تعددت في الايام الاخيرة، مظاهر الخلاف داخل مؤسسة الأزهر الشريف، على نحو ينبئ باشتباكات فقهية وادارية ساخنة. وقد واكبت ذلك بوادر مماثلة خارج الازهر شاركت فيها هيئات ومؤسسات وشخصيات ذات صلة، الأمر الذي دفع مراقبين إلى التساؤل عما اذا كان الازهر بإمامة الشيخ محمد سيد طنطاوي مرشحاً لنهوض جديد يتواصل مع اجتهاداته الفقهية التي اشتهر بها أثناء توليه منصب مفتي الديار المصرية من ناحية، ومع ما تم في عهد امامة الشيخ محمود شلتوت 1958 - 1963 من ناحية اخرى، حين صدر قانون تطوير الأزهر الذي تم بمقتضاه الغاء هيئات وتنظيمات وقيام أخرى جديدة. والحاصل ان الازهر الشريف، كان له على مر تاريخه دور مهم بارز في التعاطي مع القضايا والمشكلات التي تواجه المجتمع المصري في كل جوانب الحياة. كما ان قمة مؤسسة الازهر ممثلة في شيخ الجامع الازهر، كانت على مر تاريخه صاحبة الدور الحاسم في تحديد توجهاته، نظراً إلى ما يتمتع به من مكانة دينية مرموقة من جهة ومن حصانة تحول دون عزله طالما ظل على قيد الحياة من جهة أخرى. وليس خافيا ان الطريق امام الشيخ طنطاوي غير مفروش بحماس بعض رجال المؤسسة التي اصبح طنطاوي في موقع شيخها السابق جاد الحق علي جاد الحق الذي اختلف معه والتي ساهمت هي نفسها في هذا الخلاف. ومن تجليات ذلك ما حدث في الاسابيع الماضية، حيث لم يكتم بعض الرموز من الذين عملوا مع الشيخ جاد الحق خصوصاً في مجمع البحوث الاسلامية مخاوفهم من احتمال ترشيح الشيخ طنطاوي لمشيخة الازهر. وقد عبر عن ذلك بوضوح الشيخ عبدالعظيم الحملي عضو لجنة الفتوى في الازهر حين قال: "لا يستطيع احد ان يرشح أحدا، لأن الشيخ جاد الحق لم يمض على وفاته سوى أيام قليلة. فكيف تقول ان المفتي الشيخ طنطاوي مرشح او غيره. على اي حال نحن متأكدون ان رئيس الجمهورية سيأتي للأزهر برجل صالح مناسب". لكن عدم الحماس تصاعد الى اعتراض واضح من جانب بعضهم، عندما اقام المحامي عبدالحليم رمضان من ابرز المحامين عن المتهمين في قضايا جماعات العنف والتطرف دعوى قضائية طعن فيها - بنحو غير مسبوق - بقرار رئيس الجمهورية تعيين الشيخ طنطاوي إماما للأزهر. وطالب المحامي بالعودة الى انتخابات شيخ الازهر من قبل علماء الازهر. وفي أول ظهور للشيخ سيد طنطاوي بعد تعيينه داخل مؤسسة الازهر، لمناسة فتح الجامع الازهر كمدرسة مسائية لنشر الثقافة الاسلامية على شكل مركز مفتوح للدراسات الحرة، وهو اخر قرار كان اتخذه شيخ الازهر الراحل، لاحظ الحاضرون غياب بعض الرموز الازهرية. ولم يلبث عدم الحماس من جانب بعض رجال المؤسسة او الاعتراض من بعض ذوي الصلة خارج المؤسسة، ان تصاعد الى درجة "الاشتباك" غير المباشر. فقد اصدرت "جمعية جبهة علماء الازهر" بياناً بعنوان "تبرئة وبيان"، ردت فيه على ما قاله شيخ الازهر الجديد - من دون تسميته - وقالت "إن مغتصبي فلسطين لا يعرفون التفرقة بين مدني ومحارب، وأنهم جميعا اهل حرب"، وتساءل البيان "عن كيفية مساواة من يموت دون حقه وبين من يُقدم على الموت يائسا من رحمة الله المنتحر". ومن ناحية اخرى اعلن الدكتور يوسف القرضاوي من مقر عمله في جامعة قطر رأيا في الاتجاه نفسه رأي "جبهة علماء الازهر"، كما عبّر كتّاب اسلاميون آخرون، عن رأي مشابه. وكان القرضاوي اصدر كتاباً يهاجم اجتهادات الشيخ طنطاوي عن الفوائد التي تمنحها البنوك . وجاء ذلك في اعقاب اجابة للشيخ طنطاوي عن سؤال حول الرأي الشرعي في العمليات الانتحارية في فلسطين التي تستهدف الاطفال والنساء حسب صياغة السؤال، فأجاب أن "هناك فرقاً، فإذا كان الانسان في ساحة حرب وضحى بحياته ليقتل الاعداء فإنه شهيد، ولكن من يقوم بقتل الابرياء من الاطفال والنساء فتلك مسألة بينه وبين الله. ولا استطيع ان اقول إنهما متساويان". والظاهر حتى الآن ان الشيخ طنطاوي بدأ بعض التغييرات في صورة الازهر، وهيكلته، وهي تغييرات تهدف إلى دفع شعبية الازهر وسط المواطنين. وتمثل ذلك في زيارة بعض المحافظات، وفي الذهاب بصحبة وزير الاوقاف لتوديع الحجاج المصريين. وعلى صعيد الوضع الداخلي للأزهر، كان اول قرار اعتمده الشيخ - بناء على مذكرة من رئيس جامعة الازهر- وقف قرار سابق بالتحاق خريجي الجامعات من غير الازهريين مع طلاب الازهر في الدراسة المنتظمة. وينتظر بعض علماء الازهر بلهفة ما سيفعله الشيخ طنطاوي في ثلاث قضايا، إثنتان منها كانت جاهزة بانتظار توقيع شيخ الازهر الراحل، وهما إلغاء بعض الحضانات الازهرية التي تقوم بتدريس اللغات، وتنظيم الدعوة والزكاة في الجمعيات الخيرية وانشطتها. اما الثالثة فهي التصرف في شأن ما استحدثه شيخ الازهر السابق، من انشاء لجان للفتوى في المحافظات تتشكل الواحدة منها من ثلاثة علماء من الازهر والاوقاف وقدامى الوعاظ. وعلى الجانب الآخر، رحب عدد من الكتّاب بقرار رئيس الجمهورية تعيين الشيخ طنطاوي إماما للأزهر باعتباره "شيخاً مستنيراً". وتوقعوا أن يشهد الازهر في عهده "انحيازاً صريحاً للدولة المدنية، وأن يقف مدافعا عن الديموقراطية وحقوق الانسان وحرية التفكير والابداع والبحث العلمي". كما طالبوا ب "طرح لقب الإمام الأكبر، وإعادة النظر في مناهج الازهر ووقف عمليات مصادرة الكتب". ويرى المراقبون ان التوافق بين آراء شيخ الازهر وكل من وزير الأوقاف ورئيس جامعة الأزهر، قد يساعد الشيخ طنطاوي في تخطي كثير من العقبات.