لم يكن الانفجار الذي هز منطقة شرق لندن الجمعة قبل الماضي، حيث أعلى مباني أوروبا كناري وارف، وليد ساعته، بل كان مدروساً ومخططاً له منذ أشهر. وكان جيري آدمز زعيم حزب شين فين الجناح السياسي للجيش الجمهوري الايرلندي اتصل قبل نحو ثلاث ساعات من وقوع الانفجار بمستشار الرئيس الاميركي لشؤون الأمن القومي انتوني ليك ليبلغه بأن وقف النار الذي التزمه الجيش الجمهوري الايرلندي على مدى ال 18 شهراً الماضية أوشك على الانتهاء، وان على واشنطن ان تتوقع انباء مزعجة. ولم يمض آدمز أبعد من ذلك ليقول ان شاحنة مفخخة بحوالى نصف طن من المتفجرات على وشك ان تنفجر. وتقول مصادر ايرلندية مطلعة ان قرار العودة الى العنف وعمليات التفجير اتخذ قبل شهر على الأقل، خصوصاً بعدما تمسكت حكومة رئيس وزراء بريطانيا جون ميجور بمطالبها الداعية الى تسليم الجيش الجمهوري الايرلندي لأسلحته قبل السماح له بالمشاركة في مفاوضات مع بقية احزاب ايرلندا الشمالية لتحديد مستقبل المقاطعة التابعة حالياً للتاج البريطاني. وقالت المصادر ل "الوسط" ان المجلس العسكري للجيش الجمهوري الايرلندي المؤلف من سبعة اعضاء يجتمعون عادة مرة كل شهر، وانهم لم يكونوا مرتاحين الى المفاوضات التي كانت تدور بين الحكومة البريطانية وممثلي "شين فين" الذي يعرض وجهة نظرهم من عملية السلام وشروطهم. وتقول مصادر اخرى ان قرار العودة الى العمل العسكري ربما اتخذ قبل ذلك بكثير، اي قبل ان يعلن السناتور السابق جورج ميتشيل رئيس اللجنة الدولية التي كلفت نزع الاسلحة في ايرلندا الشمالية التقرير الذي اعده في هذا الشأن، وقبل ان يكشف ميجور عن نيته الدعوة الى اجراء انتخابات في ايرلندا الشمالية لاختيار هيئة لرعاية المفاوضات. وأضافت: ان ثلاثة من أعضاء المجلس العسكري للجيش الجمهوري كانوا يلحون دائماً على العودة الى العنف، الا ان الأربعة الاخرين كانوا يعارضون حتى وقت غير بعيد. ولا يعرف بالضبط متى أحيط زعيم "شين فين" بقرار المجلس العسكري، رغم ان جهاز المخابرات البريطانية أم. آي. 5 حذر الحكومة البريطانية قبل نحو شهر، من انه لا يستبعد ان يعيد الجيش الجمهوري الايرلندي النظر في قراره وقف العمليات العسكرية على الأرض البريطانية، ومع ان التحذير الأمني لم يحدد متى وأين وكيف سيتم ذلك، الا ان المسؤولين في الحكومة لم يتوقفوا عند التحذير، بل انصرفوا الى متابعة المفاوضات السياسية والاتصالات الجارية بين لندن وبلفاست ودبلن وواشنطن لدفع مسيرة السلام. وذكر متابعون لشؤون الجيش الجمهوري الايرلندي ان مراكز التأثير داخل هذا التنظيم السري تتركز في مدينتي بلفاست ودبلن وفي مقاطعتي أرما وشرق تورون. وأشاروا الى شخصيات في "شين فين" تلعب دوراً نشطاً في السر والعلن، منها بيرارد كيلي وهو صاحب سجل قديم في أعمال التفجير واعترف بعضويته في الجيش الجمهوري، وكان عضواً مشاركاً في وفد "شين فين" الذي تفاوض مع الحكومة البريطانية في الاشهر الماضية، ويعتبره بعضهم همزة الوصل بين التنظيم والجيش الجمهوري الايرلندي المحظور. وأياً كانت الخلفيات، فان ردود الفعل التي أعقبت انفجار شرق لندن أظهرت حرص كل من لندن ودبلن وواشنطن وحتى "شين فين" نفسه على استمرار عملية السلام. واذا كانت ردود الفعل ركزت على عدم افساح المجال لأصحاب تيار العنف لأن يحققوا النتائج التي يتوخونها من عملياتهم، فان "شين فين" ورئيسه جيري آدامز الذي نفى علمه بقرار تفجير قنبلة شرق لندن ورفض ادانته، أصرا على تحميل الحكومة البريطانية مسؤولية تضييع "الفرصة الذهبية" التي لاحت للمعنيين طوال 17 شهراً هي فترة وقف النار. ومع ان آدامز لم ينس ابداء اسفه لسقوط ضحايا، الا ان هذا التعاطف لم يكن كافياً لمنع ميجور وجون بروتون رئيس وزراء الجمهورية الايرلندية من القول ان اي اتصالات مع "شين فين" والجيش الجمهوري الايرلندي لن تتم قبل ان ينبذ الاخيران العنف.