هل يمكن للبشر ترجمة لغة غريبة؟ فهم الذكاء الاصطناعي هو المفتاح    خفض البطالة.. استراتيجيات ومبادرات    اكتشافات النفط والغاز عززت موثوقية إمدادات المملكة لاستقرار الاقتصاد العالمي    السعوديات.. شراكة مجتمعية    «قمة الكويت».. الوحدة والنهضة    مملكة العطاء تكافح الفقر عالمياً    الاتحاد السعودي للملاحة الشراعية يستضيف سباق تحدي اليخوت العالمي    العروبة يتغلّب على الفيحاء بهدف في دوري روشن للمحترفين    قيمة الهلال السوقية ضعف قيمة الأندية العربية المشاركة في المونديال    المغرد الهلالي محمد العبدالله: لا مكان لنيمار والمترو الأفضل وحلمي رئاسة «الزعيم»    هيئة الترفيه وأحداثها الرياضية.. والقوة الناعمة    الرياض يتغلّب على الفتح بثنائية في دوري روشن للمحترفين    مرآة السماء    ذوو الاحتياجات الخاصة    انطباع نقدي لقصيدة «بعد حيِّي» للشاعرة منى البدراني    عبدالرحمن الربيعي.. الإتقان والأمانة    رواد التلفزيون السعودي.. ذكرى خالدة    روضة الآمال    فصل التوائم.. البداية والمسيرة    «متلازمة الغروب» لدى كبار السن    نائب وزير الموارد البشرية يزور فرع الوزارة والغرفة التجارية بالمدينه المنورة    عريس الجخّ    لولو تعزز حضورها في السعودية وتفتتح هايبرماركت جديداً في الفاخرية بالدمام    «COP16».. رؤية عالمية لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي    الاستدامة المالية    رسائل «أوريشنيك» الفرط صوتية    وكالة الطاقة الذرية: إيران تخطط لتوسيع تخصيب اليورانيوم بمنشأتي نطنز وفوردو    "راديو مدل بيست" توسع نطاق بثها وتصل إلى أبها    وزير الحرس الوطني يرعى ملتقى قادة التحول بوزارة الحرس الوطني    بالله نحسدك على ايش؟!    إنصاف الهيئات الدولية للمسلمين وقاية من الإرهاب    كابوس نيشيمورا !    حملة توعوية بجدة عن التهاب المفاصل الفقارية المحوري    الرياض يزيد معاناة الفتح في دوري روشن    مفتي عام المملكة ونائبه يستقبلان مدير فرع الرئاسة بمنطقة جازان    تكلفة علاج السرطان بالإشعاع في المملكة تصل ل 600 مليون ريال سنويًا    أمير تبوك يستقبل المواطن مطير الضيوفي الذي تنازل عن قاتل ابنه    طلاب مدارس مكتب التعليم ببيش يؤدون صلاة الاستسقاء في خشوع وسط معلميهم    أمير تبوك يستقبل رئيس وأعضاء مجلس إدارة جمعية التوحد بالمنطقة    برنامج مفتوح لضيوف خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة "بتلفريك الهدا"    أمير تبوك يوجه بتوزيع معونة الشتاء في القرى والهجر والمحافظات    محافظ الطوال يؤدي صلاة الاستسقاء بجامع الوزارة بالمحافظة    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الدورة ال 162 للمجلس الوزاري التحضيري للمجلس الأعلى الخليجي    الدكتور عبدالله الوصالي يكشف سر فوزه ب قرص الدواء    بالتضرع والإيمان: المسلمون يؤدون صلاة الاستسقاء طلبًا للغيث والرحمة بالمسجد النبوي    «مساندة الطفل» ل «عكاظ»: الإناث الأعلى في «التنمر اللفظي» ب 26 %    1500 طائرة تزيّن سماء الرياض بلوحات مضيئة    وزير الصحة الصومالي: جلسات مؤتمر التوائم مبهرة    الشائعات ضد المملكة    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    أكدت رفضها القاطع للإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.. السعودية تدعو لحظر جميع أسلحة الدمار الشامل    الزميل العويضي يحتفل بزواج إبنه مبارك    محمد بن عبدالرحمن يشرّف حفل سفارة عُمان    أمير حائل يعقد لقاءً مع قافلة شباب الغد    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انهيار آخر الدفاعات عن النظام في بغداد ؟ . عائلة صدام : الهروب الكبير

قد ينهار الحائط فجأة. وقد يصمد طويلاً بوجه المطر والريح وعوامل التعرية الأخرى حتى يتآكل ويهترئ فينهار أيضاً. ويبدو ان ما حدث في العراق الثلثاء الماضي جزء من منظومة الانهيار البطيء والتآكل المستمر الذي يعانيه نظام الرئيس صدام حسين. كأن لم يكفه انفصال زوجته ساجدة خيرالله طلفاح ابنة خاله عنه اثر اغتيال شقيقها عدنان في حادث تحطم طائرة غامض، وكأن لم يهزه اشرافه شخصياً على اغتيال شقيقه الأكبر إدهام، ها هما بنتاه رَغَد ورنا تهربان مع زوجيهما الأخوين حسين كامل حسن وزير الصناعة والتصنيع الحربي وصدام المرافق الأمني للرئيس العراقي.
كان حادثاً كبيراً وان لم يكن مفاجئاً لكثيرين. لكنه أثار من التساؤلات قدراً أكبر من الاجابات: هل سيؤثر في مركز الرئيس العراقي؟ هل سيعزز هروب "وزير المدفع العملاق" فرص المعارضة العراقية في اطاحة النظام؟ هل يملك صدام حسين طاقماً بديلاً جاهزاً لملء الشواغر التي خلفها هروب المجيد وعدد غير معروف من ضباط الجيش العراقي ولجوئهم الى الأردن؟ والأهم: هل خرج حسين كامل المجيد بملفاته الخطيرة عن برامج التصنيع الحربي التي أشرف عليها حتى لحظة مغادرته العراق مساء الاثنين الماضي؟ واذا كانت في حوزته فهل سيقدمها الى الأمم المتحدة ليساعد على رفع الحصار المفروض على أهل بلاده؟
تساؤلات بلا حصر، كل منها يولَّد تساؤلاً يزيد الضباب الذي يمنع التطلع الى مستقبل العراق. غير انها تؤكد حتماً ان حكم الرئيس صدام حسين يمر بفترة عصيبة، ربما كان أكثرها ايلاماً للرئيس العراقي نفسه انه سيضطر الى اعادة ترتيب تحالفاته الأسرية، قبل ان ينبري لاعادة ترتيب بيت نظامه.
نقطة العبور الرئيسية على الحدود البرية بين الأردن والعراق. كل شيء كان هادئاً نهار الثلثاء الماضي عندما وصل رتل من السيارات التي لم يبلغ ضباط الأمن وقوات حرس الحدود الأردنيون بأنها تحمل مسؤولاً رفيع المستوى يقصد الأردن.
لفت انتباه الضباط الأردنيين ان المسافرين العراقيين حملوا ما أمكنهم من الأمتعة. ليس ثمة ما يبعث الريبة، اذ تتقدم الوفد سيارة السيد حسين كامل المجيد وزير الصناعة والتصنيع الحربي ترافقه زوجته رغد كبرى كريمات صدام، تليها سيارة تقل شقيقه صدام كامل المجيد، ترافقه زوجته رنا صدام حسين.
لم يتوقع أي من ضباط الحدود الأردنيين ان هذا الموكب الكبير عبر الى بر السلامة ليستجير بالعاهل الأردني الملك حسين، ويطلب اليه منحه حق اللجوء السياسي. ولم يشك العراقيون - الذين تتعدد في بلادهم اجهزة الأمن والجلادين - في ان الوزير الذي ينتمي الى عشيرة العوجة التكريتية التي ينتمي اليها الرئيس العراقي نفسه، سينشق بتلك الطريقة عن نظام أسند اليه صناعة آلته الحربية الضخمة التي مكنته من خوض الحرب مع ايران وضد قوات التحالف الدولية اثر غزو الكويت.
ويبدو ان الوزير الهارب وقّت عملية مغادرته ترتيباً جيداً، اذ انه كان لا بد من ان يغادر بغداد الاثنين أو الثلثاء الماضيين، براً الى الأردن، ليستقل الطائرة للقيام بزيارة رسمية لبلغاريا كان مقرراً ان تبدأ الخميس الماضي.
وعندما أبلغ ضباط الحدود الأردنيون رؤساءهم في عمان بتفاصيل الموكب الكبير، جرت اتصالات عاجلة بين كبار المسؤولين الأردنيين، وتقرر على الاثر ان يستقبل الملك حسين الوفد العراقي في قصره مساء الثلثاء. وأعلنت الحكومة الأردنية صباح اليوم التالي انها قررت منح الأخوين المجيد والضباط الذين فروا معهما حق اللجوء السياسي.
الكباريتي: المجىد لن يعود
وأعلن الأردن انه لن يقبل أي صفقة، أياً كان الثمن، لاعادة الفريق الأول الركن حسين كامل المجيد وزير الصناعة والتصنيع الحربي العراقي الى بلاده. وقال السيد عبدالكريم الكباريتي وزير الخارجية الأردني ان الأردن لا يقبل بصفقات تتعلق بحقوق الانسان، "لأن من يدخل بيت أبي عبدالله الملك حسين فهو آمن". لكنه أعرب عن اعتقاده بأن ايواء الفريق المجيد في الأردن لن يؤثر في العلاقات بين بلاده والعراق.
وأضاف: اننا نرضى ما يرتضيه الاشقاء لأنفسهم سواء بالنسبة الى الشعب العراقي، وعلاقته بالحكم في بغداد، أو بالنسبة الى الفريق المجيد وشقيقه واسرتيهما ومرافقيهما.
ورفض الدكتور خالد الكركي نائب رئيس الوزراء وزير الاعلام الأردني التعليق على الأمر، لكنه أكد ان البيان الرسمي الصادر عن الحكومة الاردنية في شأن لجوء الفريق المجيد الى الأردن "يعبِّر بوضوح عن رأيها، وان الأردن كان وسيبقى موطناً لكل من يستجير به من أشقائه العرب".
وكان مصدر أردني مسؤول أعلن في بيان رسمي ان وزير الصناعة والتصنيع الحربي العراقي وشقيقه العقيد صدام كامل حسن المجيد والرائد عزالدين محمد حسن، وعائلاتهم وعدداً من المرافقين وصلوا الى العاصمة الأردنية الثلثاء 8 آب اغسطس الجاري، "وقابل الفريق حسين كامل العاهل الأردني الملك حسين والتمس منه السماح له ولمرافقيه بالاقامة في الأردن وان يتكرم برعايتهم" في بلاده.
وأضاف البيان ان الملك حسين أصدر توجيهاته بالترحيب بهم ورعايتهم باعتبارهم "اخوة من العراق الشقيق، يختارون الأردن موئل أبناء الأمة في الرخاء والشدة مستقراً وحِمى يجدون في ظل قيادته الأمن والحياة الكريمة".
ووصف مسؤول أردني كبير لم يشأ كشف اسمه الفريق المجيد بأنه "الرجل الأقوى في العراق بعد الرئيس صدام". وقال ان خروجه من الحكم بهذه الصورة "يعتبر ضربة موجعة للنظام العراقي".
وأضاف ان الفريق المجيد "قال كلاماً خطيراً عن الأوضاع الداخلية في العراق، خصوصاً في شأن الانتهاكات الفاضحة لحقوق الانسان". وتوقع ان تظهر آثار هذا الحادث على النظام العراقي "قريباً جداً، خصوصاً لجهة منح صلاحيات أكبر لعدي نجل الرئيس صدام حسين".
وتحدث الدكتور كامل أبو جابر وزير الخارجية الأردني السابق الى "الوسط" عن أبعاد انشقاق الفريق المجيد ولجوئه الى الأردن، فقال: "ان أقل ما يقال في هذا الشأن ان بيت الحكم في العراق منقسم على ذاته". وأضاف أن المعلومات غير متوافرة بدقة عما يجري في العراق لأسباب يعلمها الجميع، الا ان هذه الحادثة تشير الى شرخ أساسي في مؤسسة الحكم العراقي".
لكنه استبعد انهيار الحكم العراقي في هذه الفترة، لأن صدام حسين اثبت خلال السنوات الخمس الماضية أنه يعي أبعاد ما يجري، ولم يسمح لمقاليد الأمور بأن تفلت من يديه. واستبعد أيضاً ان تساهم الحادثة في التفكير في تداول السلطة سلمياً في العراق، وقال: "إن هذا الأسلوب غير وارد في العراق بالذات".
ابن عمه؟ عشيرته؟
أجمعت المصادر التي تحدثت اليها "الوسط" على ان القرابة التي تربط الرئيس العراقي بآل المجيد ليست علاقة ابناء عمومة مباشرة كما يتبادر لكثيرين، اذ ان صفة ابن العم لدى العراقيين قد تعني في الغالب الانتماء الى العشيرة نفسها، وان يكن وارداً ان ثمة صلات رحم بعيدة بين الاسرتين.
وصدام حسين، كما هو معروف، متزوج من ابنة خاله السيدة ساجدة خيرالله طلفاح. وقد أنجبا ولدين وثلاث بنات: عدي، وقصي، ورغد، ورنا وحلا، وتوصف الأخيرة بأنها المدللة لدى والدها.
وفيما زوّج الرئيس ابنتيه اللاجئتين الى الأردن أخيراً لحسين وصدام كامل المجيد، اختار أخاهما الأصغر حكيم كامل المجيد زوجاً لصغرى بناته حَلا.
وبعد مقتل شقيق زوجته وابن خاله عدنان خيرالله وزير الدفاع في حادث تحطم مروحية كانت تقله، في ظروف غامضة، تدهورت العلاقات بين الرئيس وزوجته. وأكدت مصادر عراقية عملت فترة طويلة في بيت الرئيس ان التدهور بلغ درجة تفتيش قرينة الرئيس اذا كانت ذاهبة الى مقابلة زوجها. وطبقاً للمصادر فان العلاقات بينهما لم تعد الى سابق عهدها اثر اغتيال عدنان خيرالله. وأكدت ان السيدة ساجدة تقيم منذ سنوات عدة في قصر خاص بها ضمن المجمع الرئاسي في العامرية، على طريق المطار في بغداد.
ولكن من هو حسين كامل حسن المجيد؟ وكيف قفز من نائب عريف في الجيش الى رتبة فريق أول ركن؟ مثل صدام حسين، ولد المجيد في تكريت. وقبل تولي صدام الحكم كان يعمل صبي مكتب مراسل وسائقاً خاصاً للرئيس الراحل أحمد حسن البكر. وعندما توفي البكر أعيد المجيد الى الجيش برتبته نفسها نائب عريف. وبعدما تولى صدام الحكم أصدر أمراً بترقية المجيد الى رتبة ملازم. وبقي يمارس مهمات غير بارزة حتى العام 1984 عندما رأى صدام حسين ان يستفيد منه في انشاء جهاز خاص بقوات الطوارئ التي تسمى حالياً "جهاز الأمن الخاص" ويديرها قصي أصغر نجلي الرئيس.
عندئذ رُقي المجيد الى رتبة مقدم، وأُسبغ عليه لقب مدير قوات الطوارئ. وبعد انشائها بدأ المجيد يؤسس قوات الحرس الجمهوري الخاص. وشارك في معارك حرب الخليج بقيادة ثلاثة أفواج أنشأها بنفسه، وأشرف على تدريبها وتسليحها. ولم يكن بحاجة الى لفت الرئيس الى مواهبه وقدراته، اذ انه كان يقيم مع صدام حسين في المجمع الرئاسي نفسه، بعدما تزوج ابنته رغد مطلع الثمانينات.
وكانت المكافأة تعيينه وزيراً للصناعة والتصنيع الحربي. وبدأ ينشئ شبكات السماسرة والعملاء لتزويد الجيش العراقي الأسلحة التي يحتاج اليها. ومع ان المسؤولية الوزارية اقتضت ان يتخلى عن ادارة جهاز الأمن الخاص للواء فنار الزبن، الا انه ظل عملياً يرأس اللواء الزبن ويصدر اليه التعليمات في كل كبيرة وصغيرة تتعلق بعمل القوات الخاصة. وهو وضع لم يتغير الا بعدما قرر الرئيس تسليم ادارة الأمن الخاص الى ابنه قصي.
وعلى رغم ان الفريق المجيد قطع شوطاً كبيراً في عمليات التصنيع الحربي، ودخل بالعراق عصر برامج الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية، فان ذلك كله لم يشفع له شيئاً لدى الرئيس عندما غضب منه. وقال مصدر وثيق الصلة بأسرة صدام حسين ان الأخير يستعين دوماً بريبته في كل شيء ليتحسس الأخطار التي توشك ان تدهمه، ولذلك لم يتردد في القبض على حسين كامل المجيد عندما أبلغه كبار قادة الأمن بأن أفراداً ضبطوا في تكريت متلبسين بطبع عملة مزيفة قالوا انهم يعملون لحساب المجيد.
وأضاف: حدث ذلك العام 1993. ولم نشعر الا بتعليمات الرئيس فجأة بمصادرة ممتلكات الفريق المجيد، وتنحيته من كل مناصبه، بل أرغمه الرئيس على ان يطلق زوجته. وأمر بتحديد اقامته في مزرعته، في ضاحية الراشدية في بغداد. غير ان الرئيس عاد بعد شهرين ليعفو عنه ويعيد اليه كل ممتلكاته ومناصبه.
رئيس فوق الرئيس
اذا كانت مشكلة صدام تكمن في تقلباته وعدم التكهن بمزاجه، فإن مشكلة نظامه وبيته تكمن في تصرفات نجله الأكبر عدي الذي يصفه كثيرون بأنه "رئيس فوق الرئيس". وفيما ذكر على نطاق واسع ان عدي هو سبب مشكلات المجيد التي دفعته الى مغادرة البلاد، فإن مصادر عراقية مطلعة تقول ان عدي اختار منذ البداية ان يناصب الفريق المجيد العداء لاحساسه بأن الأخير ينافسه في التجارة والعمولات والعقارات. ويؤكد لطيف يحيى البديل السابق لعدي يقيم في أوروبا الغربية حالياً: كثيراً كنّا نشاهد نحن العاملين مع عدي حراس الأخير يتبادلون نيران الرشاشات مع حراس المجيد. وعدي لا يدخل مطلقاً مكاناً يوجد فيه المجيد. والعكس صحيح.
عدي في عمان
وإثر اعلان الأردن منح المجيد وشقيقه ومرافقيهما اللجوء السياسي وصل الى عمان عدي يرافقه عدد من مساعديه. ولم يعلن شيء عن طبيعة محادثاته مع المسؤولين الأردنيين. غير ان مصدراً أردنياً رفيع المستوى أكد لپ"الوسط" ان عدي وصل مصطحباً قريبه علي حسن المجيد الذي تولى في السابق مناصب عسكرية ومدنية رفيعة. وقال ان عدي أبلغ الأردنيين انه يسعى الى تسوية الخلافات مع الفريق المجيد. لكن الأردنيين تمسكوا بأنهم لن يتخلوا عن الوعد الذي قطعوه للمجيد باجارته.
وقالت مصادر أردنية رفيعة المستوى لپ"الوسط" ان عدي أبلغ ان الفريق المجيد ذكر للملك حسين انه لا يستطيع ان يصف الوضع في العراق بشيء "أقل من كلمة رهيب"، وانه قال ان الخلاف مع مؤسسة الحكم ليس عائلياً، وانه أكد ان عدي صدام حسين "هو المسؤول الأساسي عن كل شيء".
أما صدام كامل حسن المجيد فهو ضابط شاب يرافق الرئيس في كل تحركاته ليوفر له حماية شخصية. وربما قرّبه الى قلب صدام حسين انه شديد الشبه به الى درجة التطابق في الملامح والسحنة.
ولا يعرف السبب الحقيقي الذي دفع بصدام كامل للانضمام إلى شقيقه في الخروج من العراق. غير ان ضباطاً سابقين في حرس الرئيس العراقي قالوا إن صدام كامل يدرك أنه قد يضطر، إن بقي، إلى دفع ثمن هروب أخيه، "فهو يعرف حماه جيدا". ويشار إلى أن معاقبة أسر المنشقين السياسيين أمر شائع في بغداد.
وقال أحد أولئك الضباط ل "الوسط" إنه شاهد بنفسه وحشية المقدم صدام كامل ابان قمع الانتفاضة التي هبت في العراق عقب تحرير الكويت "رأيته بعيني يقتل بمسدسه أكثر من 100 مواطن، في اذار مارس 1991، في معسكر الرضوانية الذي يقع في طرف بغداد، من دون محاكمات".
وأضاف: كان صدام كامل يجلس على كرسي أمام المعتقلين، ويقول لهم بصوت عالٍ "من يقول أنا دخيل صدام سأعفو عنه". ومع ذلك كان يتولى بنفسه إعدام من يستجيبون طلبه، وكان يقول لهم قبل أن يفرغ رصاصه في صدورهم: "صدام لا يريد شخصاً جباناً".
أما حكيم كامل حسن المجيد أصغر اصهار الرئيس فهو ضابط برتبة ملازم أول في القوات الخاصة وهو من مواليد العام 1971. ولم تستبعد مصادر المعارضة العراقية ان يعتقل ويعذب فترة قصيرة قبل اعادته إلى عمله رداً على انشقاق اخويه.
اعادة تخطيط التحالف
خبراء الشأن العراقي في لندن رأوا ان هذه التطورات ستحمل صدام حسين على إعادة النظر في التحالف العشائري المحيط به، وهو التحالف الذي بقي على الدوام دعامة أمنية واستخبارية لنظامه. ولاحظوا ان ذلك التحالف ظل يقدم دوماً على المحور العشائري وينطلق إلى مراكز قوة تضعف وتقوى كيفما شاء الرئيس العراقي.
أبرز تلك المراكز اخوان صدام حسين غير الأشقاء: برزان ووطبان وسبعاوي ابراهيم الحسن. وبعدما تولى برزان منصب مدير المخابرات العامة اختار، برضاء اخيه الرئيس، أن يتفرغ لأموال الدولة والأسرة تحت ستار وظيفة ممثل للعراق لدى المقر الأوروبي لمنظمة الأمم المتحدة. ومع أن نقله أو انتقاله إلى جنيف يبدو انتقاصاً من سطوته، إلا أن المعارضين العراقيين يرون ان صدام لا يجرؤ على المساس به لأنه أمين المال والقيم على أسرار المبادلات التجارية غير المعلنة وصفقات الأسلحة.
أما وطبان فقد ازيح من منصب وزير الداخلية إثر التوتر الأخير في علاقات الرئيس مع عشائر الدليم. ويتولى سبعاوي منصب مدير الأمن العام "وهو منصب مهم لكنه ليس أساسياً" على حد تعبير مسؤول غربي.
التكتل العشائري الثاني الذي اعتمد عليه صدام حسين في تعزيز سلطته: بيت خاله الحاج خيرالله طلفاح الذي أشرف على تربيته، وزوّجه ابنته ساجدة. وقد برز من هذا المحور الفريق عدنان الذي قاد معارك الحرب العراقية - الايرانية. غير ان هذا المحور لم يعد له وجود بعد مقتل عدنان خير الله، وانفصال ساجدة عن زوجها.
اما المحور الثالث فهو محور آل المجيد. وقد رفّع الرئيس قريبه علي حسن المجيد حتى ولاّه حقيبة الدفاع، وكلّفه قبل ذلك متابعة ملف مشكلة أكراد العراق، وعينه ابان غزو الكويت مسؤولاً عن مسرح العمليات في الكويت. لكنه تخلص منه مستغلاً ظروف تعدد عمليات الهروب من الخدمة العسكرية، وتضعضع معنويات القوات المسلحة اثر الهزيمة التي منيت بها في حرب تحرير الكويت. واكتفى بتعيينه رئيساً لدائرة العمال في حزب البعث الحاكم، وهو المنصب الذي يشغله حالياً. واستعان بالطبع بالفريق المجيد وشقيقه صدام كامل.
غير ان هروب الأخيرين مع عدد كبير من الضباط الموالين لهما يعني عملياً ان ذلك المثلث ينهار الآن بأضلاعه الثلاثة.
من بقي مع صدام؟
من المؤكد ان نجلي الرئيس - عدي وقصي - هما المركز الوحيد القوي الذي بقي معه. غير ان الخبراء ومساعدي صدام وعدي السابقين الذين تحدثت اليهم "الوسط" اجمعوا على ان ما حدث أخيراً لن يعني انهيار صدام او نظامه في الحال. وإن أقروا بأنه يزيد تآكل النظام والأسرة الحاكمة.
وقال هاني الفكيكي نائب رئيس المجلس التنفيذي للمؤتمر الوطني العراقي المعارض لپ"الوسط": "نتوقع ونتمنى ان تتآكل هذه العصابة، وتتعمق خلافاتها وصراعاتها، لكننا لا نريد ان نرى العراق يتمزق مع تمزق هذه العائلة الجائرة الظالمة".
اللصيقون بالشأن العراقي قالوا ان عدي يكرس دوره لخلافة والده، وهو لا يريد أي منافس حالي او محتمل. والخلاصة السياسية التي تصل اليها المصادر الأردنية التي تابعت عن قرب ما حدث في بغداد خلال الأيام الماضية تذهب الى ان عدي قد يكون حسم الصراع على خلافة أبيه لمصلحته، "لكن ذلك الحسم جاء باهظ الثمن بالنسبة الى صدام نفسه الذي فقد الآن آخر أركان حكمه التي كان لا يزال يستند اليها".
ووصفت المصادر نفسها ما حدث بأنه "أكثر بكثير من مجرد لجوء عدد من أفراد الأسرة، بل انه انشقاق خطير فيها. ومن أوجه الخطورة الاستثنائية فيه انه يشمل للمرة الأولى ضباطاً وعناصر من ألوية الأمن الرئاسي الخاصة بصدام حسين شخصياً والتي كان يقودها المقدم صدام كامل حسن المجيد، الى جانب بعض خيرة ضباط الحرس الجمهوري والقوات الخاصة التي كان شقيقه الفريق المجيد يتولى الاشراف عليها وادارتها في وقت سابق".
وربما أصبح عدي الآن رجل والده الوحيد، علماً بأنه على خلاف مع شقيقه قصي الذي لا تستبعد المصادر ان يكون الهدف التالي لعدي في سعيه الى الانفراد بالسلطة. لكن الخطورة تكمن في ان النظام العراقي بات الآن من دون أركان. وتستبعد المصادر ان يتمكن عدي بمفرده من الامساك بزمام كل الأجهزة ومراكز القوة المتنافرة التي خلت قياداتها الآن اثر الانشقاق الأخير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.