ارتبطت الذهنية العربية - عندما ترد كلمة "تعويض" وعبارة "استعادة الحقوق" - تلقائيا بالنزاع العربي - الاسرائيلي، بسبب ازدحام ملفات النزاع والقرارات الدولية والخطاب السياسي العربي في كل مراحل النزاع بهذه الكلمات، فالعربي هو دائماً في وضع المُطالب، وإسرائيل دائما في وضع المطلوب منها تقديم التعويضات، "خصوصاً في مشكلة اللاجئين" وإعادة الحقوق المغتصبة. لكن إسرائيل بدأت اخيرا محاولة الالتفاف على الوضع منذ بداية النزاع، ودخلت طرفا مع مواطنيها الذين كانوا يحملون يوما الجنسية المصرية، للمطالبة باستعادة املاك كانت لهم في مصر قبل الخروج او للحصول على تعويضات. ولوحظ أن هذا الالتفاف جاء بعد إثارة قضية الاسرى المصريين والمطالبة بتعويضات لأسر الضحايا، وبعدما طلبت مصر رسميا من اسرائيل تشكيل لجنة مشتركة للبحث في تعويض مصر عن نهب ثروات سيناء خلال فترة الاحتلال 6719 - 1982 تنفيذا للمادة 12 من معاهدة السلام المصرية - الاسرائيلية عام 1979. وفي الوقت الذي اقام فيه ورثة يحملون الجنسية الاسرائيلية يهود مصريين، دعاوى للحصول على ممتلكات اجدادهم. عرضت الحكومة الاسرائيلية على القاهرة بواسطة القنوات الديبلوماسية، مطالب الورثة في استعادة الممتلكات، وبررت ذلك بحقها في الدفاع عن مصالح مواطنيها الذين سلكوا ايضا الطريق القانوني باللجوء الى القضاء. فبعد اسبوع على نجاح عملية "جس النبض" وحصول ورثة المليونير السكندري - سابقا - ألبرت ميدزجر على حكم قضائي باستعادة فندق سيسل التاريخي على شاطئ الاسكندرية من شركة الفنادق المصرية تسلمت القاهرة ملفاً آخر تحت عنوان "املاك يهود بورسعيد" الذين كانوا غادروا المدينة في اعقاب العدوان الثلاثي عام 1956. والمدعون في الملف هم ورثة اربعة من هؤلاء. والارجح ان ملف "بورسعيد - 5619" لن يكون الملف الاخير، فقد نما الى علم سلطات مصرية مختصة ان اسرائيل تعد ملفين بأملاك اليهود في الصعيد والقاهرة، والملف الاخير سبق ان أثاره يهود مصريون في مطلع الثمانينات، عندما ادعوا ان من بين املاكهم منزل الرئيس الراحل انور السادات والارض التي شيدت عليها السفارة السعودية في الجيزة وحارة اليهود في حي الموسكي. واللافت ان من بين الاوراق التي تعدها السلطات المصرية للرد على ما يقوله اليهود الاسرائيليون في بعض الحالات كتاب "وصف مصر" الذي وضعه علماء الحملة الفرنسية على مصر 1798 - 1801 والمتضمن خريطة تفصيلية بمالكي الاراضي ودياناتهم ، تدحض الكثير من الاقوال، كما تعد وثيقة مهمة لأنها وضعت قبل نشوب الصراع العربي - الاسرائيلي بأكثر من قرن. ويلاحظ من "ملف بورسعيد -56" انه يتضمن وثائق صادرة عن جهات رسمية مصرية بدءا بوزارة العدل مرورا بالخارجية وانتهاء بوزارة الداخلية. ولم تترك ورقة - قلت أهميتها او كبرت - الا وتضمنها الملف بما في ذلك مراسلات بين حارس الاملاك البواب ومحامية سكندرية كانت تدير الاملاك والعكس. واللافت في الملف المساعدة التي قدمها ابن البواب الى الورثة باستخراج وثيقة رسمية من إحدى الجهات التابعة لوزارة العدل. والأغرب تقديمه شكوى الى اجهزة الشرطة يتهم فيها المحامية السكندرية ومواطنا بورسعيدياً بپ"التلاعب للاستيلاء على ممتلكات اليهود الاربعة"، وتعد الوثيقة ونتيجة درس الشكوى اهم ما في الملف من اوراق يستند اليهما الورثة في المطالبة باستعادة حقوقهم. اسرائيليون ورعايا بريطانيون وحصلت "الوسط" على ملف "بورسعيد - 5619" الذي يشير الى ان سامي جوزيف وشيلي بن شيلي يوسف شوا وشيلي جوزيف شرعا ومناحيم ميشا وأولاده صوفيا وسليم وجودة كانوا يملكون ارضا في بورسعيد مقام عليها العقار الرقم 55 شارع صفية زغلول قبل مغادرتهم المدينة عام 1956 الى بريطانيا ووضع املاكهم تحت الحراسة باعتبارهم "رعايا بريطانيين" قبل توجههم الى اسرائيل واكتساب جنسيتها. والوثيقة الاولى في الملف عبارة عن ترجمة رسمية صادرة عن القنصلية المصرية في لندن بتاريخ 12 كانون الاول ديسمبر 1979 لتوكيل رسمي يؤكد فيه المحامي البريطاني ايزاك ماشور انه الوكيل الرسمي والقانوني لمالكي العقار بموجب التوكيل الصادر في 6 كانون الثاني يناير عام 1965، وبمقتضى هذا التوكيل عين المحامية السكندرية لوريس نصري وفوضها بادارة ملك موكليه في بورسعيد. ولا يتضمن التفويض التصرف في العقار بالبيع وأودعت الترجمة الرسمية للتوكيل لدى مصلحة الشهر العقاري والتوثيق في وزارة العدل المصرية. والوثيقة الثانية عبارة عن "عقد ايجار" املاك أجر بمقتضاه السيد محمد الحديدي من السيدة عائشة الشرقاوي "الموكلة عن المحامية لوريس نصري المفوضة من ايزاك ماشور عن شيلي بن شيلي يوسف شوا احد الملاك الاصليين" محل وجربين بدرونين بالعقار رقم 55 بقصد استعماله للتجارة والمقاولات، وتم تحرير العقد بتاريخ 28 شباط فبراير عام 1979. اما الوثيقة الثالثة فهي "عقد بيع" محل تجاري اشترى بمقتضاه السيد محمد الحديدي من السيد ابراهيم المخزنجي المحل التجاري والجربين البدرونين لغرض الاستعمال في اعمال التجارة والمقاولات في العقار الرقم 55. وحُرر عقد البيع بتاريخ 3 كانون الثاني يناير اي قبل تحرير عقد الايجار ب 55 يوما، ويستند الورثة الى هاتين الوثيقين لإثبات التلاعب - من وجهة نظرهم - اما الوثيقة الرابعة الصادرة عن مصلحة الشهر العقاري - مكتب بورسعيد - وزارة العدل والمؤرخة في 20 تشرين الثاني نوفمبر 1988 والمصدق عليها من مصلحة الشهر العقاري والتوثيق مكتب الاسكندرية في 18 كانون الثاني يناير 1989، فهي عبارة عن عقد بيع يوضح شراء السيد محمد الحديدي واولاده وسام ومروة ومحمد والسيدة منى محمد فتحي ابوسعده املاك اليهود من المحامية لوريس نصري. ويطعن الورثة في العقد باعتبار التفويض الممنوح للمحامية من المحامي البريطاني ايزاك نيابة عن المالكين لا يتضمن تفويضها البيع. وتوضح الوثيقة الخامسة طلب تأشير بيانات مساحية شراء السيد محمد فتحي ابو سعده من السيد محمد الحديدي واولاده والسيدة مني محمد فتحي ابوسعده الاملاك بمبلغ 150 الف جنيه مصري، وتحررت هذه الوثيقة بتاريخ 19 شباط فبراير 1989 اي بعد شهر من التصديق على عقد البيع الاول. ولم يكد يمر عام على البيع الثاني حتى فاجأ لوقا عبد المسيح غبريال ابن حارس العقار البواب - الذي عينته المحامية لوريس نصري لمراعاة الاملاك والمحافظة على العقار الرقم 55 شارع صفية زغلول ببورسعيد بموجب عقد عمل في 7 شباط فبراير 1968 - الجميع باعتباره شاهدا على عقد عمل والده، بتقديم شكوى في 20 آذار مارس 1990 الى قسم مكافحة الأموال العامة في مديرية امن بورسعيد يتهم فيها المحامية لوريس نصري والمشتري الاول محمد الحديدي بالتلاعب وبيع الاملاك. غير أن لوقا وجه الاتهام - وفقا للشكوى - باعتبار ان ما تم بيعه "أملاك دولة" وليس باعتباره أملاكا تعود الى اليهود الذين غادروا بورسعيد. وتابع لوقا جهوده باستصدار شهادة عقارية في 19 آيار مايو 1992 من مصلحة الشهر العقاري والتوثيق في بورسعيد توضح صدور اشهار للعقار لمصلحة محمد الحديدي ضد شيلي بن شيلي يوسف شوا في مقابل ثمن قدره ستون ألف جنيه، اي ان الوثائق الرسمية تعتبر محمد الحديدي مالكا حتى عام 1992 على رغم مرور ثلاث سنوات على البيع لمصلحة السيد محمد فتحي ابو سعده. وواصل لوقا الجهود حتى صدور تقرير من قسم مكافحة جرائم الاموال العامة في مديرية امن بورسعيد بناء على الشكوى. وتضمن التقرير في بنده الرابع انه "تبين من الفحص وسؤال الشاكي والمشكو في حقهما حصول المحامية على توكيل من احد المحامين البريطانيين دون حصولها على حق البيع، وبالرغم من ذلك فقد قامت بموجب هذا التوكيل ببيع العقار". اما آخر اوراق الملف فهي شهادة وفاة لأحد اليهود شيلي بن شيلي يوسف شوا صادرة عن "حكومة اسرائيل - وزارة الداخلية" في 29 اذار مارس 1990 في اشارة الى ان المتوفى اسرائيلي. في مواجهة التعاطي القانوني المصري معه باعتباره مواطنا اكتسب الجنسية البريطانية وينطبق على ممتلكاته والاخرين قانون الحراسة العامة لرعايا بريطانيا الصادر في اعقاب العدوان الثلاثي. ووصلت هذه الشهادة الى مكتب المحامية لوريس نصري في الاسكندرية الشهادة تحمل خاتم مكتبها. وعلى هامش اوراق الملف الاساسية تضمن الملف رسالتين موجهتين من المحامية الى حارس العقار عبدالمسيح غبريال، الاولى بتاريخ 25 تشرين الثاني نوفمبر 1969، والثانية بتاريخ 9 كانون الاول ديسمبر 1969. ولوحظ ان المحامية تطلب من عبد المسيح في الرسالة الاولى موافاتها بأملاك عقارات عائلة مناحيم ميشا في بورسعيد، وتلفت نظره الى ان عقارات التركة في بورسعيد تخضع لاحكام الحراسة البريطانية. كما انهت المحامية في الرسالة الثانية الى علم عبدالمسيح - ردا على شكواه من عدم صرف مرتبه - انها طلبت من المحامي موافاتها بحقيقة الموضوع حيث "لا علم بحالة العقارات ملك عائلة بنين ببورسعيد والتي لازالت موضوعة تحت الحراسة البريطانية، ولم يتم الافراج عنها او تسليمها الينا حتى الان…". كما طلبت منه موافاتها "ببيان العقارات التي تم بيعها الى شركات التأمين واسماء هذه الشركات، واسم المالك الاصلي للعقارات المباعة من عائلة بنين يهودي وعنوان تلك العقارات ببورسعيد… وكذلك "بيان باقي العقارات التي لم يتم بيعها واسماء ملاكها، وعناوينها في بورسعيد". وبعيدا عن المسار القضائي للملف سألت "الوسط" ديبلوماسيا مصريا رفيع المستوى عن طريقة التعاطي المصري مع ورثة اليهود الذين غادروا مصر، فقال ان "الحكومة المصرية ستعيد الى اي شخص او ورثته ممن اكتسبوا جنسية اخرى غير الجنسية المصرية اية ممتلكات خضعت لقوانين التأميم او وضعت تحت الحراسة في حال صدور احكام قضائية لمصلحتهم، لكنه لفت الى انه "سيتم التعاطي مع هؤلاء الاشخاص وفقا لقوانين الملكية في ما يتعلق بالاجانب". ومعروف ان القانون يمنع التملك في العقارات لغير المصريين او العرب، وفي هذه الحالة سيستحق الورثة تعويضا شرط صدور حكم قضائي لمصلحتهم. ويشكل موقف الحكومة المصرية إغلاقا لباب خلفي يحاول اسرائيليون العبور منه لامتلاك عقارات في مصر. واملاك مصرية في اسرائيل في الوقت نفسه أعدت الادارة القانونية في وزارة الخارجية المصرية ملفاً يتضمن 71 حالة، صدرت لمصلحتها أحكام قضائية من المحاكم المصرية بأحقيتها في ممتلكات في اسرائيل تتضمن مصانع لانتاج زيوت الزيتون والنسيج وبيارات موالح وعقارات للمطالبة باسترداد هذه الممتلكات لمصلحة أصحابها أو ورثتهم. وكانت المحامية هايدي فاروق عبدالحميد الزيني اقامت دعوى قضائية امام محكمة الجيزة مطلع العام الجاري تطالب باحقيتها وموكليها ورثة طائفة المستخفظات التي حكمت مصر في اواخر العهد المملوكي في اوقاف اسلامية واراضٍ في فلسطين واسرائيل. وتستند المحامية في دعواها الى حجج شرعية منها حجة ثبوت اوقاف السلطان الاشرف خليل - الجد الاكبر للعائلة وتتضمن اراضي صفد وشفا عمرو. وحجة السلطان الاشرف الزيني وتضم مدينة حاصبيا في جنوبلبنان. وحجة المعز الاشرف وتضم اراضي في القدس منها حائط المبكى وتل حرنا واراضي في رام الله ويافا وام الرشراش المصرية ميناء ايلات حاليا وقرية ديمونة. كما تستند المحامية في دعواها ايضا الى تقرير "لجنة شوا البريطانية" لعام 1920 الذي اكدت فيه اللجنة ان حق ملكية حائط المبكى عائد الى المسلمين لانه جزء لا يتجزأ من الحرم المقدس الشريف. وعلم ان قانونيين وخبراء مصريين يدرسون هذه القضية من زاوية سياسية باعتبار ان الحكومة المصرية من حقها الدفاع عن مصالح رعاياها وتعتبر الوصي على ادارة املاكهم في فلسطين. من ناحية اخرى علم ان مصر تراجع ملفات املاك تعود الى مواطنين مصريين للعمل على استعادتها وتخضع لقانون املاك الغائبين الاسرائيلي الصادر عام 1950، والذي خضعت بمقتضاه املاك مواطني "مصر والسعودية وسورية ولبنان والعراق واليمن وامارة شرق الاردن وسكان فلسطين" الذين غادروا ديارهم بعد حرب 1948 لادارة "حارس اموال الغائبين" التابعة لوزارة المال الاسرائيلية. وكانت اسرائيل استثنت الاردن من وضع املاك كانت لمواطنيها تحت الحراسة بعد توقيع معاهدة السلام الاردنية - الاسرائيلية. في 10 تشرين الثاني نوفمبر 1994، اي بعد اسبوعين فقط من توقيع المعاهدة. وهي خطوة لم تتخذها اسرائيل تجاه مصر منذ توقيع معاهدة السلام المصرية - الاسرائيلية عام 1979. وتدرس السلطات المصرية التحرك في هذا الاتجاه. ومعروف ان المادة 22 من قانون املاك الغائبين الاسرائيلي تشترط لاعادة الاملاك - بعد خصم اتعاب الحارس - عودة الغائب وتوكيل محام اسرائىلي امام المحاكم الاسرائيلية. ولا يعتبر القانون ان توكيل المحامي يغني عن حضور الغائب او ورثته بانفسهم. وكان شرط الذهاب الى اسرآئيل منع الكثيرين ممن لهم املاك في فلسطين اسرائىل حاليا من اقامة دعاوي لاسترداد املاكهم. الى جانب عدم الثقة في التزام حكومات اسرائىل بتنفيذ احكام القضاء الاسرائيلي الذي قضى عام 1972 مثلاً باعادة دير السلطان في القدس الى الكنيسة المصرية.