لم يفاجأ القاضي الذي كان يحقق مع مجموعة من المصريين، الذين دخلوا الأراضي اللبنانية بصورة غير قانونية بالأسباب التي يقولون انها دفعتهم لدخول لبنان، بل ان ما لفت نظره فعلاً التفاصيل الجديدة التي اوردها هؤلاء عن الطريق الطويلة التي سلكوها للوصول إلى الاراضي اللبنانية، بدءاً من السفارة التركية في ليبيا التي اعطتهم تأشيرات دخول الى تركيا، ومنها الى سورية التي تعفي الرعاية العرب من تأشيرات الدخول المسبقة، ثم الى لبنان سيراً على الاقدام، وبعد منتصف الليل او قبل طلوع الفجر. الاّ أن اللافت هو ان ثمة قاسماً مشتركاً بين جميع الروايات التي يقولها هؤلاء، وتتمثل بوجود ما يسمونه "جهة ما" تتولى تدبير الرحلة من مصر الى لبنان، وفي احيان كثيرة الى الاردن، وبصورة أقل الى دول الخليج. بداية الرحلة وطبقاً للتحقيقات التي اجرتها الاجهزة الامنية اللبنانية في خلال الاشهر الماضية، فإن شرط الرحلة يبدأ من مصر، حيث يتولى أحد الاشخاص، اما تدبير تأشيرة دخول مباشرة الى بيروت بصفة سائح، او ارسال الاشخاص الراغبين بالسفر الى لبنانوالاردن أو سورية. وغالباً ما يكون ثمة شخص ما في انتظار الدفعة الجديدة في ميناء اللاذقية حيث يتولى استقبالهم ونقلهم الى إحدى القرى القريبة، من الحدود مع لبنان حيث تبدأ المرحلة الثانية من الرحلة، او الى منطقة درعا القريبة من الحدود الاردنية. وبحسب روايات مصريين اوقفتهم السلطات اللبنانية، فإن فترة الانتظار قد تدوم لساعات وأحياناً لأكثر من يوم واحد الى حين اطلاق اشارة الانطلاق لعبور الحدود سيراً على الاقدام، وعبر منافذ وطرق جبلية، غالباً ما تكون مراقبة لتجنب الوقوع في قبضة الدوريات والحواجز الطيارة التي تقيمها الأجهزة الأمنية. وبحسب الروايات نفسها، فإن اشخاصاً لبنانيين يكونون في الانتظار لدى دخول القافلة الاراضي اللبنانية حيث يتولون مهمة تأمين وصول اعضاء القافلة الى المدن المتفق عليها، واختيار الطرق التي تخلو من الحواجز الامنية. وتقول جهات قضائية لبنانية، ان غالبية المصريين الذين يدخلون البلاد، يتكلون على عناوين يحملونها معهم من مصر لتدبير الاقامة وفرص العمل لهم. ومعظم هذه العناوين يكون عادة لمصريين يعملون في لبنان، ويسعون مع كفلائهم من اللبنانيين لايجاد وظائف للوافدين الجدد. الاّ أن حظوظ الافلات من قبضة الحواجز الامنية، لا تكون كافية في الكثير من الحالات لوصول هؤلاء الى المناطق التي يقصدونها، ويقول مصري أوقفته الاجهزة اللبنانية، ان "مرافقهم" اللبناني عمد الى الفرار فور وصولهم الى أحد الحواجز، الأمر الذي جعله عاجزاً عن التحرك بسبب عدم معرفته المنطقة، والاتجاه الذي يسلكه. وتتراوح قيمة المبالغ التي يدفعها المصريون للوصول الى لبنان، ما بين ألف و23 ألف جنيه مصري ما بين 588 و882 دولارا تتوزع بصورة متفاوتة على جميع الحلقات، وان كان القسم الاكبر منها يذهب للجهة التي تتولى تدبير الرحلة من مصر، اضافة الى أكلاف اضافية لتسهيل المرور في بعض المعابر الحدودية في سورية ولبنانوالاردن. حجم العمالة المصرية ولا تتوافر ارقام دقيقة عن حجم العمالة المصرية في لبنان وسورية والاردن، بسبب ارتفاع نسبة الذين يدخلون الدول الثلاث بصورة غير قانونية، وفي حين تقول تقديرات غير رسمية، ان عددهم يصل الى حوالى 200 ألف شخص يعملون في سورية، في مهن مختلفة، فإن تقديرات اخرى تقول ان عددهم في لبنان بات يتجاوز ال 350 ألفاً بينما يتراجع هذا العدد الى حوالى 150 ألفاً في الاردن نتيجة التشدد، الذي طبقته الاجهزة الامنية الاردنية في الاشهر الاخيرة لمكافحة العمالة غير القانونية وهو الامر الذي اصاب العمال المصريين بالدرجة الاولى. وتتميز سوق العمل في لبنانوالاردن باستيعابها للعمالة المصرية نظراً للمهارة التي يتميز بها العامل المصري من جهة، وأجره المتدني من جهة ثانية، بالمقارنة مع مستويات الاجور التي يطالب بها اللبناني والأردني، اضافة الى أن المهن التي يقبل عليها المصريون، قلما تحظى باهتمام الشبان في البلدين، وهي غالباً ما تكون في قطاعات البناء والزراعة ومحطات المحروقات. بعدما كانت سوق العمل اللبنانية تتكل على العمالة المصرية حتى العام 1992 بصورة شبه كاملة ادى الانفتاح مع سورية الى دخول آلاف العمال السوريين الذين استطاعوا ان يشكلوا منافسة قوية، خصوصاً في قطاع البناء والزراعة، الامر الذي ساهم في تدني الاجور، وفي تقلص فرص العمل المتوافرة على الرغم من مئات المشاريع التي يجري تنفيذها حالياً، سواء لصالح القطاع الخاص، ام في مشروعات اعادة الاعمار الحكومية. وتقول مصادر معنية بملف العمالة الاجنبية في بيروت، ان الاتفاقات التي تم التوصل اليها مع القاهرة لم تحقق النتائج التي كان يؤمل بها، وهو ما انتهت اليه الاتفاقات التي عقدتها مصر مع الاردن، إذ استمر "تسرب" المصريين الذين يدخلون البلدين بصورة غير قانونية. وتربط معلومات متطابقة، بين "هجمة" العمال المصريين الى الاردن وسورية ولبنان، وهي جزء من هجمة تطال دولاً اخرى، وتراجع فرص العمل للمصريين في الخليج لاعتبارات عدة، ابرزها المنافسة التي بدأت تشكلها العمالة الآسيوية في الدول الخليجية، ثم تراجع الانتعاش الاقتصادي فيها نتيجة تدني عائدات النفط، وتأجيل تنفيذ العديد من المشروعات. الاّ أن ثمة اسباباً اخرى لجذب العمالة المصرية الى لبنانوالاردن تتمثل بفرص العمل الواعدة التي تمثلها حالياً مشروعات إعادة الإعمار والمشروعات التي بدأت تظهر في الاردن في ظل اتفاقات السلام، وانفتاح الحدود مع الدول المجاورة، لكن المشكلة كما يقول وزير العمل اللبناني أسعد حردان تتمثل في الحاجة الى تنظيم دخول هذه العمالة، وهو ما يجب التوصل الى تفاهم عليه مع نظيره المصري في اثناء زيارته لبيروت اواسط آب أغسطس الحالي، وهو ما تقوم الحكومة اللبنانية بالتحضير له حالياً على نار قوية.