لم تكن آفاق قمة القاهرة عشية انعقادها مشرقة، ولم تدفع احتمالات نجاحها في تحقيق الأهداف التي انعقدت من اجلها الى الكثير من التفاؤل، بل ان مصادر ديبلوماسية وثيقة الاطلاع في أكثر من عاصمة عربية واقليمية ودولية أعربت عن مخاوف متزايدة من امكان وصولها الى عكس النتائج التي كانت متوخّاة منها أصلاً. وفيما استمرت الدوائر الرسمية في العواصم العربية المعنية بالقمة وبالعمل على انجاحها تعرب عن أملها في التوصل في نهاية الأمر الى صيغة "حد أدنى" تكون قادرة على تأمين تفاهم عربي مشترك، أقله حول الشعارات الأساسية التي انطلقت منها الدعوة الى عقد القمة، فإن مصادر "الوسط" توقعت ان يكون مثل هذا "التفاهم على الحدّ الأدنى" أقل بكثير من الآمال التي كانت علقت في البداية عليها. ولم تترد ّد تلك المصادر، أو بعضها على الأقل، في الذهاب الى حدّ الاعراب عن اقتناعها بأنه ربما كان من الأجدى لو تأجلت الدعوة الى عقد القمة ريثما تتضح أبعاد التحولات الحاصلة في المنطقة حالياً، من اجل افساح المجال أمام المزيد من التشاور والتنسيق بين الأطراف العربية قبل جلوسها على مائدة واحدة وجهاً لوجه في اطار موسّع وشامل كالقمة". الأهداف الصعبة واستندت المصادر في تشاؤمها حيال احتمالات نجاح القمة الى ما وصفته بپ"الأهداف الصعبة التي ينتظر عادة من أي اجتماع عربي شامل على مستوى القمة ان يتمكن من تحقيقها"، وأضافت في معرض تأكيدها صعوبة الوصول الى هذه الأهداف في الوقت الحاضر ان "المؤشرات التي توافرت خلال الأيام الماضية، والأحداث التي تتالت أثناء مرحلة الاعداد للقمة أظهرت ان الحدّ الأدنى من التفاهم العربي على القضايا الأساسية الماثلة في مواجهة المنطقة حالياً ليس متوافراً، وكذلك الأمر بالنسبة الى الاستعداد للوصول الى ذلك القدر من التفاهم المطلوب". وذكرت المصادر في هذا الاطار بما اسمته "الروحية التي شكّلت خلفية الدعوة الى عقد القمة الموسعة"، كما عبّر عنها البيان الذي صدر عن قمة دمشق الثلاثية. وقالت: "كان واضحاً ان الرغبة في اعادة جمع الشمل العربي، وتحقيق المصالحة بين أطرافه ومحاوره، وصياغة موقف عربي مشترك حيال التحديات الخطيرة والمتزايدة تستدعي اجتماعاً عربياً موسعاً على مستوى الملوك والرؤساء. كما ان تلك الرغبة ربما عكست اقتناعاً مشتركاً بين أركان قمة دمشق بأن الظروف العربية أصبحت ملائمة الآن، وأكثر من أي وقت مضى منذ حرب الخليج، للوصول الى مثل هذا الموقف المشترك حيال قضايا ذات اهتمام مشترك، كمسألة التسوية والسلام مع اسرائيل مثلاً". ومن هذا المنطلق، تمت الدعوة الى القمة تحت شعار "جمع الشمل العربي"، وحددت بنود جدول أعمالها بالموقف من عملية السلام، وتحقيق المصالحة العربية، والعمل على تسوية ما أمكن من الخلافات والنزاعات الثنائية القائمة حالياً بين دول عربية عدة من جهة، وبين دول عربية واخرى اقليمية غير عربية من جهة ثانية. خلافات جوهرية لكن ما بيّنته تطورات الأيام الماضية دلّ على ان الانقسامات والمحاور القائمة حالياً في المنطقة أكثر حدّة مما كان متوقعاً، كما ان آثارها قد تكون أكثر عمقاً من ان تتم معالجتها أو ازالتها بمثل هذه السرعة، مهما بلغت قوة النيات والرغبات. فإلى جانب مسألة العراق وإمكان عودته الى الصف العربي، التي ظهر منذ المراحل الأولى ان لا حماس قوياً لتحقيقها، أقله في هذا الظرف، من جانب أكثر من طرف خليجي وعربي والكويت طبعاً في مقدّم هذه الأطراف، برزت الخلافات بسرعة في شأن مسائل جوهرية أخرى تمسّ صميم العلاقات العربية - العربية وامتداداتها الاقليمية والدولية. ولعل من أكثر الأمور اثارة للاهتمام في الوقت الحاضر حقيقة ان مسألة السلام مع اسرائيل لم تعد تقتصر في مضامينها على العلاقة مع الدولة العبرية فحسب، بل أنها باتت تشكل "مسألة اقليمية" ذات أبعاد عربية شاملة، الى جانب كونها محوراً لتحالفات اقليمية ودولية وتحالفات اخرى مضادة لها. ولم تبالغ مصادر ديبلوماسية عربية في وصفها الوضع الذي تمر به منطقة الشرق الأوسط حالياً بأنه "الأكثر صعوبة ودقة وخطورة منذ زمن بعيد"، أو عندما تصف الأزمة التي تواجه السياسة العربية في هذه المرحلة بأنها "أزمة كبرى تقارن في حدتها والآثار الطويلة الأجل التي قد تترتب عليها بأزمات مثل الغزو العراقي للكويت عام 1990، والاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982، وزيارة الرئيس انور السادات لاسرائيل عام 1977، والصدام الأردني - الفلسطيني في أيلول سبتمبر 1970، وصولاً حتى الى نكسة حرب حزيران يونيو 1967. ففي كلّ من هذه الأزمات كان العرب يواجهون وضعاً جديداً ينطوي على بروز مجموعة جديدة من التهديدات والتحديات والنتائج الناجمة عن ادخال تغييرات أساسية على الخريطة السياسية والاستراتيجية وحتى الجغرافية في المنطقة من خلال قيام أطر جديدة من العلاقات والتحالفات الاقليمية والدولية فيها. وفي كلّ منها أيضاً كان يتعين عليهم التوصل الى صياغة موقف مشترك يوفر لهم المقدرة على مجابهة تلك التحولات ومعالجة آثارها، ليصطدم ذلك السعي بواقع الافتقار الى النظرة المشتركة والمصالح والأهداف المشتركة". ويلخّص مصدر ديبلوماسي أوروبي واسع الاطلاع على أوضاع المنطقة الواقع العربي الحالي بقوله: "المشكلة الحقيقية ان غالبية الدول العربية مختلفة تقريباً على كل شيء… والأحداث المتتالية التي تشهدها المنطقة منذ عام ونيف ليست هي سبب هذا الخلاف، بل انها ليست أكثر من دلائل متتابعة تبرهن المرة تلو الأخرى عن وجوده وتساهم في تكريسه. واذا ما رجعنا الى الجمود الكامل الذي طرأ آنذاك على مسار المفاوضات بين سورية واسرائيل ولبنان واسرائيل، وترافق مع التوصل الى اتفاق "أوسلو - 2" بين اسرائيل والفلسطينيين وتوقيع معاهدة السلام الأردنية - الاسرائيلية يتبين مدى الفارق بين أولويات اطراف عربية كان يفترض فيها ان تكون متلاقية في أهدافها من العملية السلمية مع الجانب الاسرائيلي. ثم ظهر هذا الأمر جلياً بعد ذلك عقب تفجيرات "حماس" داخل اسرائيل، وتدهور الوضع العسكري في جنوبلبنان، وانعقاد قمة "صانعي السلام" ضد الارهاب في شرم الشيخ… فحيال كل هذه التطورات كانت المفاهيم العربية تفتقر الى الحدّ الأدنى من التنسيق والتصورات المشتركة. والأمثلة على ذلك كثيرة". ويمضي المصدر الأوروبي قائلاً: "الواضح الآن ان سورية تشعر بقلق من التحالف الذي يزداد وثوقاً بين اسرائيل وتركيا، وتعتبره محاولة تهدف الى محاصرتها وعزلها وتشديد الضغوط السياسية والاقتصادية والأمنية عليها. وهي تشعر أيضاً بقلق مماثل حيال توجّه الأردن نحو توثيق علاقاته مع أنقرة وتل أبيب، ناهيك عن تعاونه الوثيق مع الولاياتالمتحدة، وتنظر الى ما يحدث على انه محور جديد في المنطقة موجّه أساساً ضد امنها ومصالحها. وفي المقابل تعمل دمشق على تعزيز تحالفها مع طهران وتعتبره نوعاً من الرد الاستراتيجي على هذا المحور الثلاثي الذي تباركه واشنطن. لكن المشكلة ان ايران نفسها تعتبر في نظر دول عربية عدة، خصوصاً في الخليج، بمثابة مصدر تهديد استراتيجي وهذه الدول تنظر الى محاولات طهران تصدير الثورة الاسلامية ودعم الحركات الأصولية في المنطقة كتدخل في شؤونها الداخلية وسعي الى زعزعة أمنها واستقرارها. كما انها تنظر في الوقت نفسه الى العراق كمصدر دائم للتهديد طالما استمر نظام صدام قائماً في بغداد، وتتطلع بالتالي الى كل من تركياوالولاياتالمتحدة، وربما حتى الى اسرائيل، كحلفاء محتملين في مواجهة أي مخاطر مستقبلية عليها". واذا كانت دمشق هدفت أساساً من القمة الى "بحث آثار فوز اليمين الاسرائيلي في الانتخابات، والحصول على الدعم العربي المطلوب لمبدأ الاستمرار في عملية السلام على الأسس التي انطلقت منها المفاوضات في مؤتمر مدريد عام 1991"، فإن الوصول الى هذا الهدف على المستوى اللفظي لن يكون صعباً. اذ ان التوقعات قبل انعقاد القمة كانت تؤكد صدور بيان عنها يشدد على "تمسك العرب بتحقيق السلام الشامل والعادل على أساس مبدأ الأرض مقابل السلام، وانسحاب اسرائيل من الأراضي العربية المحتلة وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي، وضمان حقوق الشعب الفلسطيني واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس" لكن التساؤل استمر قائماً حول ما يمكن للقمة ان تحققه في هذا المجال على المستوى العملي؟ تطورات مقلقة وبرز هنا بشكل لافت القلق الذي أعربت عنه مصادر مصرية حيال ما وصفته بپ"تطورات تشكل تشويشاً على القمة وضغطاً غير مباشر على المشاركين فيها، حصلت خلال مرحلة الاعداد لها". وخصت المصادر المصرية بالذكر المسائل الآتية: 1 - التصعيد الواضح في حدة الموقف خلال الأسبوعين الماضيين بين دمشق وانقرة، وظهور الحديث للمرة الأولى عن حشود عسكرية متبادلة على الحدود، واختراقات أمنية رافقتها معلومات واتهامات متبادلة عن محاولات تسلّل وأعمال تفجير واعتداءات، وصولاً الى الاعلان عن اجراء مناورات بحرية تركية - اسرائيلية مشتركة قرب السواحل السورية، وزيارة قطع حربية اسرائيلية موانئ تركية من بينها ميناء الاسكندرون الذي تعتبره دمشق أرضاً سورية مسلوبة، والكشف المتتالي عن بنود جديدة في اتفاق التعاون العسكري بين انقرة وتل أبيب الذي قالت المصادر المصرية ان الواضح "انه لم يكشف النقاب عن جميع بنوده حتى الآن". 2 - التحذيرات والانذارات التي تبادلتها تركياوايران في شأن القمة خصوصاً، والوضع العربي عموماً. فطهران حذرت تركيا من مغبة "التعرض لسورية او الضغط عليها"، فيما وجهت انقرة من ناحيتها انذاراً الى القمة من مغبة "تأييد الموقف السوري من مسألة المياه". وتعتبر القاهرة ان موقف كل من طهرانوأنقرة، على حد سواء "تدخل اقليمي لا مبرر له في الشؤون العربية ومدخل الى تصعيد لا يمكن التكهن بعواقبه على مستوى المنطقة ككل". 3 - خيبة الأمل الشديدة التي أثارها بيان الحكومة الاسرائيلية الجديدة وتصريحات رئيسها بنيامين نتانياهو. وقال ديبلوماسي مصري تعقيباً على هذا البيان: "كنا نأمل ان تأتي مواقف رئيس الحكومة الاسرائيلية الجديد وهو في السلطة مختلفة ولو نسبياً عن مواقفه عندما كان زعيماً للمعارضة ومرشحاً في الحملة الانتخابية، واذ ببيانه يأتي نسخة طبق الأصل عن البرنامج الدعائي الذي خاض اليمين الاسرائيلي الانتخابات على أساسه. وهذا طبعاً لا يبشر بالخير ولا يدعو الى التفاؤل بحسن سير العملية السلمية عند استئنافها… اذا ما استؤنفت"! 4 - خيبة أمل مماثلة تشعر بها القاهرة من مواقف الولاياتالمتحدة، وما باتت المصادر المصرية تصفه بپ"سعي واشنطن الى اكتساب ودّ الحكومة الاسرائىلية الجديدة عوضاً عن الضغط عليها للتمسك بعملية السلام والحرص على ما تحقق فيها حتى الآن". وتلحظ القاهرة في هذا المجال ان "الخطاب الرسمي" الصادر عن ادارة الرئيس بيل كلينتون خلال الأسابيع الماضية "عاد الى ابراز نغمة الالتزام بأمن اسرائيل ووضعه فوق كل اعتبار، وضمان تفوق اسرائيل على جيرانها. وعوضاً عن دعوة نتانياهو وحكومته الى ابداء قدر أكبر من المرونة، ركزت واشنطن على دعوة العرب الى التزام الاعتدال متجاهلة كل ما صدر عنهم حتى الآن من تأكيدات على تمسكهم بعملية السلام واستعدادهم للتعامل الايجابي مع الوضع الاسرائيلي الجديد. وفوق ذلك كله، عاد التصعيد الى اللهجة المستخدمة في واشنطن عند الحديث عن ايرانوالعراق وسورية وليبيا، بل وكاد يصل الى القاهرة والديبلوماسية المصرية نفسها، وكأننا نحن المشكلة وليس الآخرون…". 5 - الامتعاض الضمني الذي تشعر به القاهرة من الطريقة التي تعامل بها "عدد من الزعماء العرب" مع الدعوة الى القمة، و"القرار الذي اتخذه بعضهم بعدم المشاركة فيها شخصياً من دون أي أعذار". وذكرت مصادر "الوسط" في القاهرة مثالاً على ذلك كلاماً نسب الى الرئيس مبارك خلال اتصال مع زعيم عربي اعتذر عن الحضور، قال فيه الرئيس المصري ما حرفيته: "من يحضر الى شرم الشيخ من دون تنسيق وبدعوة وصلته قبل ساعتين، يحضر قمة عربية مصيرية لمصلحة العرب وجمع شملهم، وبدعوة وصلته قبلها بعشرين يوماً". المحاور الاقليمية وشددت المصادر المصرية على المحاولات التي بذلتها القاهرة على امتداد الأسبوعين الماضيين بهدف "تنفيس الاحتقان وتمهيد الأجواء لانعقاد القمة وتأمين الحدّ الأدنى المطلوب لانجاحها". وكان من أهمها "تدخل الرئيس مبارك شخصياً لدى الملك حسين والطلب منه وقف الحملات الاعلامية والسياسية المتبادلة مع دمشق. وتأكيد موافقته على ضرورة عقد لقاء بينه وبين الرئيس الأسد على هامش القمة". كما اجرى الرئيس المصري "محاولات مماثلة مع الرئيس السوري داعياً فيها دمشق الى ضبط النفس وتخفيف لهجتها حيال جيرانها". وعلى صعيد آخر وجهت القيادة المصرية "تعليمات صارمة" الى كبار مسؤوليها والى وسائل الاعلام بضرورة "الامتناع عن اصدار أي تصريحات تنتقد اسرائيل وأميركا أو تركيا، أو حتى التعقيب على ما قد يصدر من هذه الدول من مواقف أو تصريحات، وعدم توجيه انتقادات مباشرة الى ايران أو سياستها في المنطقة، والاكتفاء بتأكيد حرص مصر على أمن البحرين ودول الخليج وصيانة سيادتها واستقرارها وعدم التدخل الخارجي في شؤونها. وربما نجحت هذه المساعي المصرية في تحقيق بعض أهدافها على الأقل. فالجانب السوري شدّد على ان دمشق "لا تنوي اثارة مواضيع جانبية من شأنها اذكاء نار الخلافات العربية أو تصعيد التأزم مع الدول المجاورة، سواء كانت تركيا أو غيرها، وذلك حتى لا تحيد القمة عن هدفها. فالتركيز السوري انحصر في موضوعي التضامن العربي والتزام أسس السلام. واظهار المخاطر التي نشأت في ضوء نتائج الانتخابات الاسرائيلية". لكن المصادر السورية احتفظت لنفسها بپ"حق الرد" في حال "عمدت أطراف في القمة الى اثارة مواضيع خلافية". وقالت هذه المصادر: "لا يمكن استبعاد ان تعمد دول عربية معينة الى اثارة مواضيع مثل الارهاب، والعلاقة السورية - الايرانية، وتأييد دمشق لحق المقاومة اللبنانية في القتال ضد الاحتلال، ودعمها الفصائل الفلسطينية المعارضة لاتفاقات الحكم الذاتي. واذا ما حدث ذلك، سيكون من حقنا اثارة موضوع السياسة التي تنتهجها تركيا ضد سورية، وسنطلب بالتالي دعماً عربياً لموقفنا من موضوع المياه والضغط على انقرة للدخول في مفاوضات جدية لاقتسام مياه الفرات. كما سنطلب موقفاً عربياً واضحاً من الحشود والمناورات العسكرية التركية في مواجهتنا، وسنعمل على توضيح مخاطر الاتفاق العسكري التركي - الاسرائيلي على الأمن السوري تحديداً، والأمن القومي العربي مستقبلاً". وتشابه الموقف الأردني مع نظيره السوري من حيث التوجه الذي اعتمدته عمّان حيال أعمال القمة، وفيما أكدت عمّان في مناسبات عدّة رغبتها بپ"تجنب التصعيد والعمل على تخفيف التأزم وازالة أسبابه مع جميع الأطراف العربية، ولا سيما مع دمشق"، فإن المصادر الأردنية الرسمية لم تخف في المقابل خشيتها من ان تتحول القمة الى "ساحة للخلافات والانقسامات العربية". وقد أعرب الملك حسين صراحة عن الهواجس الأردنية عندما قال رداً على سؤال لصحيفة "لوس انجليس تايمز" عمّا اذا كان يتوقع ان تكون القمة ساخنة: "لا أتوقع ان تكون أي شيء غير ذلك. فهناك حاجة عربية ماسة للصراحة والصدق". أما وزير الاعلام الأردني الدكتور مروان المعشر، فكان أكثر استفاضة في شرح المخاوف الأردنية عندما قال: "سيذهب الأردن الى القمة بنفس ايجابي وقلب وعقل مفتوحين. لكننا نؤمن بأن المصالحة العربية الحقيقية لا يمكن ان تتم من دون مصارحة كاملة، ومن دون وضع للنقاط على الحروف. ويجب علينا جميعاً ان لا نغفل أي بند أو قضية تحت أي حجة اذا كان هدفنا الوصول الى المصالحة الفعلية لا مجرد التلاقي اللفظي والمظهري". غير ان مسؤولاً أردنياً آخر قال لپ"الوسط" ان عمّان "ترفض ان تعقد قمة عربية من اجل مصلحة دولة واحدة دون سواها فثمة الكثير من القضايا العربية الملحة، وفي مقدمها القضية الفلسطينية التي ما زالت تشكّل في نظرنا جوهر الحرب والسلام في المنطقة. ونحن على استعداد لاجراء حوار صريح مع الاقطار العربية كافة، خصوصاً سورية، ولا نريد تعميق خلافاتنا. لكننا نطلب من الجميع، في الوقت نفسه، الالتزام بالاحترام المتبادل. فموقف الأردن ثابت ولم يتغير وهو انسحاب اسرائيل الكامل من الأراضي العربية المحتلة من دون استثناء. واعادة الحقوق المشروعة الى أصحابها. لكننا نأمل ان لا تؤدي القمة الى تقوية مناخ التشدد والتأزم في المنطقة، أو الى تكريس المحاور الاقليمية بين مؤيدي عملية السلام ومعارضيها. فهذا سيعني تكريس الانقسام العربي وتعميق الأزمة وادخال الجميع في مأزق يصعب الخروج منه". مفترق مصيري لقد بدت القمة عشية انعقادها "ضبابية" وقد يكون من بين أهم المؤشرات الى ذلك "نسبة غياب القادة". لكن العامل الأكثر أهمية هو رجحان عدم تحقيق الهدف الذي انعقدت من اجله، لأن عدم تحقيق المصالحة العربية معناه ان المنطقة ستدخل مرحلة جديدة من التهديدات والتحديات من دون أي موقف عربي مشترك. والاحتمالات المماثلة في هذا المجال كثيرة وتبعث على القلق، بدءاً من السياسات الجديدة التي قد تعمد حكومة نتانياهو الى اتباعها حيال الوضع في الأراضي الفلسطينية وجنوبلبنان، حيث لا يستبعد ان تقرّر هذه الحكومة عدم الاقتصار في ردودها العسكرية على العمليات التي قد تتعرض لها قواتها في الشريط الحدودي المحتل على أيدي مقاتلي "حزب الله" على "الأهداف اللبنانية"، بل قد تعمد الى توسيع نطاقها ليشمل "الأهداف السورية" في لبنان، وصولاً الى امكان تردي الوضع على حدود سورية الشمالية مع تركيا. وتندرج في الاطار نفسه المخاوف المتزايدة من التوجهات السياسية والأمنية الايرانية حيال الدول الخليجية المجاورة واحتمال تصعيد المحاولات الرامية الى زعزعة الاستقرار الداخلي والاقليمي في تلك المنطقة من جانب طهران. ومع الجمود الكامل في عملية السلام، والسياسات المتصلبة لحكومة اليمين الاسرائيلي، وشلل السياسة الأميركية في مرحلة ما قبل الانتخابات الرئاسية هناك، وتعميق حدة الانقسام العربي، وتكريس المحاور في المنطقة وتثبيتها على أسس اقليمية هذه المرة، وزيادة تأثير دول المنطقة غير العربية على السياسات العربية الداخلية وتحالفاتها، تصبح "عناوين المرحلة السابقة" على حد تعبير مصدر ديبلوماسي مصري "قديمة وجزئية وتفصيلية". ويضيف المصدر بمزيج من المرارة والتحذير: "هناك مرحلة جديدة جميعنا مقبل عليها. لن تكون أولويات الأمور فيها قائمة على أساس من هو مع التطبيع ومن هو ضد التطبيع، ومن هم المهرولون أو المتريثون، ومن يعمل من اجل السلام الشامل ومن يرتضي لنفسه سلاماً منفرداً… انها مرحلة فرز ومحاور قد تعيد رسم خريطة المنطقة بأسرها. ولهذا يتوجب علينا العمل على انجاح هذه القمة لأن فشلها سيطالنا جميعاً. فنحن على أبواب صيف حار جداً، والمهم ان نمنعه من التحوّل الى شتاء يعصف بالمنطقة ويهدّد أسسها ومرتكزاتها. ولا يمكن لنا ان نقوم بذلك من دون الحدّ الأدنى من التنسيق، لأن مصلحتنا المشتركة تقضي بالتوصل الى تصوّر مشترك لتهديدات هي في نهاية الأمر مشتركة. وهذا تحديداً ما سنعمل على الوصول اليه في القمة، لأن التهديدات المصيرية تتطلب رداً مصيرياً ونقلة نوعية تواجه التحولات النوعية التي نحن مقبلون عليها. وما علينا الا ان نواصل العمل ونستمر في المحاولة، لأن الخيارات المتاحة أمامنا ستحدّد مستقبلنا برمته".