أثارت بولينيزيا الفرنسية اهتماماً دولياً كبيراً منذ ان استأنفت فرنسا اجراء تجاربها النووية في المنطقة. اذ ان محطات الاذاعة والتلفزيون في مختلف ارجاء العالم بثت أخبار المظاهرات العنيفة التي شهدتها جزيرة تاهيتي التي يعتبرها الكثيرون في الغرب جنّة على الأرض. كانت أول بعثة أوروبية الى بولينيزيا التي تتألف من أكثر من 130 جزيرة بقيادة الاسباني ألفارو دي ماندانا الذي أبحر من بيرو عام 1567 الى تلك المنطقة ولكنه أخفق في اكتشاف أي جزيرة من تلك الجزر. لكنه حقق بعض النجاح في رحلته الثانية التي قام بها بعد 28 عاماً حين اكتشف أرخبيل ماركيساس الذي يبعد حوالى 1250 كيلومتراً الى الشمال الشرقي من تاهيتي. وأثناء هذه الزيارة تعرّف أهالي الجزر لأول مرة في تاريخهم على الرجل الأبيض والأسلحة النارية. فقد عاث الاسبان فساداً وخلفوا وراءهم تركة مريرة في تلك الجزر حين قتلوا أكثر من مئتين من السكان ونشروا بينهم الأمراض الجنسية. أما جزيرة تاهيتي نفسها فلم يكتشفها الأوروبيون الا عام 1767 حين زارها القبطان الانكليزي صموئيل والاس. وبعد ذلك بعامين وصلت سفينتان فرنسيتان الى الجزيرة. وفي العام نفسه قام القبطان الرحالة الانكليزي جيمس كوك بأولى زياراته الثلاث الى تاهيتي. وبحلول العام 1842 أصبحت الجزيرة على مضض محمّية فرنسية وبدأت الكاثوليكية تنتشر فيها على رغم احتجاجات المبشّر البروتستانتي جورج بريتشارد الذي كانت أوفدته "جمعية لندن التبشيرية". وشجع الملكة بوماري قاهين التي اعتنقت المذهب البروتستانتي على ان تصبح الجزيرة محمية بريطانية، ولكنها أذعنت فيما بعد للتهديدات الفرنسية ووقعت معاهدة حماية مع فرنسا العام 1885. وكانت تلك المعاهدة بداية لفرض الحماية الفرنسية على جميع جزر بولينيزيا. ومن بين المستوطنين الكثيرين الذين أغرتهم تاهيتي الرسام الشهير بول غوغان. اذ كتب قبل ان يغادر فرنسا بخمسة أسابيع عام 1891: "انني مرتحل الى تاهيتي في المحيط الهادئ لأنها جزيرة يمكنك ان تعيش فيها من دون ان تشعر بأي قلق نتيجة عدم توفر نقود لديك…" ولكن سرعان ما خاب أمل غوغان لأن الأسعار بدأت في الارتفاع في الجزيرة كما ان المستعمرين تركوا فيها بصماتهم السلبية. وأحسّ غوغان بامتعاض شديد مما رأى وشاهد هناك، ودفعه غضبه من تدمير الثقافة والفنون المحلية الى الارتحال من تاهيتي الى الماركيساس حيث بقي هناك حتى وفاته. أما اليوم فقد أصبحت بولينيزيا الفرنسية من أغلى الأماكن على وجه الأرض بسبب الضرائب الباهظة جداً التي تفرضها السلطات على جميع أنواع الواردات. فالذين يستعمرون تاهيتي والجزر المجاورة لها هذه الأيام هم أصحاب الفنادق العالمية. واذا ما زرت الجزيرة وقرّرت الاقامة في أي فندق من فنادقها فانك ستحرم نفسك من كل مظاهر الثقافة والفنون المحلية لأن تلك الفنادق لا تقدم ربما سوى وجبة محلية واحدة. أما الرقص "الشعبي" الذي تشاهده في تلك الفنادق فهو بعيد كل البعد عن الرقص الشعبي الحقيقي في البلاد. وحين تزور تلك الجزر ننصحك بعدم المكوث طويلاً في تاهيتي نفسها. فمن الأفضل ان تنطلق منها الى الجزر العديدة الجميلة الأخرى. وأرقى الفنادق هي "بيتش كومبار بارك رويال" و"حياة ريجنسي" وميغا بيتش". وأرخص الأسعار في هذه الفنادق هي 280 دولاراً للغرفة المزدوجة. وفي الجزيرة أيضاً متحف غوغان الذي لا يضم مع الأسف أي لوحة من لوحات الفنان مع انه يحمل اسمه. ومهما كان الهدف من زيارتك فيجب ان لا تغفل زيارة "بورا بورا" التي تبعد مسافة خمسين دقيقة بالطائرة. وهناك يمكنك مشاهدة واحدة من اجمل البحيرات في العالم. ولعل أفضل طريقة للتجول فيها هي استئجار زورق صغير لمشاهدة أسماك القرش ثم النزول الى الشواطئ والصخور المرجانية التي تفصل البحيرة عن المحيط الهادئ. وخير مكان لاقامتك هو فندق "بورا بورا" حيث يمكنك استئجار منزل صغير أو فيلا بمبلغ سبعمئة دولار في الليلة. ومع ان هناك شركات عديدة تنظم رحلات سياحية الى بولينيزيا الفرنسية فان من الأفضل ان ترتب رحلتك بنفسك: اذ ان الخطوط الجوية النيوزيلاندية تقوم برحلات منتظمة الى بابيت عاصمة تاهيتي عن طريق لوس انجليس. ويمكنك الاتصال بوكيل السفر والسياحة المحلي الذي سيتخذ جميع الاجراءات والترتيبات اللازمة مسبقاً: من حجز الفندق الى رحلات الطيران المحلية والرحلات السياحية الداخلية، ونظراً للعدد الكبير من الجزر فان الخطوط الجوية التاهيتية أعدت مجموعة مختلفة من الرحلات السياحية لملاءمة الحاجات والأذواق المختلفة. وفي وسعك مثلاً الحصول على تذكرة تشتمل على اقامة مدتها 28 يوماً تزور خلالها أماكن عديدة وفي مقدمتها جزر موريا، وهوهاين وراتيا وبورا بورا. اما اذا كنت تفضل التنقل بالبحر بدلاً من الجو ففي وسعك استئجار زورق من شركة "ايه. تي. إم ستارداست" البحرية. ويمكنك بهذه الطريقة زيارة معظم الجزر خلال أسبوعين. ولا تغفل أيضاً زيارة تيتارو التي اشتراها الممثل العالمي المشهور مارلون براندو عام 1966. وهي جزيرة طويلة تشكلت من الرواسب المرجانية المتعاقبة وتشتمل على ثلاث عشرة جزيرة صغيرة غير مأهولة. وقد كانت هذه الجزيرة في الماضي مقراً لملوك لكنها أصبحت اليوم منتجعاً سياحياً يضم 14 فيلاً ومطعماً وحانة.