لم تحظ حكومة أردنية بدعم من الملك حسين كما حظيت الحكومة الأخيرة، اذ فتح الملك أمامها "اوتوستراداً" قبل أن يكلف الكباريتي تشكيل حكومة جديدة ويضع على عاتقها انجاز مهمات صعبة. فقد استبق العاهل الأردني اختياره للرئيس الجديد بتغيير جذري في الديوان الملكي، إذ أعفى السيد مروان القاسم رئيس الديوان الملكي وثلاثة مستشارين محمد رسول الكيلاني ونيال حكمت وطارق علاء الدين وعين السيد عون الخصاونة مستشاره القانوني رئيساً للديوان الملكي، وهو صديق للكباريتي وزميله على مقاعد الدراسة. كما عين الملك مدير المخابرات السيد مصطفى القيسي مستشاراً له لشؤون الأمن القومي واللواء سميح البطيخي مديراً للمخابرات وهو من أقرب أصدقاء الكباريتي أيضاً. وعلى صعيد السلطة التشريعية فإن رئيس مجلس النواب المهندس سعد هايل السرور هو أيضاً من الأصدقاء المقربين للكباريتي ولعب الدور الأبرز في انتخابه رئيساً للمجلس. اما رئيس مجلس الأعيان السيد أحمد اللوزي فهو صهر الكباريتي، وبذلك يكون رئيس الوزراء الجديد ضمن اريحية التعامل سواء داخل السلطة التنفيذية الحكومة وأجهزتها أم مع السلطة التشريعية بمجلسيها النواب والأعيان. وفوق هذا وذاك دخل الحكومة 22 نائباً يمثلون جميع الاتجاهات داخل المجلس 80 عضواً ما عدا كتلة حزب جبهة العمل الاسلامي التي اعتذرت عن المشاركة في الحكومة. وعلى العموم فإن تشكيل الحكومة الأردنية الجديدة برئاسة الكباريتي اعتبر حدثاً غير عادي قياساً الى تشكيل الحكومات الأردنية، على الأقل خلال العقود الثلاثة الأخيرة. فرئيس الحكومة الذي شغل منصب وزير الخارجية في حكومة الشريف زيد بن شاكر الأخيرة جاء اختياره مفاجأة للكثيرين على رغم تردد اسمه خلال السنة الأخيرة لشغل هذا الموقع. فالكباريتي 47 عاماً شخصية غير تقليدية دخل ميدان السياسة عام 1989 عندما انتخب نائباً عن محافظة معان هو من مدينة العقبة التي كانت آنذاك تابعة لمعان ثم أعيد انتخابه في مجلس النواب الحالي عام 1993. وتقلد منذ العام 1989 وزارات السياحة والآثار مرتين والعمل ثم الخارجية على التوالي. غير أن الكباريتي أظهر اهتماماً بالسياسة منذ دراسته الجامعية الجامعة الاميركية في بيروت إذ اختطفته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في بيروت وتدخلت السلطات اللبنانية فافرجت عنه. ويومها استقبله الملك حسين لدى عودته من بيروت. حكومة الكباريتي الجديدة رافقت الاعلان عن تشكيلها أربعة مصطلحات: ثورة بيضاء، التغيير، الشباب، الحكومة البرلمانية. فالعاهل الأردني في كتاب تكليفه الكباريتي طلب من الحكومة أن "تتوجه بكل طاقاتها وامكاناتها للتغيير الشامل الكامل في أجهزة الدولة وقياداتها لتدفع بالشباب المؤمن الواعي الى الأمام في ثورة بيضاء نقية لا تنكر فضل أو جهد السابقين". وكذلك: "وان ارادتي تقضي بأن تشكل الحكومة الجديدة من عناصر شابة منتمية صالحة صادقة مخلصة...". وقد دفع الملك بكل طاقته وراء الحكومة الجديدة لتجديد شباب الدولة واشار في بداية كتاب التكليف الى ذلك بقوله: "فإن من منن الله القدير على عبده ان شاء لي ان أمضي في خدمة الوطن المقدس وقيادة مسيرة الشعب العربي الأردني النبيل ما يزيد على اثنتين وأربعين سنة عشتها من بواكر سن الشباب وحتى المشيب...". وطالب الملك الحكومة بحماية الشباب مما قد يتسبب في احباطهم من قبل رؤسائهم في أجهزة الدولة واذكاء الحماس في نفوسهم، كما طالب بإعادة النظر في أجهزة الدولة التي ترهلت حسب تعبيره. وأكد الملك ان دور الأردن محوري في المنطقة وأنه لن يقبل من أحد أن ينكره عليه. كما أكد حرص الأردن على وحدة العراق ودعمه الكامل للفلسطينيين "ولقيادتهم الشرعية المنتخبة". ورد الكباريتي على كتاب تكليف الملك له بتشكيل الحكومة بأن التغيير الحقيقي لا التجميلي أصبح مسألة حيوية مستحقة وبأن التنمية والديموقراطية هما شطرا الجملة الاسمية للعيش في "مجتمعات ما عاد بامكانها الا ان تتنافس عبر الحدود المفتوحة". وأضاف: "لقد دخلت المنطقة بأسرها عهداً جديداً من السلام والتنمية الواعدة يجري الآن بناء عماراتها وتأثيثها بالتزام لا يقبل النكوص". وأشار الكباريتي الى أن الأمن الاقليمي كل لا يتجزأ وان وضع الآليات التنفيذية لهذه القناعة مسألة لا تحتمل التأجيل. وأعلن التزام حكومته العمل على تحقيق التضامن العربي ولم شمل الأمة ضمن مفاهيم وأسس بناءة وجديدة. وعلى العموم فإن حكومة الكباريتي التي اعلنت في ظروف احتفالية وعلى رغم ضمانها المبكر لثقة مجلس النواب ستواجه عدداً من التحديات، من أبرزها: - تجديد شباب الدولة عن طريق اختيار عناصر شابة في الجهاز الاداري لن يغير كثيراً من الواقع مع استمرار المشكلة الاقتصادية - الاجتماعية. - ومن هذه النقطة بالذات ألمحت الحكومة الى نيتها اجراء اصلاحات سياسية تتعلق بالحريات العامة، وفي مقدمتها الانفتاح على الصحافة والنقابات المهنية والأحزاب، ومن ضمنها المعارضة، وهي خطوة تبدو بديلاً موقتاً للاصلاحات الاقتصادية التي تمضي قدماً ولو بخطى بطيئة. - ثمة معضلة أخرى تتعلق بمواقف معظم السياسيين التقليديين الذين وان لم يجاهروا بمعارضة حكومة الرئيس الشاب الا انهم لن يرحبوا بتغيير يجعلهم من الماضي. - على الصعيد الخارجي فإن حكومة الكباريتي مكلفة بتنفيذ معاهدة السلام وجميع الاتفاقات المنبثقة عنها بين الأردن واسرائيل بمعنى التطبيع الكامل للعلاقات، وهي مهمة ليست مستحيلة لكنها لن تكون سهلة. - في ما يتعلق بعلاقات الأردن العربية فإن الكباريتي هو الذي نفذ المصالحة الأردنية - الخليجية وكان وزير الخارجية الكويتي أول مهنئيه بتشكيل الحكومة الجديدة. غير ان الكباريتي كان أكثر المسؤولين الأردنيين انتقاداً للقيادتين العراقية والسورية ولذلك فإن حكومته قد تتأثر، خصوصاً اذا ما تقدمت مفاوضات العراق مع الأممالمتحدة من جهة وارتفعت وتيرة زخم المفاوضات على المسار السوري - الاسرائيلي. - على الصعيد نفسه فإن من أبرز البنود على جدول أعمال حكومة الكباريتي وضع أسس محددة للعلاقات الأردنية - الفلسطينية مستقبلاً.