الذي تبين ان اسمه ديفيد جباي، وعندما رآه تألم لحاله وطلب من الاسرائيليين ان يمنحوه قصراً.
هل تعتبر نفسك انك كنت الشخص الثاني في الحركة الكردية في ذلك الوقت؟
- كلا في حركتنا كان هناك شخص أول، ومجموعة تضم الآخرين يعملون معه. كان الفارق كبيراً بيننا. لكنني اعتبر نفسي أقرب من غيري الى البارزاني. واستطيع القول حتى أقرب من أولاده اليه، وأكثر اطلاعاً على وضعه في بعض الاحيان.
هل كان يخفي عليك شيئاً؟
- بشكل عام لم يخف عني اشياء، لكن من المؤكد اخفى بعض الاشياء، لأن له خصوصياته. فعلى سبيل المثال كانت تزورنا وفود سوفياتية فيتحدث معها باللغة الروسية. ولم نكن نفهم ما يقول الدكتور عثمان لا يجيد اللغة الروسية، لكنه يتكلم ست لغات.
هل كنتم تسألونه عن مداولاته مع السوفيات. وهل كان يجيبكم؟
- نعم كنا نسأله وكان يجيبنا. كان يحب ان يطلعنا على الأمور ويشاورنا في معظمها، لكن في بعض الاحيان كانت له خصوصياته.
هل تعتقد بأن لوزير الدفاع الاسرائيلي الحالي اسحق موردخاي، الكردي الأصل، علاقة بالملف الكردي؟
- غادر موردخاي عقرة في كردستان العراق وهو في السادسة من عمره. وفي اسرائيل نحو 200 ألف كردي، وهو منهم، ولديهم الأكراد مركز ثقافي كردي في تل ابيب ولا يزالون يقيمون علاقات مع أقاربهم في كردستان. ونسمع بأن موردخاي مهتم كثيراً بشؤون الاكراد - على الاقل - لحسابات سياسية، يستخدمهم كلوبي يستفيد منهم. ولا أعلم اذا كان مهتماً بشؤون الاكراد خارج اسرائيل. والواضح من تصرفاته بأنه ضد أكراد تركيا، لأنه يتعاون الآن مع الاتراك لقمعهم.
ما زال الموساد يتحفظ عن نشر توصيات رفعها ديفيد كمحي الى الحكومة الاسرائيلية بعد زيارته كردستان تخص الأكراد. هل اطلعت على تلك التوصيات؟
- حينما زار ديفيد كمحي كردستان في نيسان ابريل 1965 كان مسؤولاً كبيراً في وزارة الخارجية الاسرائيلية، أوفده رئيس الوزراء في ذلك الوقت ليفي اشكول. بقي عندنا يومين وتحدثنا معه طويلاً، المرحوم الملاّ وابناه ادريس ومسعود وأنا وآخرون في القيادة، كانت لديه نزعة لتأييد الحركة الكردية السياسية الى حد ما. وكان يطالب بمساعدة اسرائيل للحركة الكردية خارجياً لدى الولايات المتحدة والدول الأخرى، كي تحظى باهتمام دولي وعالمي أكبر. لكن سياسة الموساد لم تكن متطابقة مع رؤية كمحي، لأن همهم كان استغلال الحركة الكردية لضرب الجيش العراقي، وعدم توسيع نطاق الحركة الكردية.
وكما يظهر فإن اقتراحات كمحي، لم تعجب الموساد ولهذا لا يودون نشرها. كمحي انكليزي الاصل، متفتح وثقافته غربية ويتكلم عن الأكراد بأسلوب آخر. لكنه لم يزر كردستان غير زيارته اليتيمة تلك. كان يتعاطف مع مطالب البارزاني في ضرورة الوصول الى الولايات المتحدة.
هل حاول المسؤولون الاسرائيليون الاتصال بكم اخيراً. كمحي مثلاً؟
- منذ العام 1975 فشل الثورة الكردية انقطعت علاقاتنا باسرائيل، ولم يحصل أي اتصال معهم، ولم أحاول من جانبي، لأنني اعتبر العلاقة مع اسرائيل خطأ استراتيجياً. وقد حصلت محاولات من جانبهم للاتصال بي عن طريق وسطاء فلم أوافق. بل لم أرّد. وحاول بعضهم ان يزورني فلم اعط مجالاً وقناعتي ان على القيادة الكردية ان لا تعيد العلاقة مع اسرائيل نهائياً، لأن ضررها أكثر من فائدتها.
فقبل بضعة اشهر مثلاً، زار ديفيد كمحي لندن، وهو الذي التقيته في كردستان قبل اكثر من ثلاثين عاماً في نيسان ابريل 1965. وهو يعمل الآن باحثاً أكاديمياً في احدى الجامعات الاسرائيلية كما أظن. كان يعلم بأنني هنا في لندن، وأراد لقائي عن طريق وسطاء. وتحديداً من خلال صحافي انكليزي، لكني رفضت رفضاً قاطعاً لاعتقادي بأن هذه العلاقات سراب لا أكثر ولا أقل.
من عدا كمحي حاول الاتصال بك؟
- يبتسم هنالك أكراد يعيشون في أوروبا والولايات المتحدة، ويزورون اسرائيل من دون ختم جوازات سفرهم بناء على طلبهم، لأنهم يسافرون بواسطتها الى الدول العربية ايضاً. وهناك في اسرائيل يلتقون بعض الاسرائيليين والاكراد، واحياناً يتطرقون الى ذكرنا في مجالسهم فيبعثون لنا من خلال هؤلاء سلامات وتحيات وهم يلمحون ويحاولون، لكننا نأبى ان نبادلهم المشاعر نفسها لئلا تحصل اتصالات سياسية. ولو انني سمحت لهؤلاء، فمن الممكن اللقاء باسحق موردخاي وزير الدفاع الحالي. لكنني الآن شخص عادي، ليس لدي حزب أو قوة، أعيش مستقلاً، ولذا لست مفيداً للاسرائيليين كغيري من قادة الاحزاب أو من الذين يحكمون كردستان حالياً.
صدر قبل فترة قصيرة كتاب في اسرائيل يحكي قصة علاقتكم بهم. ما هو تقييمك للكتاب. وهل كل ما ورد فيه صحيح؟
- في إطاره العام، معظم ما ورد فيه صحيح. لكن هناك اشياء غير صحيحة عنا نحن الأكراد.
الكتاب مزيج من شيئين: معلومات الموساد الاسرائيلي التي تسمح سياستهم بنشرها ويوميات الاسرائيليين الذين خدموا في كردستان. لكن الموساد لم يكشف كل أوراقه لأن لاسرائيل سياسات وعلاقات مع دول معينة.
تحدث الاسرائيليون عن تفاصيل علاقاتهم معنا، لكنهم لم يتحدثوا عن تفاصيل علاقتهم بايران الشاه، وماذا جرى معهم. وهي بلا شك اضعاف علاقتهم بنا. ويظهر انهم لا يودون كشف اسماء الايرانيين الذين كانوا يعملون معهم.
وجدت تهويلاً لقوة الموساد، على اساس ان الاسرائيليين يستطيعون ان يعملوا أي شيء في أي مكان. وهذا غير صحيح. فادعاءاتهم عن امكانياتهم في إحداث انقلابات في سورية أو تحذيراتهم لعبدالكريم قاسم من محاولات اغتياله، مبالغ فيها.
اشم من هذا الكتاب وكأنهم يريدون ان يظهروننا نحن الاكراد بمظهر الأميين غير المتعلمين، واننا عشائريون لا نستوعب طريقة استخدام الأسلحة. واننا شعب متخلف... وما الى ذلك. ولهذا فإنهم يحاولون في المقابل ان يظهروا انفسهم بأنهم "السوبر" فحينما يقودون بعض العمليات في كردستان ويحققون نجاحات يدعون الانتصارات، وحينما يفشلون يلقون المسؤولية على عاتق الاكراد.
ما أخطر الاسرار التي لم يكشفوها وتحدثت عنها في لقائنا هذا؟
- هم يقولون أن لديهم اسراراً غير منشورة، وهذا صحيح لأن لديهم ارشيفهم الخاص، وهم ليسوا مثلنا بالطبع، لا نملك أرشيفاً أو وثائق أو محاضر لقاءات. وربما ارتأوا عدم نشر كل ما لديهم، خصوصاً التفاصيل كمحاضر اللقاءات والاجتماعات أو أحاديث الملا مصطفى معهم أو كلام رجال الموساد معنا أو اللقاءات الخارجية، أو غيرها من المسائل. وربما سينشرونها مستقبلاً. غير ان أهم سرّ لم ينشروه حتى الآن هو موضوع الحاحهم علينا في مساعدتهم ضد الفلسطينيين، وكذلك تفاصيل تبادل المعلومات الاستخبارية بين الاكراد والاسرائيليين. واسماء اشخاص يرمزون اليهم برموز من دون ذكر اسمائهم الصريحة. والجواب على كل هذه الاسئلة لدى الاسرائيليين انفسهم.
وردت شكوك في أوراق الموساد عن شخص يدعى فانلي، بأنه كان يسرب معلومات الى الحكومة العراقية عنكم وعن اسرائيل. فمن هو؟
- إنه عصمت شريف فانلي شخصية كردية معروفة يعيش الآن في سويسرا ويعمل مع اكراد تركيا حزب العمال الكردستاني وهو عضو في برلمانهم في الخارج. لم يكن عميلاً لبغداد أبداً. بل حاول النظام العراقي اغتياله العام 1975 واطلق عملاؤه عليه أربع رصاصات، لكنه نجا.
ما دام الحديث عن الأسرار والوثائق، في انتفاضة العام 1991 وقعت في ايدي الاكراد ملايين الوثائق العراقية، أين هي الآن؟
- بعض الوثائق الحكومية أحرق. لكن غالبيتها، وهي تزن بالاطنان وتخص مختلف دوائر الدولة، كان من المقرر ان تجمع وتسلم لقيادة "الجبهة الكردستانية" على ان تتشكل لجنة لتنقيح الوثائق واستخراج القسم الذي يدين النظام وجرائمه التي ارتكبها بحق الشعب وتقديمها للجان حقوق الانسان في الامم المتحدة. لكن ما حصل، للأسف الشديد، ان الأحزاب التي عثرت على الوثائق لم تقدمها للجبهة الكردستانية واحتفظ كل حزب بأوراقه.
وحسب علمي فإن الوثائق الموجودة لدى "الاتحاد الكردستاني" لم تسلم لمنظمات حقوق الانسان وانما الى الولايات المتحدة. وكنت انتقدت هذا التصرف في حينه. اما ما لدى "الديموقراطي الكردستاني" فهناك اشاعات على أنهم سلموها لنظام صدام بعد الاتصالات التي جرت بينهما في اطار اتفاقات خاصة بينهما.
وأما بالنسبة الينا "كحزب اشتراكي في ذلك الوقت" فقد عرضنا الوثائق على منظمات دولية عالمية مع مترجمين. وقلنا لهم ان كنتم تستفيدون من المعلومات الواردة فيها فلكم ان تأخذوها. وهذا ما حصل. وفي رأيي ان الاسرار الخطيرة كانت محفوظة في الدوائر الأمنية، وهذه، للأسف، أحرقت خلال القتال بين الثوار وقوات النظام.
بعد وصول عبدالكريم قاسم الى الحكم العام 1958، دعا الملا مصطفى للعودة الى العراق، حيث كان منفياً. فلماذا رفعتم السلاح في وجه قاسم العام 1961؟
- نحن أيدنا ثورة 1958 بقوة لأسباب عدة:
1- أكد عبدالكريم قاسم في الدستور الموقت شراكة العرب والاكراد في وطن واحد. وكان هذا مبدأ مهماً جداً.
2- اجاز الحزب الوطني الديموقراطي الكردستاني.
3- أعاد الملاّ وأعوانه من الاتحاد السوفياتي الى العراق.
4- أسس مديرية معارف كردستان لطبع الكتب باللغة الكردية.
وهناك نقطة اخرى مهمة، وهي اخراج العراق من "حلف بغداد" لأنه كان حلفاً سيئاً ضدنا. فحينما تتعاون تركيا وايران والعراق في احلاف ومواثيق كپ"سعد آباد" يكون أحد بنودها الرئيسية ضدنا. لهذه الأسباب ايدنا ثورة 14 تموز يوليو 1958.
ونتيجة عدم وجود قيادة سياسية موحدة، للاسف الشديد، ساءت الأوضاع في العراق ولم تحافظ الثورة على مبادئها، ودخلت السلطة في مشاكل مع الجميع. فوقع القتال من جديد بيننا. وكان بالتأكيد مضراً لنا، ولو لم نقاتل في أي زمن مضى لكان وضعنا الآن أفضل من وضعنا الحالي مئة في المئة. وفي رأيي ان حمل الاكراد السلاح أضر بالشعب الكردي كثيراً، لأن كل ما حصل كان يجري في أراضينا، ولم نحصل على شيء يذكر. اضافة الى تدخل الدول في شؤوننا.
المحيطون بعبدالكريم قاسم هم الذين حرضوه ضدنا وعلى قتالنا. ومن جهة اخرى كان الوضع في كردستان يغلي ضد السلطة، لأن حكومة الثورة لم تنفذ أياً من وعودها السابقة. ثم صدر قانون الاصلاح الزراعي الذي أضر بالملاكين فوقفوا ضده، وصدر قانون ضريبة الأرض الذي استفز الفلاحين فوقفوا ضده. واستغلت ايران الظروف وبدأت بتحريض الأكراد ضد بغداد، وذهبت وفودنا الى بغداد لتفاوض عبدالكريم قاسم، فلم يستقبلها، ما أدى الى انفجار الوضع.
الجيش العراقي هو الذي بدأ الهجوم على منطقة السليمانية في بازيان ودربندخان وقصفها بالطائرات.
انفجار وفد بغداد
تطرقتم الى محاولة اغتيال الملا التي اتهمتم بها الحكومة العراقية، وبما انك الشاهد الوحيد الذي نجا مع الملا من تلك المحاولة هل لك ان تحدثنا عن تفاصيلها؟
- نعم، بدقة وبتفاصيلها. في العام 1970 حاول صدام حسين اغتيال ادريس البارزاني في بغداد، لكن المحاولة فشلت. فبدأ يعد خطة دقيقة ومحكمة لاغتيال الملاّ نفسه.
وفي ايلول سبتمبر من العام 1971 زارنا وفد في كردستان من ثلاثة رجال دين اجتمعوا الى الملاّ وتحدثوا معه، ثم عرضوا عليه فكرة ان يزوره وفد آخر اكبر من هذا الوفد. ونظراً الى خلفية الرجل الدينية كان يستلطف اللقاء بأشخاص مثلهم، لذلك وافق على طلبهم واعطاهم تصريحاً يسمح لهم في التجول في كردستان وعدم التعرض لهم.
وبعد عشرة أيام على تلك الزيارة، وفي 29 ايلول سبتمبر 1971 بالضبط، جاء وفد الى كردستان مكون من تسعة رجال دين، بينهم هادي الخزرجي وحسين مهدي الدخيلي وعبدالجبار الأعظمي وعبدالوهاب الاعظمي، في سيارتين مع سائقين تبين أنهما ضابطا أمن عراقيان يعملان مع ناظم كزار مدير الأمن في ذلك الوقت.
كانت السيارة الأولى من نوع تويوتا والثانية من نوع شوفرليت، وكنت أجلس مع مسعود البارزاني في منزل الملاّ في حاج عمران، فيما كان الملا يحلق ذقنه بموسى قديم، ودخل علينا السكرتير يخبرنا بوصول الوفد، وكانت الساعة الخامسة مساء، فقال الملاّ: نراهم في الليل ان شاء الله. فاقترحنا عليه، مسعود وأنا، ان يستقبلهم الآن لأننا لا نعلم ماذا سيكون عندنا ليلاً. فوافق الملاّ وقال: إذن إذهبا انتما وسلما عليهم حتى انتهي من حلاقة ذقني فألحق بكما.
وفي الطريق من بيت الملا الى دار الضيافة الذي يستغرق خمس دقائق مشياً على الأقدام، قال لي مسعود: "لدي عمل في المقر وأفضل ان لا آتي معك". فذهبت لوحدي وسلمت عليهم وأخبرتهم بأن الملاّ في طريقه الينا. وخلال الدقائق العشر قبل وصول الملاّ حدثوني بأنهم رُسُل خير الينا، وأنهم التقوا مسؤولين في بغداد قبل مجيئهم الى حاج عمران، لكنهم لم يتطرقوا الى تفاصيل. وقالوا انهم جاؤوا لمقابلة "أبو ادريس"، متمنين ان يحصل الصلح بين الطرفين ويزول التوتر بسبب محاولة اغتيال ادريس ابن الملاّ العام الماضي.
وبعد قليل دخل علينا الملاّ مصطفى لوحده، وكعادته لم يدخل عناصر الحماية معه الى داخل دار الضيافة. وكنا موزعين على المقاعد بشكل مستطيل كتصميم الغرفة. فأعادوا على مسمعه القصة نفسها التي حدثوني عنها. ثم قدموا له كتابين عن الشريعة الاسلامية كهدية. فوضع الملاّ نظارته وتصفح الكتابين، ثم وضعهما الى جانبه على الطاولة وبدأ الحديث. كان البارزاني يجلس قبالة أحد الاشخاص الذي تولى الحديث معنا واسمه هادي الخزرجي، وكنت أنا على يمين الملاّ، بيني وبينه بعض رجال الدين. وفي تلك اللحظة وصل أحد الحراس ليقدم الشاي للخزرجي. وما أن تفوه الملا بأول كلمة، وهي "اشكركم" حتى استغل الخزرجي فرصة وقوف الحارس أمامه وطقطقة أكواب الشاي، فضغط على زر جهاز التسجيل المربوط حول بطنه، اذ كان قيل له في بغداد ان عليه ان يسجل ما يقوله الملاّ كاملاً، واذا بالخزرجي ينفجر وتتطاير اشلاؤه وسط الغرفة، وتمتلئ الغرفة بدخان خانق، فصرخت بالملاّ: هل أصابك شيء؟ أجاب: كلا، وأنت؟ قلت أنا بخير، دعنا نخرج من الغرفة. فرد الملاّ: كلا... لا داعي لقد انتهى كل شيء. لم ينج أحد من الانفجار باستثنائي أنا والملاّ، أما الخزرجي فقد تمزق اشلاء مع ثلاثة رجال دين قتلوا، وأصيب خامس بجروح خطيرة، وظل الباقون مندهشين لا يدركون ما حدث وكيف وعندما حاولوا الهرب قتلوا في صدامات مع الحراس. لقد تم التفجير بجهاز "ريموت كونترول" كان لدى السائقين عن بعد، كما عرفنا فيما بعد.
صحبت الملاّ وخرجنا من الغرفة. وعند الباب لمحنا السائقان من بعيد، فقال أحدهما للآخر: "ذاك هو الملا لا يزال حياً"، واذا بالثاني يلقي علينا قنبلة يدوية أودت بأحد الحراس صريعاً وجرحت 14 آخرين. ونجونا أنا والملاّ أيضاً باستثناء بعض الشظايا الصغيرة. فتركنا المكان وأسرعنا لندخل الى أقرب بيت وكان بيت إدريس ابن الملاّ، وهناك بدأت استخراج الشظايا من وجه الملا ولففت رأسه بقطعة قماش. وامر الملاّ بعدم اعدام الناجين، لكنهم سقطوا في الصدامات. وبعد ربع ساعة انفجرت سيارة التويوتا اوتوماتيكياً قرب الغرفة التي التقى فيها الملاّ الوفد الأول قبل عشرة أيام فهدمتها. وكانت الصدفة ان لا نجتمع بالوفد الثاني في الغرفة نفسها. عندها انتبهنا الى ان السيارة الثانية "شوفروليت" هي الأخرى قد تكون ملغومة، لذا قررنا ابعادها عن المكان. وتطوع يوشو العقراوي وهو أحد سائقينا الجريئين وأبعدها. بعد ذلك فحصها قسم الهندسة فوجد صواريخ في مكان الأضوية الخلفية وديناميت تحت المقاعد. في ذلك الوقت كان يزورنا وفد اسرائيلي برئاسة رئيس جهاز الموساد زامير. وفي المساء التقى الملا الوفد لكن ليس في اللحظة نفسها كما يزعم الاسرائيليون.
في اليوم التالي ارسل رئيس الجمهورية العراقية أحمد حسن البكر وزير التربية أحمد عبدالستار الجواري لتهنئة الملاّ على سلامته، فقال له الملاّ: "أنت انسان طيب القلب ولا تعرف الحقيقة. صدام ونظام الحكم وراء هذه العملية". لكن الموساد ادعى أن الملاّ بعث مع الجواري قرآنا ملغوماً هدية لصدام كي ينفجر فيه، فهذه الحكاية لا أساس لها من الصحة اذ عاد الجواري الى بغداد لا يحمل معه شيئاً غير الرسالة الشفوية للبكر. وكل ما زعمه الاسرائيليون من أنها "محاولة شيعية" لقتل الملاّ وما الى ذلك، هو أكاذيب، وفي كل حال أراد النظام ان يشعل فتنة طائفية وعنصرية في العراق، فهو أرسل الينا رجال دين شيعة وسنة وحاول ان يرسل معهم آشوريين لكنهم لم يحضروا.
بعد هذه الحادثة صارت لدى البارزاني قناعة تامة بأنه لا يمكن ان يتفاهم مع حكومة البعث العراقي أبداً. والقناعة تولدت عنده منذ محاولة اغتيال ولده أدريس. لكنها في هذه المرة اكتملت. لذلك اندفع بشكل أكبر في العلاقات مع اسرائيل.
ما هي أسباب الخلاف بين الملاّ وولده عبيدالله الذي كشف علاقات والده باسرائيل؟
- الخلافات كانت عائلية. فالملا كان متزوجاً من ثلاث نساء. الأولى والكبيرة هي والدة عبيدالله ولقمان وصابر. وهؤلاء انفصلوا عن أبيهم وذهبوا الى بغداد فقتلهم النظام الحالي.
والثانية هي أم المرحوم ادريس. والثالثة هي التي لا تزال على قيد الحياة، أم مسعود وخمسة من اخوانه وهم نهاد، ولشاد، سهاد، سداد، وجيه. وبسبب الخلافات التي جرّتها تعدد الزوجات والأولاد، حصلت بعض المشاكل بين الملاّ وولده عبيدالله. ولم يكن الأخير متزناً كمسعود وادريس، اذ كان يشعر بأن والده لا يهتم به كما يهتم بأخويه الأصغر منه. بينما اعتبره أبوه خارجاً عليه. حتى حصل تعاون بين عبيدالله وابن عمه شيخ عثمان نجل أحمد البارزاني. وهذا الأخير هو الأخ الأكبر للملاّ مصطفى. ولما توفي الشيخ احمد عام 1969 حصلت خلافات بين نجله عثمان وعمه الملا واتهمه بأنه وراء موت والده لذا تعاون الشيخ عثمان مع السلطة التي قتلته فيما بعد.
أما عبيدالله فكان قبل ابن عمه الشيخ عثمان ذهب الى النظام، لذلك فإن تصريحاته ضد والده واتهامه إياه بأنه أقام علاقات مع اسرائيل كانت صحيحة. لكن احداً لم يطلعه على تفاصيل تلك العلاقة لخشيتهم منه ان يسرب الاخبار وهو ما حصل فعلاً.
ما رأيك بالمرحوم الملاّ مصطفى البارزاني؟
- بصراحة، كان الملاّ اسطورة، وفي حياته جوانب مختلفة كثيرة. ولا يمكن ان نجمله الملاّ باختصار. لكن بشكل عام اعتبره رمزاً للحركة الكردية خلال ثلاثة أو أربعة عقود من الزمن. عمل للاكراد وأراد ان ينجز شيئاً لهم. ولكنه لم يستوعب تغير الظروف الدولية والاقليمية والسياسات الجديدة، خصوصاً بعد أزمة الطاقة العام 1973 والوفاق...
هل كان ديكتاتورياً أم ديموقراطياً؟
- كانت له هيبة لدى الشعب الكردي، فهو ديكتاتوري عندما تستوجب الديكتاتورية، وهو ديموقراطي أكثر من القادة الاكراد الحاليين.
ما هو مفهومكم للحقوق الكردية؟ وهل تتطلعون الى اقامة دولة كردستان الكبرى؟
- اعتقد شخصياً بأننا كأكراد "أمة" جزأها الاستعمار بين العراق وايران وتركيا وسورية والاتحاد السوفياتي القديم. ولهذه الأمة حقها في تقرير مصيرها، لكن عملياً الآن لا نطالب بكيان أو بدولة. لماذا؟ لأننا نعتقد بأن الانسان يجب ان يكون واقعياً براغماتياً، يتعامل مع الواقع.
الوضع الدولي والاقليمي لا يسمحان بأن نقيم كياناً خاصاً تجمعه من دول عدة، لذلك، نطالب الآن بحقوقنا داخل هذه الدول. نطالب بالفيديرالية داخل العراق مثلما يطالب اكراد تركيا بذلك، وأكراد ايران يطالبون بحكم ذاتي.
ترفعون شعار الفيديرالية في العراق. ألا ترون ان العراقيين العرب يتطيرون منه؟
- نعم بعضهم يتطير منه. لكن هذا التطير لا موجب له، لأن الفيديرالية هي ضمن العراق. وتعتبر كردستان الآن عملياً منفصلة عن العراق. ولكي تزيل هذه التجزئة عليك ان ترجع الى نظام عراقي فيديرالي. لكن قسماً من "المتطيرين" ليسوا شوفينيين، بل لأنهم لم يفهموا ماذا تعني الفيديرالية.
حوار عربي كردي
كيف لم يفهموه، وهو مشروع اسرائيلي مطروح منذ الاربعينات. ألا ترى ان جهات احيت مشروع الفيديرالية في مؤتمر صلاح الدين العام 1992 وتأسيس ما يسمى بپ"المؤتمر الوطني العراقي
- يقال كان هدف الاسرائيليين منذ عهد بن غوريون تفتيت المنطقة الى دويلات ودول صغيرة، لئلا تواجههم دول كبرى. ومن جملة أعمالهم انهم ينوون أو يتمنون ان يتفتت العراق الى ثلاث دول. لكن الفيديرالية التي أعلنت الآن لا علاقة لها بالموضوع، انما علاقتها بشيء واحد، وهو اننا في العام 1991 فاوضنا نظام بغداد وطرحنا موضوع "الحكم الذاتي" وبقينا نفاوض عليه نحو تسعة اشهر. وكنت أنا عضواً في الوفد الأخير الجولة الرابعة من المفاوضات فلم يوافق صدام على ذلك. وحينما أجريت الانتخابات في كردستان، وانشئ برلمان ومؤسسات، ناقشوا هذا الموضوع ورأوا ان الحكم الذاتي لا يتضمن ضمانات كافية، فطرحوا الفيديرالية، لكن شابها نقصان كبيران، الأول: لم يجر استفتاء للشعب الكردي عليها حتى يعطيها الشرعية القانونية. والثاني: لم يضعوا قانوناً لذلك ليطلع الناس عليه.
دكتور محمود عثمان. بعد كل هذه التجربة الطويلة في الحركة الكردية والسياسة. ماذا تريد ان تقول للتاريخ؟
- لدي ثلاث كلمات، للعرب ولعموم الشعب العراقي وللاكراد. أقول للاخوة العرب ان الكثير من الممارسات الشوفينية العربية حصلت بحق الاكراد وكذلك مارس الاكراد الكثير من التوجهات الخاطئة، التي وصلت الى حد إقامة علاقات مع اسرائيل. لذا ادعو الى حوار عربي - كردي على كل المستويات، لأنني أرى هناك نوعاً من سوء الفهم تجاهنا. وفائدة الحوار هو إزالة الحساسيات بين الطرفين وتقوية التفاهم المشترك.
وأقول للشعب العراقي، يجب التكاتف من اجل ازاحة الديكتاتورية. وادعو الى توحيد المعارضة واتخاذ نهج وطني واستقلالية عراقية. على ان يكون الولاء للوطن وليس لهذه الدولة أو تلك، لكي نخرج بنتيجة واحدة. وعلى الاخوة العراقيين العرب ان لا يتحسسوا من المطاليب الكردية ولا يأخذوا الشعب الكردي بجريرة اعمال قادته، فعلى رغم كل انحرافات هؤلاء هناك قضية عادلة للاكراد.
وأقول للاكراد القادة "المتقاتلين" عليكم ان تتعظوا من تجارب التاريخ لأنكم عشتم التجربة بأنفسكم. وعليكم ان تتحدوا لتوجدوا مخرجاً لشعبكم. عليكم ان لا تكرروا ما ارتكبناه في الماضي من اخطاء. علاقات سيئة مع بعض الدول، مراهنات خارجية مضرة، اتفاقات فاشلة مع السلطة، اقتتال اخوة. وإلا هلكتم جميعكم، لأن الدول المجاورة لنا ليست مخلصة للقضية الكردية لأن لديها أكرادها الذين لا يتمتعون بأي حقوق. أما بالنسبة الى اميركا وغيرها فإنها تهتم بعلاقاتها مع الدول أكثر من اهتمامها بالأكراد. وتعمل كل شيء بوحي من مصالحها.
كفاكم ركضاً وراء السراب، وإياكم وتكرار العلاقة مع اسرائيل فإنها لا تفيدنا بشيء وليست لدينا معها حدود جغرافية. إنها ضلع من أضلاع مثلث جديد تركي- اميركي - اسرائيلي. أُحذر من الوقوع في فخاخه .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.