النظام خدع مواطنيه وفرض عليهم حكم الارهاب والتعذيب لكنه اليوم ضعيف جبهة الترابي أجرت أكبر عملية تصفية في القوات المسلحة السودانية المعارضة قادرة على اسقاط النظام وتسلم الحكم في الخرطوم انقسام في الآراء حول قضية التدخل الاجنبي في السودان تفتح "الوسط" ملف المعارضة السودانية لنظام الرئيس عمر حسن البشير من خلال لقاءات وحوارات اجرتها مع ثمانية من قادة هذه المعارضة، التقت كل واحد منهم على انفراد، في جنيف، على هامش اجتماعات لجنة حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة. وقد خصصت لجنة حقوق الانسان جلسات عدة في جنيف لدرس قضية انتهاكات حقوق الانسان في السودان، وذلك في نهاية الشهر الماضي ومطلع آذار مارس الجاري. وقام قادة المعارضة السودانية الذين التقتهم "الوسط" باتصالات واسعة مع مندوبي الدول ومع المنظمات غير الحكومية على هامش اعمال لجنة حقوق الانسان في جنيف. كما القى عضو وفد المعارضة السودانية الدكتور امين مكي مدني، رئيس المنظمة السودانية لحقوق الانسان، كلة امام لجنة حقوق الانسان. وفي ما يأتي شخصيات المعارضة السودانية التي التقت بها "الوسط" وتحاورت معها: الاستاذ فاروق ابو عيسى، الامين العام لاتحاد المحامين العرب. الدكتور أمين مكي مدني، رئيس المنظمة السودانية لحقوق الانسان. الاستاذ أحمد عقيل أحمد، ممثل حزب الامة في غرب اوروبا. الدكتور عمر الشيخ عوض، ممثل الحزب الاتحادي الديموقراطي وعضو المكتب السياسي. الفريق عبدالرحمن سعيد عبدالرحمن، نائب القائد العام للقوات المسلحة السودانية قبل ثورة البشير. الاستاذ منير شيخ الدين منير، ممثل الحزب القومي السوداني. الاستاذ التيجاني بابكر الطيب، ممثل الحزب الشيوعي السوداني. الاستاذ أبدون أقاو، ممثل الاحزاب الجنوبية السودانية. وفي ما يأتي حصيلة هذه المقابلات مع الزعماء الثمانية: اذا كان حلم المعارضة، في أي بلد من البلدان، ان تصل الى السلطة، فان المعارضة السودانية التي تلتقي في التجمع الوطني الديموقراطي السوداني لا تشذ عن هذه القاعدة. غير ان المشكلة التي تواجهها المعارضة السودانية، بأجنحتها المختلفة، تتمثل في النظام القائم في السودان الذي تقول عنه انه لا يمثل اكثر من 5 في المئة من الشعب السوداني. فاذا كان هذا القول صحيحاً، فلماذا يبقى هذا النظام في السلطة؟ وهل المعارضة السودانية، بما في ذلك الحركة الشعبية والجيش الشعبي العقيد جون قرنق قادرة بقواها الذاتية على اسقاط نظام الرئيس عمر حسن البشير؟ أم أنها تحتاج الى تدخل اجنبي، من الأممالمتحدة او من جانب طرف آخر وبصيغة اخرى؟ ثم ان سؤالاً آخر يطرح: هل المعارضة السودانية التي تضم احد عشر حزباً متفقة في ما بينها على الملفات الساخنة التي تمزق السودان، مثل الحرب في الجنوب ومسألة الهوية والمواطنة ومسألة التنمية وتوزيع الثروة والسياسة الخارجية؟ واذا كان صحيحاً ان التجربة الديموقراطية في السودان غنية، فان الصحيح ايضاً ان هذه الاحزاب، مؤتلفة او غير مؤتلفة، مارست السلطة وعجزت عن ايجاد الحلول المقبولة لهذه المشاكل، وبالتالي فما الذي يضمن للمواطن السوداني ان تكون هذه الاحزاب استفادت من عبر الماضي وغيّرت ممارساتها السياسية وأداءها السياسي؟ وانها اذا ما عادت الى السلطة ستنجز غداً ما عجزت عن انجازه امس؟ اضف الى ذلك ان نظام عمر حسن البشير الذي يحكم السودان بدعم او بمشاركة الجبهة القومية الاسلامية التي يقودها الدكتور حسن الترابي، آخذ في زرع الألغام على طريق المعارضة السودانية ويسعى الى ايجاد واقع في السودان لا يمكن الرجوع عنه. فهو من جهة يقول ان الهجوم الذي يتعرض له سببه "التوجه الاسلامي للنظام"، وهو من جهة اخرى يتهم المعارضة بأنها "تمهد للتدخل الاجنبي وتسيء الى السودان بتصريحاتها وادعاءاتها. اما بخصوص الحرب في الجنوب، فلا شك ان الحكم في السودان يستخدم اكثر من ورقة: اللعب على تناقضات الحركة الشعبية وتعميق الانقسام داخل التنظيمات الجنوبية المسلحة، قطع الجيش الشعبي عن قواعده الخلفية بالاتفاق مع اثيوبيا وكينيا، واخيراً مع اوغندا، الاستمرار في المفاوضات مع قرنق وطرح الفيديرالية كحل لمشكلة الجنوب اضافة الى السعي الى احداث شرخ بين الحركة الشعبية الجنوبية والاحزاب الشمالية. كل ذلك دفعنا الى فتح ملف المعارضة السودانية باحزابها المهمة في الجنوب والشمال للتعرّف على مشاريعها وخططها ومكامن قوتها ونقاط ضعفها. قوة النظام من ضعف المعارضة يقول فاروق ابو عيسى، الامين العام لاتحاد المحامين العرب، الذي كان طيلة 11 عاماً سكرتير نقابة المحامين في السودان ثم عُين في بداية عهد الرئيس جعفر نميري وزيراً للخارجية، وهو احد الوجوه البارزة للمعارضة السودانية في الخارج، ان بقاء نظام البشير في السلطة على رغم ضعف القاعدة الشعبية التي يمثلها والصعوبات الاقتصادية والاجتماعية والعزلة الدولية، يمكن رده الى ثلاثة اسباب رئيسية: 1 - ضعف احزاب المعارضة الناتج عن ادائها السيء في الفترة التي سبقت الانقلاب العسكري الذي وضع حداً لحكومة الصادق المهدي، الامر الذي لا يدفع المواطن السوداني للنضال من اجل استعادة الديموقراطية والمطالبة بعودة الاحزاب. 2 - ضعف الامكانات المادية للتجمع الوطني الديموقراطي الذي يضم الاحزاب السودانية المعارضة. ويؤكد الاستاذ فاروق ابو عيسى ان معارضين باعوا حلي نسائهم لتوفير الاموال اللازمة لمجيء وفد المعارضة الى مؤتمر حقوق الانسان التاسع والاربعين في جنيف. 3 - النظام السوداني الحالي تخطّى كل ما عرفه الشعب السوداني من ضغط وإرهاب إبان عهد النظامين العسكريين السابقين: عبود والنميري. فقد حل الجمعيات والاحزاب، وخصوصاً "النقابات التي كانت دائماً الاوعية الضرورية لحركة استعادة الديموقراطية. وحتى الآن ترفض السلطة عودة النقابات. غير انها بدأت تتجمع سراً من جديد. وهي آخذة اكثر فأكثر في لعب دور نشط". ويضيف فاروق ابو عيسى: "لا يمكن تناسي التخويف والارهاب والتعذيب، فما اصاب المناضلين والحزبيين السودانيين لم يحدث مثله في تاريخ السودان، الامر الذي اخاف الناس لفترة. وليس من العيب اطلاقاً ان نعترف بذلك. غير ان الناس تخلّصت الآن من حالة الخوف وأصبحت في حالة صدام مع النظام نتيجة الحالة الاقتصادية المتردية، وبسبب الضغوط التي تمارس على النظام بفضل عملنا نحن وعمل المنظمات الدولية المعنية بحقوق الانسان وعدد كبير من دول العالم". ويضيف فاروق ابو عيسى: "اليوم، اصبح الباب مفتوحاً امام الشعب السوداني لتصفية هذا النظام الذي هو اليوم اضعف مما كان عليه منذ سنتين. النظام نجح في خداع الناس بشعاراته الكاذبة. غير ان كل ذلك انكشف اليوم. وسياسة النظام الاقتصادية دفعت بالسودان الى الاختناق الاقتصادي. فمنتوجات السودان المحلية لا تدر عليه دولاراً واحداً وسياسة الحكومة الخرقاء باستبدال القمح بالقطن حرمت البلاد من 500 مليون دولار سنوياً، فلا القمح يكفي حاجات الناس ولا القطن ينتج. ومع ذلك، فالنظام يدّعي انه مزّق فاتورة القمح وفاتورة السكر! والحال ان رغيف الخبز في الخرطوم ثمنه عشرة جنيهات ورطل السكر 105 جنيهات وكيلوغرام اللحم 450 جنيهاً، في حين ان مرتب اكبر موظف في الدولة - وكيل وزارة - لا يتجاوز السبعة آلاف جنيه مما يعني ان الموظف العادي يستهلك كل مرتبه في يومين من الطعام. ولذلك فالخرطوم تعيش حالة من الجوع حيث عائلات كثيرة لا تستطيع اطعام ابنائها اكثر من وجبة واحدة". ويخلص فاروق ابو عيسى الى القول: "ان شعارات النظام سقطت كلها، وأحاديثه عن حل المشاكل الاقتصادية والرخاء والعفة... كل ذلك سقط. فالفساد الذي يعيشه رجال الجبهة الاسلامية في الحكم وتجارها خارجه هو اكبر فساد عرفه السودان في تاريخه". ويقول التيجاني بابكر الطيب، ممثل الحزب الشيوعي في التجمع الوطني الديموقراطي ومن ابرز شخصيات المعارضة السودانية في الخارج، في تحليله لمكامن قوة نظام البشير: "ان عمر هذا النظام اقل من أربع سنوات. وعلينا الا ننسى ان نظام نميري عاش ستة عشر عاماً ثم سقط". ويضيف التيجاني بابكر الطيب: "هذا النظام يحكم السودان بالقهر والظلم والتشتيت. في السودان حالة من الخوف. انا شخصياً بقيت في السجون السودانية مدة 13 عاماً وأعرف ان القهر موجود. لكن علينا ايضاً ان نعترف باننا لم ننظم شؤوننا بما فيه الكفاية. فقوة النظام في ضعفنا في تنظيم انفسنا وفي الاستفادة من السند المعنوي العالمي لقضيتنا". ويقول الدكتور عمر الشيخ عوض ان استمرار نظام البشير "يعتمد على الارهاب والدعم الايراني - وليس في ذلك قوة له بل مقومات بقاء موقت جداً. وهذا النظام مرفوض من الشعب السوداني والمجتمع الدولي. ترفضه كل فصائل الشعب، باستثناء الجبهة القومية الاسلامية التي أتت الى الحكم. ومرفوض اقليمياً لأنه يصدر الارهاب الى المنطقة العربية والافريقية. ومرفوض دولياً لأنه يحرم المواطن السوداني من حقوقه المشروعة عالمياً". اما الفريق عبدالرحمن سعيد عبدالرحمن، فيعتبر ان "النظام الحالي ليست له قوة ومكانة، بدليل انه ما زال يفرض حالة الطوارئ ويحظر التجوّل. وقد حوّل النظام العاصمة الخرطوم الى ثكنة عسكرية حقيقية ركّز فيها كل القوات الموالية له وارسل القوات التي لا يضمن ولاءها الى مناطق القتال في جنوب السودان". الجيش وجبهة الترابي ويستطرد الفريق عبدالرحمن الذي يعيش في القاهرة حالياً بعد ان أمضى في السجن اشهراً عدة بتهمة التآمر على النظام الحالي والمشاركة في محاولة لقلبه، في تحليل العلاقة القائمة بين نظام البشير والقوات السودانية المسلحة قائلا: "القوات السودانية المسلحة عرفت بأنها قوات قومية تضم في صفوفها كل ابناء السودان من الشمال والجنوب، من الشرق والغرب، كما انها تضم المسلم والمسيحي، وعرفت كذلك بحيادها وبحفاظها على الدروس وعلى حدود السودان من أي اعتداء خارجي. الا انها بعد انقلاب 30 حزيران يونيو 9198، اصبحت القوات المسلحة أداة في يد حزب واحد هو الجبهة القومية الاسلامية التي استطاعت بتغلغلها داخل هذه القوات ان تكسب بعض الكوادر. وهذه الكوادر شاركت مع ميليشيات الجبهة في الانقلاب العسكري. وقد بدأت عقب ذلك اكبر عملية تصفية في القوات المسلحة اصابت العناصر الوطنية التي يمكن ان تقف في طريق الجبهة القومية الاسلامية بزعامة الترابي وتعيق تسلطها على الدولة". ويعطي الفريق عبدالرحمن بعض الارقام عن التصفيات التي حصلت: فقد فصل من القوات المسلحة، وفق ما يقوله، ما يزيد على 2500 ضابط وأكثر من عشرين ألف عسكري من الرتب الاخرى. ويؤكد الفريق عبدالرحمن ان ميليشيات الجبهة الاسلامية، المولجة حماية النظام، اخذت توازي القوات السودانية المسلحة، وهي تتمتع بكل الامتيازات التي يتمتع بها الجيش القومي السوداني. وخلاصة الفريق عبدالرحمن ان "النظام الحالي في الخرطوم ضعيف، من جهة بسبب انكماش القاعدة الشعبية له، ومن جهة اخرى بسبب ضعف الولاء الذي يتمتع به داخل القوات السودانية المسلحة". المعارضة أهل لتسلّم السلطة؟ اذا كانت هذه حال النظام القائم حالياً في السودان من ضعف في الداخل وعزلة دولية في الخارج، وإذا كان النظام يفتقد الولاء الشعبي وولاء القوات المسلحة السودانية، وإذا كان استمراره هو بفعل القمع، فهل ان سقوطه قريب؟ وهل ان المعارضة السودانية التي تلتقي في اطار التجمع الوطني السوداني 14 حزباً و51 نقابة اضافة الى القيادة الشرعية للقوات المسلحة المتمثلة بالفريق اول فتحي احمد علي والفريق عبدالرحمن سعيد عبدالرحمن هل هذه المعارضة اهل لأن تتفادى غداً الاخطاء التي ارتكبتها في الامس؟ يجيب فاروق ابو عيسى عن هذا السؤال بقوله: "رأيي ان الاحزاب السودانية لم تتعلم الدرس. ولا استغرب ان ترتكب الكثير من الاخطاء التي ارتكبتها. لكن هذه المرة، الوضع سيكون مختلفاً اذ ان الشعب السوداني لن يسمح للأحزاب بأن تكرر ممارساتها في السلطة. اضف الى ذلك، ان ثمة تيارات قوية، داخل كل حزب من احزاب المعارضة، تدفع باتجاه التغيير الداخلي وترفض الابقاء على القديم وتطالب بممارسة الديموقراطية الداخلية والانتهاء من زمن الاعتماد على الرأي الواحد. وهذا ينعش الامل وينبئ بمستقبل طيب للعمل الحزبي في السودان". هذا التشخيص الحاد والقاسي لوضع المعارضة السودانية ولكيفية ممارسة احزابها للسلطة عندما كانت في الحكم وفي الفترة التي سبقت الانقلاب العسكري عام 1989 يبدو مقبولاًَ بشكل عام مع وجود بعض التمايزات والفروق. يقول احمد عقيل احمد، ممثل حزب الامة في التجمع الوطني الديموقراطي في غرب اوروبا، وكان نائباً في مجلس الامة ما بين 1986 و1989، ان تقويم اخطاء الماضي والاستفادة منها لا يعنيان فقط حزب الامة الذي حكم السودان بشخص الصادق المهدي ولكن كل القوى السياسية والنقابية وكذلك القوات المسلحة. ويعتبر احمد عقيل احمد ان القوى السياسية "لم تتعامل مع المسألة الديموقراطية بالجدية اللازمة لان الاحزاب كانت تفتقر الى عملية تنظيم حتى تكون مؤهلة لقيادة العمل السياسي". وخلاصة رأيه حول هذه النقطة ان "النظام الديموقراطي كان يعاني من بعض المثالب، والاحزاب السودانية بحاجة الى الشجاعة والتجرد لفهم اخطاء الماضي والعمل على علاجها وتفاديها". ونسأل أحمد عقيل أحمد: أين هي مكامن الخطأ؟ فيجيب: "اعتقد ان الخطأ كان في عدم ايجاد حل سريع وعادل للحرب في الجنوب. هذا خطأ كبير. وعندما اقتربنا من الاتفاق على علاج هذه القضية حصل الانقلاب. وقد أخطأنا كذلك في علاج المسألة الاقتصادية وفي بناء الشكل التنظيمي للمؤسسات الحزبية السودانية ولم نتفق على السياسة الخارجية التي عانت من شدّ ودفع بين القوى السياسية الموجودة على الساحة. هذه ثلاثة اخطاء أدّت الى ضعف النظام الديموقراطي، فضلاً عن ان الصحافة السودانية اعتمدت الإثارة وليس النقد الموضوعي مما اساء الى النظام الديموقراطي والى قياداته وخلق جواً من الإثارة. وقد تحولت النقابات الى لعب دور سياسي وكذلك فعلت القوات المسلحة". ولكن هل من ضمانة في حال عودتكم الى السلطة بإنكم لن تعيدوا ارتكاب هذه الاخطاء؟ يجيب أحمد عقيل أحمد على هذا السؤال بقوله: "الضمانة هي أننا، كمعارضة سودانية، اتفقنا على حلول لمعظم القضايا الموجودة: الوضع الاقتصادي للسودان، علاقاتنا الخارجية، الاعلام والصحافة، مشكلة الجنوب. نحن كمعارضة عندنا برنامج واضح ودقيق ومدروس لحل هذه القضايا". واذا كان صحيحاً ان أحزاب المعارضة السودانية وقعت كلها على ميثاق الا أنه من المبالغة القول أنها تقترح حلولاً لعدد من القضايا الرئيسية التي تواجهها اليوم وهي في المعارضة وستواجهها غداً اذا عادت الى السلطة. وعلى رأس هذه القضايا مسألة الحرب في الجنوب. اذ أنه من الواضح ان المعارضة التي تجتمع مع قرنق في اطار التجمع الوطني الديموقراطي لا تملك حلاً بالمعنى الحقيقي لهذه الكلمة بل إنها تقترح أن تناقش هذه المسألة في اطار المؤتمر الدستوري الذي سيدعى اليه بعد عودة الديموقراطىة الى السودان. متفقون على اسقاط البشير يقول منير شيخ الدين منير، عضو اللجنة المركزية في الحزب القومي السوداني وممثله في التجمع الوطني الديموقراطي في القاهرة، ان المعارضة السودانية تمثل 95 في المئة من الشعب السوداني و"قادرة على ان تكون بديلاً للنظام القائم. التجربة الديموقراطية السابقة مع المهدي كانت جيدة لكنها دامت وقتاً قصيراً، سطت بعدها الجبهة الاسلامية على السلطة. واعتقد جازماً ان هذه المعارضة مؤهلة في المستقبل لان تقود السودان الى بر الامان والاستقرار لانها وعت جيداً المشاكل التي تؤدي بالسودان الى الفشل والحروب". ويضيف منير شيخ الدين منير الذي ينتمي الى الاثنية الزنجية وقضى اشهراً طويلة في السجون، ما زالت آثارها ظاهرة على صدره وظهره: "في الفترة السابقة حصلت تجاوزات فردية. وكل الفعاليات السودانية مدركة للاخطاء التي ارتكبت. لدى المعارضة اليوم، تصوّر وطرح حضاري للمشاكل التي يعاني منها السودان. وما دام الطرح الحضاري الموجود اليوم مستمراً في المستقبل، فأعتقد أننا قادرون على مواجهة المشاكل المختلفة. هذا هو المطلوب وهذا ما تعمل له المعارضة السودانية الموجودة في الخارج. واعتقد اننا قادرون على التوصل الى حل". هذا التفاؤل الذي يظهر في كلام ممثل حزب الامة وممثل الحزب القومي السوداني والذي يركّز على نقاط التفاهم والالتقاء بين احزاب المعارضة ويترك للمستقبل التصدّي للمسائل الخلافية لا يتحقق الاجماع حوله. فأصحاب المدرسة الواقعية لا يريدون إخفاء هذه الاختلافات ويفضلون شرحها وتناولها. يقول السيد أبدون أقاو، ممثل الاحزاب الجنوبية في التجمع الوطني الديموقراطي في القاهرة، انه "ليست هناك ضمانة بأن عودة احزاب المعارضة الى السلطة ستأتي بحل تلقائي لمشكلة جنوب السودان. هذه حقيقة. غير ان الانسان يتوقع ان السنوات التي قضتها الاحزاب الشمالية خارج السلطة مكنتها من تقدير الموقف والتأكد حقيقة من ان الاستقرار والسلام في السودان لا يمكن ان يتحققا طالما لم تحل مشكلة الجنوب، وطالما لم يحصل تفاهم بين الشمال والجنوب على المسائل الرئيسية. وعلى هذا الاساس نأمل ان تكون سنوات المعارضة درساً لاخواننا الشماليين". وعندما نقول للسيد أبدون أقاو بأن الانطباع الذي تعطيه احزاب المعارضة هو أنها متفقة على اسقاط نظام البشير ومختلفة على ما سيتبع هذا الاسقاط، يعلق بقوله: "هذه حقيقة ايضاً. ما أقصده اننا متفقون على اسقاط البشير وتكوين حكومة موقتة لمدة خمس سنوات. وخلال هذه الفترة تتم الدعوة لعقد المؤتمر الوطني الدستوري. وهذا يعني اننا لم نتفق بعد على المواضيع الرئيسية التي كانت دائماً سبب الخلافات في السودان وما زالت سبب الخلاف الرئيسي". ويعدد أبدون اقاو هذه القضايا على الشكل الآتي: مشكلة جنوب السودان، قضية الدين في الدولة والدين في السياسة، مسألة توزيع الثروة القومية توزيعاً عادلاً، مسألة تقاسم السلطة بصورة ترضي جميع الاطراف. وخلاصة كلام اقاو ان المؤتمر الدستوري "لن يعقد ما لم يسقط نظام البشير". هذه الملاحظة يتبناها الدكتور أمين مكي مدني، رئيس المنظمة الانسانية لحقوق الانسان الذي يؤكد ان المعارضة السودانية اجتمعت على ميثاق وقعته بعد ثلاثة أشهر على وقوع الانقلاب، وأنها توصلت الى اتفاق، سواء في اجتماعها في اديس ابابا عام 1990 او في لندن، بداية 1992، حول مواضيع كثيرة لاستعادة الوضع الديموقراطي التعددي في اطار الحل الشامل لمسألة الحرب والسلام. ويضيف امين مكي مدني: "في رأيي هذا متاح وهذا النظام القائم هو العقبة أمام تحقيق هذه الاهداف. لكن لا بدّ لي أن أذكر، وفي رأيي الخاص، ان عدم اتفاق القوى السياسية الكامل لما ينبغي ان تكون عليه الحال بعد سقوط نظام البشير هو عقبة يجب التغلب عليها منذ الآن ويجب الاتفاق بشأنها. واعتقد ان موضوع انهاء الحرب في الجنوب واستعادة الوحدة الوطنية وتحقيق استقرار السودان، هذه الامور لن تتحقق ما لم نتفق تماماً على موضوع الدين في الدولة. وللأسف، هناك أحزاب في المعارضة وبين الأحزاب الشمالية ما تزال تتعرض للابتزاز والمزايدة من قبل النظام الذي يتهمها بأنها تعارض الإسلام وبأنها ملحدة. وهذا الابتزاز لم يعد مقبولاً. والاسلام لم يدخل الى السودان مع النميري او مع البشير او الترابي. والسودانيون المسلمون يحترمون عقيدتهم وربهم وعباداتهم. وهم ظلّوا متحابين واخوة في اطار التعددية. وطالما ان التعددية موجودة فالتنوع اللغوي والثقافي والعرقي والديني موجود. وما لم نتفق على مسألة الدين والدولة، فلن يكون هناك سودان موحد، ولن تكون لدينا الثقة الكافية بأنفسنا حتى نطرح حكماً بديلاً يضمن الاستقرار".