إنقطع محمّد الماغوط طويلاً عن الكتابة للمسرح، كما كاد ينقطع عن الشعر والكتابة بشكل عام... حتّى خاف قرّاؤه وهم كثر في العالم العربي من أن يبتلعه اليأس، ورأى بعضهم في صمته واحباطه وتواريه علامة أكيدة على زمن الانهيارات الذي نعيش. لكن النبأ الذي تناهى إلينا من أوساط الشاعر في دمشق، هو أن صاحب "المارسييز العربي" فرغ لتوّه من وضع نصّ مسرحي جديد يعمل عليه منذ ثلاثة أعوام. الماغوط يعود من جديد إذاً للوقوف تحت الأضواء. بعد "فسخ الشراكة" بينه وبين النجم الكوميدي الشعبي دريد لحّام، كان لا بدّ للكاتب من أن يغيّر القالب والتوجّه، وأن يبحث عن معادلة مختلفة غير تلك التي عرفت الرواج والاقبال مع "كاسك يا وطن" وغيرها. لذا تراه عهد بمسرحيّته الجديدة "خارج السرب" إلى مخرج وممثّل من الجيل الجديد. هذا المخرج هو جهاد سعد الذي يشرف حالياً على "المسرح القومي" في سورية، وقد برز عربياً في الفترة الأخيرة من خلال عرضه "كاليغولا" المأخوذ عن ألبير كامو. وربّما أمكن أن نقرأ في هذه الشراكة الجديدة، ملامح عودة إلى المسرح الطليعي الذي كان صاحب "المهرّج" من رموزه في بيروت السبعينات. ومع أن الماغوط حذر ومتكتّم حول مشروعه الجديد - يخاف التأويل، أو المسخ أو السرقة ربّما - فقد علمت "الوسط" أن نصّ "خارج السرب" يتناول وضع المسرح العربي، والوضع العربي عموماً بكلّ تناقضاته الراهنة. ويطرح تساؤلات عدّة: ماذا يستطيع المسرح العربي أن يقول؟ إلى من يتوجّه؟ ماذا يرى الواقف خارج السرب؟ وما هي العوائق التي يواجهها إذا حاول المشاركة في الأحداث؟... وأوضح جهاد سعد للزميلة بارعة ياغي أن "المسرحيّة تتداخل فيها الأحداث على مستويات عدّة، بين الخشبة والواقع". فالفنّان الذي طالما سكنته رغبة في العمل مع الماغوط، وجد في هذا النصّ فرصة مؤاتية، وتقنيّة جديدة، ومادة خصبة "يمكن أن تدفع إلى اضافات اخراجيّة وفنيّة". عمل سعد شهوراً مع الشاعر للاحاطة برؤيته وتطلّعاته وأبعاد عمله الجديد. ويتمّ حاليّاً اختيار الممثلين الذين يُتوقّع أن يقارب عددهم العشرين، وبعضهم من أعضاء "المسرح القومي". وتبدأ التمارين قريباً، "لأنّنا - يقول جهاد سعد - بأشدّ الشوق إلى بزوغ مسرح عربي جديد، يعيد الصلة بأيّام العزّ الماضية"...