«هيئة الطرق»: مطبات السرعة على الطرق الرئيسية محظورة    هل اقتربت المواجهة بين روسيا و«الناتو»؟    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    الشاعر علي عكور: مؤسف أن يتصدَّر المشهد الأدبي الأقل قيمة !    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «السقوط المفاجئ»    الدفاع المدني: هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    ترمب يستعيد المفهوم الدبلوماسي القديم «السلام من خلال القوة»    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    أرصدة مشبوهة !    حلول ذكية لأزمة المواقف    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    فعل لا رد فعل    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    دوري روشن: الهلال للمحافظة على صدارة الترتيب والاتحاد يترقب بلقاء الفتح    خبر سار للهلال بشأن سالم الدوسري    حالة مطرية على مناطق المملكة اعتباراً من يوم غدٍ الجمعة    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    عسير: إحباط تهريب (26) كغم من مادة الحشيش المخدر و (29100) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    أمير القصيم يستقبل عدد من أعضاء مجلس الشورى ومنسوبي المؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    سفارة السعودية في باكستان: المملكة تدين الهجوم على نقطة تفتيش مشتركة في مدينة "بانو"    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    «المسيار» والوجبات السريعة    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    رسالة إنسانية    " لعبة الضوء والظل" ب 121 مليون دولار    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



روحانيت وروحانيون وبازار ودوست اخوان . ايران : صراع الأجنحة السياسية يفتح معركة الانتخابات وملفات الاختلاسات
نشر في الحياة يوم 07 - 08 - 1995

قبل أقل من عام على الانتخابات الاشتراعية في ايران المقرر اجراؤها في الربيع المقبل، تشتد المنافسة بين الأجنحة السياسية المختلفة خصوصاً الجناحين الرئيسيين: رابطة علماء الدين المجاهدين "روحانيت" ومجمع علماء الدين المجاهدين المعروف اختصاراً ب "روحانيون"، فيما تنشط "حركة الحرية" التي كان يتزعمها المهندس مهدي بازركان أول رئيس وزراء في الحكومة الموقتة التي عينها الامام الخميني قبيل سقوط نظام الشاه بعشرة أيام واستمرت الى ما بعد احتلال الطلبة الثوريين السفارة الأميركية واحتجاز رهائن فيها.
وبدا واضحاً ان "الحركة" تقترب من النظام، بعد انتخاب الدكتور ابراهيم يزدي أميناً عاماً لها، وان ظلت على نهجها السابق، منذ اقصاء رجالاتها من الحكم والبرلمان، تمارس المعارضة المدنية وتصدر البيانات وتنتقد طريقة الحكم وتدعو الى الاصلاح. لكن نشاط الحركة ما زال محظوراً استناداً الى قانون الأحزاب الذي لم يسمح لها بالعمل السياسي، الا أن الحكم يغض النظر عن نشاطها، في اسلوب يهدف الى الابقاء على شعرة معاوية في العلاقة مع الأحزاب القومية التي فقدت قاعدتها بعد انتصار الثورة الاسلامية.
وتشير معلومات الى أن ابراهيم يزدي وزير الخارجية في حكومة بازركان دأب على زيارة الولايات المتحدة حتى بعد اقصائه وحكومة بازركان. وتقول مصادر مطلعة انه يقود منذ ثلاث سنوات وتحديداً قبل الانتخابات الرئاسية التي جددت ولاية رفسنجاني، تياراً يدعو الى المصالحة الأميركية - الايرانية، شرط اجراء اصلاحات سياسية تتيح لحركته المشاركة في مختلف أنشطة الحكم، وذكرت أوساط قريبة منه انه اشترط للقيام بدور في تخفيف حدة الأزمة بين طهران وواشنطن، ان تسمح السلطات الايرانية لحركته بمزاولة العمل السياسي كحزب معترف به في معادلة القوى الايرانية.
وتعتقد أوساط مراقبة بأن هناك تفاهماً خلف الكواليس بين أقطاب من الجناح الحاكم من جماعة "روحانيت" و"حركة الحرية"، فيما أكدت أوساط أخرى وجود اتصالات مماثلة بين الحركة وجماعة "روحانيون" التي أصبحت في صف المعارضة المدنية بعد هزيمتها في انتخابات البرلمان السابقة ولجوئها الى مقاطعة الحكم وانسحاب أقطابها من جميع المسؤوليات والمراكز الحكومية بل وحتى شبه الرسمية كمؤسسة "بنياد شهيد" الكبيرة.
السيطرة على البرلمان
في هذا الجو من توزع القوى السياسية، تتعرض جماعة "روحانيت" الى انشقاقات خطيرة، اذ أعلن أمينها العام آية الله مهدوي كني الانسحاب منها، وذكرت مصادره انه استقال من الجماعة لأنها تتجه نحو العمل الحزبي الذي يرفضه، لأنه يعتقد بأن "روحانيت" عندما تأسست كانت مؤسسة "علمائية" لتوجيه الناس وارشادهم ويجب ان تبقى كذلك بعيداً عن العمل الحزبي الذي تسير عليه حالياً. وكشف رئيس البرلمان علي أكبر ناطق نوري المرشح لخلافة كني في زعامة الجماعة انها بالفعل تمارس نشاطاً حزبياً، وقال انها لن تتخلى عن هذا النهج مؤكداً ان الانتخابات البرلمانية المقبلة هي التي ستحدد من سيكون الرئيس المقبل لايران، بعد انتهاء ولاية رفسنجاني. ويشير كلام نوري الذي أطلقه في آخر جولة على المدن الايرانية اعتاد القيام بها استعداداً للانتخابات الرئاسية حيث تعتبره الأوساط الايرانية مرشحاً قوياً، الى أن "روحانيت" تستعد للانطلاق كحزب سياسي ينوي السيطرة مجدداً على البرلمان ليقول كلمته في انتخابات الرئاسة. وبدأ بعض اقطاب الجماعة، ومعظمهم من التكنوقراط، ينحاز الى عقد تحالفات مع "حركة الحرية" وحزب الشعب الذي يترأسه داريوش فروهر - وهو ايضاً حزب محظور لكن الدولة تغض النظر عن نشاطه، في ما يبدو أنه استعداد لخوض الانتخابات المقبلة، ما فتح صفحة جديدة في العلاقات الداخلية لتحسين العلاقات الخارجية، خصوصاً مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة.
وحتى جماعة "روحانيون" لم تسلم من الانشقاقات وان كانت غير أساسية كونها بعيدة عن السلطة، اذ تؤكد المعلومات خروج بعض القياديين عن نهج الجماعة وترجيحهم العمل مع فعاليات الحكومة مثل محمد علي الطبحي الذي كان عضوا بارزاً في اللجنة المركزية ومساعداً لوزير الثقافة والارشاد السابق الدكتور محمد خاتمي، فقد قبِلَ الطبحي بادارة مكتب الاذاعة والتلفزيون الايراني في بيروت، وهو يرى ان دعم النظام والحكم وان كان لا يتفق مع رأي جماعة "روحانيت" المسيطرة عليه، واجب من الضروري الاستمرار فيه. ولاحظ مراقبون ان الطبحي لم يستثمر - كعادة الأجنحة الايرانية - ذكرى وفاة الامام الخميني وهو ينظم زيارة عدد من اللبنانيين لايران في هذه المناسبة - حزيران الماضي - لمصلحة "روحانيون"، وقام بدلاً من ذلك بتفعيل هذه الزيارة التي ضمت أكثر من ثلاثين لبنانياً، بينهم مفكرون وصحافيون، لمصلحة الحكم وولاية الفقيه، كأنه يريد أن يؤكد للجناح المقابل ان جماعته مع الولي الفقيه على عكس ما يروج انصار "روحانيت".
الراديكاليون يلوحون بالمقاطعة
وبالفعل أبرزت السنوات الماضية منذ هزيمة "روحانيون" في الانتخابات الاشتراعية، ان هذه الجماعة أكثر ولاء من غيرها لنهج الولي الفقيه، وهي التي تدعم معارضته المستمرة لمبدأ اقامة العلاقات السياسية مع الولايات المتحدة. كذلك عمدت صحيفة "سلام" التي تعبر في الغالب عن رأي الجماعة، الى الاعلان، بين الحين والآخر، انها لا تستطيع الافصاح عن رأي "روحانيون" في ما يتعلق بمشاركة الجماعة في الانتخابات المقبلة، ما يدفع الى الاعتقاد بأن "روحانيون" قد تقاطع انتخابات البرلمان، أي أنها لن تقدم مرشحين عنها، وبالتالي لن تشترك في المنافسة الرئاسية المقبلة. وترفض "روحانيون" شرح وجهة نظرها في هذا الخصوص بانتظار ما ستسفر عنه المحاكمات المتواصلة في قضايا الاختلاس والفساد المالي، وهي تنتظر، كما يفعل الشارع الايراني، نتائج الخطة الاقتصادية للرئيس رفسنجاني والتي تدعمها "روحانيت"، قبل ان تقول كلمتها. ولشرح كل ذلك يجب العودة الى ما بعد انتخابات البرلمان السابقة، وهزيمة أقطاب هذه الجماعة، فقد أكدت في اجتماعاتها الخاصة انها تتوقع فشل برامج الاصلاح أي فشل الجناح المنافس "روحانيت" في الوفاء بوعوده الانتخابية في تأييد الولي الفقيه ودعم الرئيس، والمضي في برامج الاصلاح الاقتصادي. ولكن "روحانيت" وهي تعمل كحزب سياسي يهدف الى السيطرة على الحكم بشكل كامل واقصاء منافسيه من الجناح الآخر، عرف كيف يلعب بمعادلات الخريطة الداخلية وهو يحاول ان يضع نفسه بعيداً عن تطبيقات برامج الاصلاح ليقطف ثمارها الايجابية لمصلحة شعاراته الانتخابية ويحمّل الرئيس رفسنجاني لوحده النتائج السلبية. وظهر هذا واضحاً في الحملة التي تعرض لها رفسنجاني من أنصار "روحانيت" في الفترة الأخيرة على صعيد الوضع الاقتصادي والعلاقات الخارجية والتي اعتبرها كثيرون "غير عادلة"، عندما انتقد أقطابها وصحيفة "رسالت" "عجز" الحكومة عن السيطرة على الوضع الاقتصادي وراحوا يدافعون عن المواطن متناسين أو متجاهلين ان "روحانيت" هي التي دفعت رفسنجاني الى مواقع متقدمة من تطبيق نهج الاصلاح وهي التي اقترحت عليه ذلك بل ساندته قبل التنصل من سلبياته وعدم مساعدته في سن القوانين المطلوبة لمكافحة ظاهرة "الاغتيال الاقتصادي" التي يمارسها في العلن رجال البازار الذين يلتقون مباشرة أو غير مباشرة مع حزب "روحانيت".
واما على صعيد العلاقات الخارجية، فالمعروف ان "روحانيت" لم تكتف بدفع الرئيس الى فتح صفحات واسعة في علاقات ايران الخارجية وانما ذهبت الى أبعد من ذلك، بتقديم أقطابها مشاريع مكتوبة الى مرشد الثورة علي خامنئي عن ضرورة اقامة علاقات سياسية مع الولايات المتحدة. وقام كبار رجال "روحانيت" السياسيين، امثال محمد جواد لاريجاني نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشورى والمستشار الأعلى للأمن القومي وأحد أعضاء مجلس الأمناء في صحيفة "رسالت" لسان حال "روحانيت" باجراء اتصالات مع دول اوروبية مهتمة بموضوع سلمان رشدي مؤلف كتاب "الآيات الشيطانية" والتأكيد لها ان ايران أبعدت نفسها عن تنفيذ الفتوى الشهيرة بقتل رشدي. وعندما أرادت الخارجية الايرانية تقديم تعهد خطي للترويكا الأوروبية في باريس بعدم ارسال من يقتل رشدي في السياق الذي تحرك به كبار رجالات "روحانيت"، شنت الجماعة نفسها، وبوسائل مختلفة، حملة انتقادات أدت بالنهاية الى تراجع الخارجية الايرانية عن تقديم مثل هذا التعهد مع انها أكدته في مناسبات مختلفة، وكذلك فعل رفسنجاني الذي أكد ان الفتوى وان كانت باقية فانها لا تلزم الحكومة تنفيذها.
كانت ايران، في السنوات التي اعقبت وقف الحرب مع العراق، على موعد مع الفساد كشفته الأيام الأخيرة في محاكمة شهيرة عن أكبر اختلاس مالي. لكن اللافت هو تكرار الاختلاس خصوصاً في المصارف وبمشاركة اسماء أقل ما يقال انها استغلت قربها من الجناح الحاكم، الأمر الذي أثار ردود فعل كبيرة خصوصاً في معادلات خريطة القوى السياسية. فمجرد ظهور اسم مرتضى رفيق دوست، وشقيقه محسن رفيق دوست الذي يرأس "مؤسسة المستضعفين والمعاقين" وهي أكبر مؤسسة اقتصادية ايرانية، اثار علامات استفهام كبرى على رغم مرور جولات عدة على محاكمة المتهمين في قضية بنك صادرات الشهيرة. ومع ان محسن رفيق دوست لم يكن متهماً في موضوع الاختلاس كشقيقه مرتضى، بل ساهم في اعادة جزء كبير من الأموال التي اختلسها متهم آخر، الا أن ظهور اسمه كشاهد في القضية جعل معادلات القوى السياسية تهتز بقوة عشية التحضير للانتخابات المقبلة، ما دفع المرشد علي خامنئي الى اصدار قرار بإعادة تعيين محسن رفيق دوست مديراً عاماً لمؤسسة المستضعفين وعضواً في مجلس أمنائها الجديد. وطلب منه العمل على ادخال اصلاحات كافية على المؤسسة لتواكب التطورات التي تشهدها البلاد، بما يخدم مصالح النظام. وتزامن ذلك بعد أيام قليلة جداً من دعوة رئيس المحكمة المكلفة محاكمة المتهمين في قضية الاختلاس في بنك صادرات محسن رفيق دوست للمثول أمام المحكمة والاستماع الى أقواله بعد أن تكرر اسمه أثناء المحاكمة، وأثار معارضو الجناح الذي ينتسب اليه علامات استفهام كبيرة عن دوره في ما أسموه "استغلال نفوذه لتسوية حساب أخيه من أموال المؤسسة".
المؤسسات الثورية
واذا كانت رغبة عدد من النواب في اجراء تحقيق في نشاط المؤسسة تدخل في اطار الوظيفة البرلمانية، الا أنها تكشف معنى التغييرات التي حصلت داخل جناح "روحانيت" وما أصبح يعرف باليمين الديني المحافظ.
وتابع مراقبون موقف لجنة التحقيق البرلمانية من رفيق دوست من زاوية الشروط الأميركية التي نقلها ايرانيون شاركوا قبل حوالي ثلاث سنوات في مؤتمر عقد في واشنطن حول العلاقات الايرانية - الأميركية، ومنها انهاء المؤسسات الثورية مثل "المستضعفين" و"15 خرداد" و"بنياد شهيد"، قبل ان تدخل واشنطن في حوار مع طهران لاعادة العلاقات. وقال مصدر مطلع ان قرار خامنئي اعادة تعيين محسن رفيق دوست رئيساً ل "مؤسسة المستضعفين" يعني ان خامنئي لا يزال يرفض الاقتراح الذي قدمه بعض أقطاب اليمين الديني المحافظ ببدء حوار مع الولايات المتحدة.
وترافق ظهور اسم دوست في قضية الاختلاس مع حملة شنها أنصار "روحانيت" ضد جناح "روحانيون" بذريعة ان زوجة مرتضى رفيق دوست، المتهم الأصلي في قضية الاختلاس، السيدة زهراء محتشمي ترتبط بقرابة نسب بعلي أكبر محتشمي القطب البارز في "روحانيون"، لكن هذا الاتصال النسبي ابنة عم محتشمي لم يساعد "روحانيت" كثيراً في جر الجناح الآخر الى طاولة الاتهام.
ويعود أصل حكاية الاختلاس الى ما قبل ثلاث سنوات، بين مرتضى رفيق دوست وأحد الايرانيين الفارين ممن أطلقت عليهم الثورة اسم "الطواغيت" كونهم حصلوا على نعمة موفورة الى جانب أكواخ المعدمين، أي انهم أثروا في ظل النظام السابق. ووفق اعترافات فاضل خدا داد واتهام الادعاء العام استخدم مرتضى رفيق دوست نفوذه الشخصي في فتح حساب باسم خدا داد ومنح دفتر الشيكات الخاص بزوجته السيدة زهراء محتشمي، وقد وقعت على بياض ليستخدمها خدا داد في اصدار شيكات من دون رصيد، في اعمال تجارية ضخمة، فيما يقوم البنك بضمان تلك الشيكات بتحويلها الى شيكات مضمونة. وبلغ حجم الأموال التي أخرجت من البنك بهذه الطريقة 123 مليار تومان ايراني أي حوالي مليار دولار حسب سعر الصرف في ذلك الوقت، ومن دون رصيد.
ويمثل أمام المحكمة بعض العاملين في بنك صادرات من الذين تقاضوا رشاوى لتمرير العملية التي ما كان لها ان تمر على المحكمة لو لم تفضحها صحيفة اسبوعية متواضعة الامكانات تعرض مكتبها الوحيد الى التدمير لأنها دأبت باستمرار على نشر وثائق عن الفساد المالي والاداري ودعت الى محاسبة الذين اسمتهم، استناداً الى قول سابق للخميني، "الغرباء عن الثورة" وحذرت من تسلمهم المواقع الحساسة. وأدى حادث الاختلاس في بنك صادرات الى كشف حوادث مماثلة في بنوك أخرى الا أن الشروع في محاكمة المتهمين في قضية صادرات اعتبر في طهران مؤشراً ايجابياً الى نية القضاء ضرب المتلاعبين والمفسدين بقوة. وشهدت الأيام القليلة الماضية عدداً من المحاكمات النوعية في قضايا الاختلاس في مصرفي سبه وصادرات، اضافة الى محاكمة سبعة من مسؤولي شركة "آسمان" للطيران بينهم المدير العام للشركة بتهمة التقصير في حادث تحطم طائرة "فوكر 28" ومقتل 66 راكباً كانوا على متنها في 12 تشرين الأول اكتوبر الماضي قرب اصفهان بعد ان أكد ثلاثة طيارين قادوا الطائرة نفسها ان تحطم الطائرة كان نتيجة عمل مدبر وربما بواسطة تفجير.
نوري ينافس رفسنجاني
وتأتي قضايا المحاكمات عشية التحضير للانتخابات النيابية التي تجري في الربيع المقبل. وقال رئيس البرلمان ناطق نوري ان تركيبة البرلمان المقبل ستكون مؤشراً الى ترشيح الرئيس المقبل. وستنتهي ولاية رفسنجاني الثانية في آب اغسطس المقبل، وحتى الآن لم يظهر في الافق ما يدل الى ان المرشد سيعمد الى اجراء تعديل دستوري يسمح لرفسنجاني بالترشيح لولاية رئاسية ثالثة. ويعارض نوري ترشيح رفسنجاني مرة ثالثة، الا اذا وافق المرشد. ويستعد نوري لخوض هذه الانتخابات عبر قيامه بجولات في المدن الايرانية تسبق جولات رفسنجاني او تليها. ولوحظ ان رئيس البرلمان بدأ يمارس دوراً تنفيذياً، فهو يفتتح المشاريع ويجري المحادثات مع كبار المسؤولين من الدول الاخرى من موقع تنفيذي يتعارض مع كونه رئيساً للسلطة التشريعية. وسأل التلفزيون الايراني نوري عن سر ذلك فأجاب انه يتعامل مع مسؤولي الدول الاخرى في شأن العلاقات الثنائية من واقع كونه قادراً على ازالة الصعوبات القانونية التي تعترض سبيل تطوير العلاقات بين ايران وهذه الدول. لكن العارفين بالشأن الايراني لا يبدون مقتنعين بذلك، خصوصاً ان نوري يحرص على ان يرافقه في جولاته داخل ايران وخارجها وفد كبير من المسؤولين في اجهزة الدولة المختلفة والوزارات الرئيسية. وللاشارة فقط رافق نوري في زيارته التي قام بها في نيسان ابريل الماضي للكويت والسودان أكثر من مئة من كبار المسؤولين مع وفد اعلامي كبير. وخلال جولته الاخيرة في اقليمي تشهار محال وبختياري تعرضت الطائرة المروحية التي كانت تقل الصحافيين المرافقين الى حادث كاد يؤدي الى تحطمها، لكن قائدها تمكن من الهبوط بسلام وعلى متنها 37 صحافياً ايرانياً، حسب وكالة الانباء الرسمية. وفي الاقليم افتتح نوري مشاريع اقتصادية وعمرانية. وسأله بعض رجال الدين الذين حضروا اجتماعاً مفتوحاً معه عن المسوغات الشرعية التي تتيح له التصرف بأموال عامة تخص الدولة وبيت مال المسلمين في جولاته الانتخابية فلم يملك الا المقارنة بين ما يقوم به من جولات وتلك التي يقوم بها الرئيس رفسنجاني، وقال ان هذا الامر طبيعي.
وعلى اية حال فان الاصطفاف الجديد للقوى السياسية وما يجري من محاكمات وخطوات عملية لتحسين الوضع الاقتصادي، ليس بعيداً عن الانتخابات المقبلة وهي ايضاً من المواضيع المثيرة للجدل في ايران. اذ عبّر جناح "روحانيون" المعارض عن غضبه من قانون جديد سنه البرلمان - بغالبية جناح "روحانيت" - ويقضي بمنع الذين ابعدوا عن الانتخابات السابقة عن المشاركة في الانتخابات اللاحقة. وتقول جماعة "روحانيون" ان هذا القانون سيكرس هيمنة الجناح الآخر لأن بعض اقطاب البرلمان السابق منعوا من المشاركة في الانتخابات الاخيرة، كما يشكك هذا الجناح بنزاهة مجلس الوصاية على الدستور الذي يملك صلاحيات واسعة في حذف المرشحين، ويستند هذا الجناح الى الانتخابات السابقة والى انتخابات مجلس الخبراء. ولم تفلح احتجاجات "روحانيون" لأن القانون الانتخابي الجديد حظي بتأييد مجلس الوصاية واعتبر نافذاً قبل حوالي اسبوعين.
وعلى هذا الاساس قالت مصادر قريبة من "روحانيون" ان الجناح ربما يلجأ الى عدم ترشيح اي من اعضائه في الانتخابات المقبلة، لكن المراقبين يتريثون قبل اصدار حكم نهائي عن تشكل الاجنحة السياسية، الى حين اقتراب موعد الانتخابات في الربيع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.