على رغم أن الحكم الذي أصدرته المحكمة الدستورية العليا في مصر الأسبوع الماضي بعدم دستورية قانون انتخابات المجالس المحلية البلديات التي أجريت العام 1992 يعد أحد شواهد الممارسة الديموقراطية القائمة، خصوصا مع مسارعة الحكومة الالتزام بايقاف العمل في هذه المجالس، فإن أحزاب المعارضة اعتبرت صدور الحكم في حد ذاته أحد الدلائل على موضوعية دعوتها الى اصلاح النظام الانتخابي. ورأى مراقبون ان صدور الحكم مناسبة لتجاوز موضوع الدستورية أو الجانب القانوني، مع التسليم بأهميته، ليتحول قضية سياسية من الدرجة الأولى، قد يفضي عدم معالجتها إلى تداعيات سلبية لا تحقق الاستقرار الذي تشدد القيادة السياسية على أهمية توفيره، وتوليه اهتماما كبيرا سواء في حسابات سياساتها الداخلية او علاقاتها الدولية. ويشدد على جدارة اعطاء الاعتبار للجانب السياسي للقضية، أن الظروف الدقيقة التي تمر بها البلاد، توجب ضرورة تغليب منظور المصلحة القومية العامة. وذلك بطرح موضوع النظام الانتخابي في إطار أوسع وأعمق لتصحيح الممارسة الديموقراطية ضمن توافق او تفاهم قومي عام. وربما كان مفيدا في هذا الاتجاه أن تتسع وتتعدد المشاورات التي كان بدأها رئيس الحكومة المصرية الجديدة مع رؤساء الأحزاب ورؤوساء تحرير الصحف، لبلورة تفاهم قومي حول هذه القضية بالذات التي تجددت ضمن أجواء من التوتر والقلق في العلاقات بين الحزب الوطني الحاكم وأحزاب المعارضة وبعض النقابات المهنية. ليس سرا - مثلا - أن الازمة بين الحكومة والصحافيين التي تفجرت في اثر صدور القانون الرقم 93 الصادر في نيسان ابريل 1995، القاضي بتشديد العقوبات في جرائم النشر، تفاعلت على نحو متصاعد الأسابيع الأخيرة، ففضلا عن إحالة ثلاثة من رؤساء تحرير صحف معارضة الى المحكمة الاسبوع الماضي بتهمة القذف والسب في حق وزير الاوقاف السابق، صدرت أحكام بالحبس على رئيسي تحرير صحيفتين معارضتين الأهالي والشعب ورئيسي تحرير صحيفتين تصدران عن مؤسسات قومية روزاليوسف والسياسي المصري. ويشار الى وجود قضايا نشر أخرى ما زالت أمام المحاكم. وليس سرا أيضا أن أزمة نقابة المحامين التي يسيطر الاخوان المسلمون على مجلسها تشهد ايضا تفاعلات معقدة تصاعدت في أعقاب صدور حكم قضائي بفرض الحراسة على النقابة وتعيين ثلاثة محامين لادارتها. وفي حين يجري الاعداد لاصدار قانون جديد لانتخاب النقابة الجديدة، يتحرك التيار الاسلامي لحل المجلس الحالي، بينما يتحرك محامون ينتمون الى تيارات سياسية مختلفة لتشكيل اتجاه ثالث ينادي بالابتعاد عن التصارع والعبث بمصالح المحامين. وفي الوقت نفسه يسعى اتجاه رابع الى تحريك الدعوى الجنائية ضد اعضاء المجلس من الاخوان في مخالفات مالية أضرت بمصالح المحامين. جروح انتخابات 1995 وليس سرا كذلك، أن جروح أحزاب المعارضة وخاصة العمل والناصري والاخوان لا تزال مفتوحة منذ نتائج انتخابات مجلس الشعب الاخيرة. ولهذا فهي تواصل جهودها لحشد صفوف أعضائها وأنصارها سعيا وراء هدفها الذي اعلنته إسقاط مجلس الشعب. واذا كان حزبا الوفد والتجمع أعلنا تمسكهما بالشرعية ولا يبديان حماسة للجري وراء ذلك الهدف، فهما لم يمتنعا عن المشاركة في جهود التعبئة لاصلاح النظام الانتخابي. ويشار إلى حرص رئيس الحكومة الجديدة على تضميد جروح نتائج الانتخابات، من خلال التقليد الجديد الذي أقدم عليه بعقد اجتماع مع رؤساء أحزاب المعارضة والاستماع الى وجهات نظرهم. والجدير بالذكر أنه على رغم الابتهاج الذي استقبلت به أحزاب المعارضة الحكم بعدم دستورية قانون انتخابات المجالس المحلية، فسرعان ما دبت الحيرة في نفوس غالبية المعارضين لأنهم بحاجة الى وقت للاستعداد لانتخابات المجالس المحلية القادمة. وباتوا يدركون ايضا أنه اذا كانت معركة انتخابات مجلس الشعب قد انهكتهم نهاية 1995، فإن المعركة الانتخابية القادمة ستحتاج الى جهد ضخم لا يتوافر لها حاليا. والحاصل أن هذا الموقف من ناحية احزاب المعارضة، ينسحب ايضا على الحزب الوطني الحاكم الذي أعلن أنه يقوم حاليا بإعداد قانون جديد لانتخابات المجالس المحلية، ورجح أن تتم بالنظام الفردي. ويخشى بعض المراقبين أن يعني الأخذ بنظام الانتخاب الفردي في المجالس المحلية التي تبلغ نحو الفي مجلس اكثر من ألف مجلس قروي ومئات من المجالس في المراكز والمدن فضلا عن 26 مجلساً على مستوى المحافظات، اتساع المعارك الانتخابية على نحو يخشى معه أن تتولد أعمال عنف. المستقلون والنفوذ القبلي ويعزو هؤلاء المراقبون مخاوفهم الى أن التمثيل في المجالس المحلية عبر الانتخابات، يحظى باهتمام كبير من كل الاحزاب السياسية. ليس فقط من زاوية أن أحزاب المعارضة تسعى الى تصحيح تمثيلها النيابي بتعظيمه من خلال المحليات، وإنما ايضا من زاوية أن المحليات هي مصدر للنفوذ والسلطة في الاقاليم من ناحية.. ودعم الوجود الحزبي من الناحية الأخرى في المناطق التي تتميز بالعلاقات مع النفوذ العائلي والقبلي. فضلا عما تعنيه انتخابات المحليات من توسيع قاعدة نخب التأثير في الحكم. أما السبب الثاني لمخاوف المراقبين فيتمثل في ان الانتخابات الاخيرة لمجلس الشعب بالنظام الفردي اثبتت انها تؤدي عمليا الى تعزيز المركز الشخصي للمرشحين سواء كانوا حزبيين او مستقلين. الأمر الذي قد يؤدي الى صعوبات غير متوقعة لأن اداء الاحزاب يتم وفق قواعد ما يسمى "اللعبة الديموقراطية". فهي كانت تضبط أداء أعضائها في حدود نظام القائمة الحزبية، من دون عشوائية غير محسوبة، أو مفاجآت، أو حتى انفجارات غير منضبطة. أما أداء الافراد فغالبا ما لا يتأثر بحسابات من هذا النوع. ومعروف أن أداء الافراد غير المرشحين على قوائم حزبية في انتخابات مجلس الشعب الاخيرة، كان اكثر مصادر الازعاج والقلق سواء للحزب الوطني أو أحزاب المعارضة. وليس سرا أن عضوية الاحزاب تعرضت للتآكل في انتخابات النظام الفردي بسبب نزوح أعضاء وجدوا في أن ترشيحهم كمستقلين يتيح لهم الفوز في الانتخابات بعيدا عن التعقيدات الحزبية. علما بأن الاحزاب تعاني منذ وقت ظاهرة انحسار أو خلخلة عضويتها.