غوّاصة روسية على متنها 20 بحاراً، تطفو على سطح مياه المحيط الهادئ قبالة ميناء تيرْبو على الساحل الكولومبي، وتبدأ في تسلّم شحنة من الأكياس البلاستيكية المعبّأة بالكوكايين الذي تبلغ قيمته مئات الملايين من الدولارات من احد القوارب المحلية قرب الميناء. ثم تختفي تحت سطح مياه المحيط وتبحر بعيداً لتظهر قبالة الساحل الاميركي قرب لوس انجيلوس، في ولاية كاليفورنيا، بعدما شاهدت عبر مجهرها الخاص يختاً خاصاً هو وسيلة النقل التي ستتسلّم الشحنة. قد يبدو هذا الوصف مجرد صورة خيالية من احد افلام هوليوود. سجين في أحد اشدّ السجون الاميركية حراسة وصرامة، يصلي ويرتل ترانيم يهودية في كنيس السجن لتوديع والدته التي توفيت للتو في موسكو. يعيد السجين نسخة التوراة التي كان قد اعطاها له الحاخام اليهودي الذي جاء الى السجن تلبية لطلب السجين بعدما دسّ وسط الكتاب تعليماته الى أتباعه في الخارج. لكن أحداً لن يعرف ذلك لأن القوانين تمنع تفتيش رجال الدين لدى دخولهم السجن او خروجهم منه. ربما يبدو هذا الكلام وصفاً لمشهد من مشاهد أفلام المافيا! هاتان الواقعتان حدثتا فعلياً، وهما جزء من التاريخ الموثّق لنشاط المافيا الجديدة التي يطلق عليها مكتب التحقيقات الفيديرالي إف. بي. آي ووكالة مكافحة المخدرات اسم "شلومو مافيا". اما القاعدة الأساسية لمافيا شلومو هذه فهي الأحياء اليهودية في بروكلين إحدى ضواحي مدينة نيويورك لا سيما وليامسبيرغ وبرايتون بيتش وميامي التي باتت تعرف الآن باسم "تل أبيب الغرب" وبورتوريكو. فهذه المافيا تسيطر الآن على تجارة المخدرات في اميركا الشمالية والجنوبية. وقد سرقت تلك الغواصة من قاعدتها في كرونشتادْت قرب سانت بيترسبرغ ثم باعتها العصابة "كالي" لتجارة المخدرات في كولومبيا بخمسة ملايين دولار، علماً بأن ثمنها الحقيقي اكثر من 25 مليون دولار. لكن "كالي" تدفع ايضاً اجور طاقم بحّارة الغواصة الروس وتدفع لهم ايضاً "علاوات المخاطر المحتملة". وتولت "مافيا شلومو" تهريب اسلحة منوعة اخرى من الترسانات السوفياتية السابقة التي تعرضت للنهب والسرقة عقب انهيار الاتحاد السوفياتي. ومن هذه الاسلحة الزوارق الحربية وطائرات الهليكوبتر وصواريخ سام التي باعتها لتجار المخدرات في كولومبيا لاستخدامها ضد القوات الكولومبية في حربها ضدهم. يقف على رأس هذه العملية فياتسلاف شلومو ايفانكوف كان اسمه في السابق أهارونوفيتش ولودفيغ رابينوفيتش فينبيرغ. الأول من ضاحية برايتون بيتش، والثاني من ميامي حيث يعرف باسم "طرزان" في الملهى الذي يملكه ويديره هناك. وفي 1995 اعتقلت قوات الأمن ايفانكوف، واحتجزت فينبيرغ في شباط فبراير الماضي. ومع ان ايفانكوف وفينبيرغ يهوديان، فان العاملين معهما ليسوا جميعاً من اليهود. ويقول مسؤول "إف.بي.آي": "خلافاً للمافيا الايطالية التي كانت تحرص على ان يكون جميع اعضائها من أصول ايطالية، فان مافيا روسيا اليهودية والجريمة المنظمة فيها بصورة عامة تلجأ الى تنظيم عملياتها وتنفيذها سواء في اميركا الشمالية والجنوبية او في آسيا وافريقيا معتمدة على آخرين من غير اليهود. ففي الولاياتالمتحدة، على سبيل المثال، هناك عدد كبير من السود وأبناء اميركا اللاتينية العاملين في هذه المافيا". ويشير المصدر الى ان مسؤول العصابة في مدينة بلتيمور الذي يصدر له ايفانكوف التعليمات من زنزانته في السجن هو في الواقع "امرأة سوداء". كما ان "مافيا شلومو" في الولاياتالمتحدة وحدها تحيل عمليات للتنفيذ الى 31 عصابة فرعية تابعة لها. وتستخدم "مافيا شلومو" تسعة بنوك روسية الملكية في انتيغوا وجزر البحر الكاريبي لغسل اموالها، مثلما تستخدم ايضاً جزر كيمان وسانت فينسنت وأوروبا. ففي جزيرة اوروبا وحدها توجد خمسة بنوك روسية مسجلة اصلاً في هولندا. ومن العوامل التي ساعدت المافيا اليهودية مافيا شلومو على الهيمنة على تجارة المخدرات في اميركا الشمالية والجنوبية انما تضم عدداً كبيراً جداً من خبراء الكومبيوتر والاكاديميين الذين يحمل كثيرون منهم درجة الدكتوراه، وعدداً من عملاء الاستخبارات السوفياتية السابقة كي.جي.بي. كذلك بدأت هذه المافيا تزحف على سوق المخدرات وتجارتها في أوروبا الغربية وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق. ودفع ذلك باري مكافري المدير العام لوكالة مكافحة المخدرات الاميركية للادلاء بتصريح اخيراً قال فيه "ان الجريمة الروسية المنظمة تمثل اخطر منظمات الاجرام على الاطلاق". ولا يقتصر نشاط "مافيا شلومو" على تجارة المخدرات فحسب، اذ ان لها نشاطاً واسع النطاق في مجال الدعارة والقمار وابتزاز الاموال من اصحاب مصالح الاعمال التجارية مقابل حمايتهم او عدم التعرض لهم. وقد أبلغ ديبلوماسي أوروبي رفيع المستوى "الوسط" بأن الاستخبارات البريطانية راقبت في الواقع عقد "مؤتمرات قمة" في انتيفوا وسانت فينسنت ضمت قادة "مافيا شلومو" في روسيا وزعماءها في اميركا الشمالية والجنوبية. وأضاف ان هذه المافيا تنشط ايضاً في تجارة الاسلحة السوفياتية السابقة. وأعرب لويس فرينش المدير العام لمكتب التحقيقات الفيديرالي الاميركي عن قلقه البالغ من نشاط المافيا الروسية في ميدان تجارة الاسلحة وقال في شهادته امام إحدى لجان الكونغرس في مستهل تشرين الأول اكتوبر الجاري: "ان ما يبعث على القلق ان مافيا شلومو ستبيع ان عاجلاً او آجلاً اسلحة نووية الى جهات معينة .