هذه "مدينة" تنقلك الى كل العصور والعوالم. من العصر الفرعوني الى العصر الحديث وعوالمه. ومن عالم المسرح إلى عالم الأطفال... انتهاء بعالم الألعاب المائية للدلافين. وفي كل عصر وعالم، اتقان في كل شيء، ينسيك حرارة الطقس في صيف "مدينة 6 اكتوبر" حيث تقع "مدينة الانتاج الإعلامي" التي تجولت فيها عدسة "الوسط" - بإذن خاص - قبل أي مطبوعة عربية اخرى. فالمدينة تشهد اللمسات الأخيرة. اذا كانت الفرصة فاتتك، بسبب السن او خلافه، لمشاهدة اثر قديم او مكان مهم لم يعد له وجود الآن، تستطيع ان تعوض الفرصة في "مدينة الانتاج الاعلامي" التي سماها البعض "هوليوود الشرق". للعام الثاني على التوالي يحضر الرئيس المصري حسني مبارك افتتاح مراحل جديدة ومختلفة في مدينة الانتاج الاعلامي التي يفضل البعض في مصر وخارجها وصفها بهوليوود الشرق وقد حرص وزير الاعلام المصري السيد صفوت الشريف على مرافقة وزراء الاعلام العرب في زيارة مطولة للمدينة للتركيز على أهمية هذا الانجاز العظيم. وبشكل عام فإن قراءة مؤشرات الاعوام الماضية تؤكد الرغبة الملحة لدى الاعلام المصري في فرض سيطرته على أدوات الانتاج والسيادة الاعلامية في ظل صراع محموم على الساحة وفي ضوء التنافس الحاد الذي ادت اليه تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية. المحور الاول في هذا السياق، هو زيادة عدد قنوات البث التلفزيوني وعدد ساعات ارساله في محاولة لجذب المشاهد المصري بعيدا عن المحطات غير المصرية، وهو ما يصفه الوزير الشريف بتحقيق "السيادة الاعلامية".. والمحور الثاني، هو انشاء قمر اصطناعي مصري "نايل سات" يوفر فرصة هائلة لوصول البث المحلي لكل انحاء مصر، ويتيح امام الاعلام المصري فرصة الكسب من خلال تأجير المساحات الزمنية على هذا القمر. اما المحور الثالث فهو مدينة الانتاج الاعلامي، التي توفر مكانا ملائما لانتاج عدد هائل من ساعات البث التلفزيوني، بعد ان ضاقت الاستديوهات الموجودة الآن بما فيها من اعمال. روايتان وحول هذا المشروع ومن هو صاحبه تدور روايتان: الاولى تقول إن المشروع كان في الاساس فكرة الشيخ صالح كامل رجل الاعمال السعودي وصاحب راديو وتلفزيون العرب، وانه حصل على حق انشاء المدينة، وأيده في ذلك رئيس اتحاد الاذاعة والتلفزيون المصري السابق السيد حسين عنان، لكن الاتحاد نفسه لم يوافق، ورأى ان المشروع يجب ان يكون مصريا خالصا. الرواية الثانية كما جاءت على لسان المهندس سامي بدوي رئيس مشروعات المدينة تقول ان الفكرة بدأت العام 1985، أي قبل 11 عاماً، وذلك لإعداد استديوهات اضافية يحتاجها اتحاد الاذاعة والتلفزيون في ضوء زيادة الطلب العربي على المسلسلات المصرية. وزاد حجم الطلب على امكانات الانتاج، فتقرر سد الحاجة وتغطية الطلبات من خلال اقامة مدينة اعلامية متكاملة. وأضاف سامي بدوي ان قطاع الانتاج استأجر تقريبا كل استديوهات التصوير الموجودة في مصر، لكنه كان يهدر كثيراً من الوقت وكثيراً من الجهد في الانتقال بين مواقع التصوير المختلفة من الريف الى المدن والسواحل والاماكن الاثرية. وقامت مدينة الانتاج الاعلامي لتفادي اهدار الوقت والجهد على حد سواء. بدأت دراسة المشروع بالتعاون بين الحكومتين المصرية واليابانية لبحث كل التفاصيل، وانتهت دراسة الجدوى في العام 1986، وتقرر ان يكون المشروع في منطقة واسعة قريبة من القاهرة. ووقع الاختيار على "مدينة السادس من اكتوبر" ثم توقف المشروع تقريباً بين عامي 86 و1989 بسبب تعقيد إجراءات الحصول على الارض. وكانت المشكلة التالية تجهيز أرض صحراوية بما تحتاجه من مرافق وبنية تحتية. أربع مناطق وفي العام 1994 كان العمل دخل المرحلة الأهم حين انتهى التنفيذ الفعلي لجميع الورش والمرافق مع أربع مناطق تصوير: الاسلامية والفرعونية والريفية والبدوية، وكانت الخطة تقضي بأن تكون هناك نواة لكل ديكور، وأن يكون الديكور قابلاً للتعديل والتغيير وفقاً للاحتياجات. يقول المهندس سامي بدوي: "في المرحلة التالية بدأنا في المنطقة الترفيهية ومنطقة الغابات كجزء من خطة لانشاء عشر مناطق، تشمل المنطقة الصحراوية ومناطق الاحياء القديمة والاحياء الحديثة ومناطق أخرى لمتطلبات المستقبل". وعندما زارت "الوسط" المدينة رأت ان المنطقة الترفيهية تبدأ ببوابة من مصر تمثل الاماكن الاثرية المختلفة في شتى المحافظات المصرية بداية من الاسكندرية الى الصعيد، وهناك اماكن تمثل تاريخ مصر الفرعوني "معبد الاقصر"، وتاريخ مصر الاسلامي، وترمز إليه قلعة صلاح الدين. ثم المسرح المبني على طراز مستوحى من حكايات ألف ليلة وليلة. في هذا السياق يؤكد بدوي أن مهندسي الديكورات المصريين نجحوا في بناء أماكن اندثرت تماماً، مثل تل العمارنة الذي استوحوه من رسوم الكتب، وميدان البورصة في الاسكندرية الذي صورت فيه مشاهد فيلم "ناصر 56". ورأت "الوسط" مشاهد من منطقة الاطفال الموجودة في المنطقة الترفيهية، التي لم ينته العمل فيها الى الآن، وقد قال المسؤولون عن المدينة انه سيتم وضع بعض الخدع فيها، في اماكن مختلفة، تشبه تلك الموجودة في استديوهات يونيفرسال بعد ان تم التعاقد مع مركز استشاري متخصص في هذه الخدع. وسيشترك في بداية الشهر المقبل في إدارة هذا المكان حتى تتحول المنطقة الترفيهية الى مزار للجماهير بدءا من اواخر آب اغسطس. في منطقة أخرى شاهدنا مجمع الاستديوهات، الغرض الاساسي للمشروع، وهو الذي سيوفر لقطاع الانتاج في التلفزيون المصري ما يحتاجه من ساعات بسبب الطلب المتزايد على التلفزيون، ثم يستكمل الساعات التي نحتاجها كانتاج تلفزيوني من خلال هذه الاستديوهات ومناطق التصوير الخارجية. ويتوقع المسؤولون عندما تكتمل المدينة ان يصل العمل إلى خمسة آلاف ساعة. ويبدأ العمل في مجمع الاستديوهات خلال شهرين، يبت خلالهما باسناد المشروع إلى إحدى الشركات العالمية المتخصصة التي شاركت في مناقصة تلزيم المجمع الذي يتكون من 13 استوديو للانتاج التلفزيوني، إضافة إلى استديوهات الموسيقى والانتاج وغيرها والمراكز الفنية والمكتبات ومسرح مغلق وصالات تجميع ديكور وورش. وقال المهندس سامي بدوي إن المرحلة الاولى ستبدأ ب 6 استديوهات. وكما تم تمويل مشروع القمر الاصطناعي المصري "نايل سات"، سوف يتم الاكتتاب في اسهم مشروع مجمع الاستديوهات، بمشاركة من القطاع الخاص المصري وغيره. وما شجع إدارة الاعلام المصري على المضي في هذا الاتجاه هو أن تغطية الاكتتاب في ال "نايل سات" تمت خلال ربع المدة المقررة للاكتتاب، وهو ما يدفع المسؤولين المصريين إلى التفاؤل. وتبلغ مساحة المشروع 5،3 مليون متر مربع، وهناك توقع ان تتضاءل أهمية استديوهات التلفزيون المصري في ماسبيرو، من دون ان تعطل نهائيا، في مواجهة مستوى تقني عالٍ للغاية في استديوهات مدينة الانتاج الاعلامي. ويرى المسؤولون ان دور استديوهات التلفزيون سيقتصر على برامج عادية يومية، ومنوعات، واخبار وحوارات ولقاءات، بينما تتفرغ استديوهات هوليوود الشرق لما هو اكبر. وقد تعرضت المدينة وطريقة تصميمها لاختبار حقيقي خلال العام الماضي، اثناء زلزال تشرين الثاني نوفمبر 1995، وتأكد ان تصميم المدينة ادخل في اعتباره مثل هذه الظروف. وتم انشاء جهاز تنفيذي بالتعاون مع شركات متخصصة لاجراء عمليات تنظيف وصيانة مستمرة. وقال المهندس سامي بدوي: "لقد كانت أبرز صعوبة واجهتنا هي الطبيعة الصحراوية لهذا المكان.. قسوة الجو والعواصف وطبيعة التربة الصخرية والرملية. وقد تغلبنا على جميع الصعوبات، ومن المتوقع ان تنتهي أجزاء من مجمع الاستديوهات بعد سنتين، وأجزاء أخرى بعد 3 سنوات. واستطيع القول انه في العام 2000 سيكون مشروع المدينة قد اكتمل تماماً". اضاف: "لقد استعنا بخبرات اجنبية في أضيق الحدود لا سيما في دراسة الجدوى مع شركة يابانية وفي مجمع الاستديوهات بشركة فرنسية، وفي التصميمات التفصيلية مع شركة متخصصة في مشروعات الاستديوهات". وهذه الاستعانة لا تتعدى نسبة ال 50 في المئة، لأن وزارة الاعلام أرسلت موفدين في بعثات متصلة لرؤية أحدث الاستديوهات ودراستها. وكان هؤلاء يشاهدون ويقارنون ويستفيدون من تقنية الاخرين العالية وخبرتهم مع حرصهم على إعطاء المدينة الاعلامية طابعاً مميزاً. ووصف سامي بدوي المدينة بأنها مشروع استثماري ناجح، وقال: "الدراسة الاقتصادية التي سبقت بناء المشروع كانت نتائجها باهرة، والمشروع ناجح جدا على جميع المستويات". وقد توقع ان تساهم المدينة كلها في حل أزمة السينما، وأكد أن المدينة صالحة للتصوير السينمائي إلى جانب التصوير التلفزيوني، وستكون مجال جذب سياحي لأنها ستضم فندقاً بمستوى خمسة نجوم، اضافة إلى معاهد تدريب.