ينتمي محمد الرفرافي إلى جيل السبعينات التونسي، لكنه ظل منذ البداية مختلفاً اختلافاً كلياً عن شعراء جيله. إذ انه كتب ولا يزال قصيدة مغايرة شكلاً ومضموناً. عندما شرع يكتب الشعر، كانت "الطليعة" - وهي التسمية التي اطلقها عزالدين المدني على التيار الأدبي والفني الذي برز في تونس أواخر الستينات - اكتسحت المشهد الثقافي، وتغلغلت في الأوساط الطلابية، التقدمية بالخصوص. وكان شعراء جماعة "في غير العمودي والحر" الذين تمردوا على التفعيلة والشعر الحر في آن، يسعون إلى موسيقى جديدة، في أوج تألقهم وشهرتهم. غير أن محمد الرفرافي، مثل خالد النجار الذي كان على صلة وثيقة به أيام الشباب، رفض مسايرة هذه الجماعة. ولعل هذا يعود إلى أن الشاعر العاشق للموسيقى، كان يغرف من مصادر يجهلها أفراد "في غير العمودي والحر"، ولا يبذلون أي جهد لمعرفتها. كما انّه كان مطلعاً على الشعر العالمي، ومتواصلاً مع التجارب الجديدة في المشرق. مطلع السبعينات، غادر محمد الرفرافي تونس ليعيش متنقلاً بين بلدان عربية وأوروبية مختلفة. وحياة الترحال جعلته مقلاً في الكتابة، بل انّه هجر الشعر لأعوام، منصرفاً إلى متاعب الحياة. عنوان مجموعته الأولى الصادرة أخيراً عن دار "لارمتان" في باريس، هو "زبد البحور". وتضمّ جميع القصائد التي كتبها بين 1977 و1996، وهي مهداة إلى رفيقة دربه هاية الدريدي التي قاسمته "بصدق ونباهة أربع عشرة سنة من التوق والترحال والمغامرة". في قصيدة: "لا اسم لهذا الشعر ولا عنوان" التي كتبها في تونس عام 1980، يحاول الرفرافي أن يوضح علاقته بالشعر: "بالشعر ادخل البيت الكبير/ هذا الذي تسكنون/ حاسر الرأس والذاكرة/ أزيحُ ستائر اليقين والسبات/ وافتح نافذة على جهة النهار/ انتظار للشوق الكبير والانبهار". وفي مقطع آخر يقول: "بالشعر أهرب منكم إلى البياض/ لأعود مكتملاً بذاتي وبالنرجس وبألوان اللغة". تبدو هذه القصيدة، وهي أطول نصوص المجموعة وأجملها، "ماينفستو" يردّ من خلاله على تيار الشعر الواقعي الذي اكتسح المشهد الثقافي التونسي. هناك تفاوت كبير بين قصائد "زبد البحور"، حتى أننا نحس أحياناً أن الرفرافي يتوارى خلف شاعر آخر أقل تحكماً في أسلوبه وادواته. ومع ذلك، فهو استطاع أن يحتلّ موقعه كصاحب أحد الاصوات المتميزة في الشعر التونسي والمغاربي.