نور الشريف ليس فنانا موهوبا فحسب، بل هو مثقف وصريح وصاحب مواقف. في حواره مع "الوسط" استعرض اهم ملامح مشواره الفني الممتد عبر 28 عاما. وببساطة يذكر ان عادل إمام كان اول من اكتشفه ورشحه للعمل في فيلم "قصر الشوق"، وفي وضوح يقول: "انا ناصري وإيماني بعبدالناصر لا يتجزأ"، وانه ضد التطبيع، ولن يزور فلسطين الا بتأشيرة من السفارة الفلسطينية، ويعترف انه مثل "ناجي العلي" متخيلا نفسه فيه، فنانا ينتقد فيُقتل. يتحدث عن الحظ في حياة الفنان، والجمال في حياة الفنانات، يثني على عبدالرحمن ابو زهرة، ويقول إنه ادى دور "الحجاج" بعبقرية، ويذكر ان فيلم "لا أنام" سقط لأن فاتن حمامة مثلت فيه دور فتاة شريرة. وفي ما يأتي نص الحوار: من الذي اكتشف نور الشريف؟ - عادل إمام هو الذي اكتشفني، ورشحني لدور كمال في "قصر الشوق" دون ان يعرفني. كان الاستاذ حسن الإمام يبحث عن وجه جديد لفيلم "قصر الشوق" فقابل عادل إمام وكان لا يزال مبتدئا ويعمل في مسرحية "السكرتير الفني" او "انا وهو وهي" ولم اكن اعرفه، او يعرفني وقتها، فهو خريج زراعة، وانا خريج فنون مسرحية، والاستاذ حسن الامام هو الذي اخبرني بالقصة، وقال لي: إن عادل إمام الوجه الجديد في مسرحية فؤاد المهندس هو الذي رشحك لدور كمال في "قصر الشوق" بعدما رآك في المعهد تمثل دور هاملت وأعجبته. وما هي علاقتك مع عادل إمام الآن؟ - اصدقاء جداً جداً، ولسنوات طويلة، ولكن المشاغل الآن، جعلت لقاءاتنا قليلة، كنا لا نترك بعضا، انا وهو وصلاح السعدني وسعيد صالح وسمير غانم وجورج سيدهم. هناك من يقول بأن عادل إمام شهرته اكبر من موهبته؟ - غير صحيح... فاستمرار نجاحه طوال هذه السنوات، يؤكد قيمته الحقيقية كفنان. هل يلعب الحظ دوراً في نجاح الفنان؟ - بالحظ لا يمكن ان يستمر الفنان أكثر من مرة، فهناك من ينجح في عمل واحد، ويكون ذكياً فيهرب ولا يكمل حتى يحتفظ بسمعته وبنجاحه، ولكن الفنان الذي يستمر لسنوات طويلة مستحيل أن يكون نجاحه بسبب الحظ فحسب، بل لوجود علاقة حقيقية بينه وبين الناس، ولأنه يعبر عن شيء يعجب الناس، قد يكون الصدق في التعبير السبب في الاستمرار لأن مناهج الفن كثيرة ومختلفة، وهناك ممثل يقدم نفسه وهناك ممثلة تقدم جمالها، مثل مارلين مونرو في السينما، فقد كانت حلم كل الرجال في العالم. هي ممثلة معقولة وليست عظيمة ومع ذلك كانت اهم ممثلة في اميركا. اطاعة المخرجين ما الذي يصقل الموهبة بالنسبة الى الفنان؟ - القراءة والسفر عوامل مهمة ولكن لا بد ايضا معها من مشاهدة الاعمال الفنية المتنوعة واطاعة المخرجين في العمل والتعامل مع مخرجين جيدين يساعد في اكتشاف جوانب في الفنان، لا يعرفها هو عن نفسه. ما هي شروط النجومية؟ - من وجهة نظري قوة الروح مع الموهبة، وكلمة نجم تعني السلعة الناجحة، وانا أرى ان الفن الحقيقي اكبر بكثير من لقب نجم، فهناك ممثل ناجح ولكنه ليس نجما، فالجمهور دائما يلتف حول النجم الذي اسهمه قد تصعد، كما قد تنزل، وكثير من النجوم نجاحهم موقت، ولكن النجم "المحنك" - وهؤلاء قلة في العالم - هو الفنان الذي يحب الناس ان يروه، وهو في كل مرة يسعى لتقديم عمل جديد له رسالة، فعندما يأتي البعض ويقول إن عادل إمام، نجاحه موقت وانه "ظاهرة" فإنني اقول إن نجاحه ليس مصادفة او ظاهرة، وإلا ما كان استمر. الممثل الناجح كيف يكون ناجحاً وكيف يصل إلى الجمهور؟ - سأعطي مثلاً بسيطاً جداً لكي تكتشفي ان هناك حسابات كثيرة تفوت كثيراً من الفنانين، فمثلا: انا من اشد المعجبين بالفنان عبدالرحمن ابو زهرة كممثل، وانا آراه من الممثلين المتميزين جدا في تاريخ مصر، حينما عرض "لن اعيش في جلباب ابي" رد الفعل لنجاحه الضخم اذهله، قال لي "يا نور انا مندهش من عدد التليفونات التي تأتي لي، وما يكتب الآن يعني انني لم اعمل شيئا على مدى اكثر من ثلاثين سنة في المهنة". ابو زهرة ممثل جيد يتقن أدوار الشر على المسرح وهي تحتاج لممثل قوي، ولقد اشترك معي في عمل منذ ثلاث سنوات، وهو يعتبر ان من اهم ادواره على الاطلاق في التلفزيون شخصية "الحجاج بن يوسف الثقفي". انا كرجل اكاديمي اعتقد ان اداء عبدالرحمن ابو زهرة في هذا المسلسل كان اداءً عبقريا وجميلا، ولكن لان الشخصية مكروهة لم تجد الصدى. ونجاح الفنان في اوقات كثيرة يأتي لأنه يقدم دورا يجد صدى لدى الناس تجعلهم يحبونه، والحب يعني الاعجاب، فالفنان الذي يتعاطف معه الجمهور نجاحه اكبر، وفي احيان يؤدي الفنان دورا شريرا وينجح مثل فريد شوقي، عادل ادهم، ومحمود المليجي، بحيث تكون شخصية الشرير معبرة عن الرغبات المكبوتة داخل الجمهور ويحرج من ان يقولها؟ فعندما يجد احدا يجسدها امامه يقبل عليها، وما يدهشني من خلال خبرتي ان الشخصيات التي تنجح حتى ولو على حساب الآخرين تعجب الناس اقصد الشخصية الميكيافيلية. فنجاح الفنان لكي يتحول من ممثل الى نجم يعتمد على الدور المتناسب مع موهبته وطريقة ادائه، وملامحه بما يجد صدى عند الناس وعندما يجد الفنان نفسه في هذا الدور، ينجح الفيلم ولو اتقن الممثل دوره بنسبة 50 في المئة فقط مع مخرج جيد. الفنان وأدوار الشر هل صحيح ان هناك ممثلين يرفضون ادوار الشر خشية من تناقص رصيدهم؟ - نعم، هذا الكلام صحيح لحد كبير. ما الفرق بين سينما زمان وسينما الحاضر؟ - السينما كانت دائماً تقوم على نجم ونجمة، وادوار ثانوية، ولكن بعد مرور الوقت يصبح اصحاب الادوار الثانوية ابطالا، ولو اذيع فيلم "الحفيد" ستجدين ان محمود عبدالعزيز ظاهر في دور بسيط لم يتعد 5 أو 6 مشاهد ولكن الآن لن يؤدي مثل هذا الدور، وحين عملت مسرحية "بكالوريوس فيپحكم الشعوب"، احمد بدير، ليلى علوي، ويحيى الفخراني، كانوا وجوها جديدة. من الأفلام التي كان فيها نجوم كثيرة فيلم "لا أنام". استطاع المنتج ان يجمعهم ولكن لا ادري كيف استطاع ذلك، لأنه مستحيل ان يقبل نجم العمل إلا إذا كان الدور يعجبه جدا، وعلى رغم علاقات الصداقة والحب بيننا فإن المنافسة تظل هناك. يجب ان اشعر ان ظهوري الى جانب زملائي سيكون في صالحي، في فيلم "الاخوة الاعداء" ايضاً استطاع حسام الدين مصطفى جمع اكبر عدد من النجوم. هل يمكن أن يسقط فيلم فيه نجوم كثيرة؟ - نعم... وعلى فكرة فيلم "لا انام" سقط على رغم ما فيه من نجوم، والسبب - من وجهة نظري - هو ان فاتن حمامة أدت فيه، وللمرة الأولى، دور الفتاة الشريرة. فالناس تريدها طيبة. ما الفرق بين جمهور زمان وجمهور اليوم؟ - جمهور زمان كان اكثر ارتيادا للسينما، لأن التلفزيون لم يكن منتشراً، وهذه ظاهرة منتشرة في العالم كله، باستثناء العالم الصناعي، "عالم الاغنياء"، فالمجتمعات الغربية والاميركية، مجتمعات فردية، الحس الفردي فيها قوي وممارسة الحياة عندهم ممارسة فردية تجعلهم يرغبون في الاجتماع مع الآخرين، لذا يذهبون الى السينما والمسرح والحفلات... هذا سلوك حضاري يومي مختلف. في مصر زمان كان رواد السينما من الشباب والعائلات، ولكن مع انتشار التلفزيون لم تعد العائلات تذهب الى السينما، خصوصاً مع إقبال الشباب على صالاتها الذين لهم عادات في استخدام مفردات لالفاظ غريبة، ينفر منها الجميع. لكن الأفلام الجيدة تجد اقبالا جماهيريا عائليا خصوصاً بعد تجديد الكثير من دور العرض. ان الاداء الجيد يجذب الناس في اي مكان وفي اي زمان، اذا كان هناك ممثل جيد داخل الفيلم او المسلسل يكون هذا من اهم اسباب النجاح، ولكن بصفة عامة الاداء الآن ابسط وواقعي اكثر مما في الماضي حيث كان الاداء مفتعلا وفيه مبالغة. عملت في الانتاج الفني ثم توقفت... لماذا؟ - لأن المنتجين الآخرين يعرضون عليّ اعمالا ويقولون ان انتاجي يمكن أن أعمله في اي وقت، ولكني الآن اجهز لأعمال كثيرة وجيدة عندما انتهي من مسلسل "هارون الرشيد" لأنه طويل. هل تختار شخصياتك؟ - في اوقات كثيرة، ولكن هناك اوقات اخرى الشخصيات هي التي تختارني. لقد ابدعت في عمر بن عبدالعزيز؟ - كان حلما بالنسبة إلي، فأنا أرى ان الفن رسالة وعندما مثلت دور عمر بن عبدالعزيز، قدمت انموذجا للعدل الاجتماعي والقدوة الحسنة في الاسلام، في الوقت الذي كان الاسلام يتعرض للتشويه من الخارج، فيقال انه دين دموي فُرض بالسيف، لقد شعرت انني عملت شىئا جميلا في حياتي، في ذلك الوقت، قلت هذا هو الاسلام، إن حاكماً استطاع في 30 شهرا من جعل امبراطورية تمتد من اليمن الى الصين من دون فقير واحد. في الدين الاسلامي العدالة الاجتماعية تتجاوز الاشتراكية بكثير. الاشتراكية والزعماء والاصلاح يقال انك ناصري... - نعم انا ناصري... وهناك احيانا من يقول ان الاشتراكية هي الشيوعية لكنها ليست كذلك وعبدالناصر لم يكن ضد الدين، فالسادات الرئيس المؤمن هو الذي ضرب الجماعات الاسلامية. عندما يكون الإنسان في مرحلة بناء نظام جديد في المجتمع لا بد ان تكون هناك تجاوزات ويجب ان نكون مدركين ان الصالحين ومنهم عمر بن عبدالعزيز هم الذين يملكون في داخلهم رغبة شديدة وأكيدة في الاصلاح لصالح الفقراء، وهم يتعرضون للانتقام، فسيدنا عمر بن عبدالعزيز وسيدنا علي بن ابي طالب قتلا، والتاريخ يؤكد ان الممارسة الاخلاقية تؤدي الى فشل السياسة، كنت اتمنى ان تتحقق النظرية والاحلام التي حلم بها عبدالناصر لكنها لم تتحقق كاملة، تحقق جزء منها ولكن جزءا كبيرا لم يتحقق، لأن عبدالناصر كان صغير السن وليست لديه خبرة كبيرة في السياسة، لذلك استطاعوا جره لحروب متتالية جعلته لا يستطيع تحقيق حلمه، وعلى رغم ذلك يظل عصره مختلفا عن غيره، لأنه تواكب معه مد قومي وسخونة في المشاعر، والانفعالات والحياة كان لها طعم، فالكل كان يسعى الى تحقيق حلم. الحياة لم تكن باردة فالناس كانوا يتجاوزون المشاكل اليومية، لأنهم كانوا يحلمون ان يكون اولادهم في وضع احسن، وقد تحسن حال كثير من اولاد الفقراء حيث زادت نسبة التعليم، هناك احلام كثيرة تحققت في عهد عبدالناصر لذا تم التخطيط لاجهاضها من الخارج بشكل ذكي جدا جدا. الوضع اختلف وظروف عبدالناصر غير الآن، أليس كذلك؟ - طبعا زمان كانت هناك قوتان عظميان ولكن الآن الوضع اختلف، الفكرة ان إيماني بعبدالناصر لا يتجزأ، ليس ايمانا شخصيا بشخص فلكل شخص اخطاؤه، وانما ايماني كان ولا يزال بالعدل الاجتماعي وبحق الفقراء في ان يعيشوا حياة افضل، والحاكم العادل نجاحه مستمد من القرآن الكريم، والدفاع عن الفقراء ليس ضد الاسلام، فالاغنياء قادرون على حماية انفسهم، ومصالحهم في العالم كله وقادرون على استغلال اموالهم خارج بلادهم، لكن المواطن الفقير ابسط حقوقه ان يجد ما يأكله وان يسكن، ويعالج، ويعلم اولاده، وان يكون امامهم فرصة للنجاح، تلك هي ابسط الحقوق في الحياة... لو لم يتوفر هذا للإنسان يكون المجتمع مختلا. شعرت من خلال حديثي معك بنزعة اسلامية تؤثر فيك؟ - عمر بن عبدالعزيز أثر فيّ جدا لأنه لا خلاف بين الدين والحياة ولا خلاف بين الدين والعلم. هل تستطيع تمثيل ما تحلم به؟ - نعم، وحتى الشيء الذي لا اريده، وجزء من متعة المهنة هو التنوع والا يعيش الفنان في روتين الادوار. هل لك اعمال ترجمت؟ - عمر بن عبدالعزيز ترجم وبيع الى بلاد كثيرة، سمعت ان تركيا وايران اخذته وايضا بعض الدول الاسلامية في إفريقيا السوداء، كما عرض في الصومال وموريتانيا. هل النجاح يوجد التحدي والرغبة في الاستمرار؟ - الامر يختلف من فنان الى آخر، فبعض أهل الفن يخاف من النجاح الكبير فيتوقف، أما البعض الآخر فيصر على الاستمرار، ويمكن لأحد الفنانين أن يلعب دوراً بسيطاً ويصبح هو الافضل، ولربما يمثل اعظم دور في حياته لكنه لا ينجح ولا نجد له صدى عند الناس. المنافسة! معناها لازم تثبت نفسك؟ - المنافسة لها شروط وليس معناها تقليد غيري، المنافسة هي ان اقدم عملاً متميزاً احسن، أما اذا قلدت فسأضر نفسي. حول فيلم "ناجي العلي" لماذا لم ينجح فيلم "ناجي العلي"؟ - هو لم ينجح في مصر، لكنه نجح على المستوى العربي نجاحا يفوق الخيال، والفيلم لم يهاجم الفلسطينيين، هو محاولة بحث لم يُدن جهة معينة، والفكرة المطروحة فيه هي ان رساماً يُقتل لانه قال رأيه، او لماذا يُقتل رسام؟ هذه هي الفكرة. لم يكن القصد اتهام احد، وحتى الآن لم يتوصل البوليس الانكليزي الى معرفة القاتل. هل تتوقع ان يأتي الوقت وينصف هذا الفيلم في مصر؟ - نعم، وهذا الفيلم اعتز به وقد قدمته عن قناعة. لقد تخيلت نفسي اعمل مسرحية فأقتل لانتقادي اخطاء في النظام. هل ينبغي ان تشعر انها قضيتك حتى تعمل عملاً جيدا؟ - بالتأكيد. فمشاكل الإنسان واحدة في العالم كله وإن اختلفت اللغات والاديان والحضارات. لقد قمت بدور هملت، وانا لست انكليزياً فأنا اذهب الى انكلترا مجرد زائر ولكن شكسبير اثر فيّ بالدرجة نفسها التي اثر فيّ نجيب محفوظ، عندما يكون التعبير عن الواقع صادقاً يتولد داخلك الاحساس بأنها قصتك، حتى ولو على مستوى إنساني. سبق واخرجت مسرحيات عدة ناجحة، لماذا انت اليوم بعيد عن المسرح؟ - انوي تقديم عرض للمسرح القومي، مسرحية "بيكيت" من تمثيلي واخراجي وهي تأليف جان أنوي الكاتب الفرنسي كان مقرراً عرضها في 15 كانون الاول ديسمبر 1995، لكن خطة وجدول المسرح هي التي اجلتها واعاقتني عن تحقيق هذه الاهداف والاحلام. فمن الصعب ان اقوم بعمل غير متأكد انه سيعرض في الوقت نفسه؟ التوقيت المناسب للعرض مهم جدا. هل تجد نفسك اكثر في التلفزيون ام في السينما؟ - في السينما، فهي بالنسبة إلي الفن والابداع، اما العمل في التلفزيون فهو مجهد وشاق جدا، في حقيقته. المسرح يحتاج جرأة كبيرة في مواجهة الجماهير، وفرص الابداع فيه اكثر بكثير. يكفي كمّ البروفات، ولكن في السينما والتلفزيون لا توجد هذه الفرصة، لو مسرحية خرجت بسرعة للعرض، فهذا يعني انه سبقها ثلاثون يوما بروفات... يكررون، ويرددون فيها الكلام نفسه والحركات ذاتها، وايضا يوجد الملقن او السنيد في المسرح. ولكن في السينما تجرى مجرد بروفة لربع ساعة قبل تصوير المشهد، والتصوير فيها غير مرتبط بترتيب المشاهد واللقطات، وهذا يحتاج الى جهاز عصبي قوي عند الممثل وعقلية هندسية نظراً لأن المخرج في النهاية يركّب اللقطات التي تم تصويرها، ويصنع منها فيلما مدته ساعة ونصف الساعة بعدما استغرق التصوير ستة اسابيع، وهنا لا بد ان يكون للممثل القدرة على ترتيب انفعالاته واستدعائها حينما يريد. وفي اوقات كثيرة في السينما تُمثّلين للكاميرا، يعني الممثل الذي امامي يقف بعيداً لضيق المكان، ويضعون الكاميرا مكان الممثل واؤدي دوري امام قطعة حديد المفروض ان أحبها او اكرهها، او اقتلها وهذا أصعب جدا. ثلاثة أشهر في الجلباب كم استغرق تصوير مسلسل "لن اعيش في جلباب ابي"؟ - مسلسل "لن اعيش في جلباب ابي" صور في ثلاثة اشهر والتصوير كان يوميا والحلقات التي بثت يمكن ان تصل إلى 15 فيلما، لا توجد قوة بشرية تستطيع تصوير 15 فيلما، في ثلاثة اشهر. التلفزيون يحتاج تفرغاً تاما، وكماً كبيراً من التمثيل، وفي المقابل أنا بإمكاني تصوير فيلمين في ثلاثة اشهر، انا لا أقبل على العمل في التلفزيون بسهولة لأن ادواري التي اختارها محتاجة الى "حرقة" دم. عندما يعمل الفنان مع عائلته ألا يشعر بغربة بعدما ينتهي العمل؟ - بالطبع، وخصوصاً في السينما عندما يكون فريق العمل متجانساً تشعرين كأنك في رحلة جميلة، ساحرة، وفي مهنتنا تتغير الوجوه التي نتعامل معها. لذلك نشعر بصعوبة الفراق بعد انتهاء العمل. في الادوار الغرامية هل تعيش الحب فعلا؟ وهل يترك التمثيل اثره حتى بعد نهاية العمل؟ - الشخصية التي اجسدها هي التي تُحب وليس نور، وعموما أنا بطبعي احب السيدة المثقفة جدا، وقد يتطلب الدور ان احب امرأة جاهلة ولكن ما عليّ كممثل إلا أن امثل الدور. عيون الخصخصة لماذا هاجمت الخصخصة في السينما؟ - انني أعشق السينما بجنون واخشى عليها من الانهيار، ومع احترامي الشديد للنظام العالمي الجديد وللبنك الدولي، الذي يقرضنا، فإن السينما والمسرح والكتاب هي أجنحة الثقافة الحقيقية حتى لو كان الفيلم او المسرحية دون المستوى، لأنها انعكاس لدرجة الذوق عند الجمهور وتعكس من ثقافته، وهذا ليس فيه مناقشة. والتلفزيون خارج الثقافة ليس لانه وسيلة إعلام حكومية ولكن لانه وسيلة تربوية. فالرقابة تمنع مرور اي عمل فيه يتعارض مع اخلاق وتقاليد الاسرة، وعندما تأتي الدعوة للخصخصة لتباع الاستوديوهات او تستأجر فالأمر يصبح مرفوضاً، ونحن منذ فترة لا نعمل في الاستوديوهات لارتفاع التكلفة ونحارب لكي تخفض اسعار ايجارها، ونحن في حاجة لاستوديوهات ومعامل للصوت والمونتاج ولدور عرض اكبر مما هو متاح حاليا بكثير... دور عرض تتبع الحكومة او القطاع العام سابقا، ولو اصبحت في حوزة القطاع الخاص سيتركز اهتمامه بالحصول على اكبر مكسب وفي هذه الحال فان الفيلم الاميركي هو الذي سيكسب اكثر. وانا اعترض على الخصخصة بما شاهدته بنفسي في تجربة اليابان، الدولة التي فيها مؤسسات اقتصادية ضخمة تتبرع لصناع السينما فيها. المشكلة ليست في عمل فيلم... ستجدين مليون جهة تمولك، وهو نوع من "البرستيج" لاي شركة صناعية ضخمة أنها مولت فيلماً ما. مشكلة المبدعين في اليابان انهم لا يعرفون متى يعرضون افلامهم في ميعاد ملائم، اصحاب السينما في اليابان قطاع خاص، دور العرض قطاع خاص، وجدوا ان الفيلم الاميركي يكسبهم اكثر فاتجهوا إليه وتركوا الياباني، ثم ان رفع لواء الخصخصة بشكل كبير سيقود في النهاية لانتاج افلام للتسلية فقط. سنعود لافلام زمان... الولد الغني يحب البنت الفقيرة او العكس. والراقصة وراءها اربعون راقصة وهكذا، ولن تكون هناك معالجة لمشاكل الواقع، معظم الافلام القديمة وانا من عشاقها لا تعالج المشاكل المهمة في المجتمع، فقط هناك عدد محدود من المخرجين، "صلاح ابو سيف - يوسف شاهين - كمال سليم - كمال الشيخ - بركات" وافلام نرمان تنجح الان لانها مرتبطة بذكريات، ونستطيع ان نعرف من خلالها كيف كان شكل الحياة وقتها، ما نراه من الافلام القديمة هو عدد محدود من كمّ رهيب. نحن نرى 120 فيلماً من اصل 1200 فيلم قديم يعني بنسبة 10 في المئة، الباقي لا يُعرض لانه لا يصلح للعرض. ما يعجب الناس هي افلام ليلى مراد وانور وجدي وعبدالوهاب وام كلثوم وبعض افلام فاتن حمامة. انا ضد الخصخصة لان السينما جزء من الثقافة والدولة لازم تدعمها ولسنا اغنى من فرنسا التي رفضت رفع الدعم عن السينما والتلفزيون. هل هناك جمعية لحماية السينما؟ - لا، لا توجد. هناك غرفة صناعة السينما تحاول بقدر الامكان، ولكن في النهاية هي تنظيم حكومي وتابعة لوزارة الصناعة فهي من الجانب الانتاجي تتبع وزارة الصناعة اي الانتاج يتبع وزارة الصناعة، والابداع يتبع وزارة الثقافة فقط لا غير، العودة مرة اخرى لنظام الرأسمالية بشكل كبير سيعيد الافلام الهندية والاميركية. مرة اخرى لو لم تكن هناك حماية للسينما، الاجيال الجديدة من خريجي معهد السينما لن يجدوا فرصتهم وسيكون مصيرهم الإحباط والهجرة. ماذا عن السفر في حياتك؟ - إنه اجمل شيء في الدنيا، وهو هواية بالنسبة إلي، وتجديد في كل شيء حتى في دمي فأنا عندما اسافر لبلاد جديدة أتعرف على حضارة مختلفة من ناس وفكر وأكل، والسفر رصيد كبير للفنان والفرق بين فنان وآخر يتعلق بمدى خبرته وعلمه الحقيقي في الحياة... السفر يمنحني قدرة اكبر على التعبير... لندن بالنسبة إلي مسرح وسينما، وباريس تسوق ومشتريات من كتب الى مختلف البضائع، والنمسا موسيقى وطبيعة، والمغرب لها عندي عبق خاص لطبيعة الشعب ومذاق الاكل الممتع. أما لبنان فهو قصة لوحدها، انا أعشقها واجدها شهوة الحياة، فأنت في لبنان تعيش الحياة بكامل عنفوانها لا يوجد وسط هناك. نور الشريف، ما رأيك في التطبيع؟ - الشعب المصري واجهة الامة العربية وهو يعكس آمالها وطموحاتها، والتطبيع لن يتم بقرار، من الصعب حدوث تطبيع في داخل نبض الجيل بسرعة... طبعا اسرائيل حاولت التطبيع، وظنت انه من خلال المواطن الفقير تستطيع ان تنفذ بالمغريات فأغرقت السوق بالبيض والموز بأسعار زهيدة للغاية، ولكن الفقراء عندما عرفوا انها بضاعة اسرائيلية رفضوها تماما مع ان الفقر لا يعرف جنسية، ولكن الانسان المصري اتخذ هذا القرار عن قناعة وليس عن عنصرية. فإسرائيل لا تريد حلاً سلمياً شاملاً مع الدول العربية وما يحدث في لبنان من احداث وانتهاكات والحصار على الشعب الفلسطيني بقصد تجويعه وضرب اقتصاده اكبر دليل على ان اسرائيل لا تريد السلام. في المستقبل الذي آمل ان يكون قريبا اذا تحقق سلام متكافئ شامل لكل الاطراف، سلام ترتضي به كل الاطراف، قد يكون هناك تطبيع. لكن التطبيع يحتاج الى ثلاثة اجيال لو اعتبرنا ان السلام سيتحقق قريبا، وذلك حتى ننسى الحروب وويلاتها. والفنان نور الشريف متى سيزور فلسطين واقصد اراضي السلطة الوطنية الفلسطينية؟ - مستحيل ان اذهب الى هناك إلا "بفيزا" من السفارة الفلسطينية.