توصل قادة فصائل المعارضة السودانية المنضوية تحت مظلة "التجمع الوطني الديموقراطي" في مؤتمرهم الاخير الذي عقد في اسمره، الى قناعة مفادها ان أزمات السودان، القديمة والجديدة، ناجمة اساساً من طبيعة تركيبة الوحدة السودانية المحكومة بمنطق المركز والاطراف من ناحية، وبهيمنة الشمال على الجنوب من ناحية ثانية. واعترف المؤتمرون بضرورة اعادة بناء وحدة السودان على اسس جديدة لا تلجأ الى القهر القومي ومصادرة حقوق الانسان خصوصاً حقوق الاقليات، مؤكدين ان السودان متعدد الاديان والثقافات والاثنيات واللغات. ولمست "الوسط" من خلال لقاءاتها مع قيادات وكوادر قوى المعارضة الشمالية والجنوبية، وجود رغبة عارمة في سودان واحد موحد، اذ لم يتحدث احد عن اي مشروع انفصالي، بل ان فكرة الانفصال لم تطرح ابداً على بساط البحث. ففي حديث ل "الوسط" قال الدكتور عمر نور الدايم: "يدعي نظام الجبهة الاسلامية القومية" انه "البديل الحضاري"، ولكنه البديل القائم على القهر، والعنف والارهاب وبيوت الاشباح وسياسة اسلمة الجنوب التي تقود السودان الى حتفه، وتغرس الحقد والكراهية في نفوس اهلنا في الجنوب، لدرجة انهم باتوا يطرحون مسألة انفصال الجنوب ليس كحل لمشاكلهم، ولكن كخلاص من الواقع الظالم والظلم". وركز زعيم "الحركة الشعبية لتحرير السودان" العقيد جون قرنق على السلام قائلاً: "لم نأت الى اسمره لاعلان الحرب ضد الخرطوم، بقدر ما نرمي الى احلال السلام في السودان". وللحيلولة دون انهيار السودان، اذا ما استمرت الحرب، وطال عمر النظام، بحثت المعارضة بصورة عملية، طريقة وصولها الى السلطة في اقرب وقت ممكن، وبأقل الخسائر البشرية، والمادية. في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر كما في الجلسة الختامية، كرر العقيد قرنق الذي ترأس كل جلسات المؤتمر، رأيه بعدم الاسترسال طويلاً في الاحلام، وناشد حلفاءه في "التجمع الوطني الديموقراطي" "باختصار الكلام، وتكثيف العمل". وبعد اخذ ورد ومناقشات جماعية، ولقاءات ثنائية، وتحرك جانبي من قيادة "الجبهة الشعبية للديموقراطية والعدالة" الاريترية اقرت المعارضة السودانية ليس مشروعية الكفاح المسلح الذي تخوضه "الحركة الشعبية لتحرير السودان" منذ عام 1983، وانما مسؤولية "كل فصائل الشعب السوداني" باستخدام السلاح لاسقاط نظام الرئيس عمر البشير. وكلفت نائب رئيس "التجمع" ورئيس مكتب الشؤون العسكرية، الفريق أول فتحي احمد علي وضع خطة عسكرية - مدنية لاسقاط نظام "الجبهة الاسلامية القومية"، على ان تركز خطوطها العريضة على فتح جبهتين عسكريتين واحدة في شرق السودان، خصوصاً في مناطق "مؤتمر البجا"، واخرى في غربه، وتحديداً في اقليم دارفور. على ان يتم التنسيق بين الجبهتين الشرقية والغربية والجبهة الجنوبية. اضافة الى اعطاء دفعة جديدة لمشروع "لواء السودان الجديد"، وتولي حزب الامة والحزب الاتحادي الديموقراطي والحزب الشيوعي مهمة اعداد وتنظيم انتفاضة شعبية في الخرطوم، لتدخل بدورها الى مسرح الاحداث والعمليات العسكرية، في اللحظات الاخيرة، اي بعدما تكتمل حلقات استنزاف النظام معنوياً وعسكرياً. وعلق الأمين العام ل "التجمع الوطني الديموقراطي"، مبارك الفاضل المهدي في حديث مع "الوسط" على آليات اسقاط النظام بالقول: "لقد كانت اولى مهام هذا المؤتمر تصعيد النضال لاسقاط نظام "الجبهة الاسلامية القومية" ولا غرابة اذا ما أولينا اهمية قصوى للمسألة العسكرية والامنية من دون اهمال مسألة تصعيد الكفاح السياسي من خلال قيامنا بحملة ديبلوماسية واسعة النطاق في كل الدوائر الافريقية والعربية والآسيوية والغربية". وحاول مؤتمر اسمره فك الارتباط بين الدين والسياسة بشكل يتجاوز "اتفاق نيروبي" الموقع في 13 كانون الاول ديسمبر 1994 حول هذه المسألة تحديداً. وحدث تحول كبير في موقف حزب الامة والاتحادي الديموقراطي حول طبيعة العلاقة بين الشؤون السياسية والدينية، بناء على المادة الثالثة من ميثاق "التجمع" الجديد التي تنص حرفياً على الآتي: "لا يجوز لأي حزب سياسي ان يؤسس على اساس ديني"، وينسحب هذا على المدارس الصوفية، سواء كانت المهدية او الختمية. وكانت "الوسط" حصلت على "مشروع قرار حزب الامة حول الدين والدولة" الذي يتضمن هذه المادة التي شكلت محور لقاءات اقطاب المعارضة الشمالية و"الحركة الشعبية" وأكد اكثر من معارض، ان فصل الدين عن السياسة لا يعني اطلاقاً فصل الدين عن المجتمع. وخير دليل على ذلك ما جاء في المادة الرابعة: "تعترف الدولة وتحترم تعدد الاديان وكريم المعتقدات، وتلزم نفسها بالعمل على تحقيق التعايش والتفاعل السلمي والمساواة والتسامح بين الاديان، وكريم المعتقدات، وتسمح بحرية الدعوة السلمية للاديان، وتمنع الاكراه، او اي فعل او اجراء يحرض على اثارة النعرات الدينية والكراهية العنصرية في اي مكان ومنبر أو موقع في السودان". وتحاشى "المؤتمرون ذكر المساجد والكنائس ودار نقاش جانبي حول هذه المسألة شهدته "الوسط" في احد اجنحة فندق "السلام" في اسمره".