جيش الاحتلال ينتهك قواعد الحرب في غزة.. هل يُفشل نتنياهو جهود الوسطاء بالوصول إلى هدنة ؟    «مستشفى دلّه النخيل» يفوز بجائزة أفضل مركز للرعاية الصحية لأمراض القلب في السعودية 2024    العضلة تحرم الأخضر من خدمات الشهري    كافي مخمل الشريك الأدبي يستضيف الإعلامي المهاب في الأمسية الأدبية بعنوان 'دور الإعلام بين المهنية والهواية    "الشركة السعودية للكهرباء توضح خطوات توثيق عداد الكهرباء عبر تطبيقها الإلكتروني"    د.المنجد: متوسط حالات "الإيدز" في المملكة 11 ألف حالة حتى نهاية عام 2023م    النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع ووزير الداخلية بالكويت يزور مركز العمليات الأمنية في الرياض    الأمير سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف.    النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع ووزير الداخلية بدولة الكويت يزور الهيئة الوطنية للأمن السيبراني    فعاليات يوم اللغة العربية في إثراء تجذب 20 ألف زائر    أمين عام رابطة العالم الإسلامي يلتقي بابا الفاتيكان    «الحياة الفطرية» تطلق 66 كائناً فطرياً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    الدفعة الثانية من ضيوف برنامج خادم الحرمين يغادرون لمكة لأداء مناسك العمرة    الشرقية تستضيف النسخة الثالثة من ملتقى هيئات تطوير المناطق    تحت رعاية خادم الحرمين.. «سلمان للإغاثة» ينظّم منتدى الرياض الدولي الإنساني الرابع فبراير القادم    الكويت تلغى رسمياً حصول زوجة المواطن على الجنسية    رضا المستفيدين بالشرقية استمرار قياس أثر تجويد خدمات "المنافذ الحدودية"    سلمان بن سلطان يدشن "بوابة المدينة" ويستقبل قنصل الهند    افتتاح إسعاف «مربة» في تهامة عسير    بلسمي تُطلق حقبة جديدة من الرعاية الصحية الذكية في الرياض    وزارة الداخلية تواصل تعزيز الأمن والثقة بالخدمات الأمنية وخفض معدلات الجريمة    وزارة الصحة توقّع مذكرات تفاهم مع "جلاكسو سميث كلاين" لتعزيز التعاون في الإمدادات الطبية والصحة العامة    أمانة جدة تضبط معمل مخبوزات وتصادر 1.9 طن من المواد الغذائية الفاسدة    نائب أمير مكة يفتتح غدًا الملتقى العلمي الأول "مآثر الشيخ عبدالله بن حميد -رحمه الله- وجهوده في الشؤون الدينية بالمسجد الحرام"    وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    1% انخفاضا بأسعار الفائدة خلال 2024    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    لمن القرن ال21.. أمريكا أم الصين؟    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    تجربة مسرحية فريدة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    لمحات من حروب الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الوسط" تحاور ثمانية منهم في جنيف . زعماء المعارضة السودانية يحاكمون نظام البشير والتحالف مع الترابي - قسم ثاني
نشر في الحياة يوم 08 - 03 - 1993


قضية التدخل الاجنبي
صدر من القاهرة، عن التجمع الوطني الديموقراطي، بتاريخ 22 كانون الثاني يناير بيان جاء في فقرته الثالثة ما يلي: "وحول احتمالات حدوث تدخل قوة اجنبية في السودان نتيجة لتعنت النظام الحاكم وانتهاكاته المستمرة لحقوق الانسان، ناشد المجتمعون المجتمع الدولي لتصعيد الضغوط والحصار على النظام حتى يسقط وتعود الحرية والديموقراطية للشعب السوداني. وبالتالي يؤكد المجتمعون رفضهم التام لاي شكل من اشكال التدخل الاجنبي في السودان".
هذا البيان يحدد الاطار العام لخط الاحزاب السودانية المعارضة. الا أنه بحاجة الى شرح وتفصيل لان المواقف ليست واحدة وتختلف بين حزب وآخر.
يقول أحمد عقيل أحمد، ممثل حزب الأمة، جواباً على سؤال طرحناه عليه حول قدرة المعارضة على التخلّص من نظام البشير بقواها الذاتية: "نحن، كقوى سياسية سودانية، عندنا تجارب مهمة في مسألة التغيير. فنحن صنعنا ثورتين على نظامين قمعيين عبّود والنميري ونجحنا في التخلص منهما من غير تدخل اجنبي. ولذلك فالشعب السوداني مؤهل بوجود قياداته السياسية لان يخلق هذا التغيير الذي أراه يلوح في الأفق. وهذا لا يعني أننا نطلب من دول العالم ان تبتعد عن قضية السودان، بل إننا نطالبها بأن توليها الاهتمام الكامل.
واعتقد ان المطلوب التعامل مع قضية السودان بصورة أكثر واقعية، وليس من زاوية انتظار خلاصنا على يد قوة معينة، فنحن مؤهلون ان نصنع هذا التغيير. والمساعدات التي نطلبها من الخارج تنحصر في الاطار الذي تحدثت عنه من عقوبات اقتصادية وتجارية ووقف مدّ حكومة الجبهة الاسلامية بالسلاح والاعتراف بالمعارضة السودانية كممثل وحيد وشرعي للشعب السودني وتجميد عضوية هذا النظام القمعي في الامم المتحدة وادانة الحكومة السودانية لانتهاكها حقوق الانسان". وعند سؤالنا لممثل حزب الأمة عن رأيه بنداء بونا ملوال راجع الوسط عدد 55 أجاب بأن بونا ملوال "له مطلق الحرية". وعن حزب الأمة قال: "نحن حتى هذه اللحظة لم نطالب بالتدخل الاجنبي. أما هل سنطالب بهذا التدخل في المستقبل أم لا، فهذا حديث سابق لأوانه ولا أعتقد اننا سنفعل".
والواضح من هذا القول ان حزب الأمة السوداني بشخص ممثله في غرب أوروبا أحمد عقيل أحمد يستبعد، "حتى هذه اللحظة" المطالبة بالتدخل الاجنبي. وهذا الأمر له مبرراته السياسية، اذ ليس من السهل على حزب سياسي، وان كان في المعارضة، ان يطالب بقوات خارجية لكي يتخلص من نظام قائم. والمطالبة بالتدخل، الذي لن يحصل بالضرورة قياساً لما يجري في البوسنة او الهرسك او بما آل اليه تدخل الأمم المتحدة في الصومال وأنغولا وغيرهما، يعني إعطاء النظام القائم الحجة لاتهام الاحزاب المعارضة بالتآمر على استقلال السودان والتمهيد للغزو الأجنبي، وهو ما فعله الفريق عمر حسن البشير وما قاله لنا وزير العدل السوداني في المقابلة التي خصّ بها "الوسط" في عدد الاسبوع الماضي. اضف الى ذلك ان المطالبة بالتدخل الاجنبي وان تحت غطاء الأمم المتحدة تعني اعتراف المعارضة بعجزها عن التخلص من النظام القائم. غير ان رفض التدخل الخارجي يتناول فقط جانبه العسكري المباشر اذ ان المعارضة السودانية تطالب دول العالم بعزل النظام السوداني وتشديد الضغوط عليه واستعمال سلاح انتهاك حقوق الانسان الذي يترك اصداء قوية في الخارج، خصوصاً في المحافل الدولية.
ما هي مواقف الاطراف الاخرى في المعارضة السودانية؟
يعرض الدكتور عمر الشيخ عوض، عضو المكتب السياسي للحزب الاتحادي الديموقراطي السوداني، موقف حزبه من التدخل العسكري المباشر على الشكل الآتي: "المعارضة السودانية تعمل من الداخل والخارج على إسقاط النظام، وطبيعي ان يكون لها حلفاء لأن نضال الشعوب مرتبط ببعضه البعض، وجبهة الترابي التي تحكم السودان لا ينحصر نشاطها المخرب داخل السودان وانما يتعدّاه الى الدول المجاورة. وعليه فإن مهمة إسقاط النظام مهمة سودانية. ولكن هذا لا يعني وقوف العالم موقف المتفرج، خصوصاً أن الحكومة السودانية تلقى دعماً من ايران". وخلاصة عمر الشيخ عوض هي التالية: "لا اعتقد ان التدخل العسكري الدولي مطلوب او ان الشعب السوداني يقبله. المطلوب دعم المعارضة وليس العمل نيابة عنها".
التيجاني بابكر الطيب، ممثل الحزب الشيوعي في التجمع الوطني الديموقراطي، يعتبر ان التخلص من نظام البشير "هو مهمة الشعب السوداني وعليه ان يقوم بها بقواه الذاتية". وفي رأيه أنه قادر على ذلك بالعمل على "حشد قواته وبالاضراب السياسي والتظاهرات وبواسطة ابنائه داخل القوات النظامية في الجيش وفي الشرطة، وباستعمال كل الوسائل المتاحة أمامه".
ويؤكد التيجاني بابكر الطيّب ان التدخل الاجنبي "غير وارد بالنسبة الى التجمع الوطني الديموقراطي"، لكن "من الممكن ان يحصل على مساعدة أو دعم، فالشعب السوداني كان دائماً يستند الى دعم عالمي في إطاحته النظم الديكتاتورية التي حكمت السودان. نحن نستطيع، بحصولنا على سند عالمي، أن نضعف النظام ونشلّ حركته. ونحن نريد ان يقف الرأي العالمي بجوارنا وان ينزل عقوبات بالنظام الراهن بحيث تكون المواجهة متكافئة بين هذا النظام وبين الشعب السوداني. بعض الناس يتكلم عن حماية المواطنين من القصف الجوي مثلاً واعتقد انه من الممكن ان تكون هناك قرارات ومواقف بمعاقبة النظام اذا استمر مثلاً في سياسته القمعية في منطقة جبال النوبة. وفي أي حال، اذا أصبح هذا التدخل موضوعاً لا مفر منه ووُجدت قوى خارجية تريد ان تتدخل في السودان، فإن المسؤول عن ذلك سيكون قطعاً النظام القائم في السودان ويكون هو الذي جنى على نفسه وعلى الشعب السوداني بأن يجلب أمراً لا يقبله السودانيون، وهو تدخل قوى أجنبية في الشؤون الداخلية السودانية".
وإذا كانت المعارضة السودانية تعوّل على الدعم الدولي لعزل النظام السوداني وعلى تعبئة صفوفها في الداخل واعادة تفعيل النقابات والتظاهرات، وعلى غير ذلك من اعمال الاحتجاج التي نجحت في السابق، الا انها لا تهمل القوات المسلحة السودانية.
وقد طرحنا على الفريق عبدالرحمن سعيد عبدالرحمن، نائب القائد العام للقوات المسلحة السودانية حتى وقوع انقلاب 30 حزيران يونيو سؤالاً عن دور القوات المسلحة في اسقاط نظام البشير، فأجاب: "نحن نسمّي انفسنا القيادة الشرعية للقوات المسلحة ونعمل بالتعاون مع التجمع الوطني الديموقراطي ونعتبر أنفسنا الذراع العسكري. ونحن نعتبر ان القوات المسلحة خدعت في هذا الانقلاب الذي سمّي باسمها، ونحن على يقين ان التغيير سيتم بواسطة القوات المسلحة التي لن تكون، في يوم من الأيام، أداة في أي حزب ليحكم بها السودان. نعم سنستخدم القوات المسلحة السودانية في إسقاط النظام الحالي واعادة الديموقراطية الى السودان كما كانت عليه في الماضي". وعن التدخل العسكري الخارجي في السودان يقول الفريق عبدالرحمن: "أنا شخصياً لا أوافق على دخول أية قوات أجنبية إلى السودان لسببين، الأول انه سيخدم النظام لأنه سيحصل في مناطق القتال في الجنوب وقد أعلن النظام أكثر من مرة ان لا مانع لديه من فصل الجنوب عن الشمال اذا كان ذلك سيقف عائقاً أمام تطبيق الشريعة الاسلامية. واذا انفصل الجنوب فإنهم سيحكمون قبضتهم على الشمال. وكل ممارسات النظام تدل على انه لا يتمسك كثيراً بوحدة السودان. والسبب الثاني لمعارضتي تدخل قوات اجنبية أنني اعتبر أننا قادرون بأنفسنا وبقواتنا المسلحة على تحرير بلادنا من هذه الشرذمة التي تحكم واستعادة الديموقراطية بمفردنا. والتدخل يخدم اهداف الجبهة القومية الحاكمة في السودان. نحن ننسق مع العقيد جون قرنق ولكننا لا نقاتل معه. ونحن معه في تحالف في اطار التجمع الوطني السوداني وننسق عملياتنا لاسقاط النظام وليس لهزيمة القوات المسلحة، اذ أننا القادة الشرعيون ولا نريد الهزيمة لها. وفي كل ما نعمله، نحن ننسق مع القوات السودانية المسلحة ومع حركة قرنق لاسقاط هذه الحكومة"
التدخل لحماية الأقليات
اذا كانت احزاب التجمع الوطني الديموقراطي ترفض التدخل لاسقاط النظام القائم، الا ان بعضها يدعو اليه لوقف انتهاكات حقوق الانسان.
يقول منير شيخ الدين منير، ممثل الحزب القومي السوداني، وهو ينتمي الى القومية الزنجية في منطقة جبال النوبة، التي تعرضت في جبال هيبان وفي قرى دلّْو لعملية انتقامية واسعة تقول عنها المعارضة انها اوقعت مئات عدة وربما آلافاً عدة من الضحايا، ليلة 25 كانون الاول ديسمبر الماضي، ان حزبه "لا يطالب بالتدخل للتخلص من حكم البشير بل لحماية الشعوب التي تتعرض للابادة". ويضيف منير: "نحن نطالب بالتدخل لحماية هذه الشعوب. وهذه المسألة ملحة ولا يمكنها ان تنتظر. واذا كنا في المعارضة لا نملك جدولاً زمنياً محدداً حتى نعيد الديموقراطية الى السودان، واذا كان زمن النضال سيطول، فإن هذه القومية يمكن ان تباد. ماذا نفعل؟ هل ننتظر ان نأخذ هذه الارض خالية من السكان؟ طبعاً هذا غير وارد. ولذلك في رأينا ان التدخل ليس لاسقاط البشير ولكن للتعجيل في حماية الاقليات". ونسأل ممثل الحزب القومي السوداني: هل قمتم باتصالات؟ وهل لديكم أمل بحصول هذا التدخل فيجيب: "لا استطيع ان أجزم في هذه المسألة. ولكن ربما يكون هناك أمل اذا استمر النظام في انتهاك حقوق الانسان على هذه الصورة السافرة في منطقة جبال النوبة ودارفور والاندكنه". وعندما نقول له ان هذا التدخل اذا حصل فسيكون تدخلاً اميركياً، يجيب: "نعم أنا متفق معك في هذا الطرح. ولكن نحن نطالب الأمم المتحدة وليس الولايات المتحدة الاميركية بالتدخل".
هذا الموقف الذي يعلنه ممثل الحزب القومي السوداني يجاريه فيه أبدون أقاو ممثل الاحزاب السودانية الجنوبية، فهو يقول: "ان تدخل الأمم المتحدة لوقف انتهاكات حقوق الانسان مقبول من جانبنا، خصوصاً اذا نظرنا الى هلاك آلاف من المواطنين في اجزاء كبيرة من السودان والى عجز المعارضة عن انقاذهم. لا بد من النظر الى هذا التدخل كأمر ايجابي. واذا كانت بعض الاحزاب تتخوف من التدخل الاجنبي لانها ستأتي بتعقيدات، فإن بعض الاحزاب، ومنها احزابنا، تعتقد ان الاولوية هي لانقاذ حياة المواطنين. واذا قامت الامم المتحدة بحشد قوة عسكرية لانقاذ هؤلاء المواطنين فإن ذلك سيكون مقبولاً لدينا". وعن تصريح بونا ملوال، يقول أقاو "انني اتفق معه في الرأي".
الجنوب وقرنق
المعارضة السودانية تعتقد ان نظام البشير لا يستمر الا بالتخويف وهو يفتقر الى القاعدة الشعبية، لكن المشكلة بالنسبة اليها ان هذا النظام حقق انجازات، منها عسكرية تمثلت في استعادة بعض المناطق في الجنوب، ومنها سياسية - ديبلوماسية بتوقيع اتفاقات مع اثيوبيا وكينيا وأوغندا، إضافة الى نجاحه في اعادة جون قرنق او من يمثله الى طاولة المفاوضات. ويمكن ان نضيف الى ذلك تعميق الانفصال داخل الحركة الشعبية والجيش الشعبي.
يقول التيجاني بابكر الطيب، ممثل الحزب الشيوعي السوداني، ان "اضعاف قرنق عسكرياً يؤدي قطعاً الى اضعاف التجمع. ذلك ان قرنق جزء لا يتجزأ من التجمع واضعافه يعني اضعاف الشعب السوداني". ويؤكد ان استمرار الانفصال داخل الحركة الشعبية يخدم اغراض السلطة والانفصال الذي حصل في صيف عام 1991 كان بتحريض من السلطة التي تموّل جناح الناصر وتمده بالغذاء والسلاح، وهؤلاء "لم ينفصلوا عن قرنق وانما انحازوا الى النظام وهم تحت رحمته كلياً. وفي اي حال فإنهم لن يحققوا اهدافهم. فإذا اعتبرناهم مخلصين فإنهم يخطئون، واذا اعتبرناهم متآمرين فهذا شيء خطير للغاية". ويؤكد أبدون أقاو، ممثل الاحزاب الجنوبية في التجمع الوطني الديموقراطي تشخيص التيجاني بابكر الطيّب، فجناح الناصر بقيادة ريك مشار ولام أكول "يتعاون مع حكومة الخرطوم ويتلقى منها معلومات لوجستية واسلحة وذخيرة ومعونات غذائية. والحقيقة ان النظام يتلاعب بها". وعن امكان اعادة توحيد الحركة الشعبية، يعتبر أبدون أقاو ان هذا الأمر ممكن "شرط ان يشعر ريك مشار ولام أكول أن ما فعلاه عام 1991 كان خطأ. فالخلاف بينهما وبين جون قرنق ليس على تصوّر الحل لمشكلة الجنوب بل على قيادة الحركة".
ونسأل الفريق عبدالرحمن: هل يمكن ان ترفض الاعتراف بأن الحكومة السودانية حققت عدداً من الانتصارات العسكرية؟ فيجيب: "ان الانتصارات التي حققها النظام في الجنوب لا تعني الشيء الكثير وسترتد الى هزائم. فالمعروف عن حرب العصابات انه ليس فيها منتصر او مهزوم. واذا كان صحيحاً ان القوات السودانية استرجعت بعض المدن، الا ان الحفاظ عليها سيكون كثير الكلفة، من المال والجهد والوقت. اضف الى ذلك ان طرد قوات الحركة الشعبية من هذه المدن سيدفع بها الى مكان آخر لتعيد تنظيم نفسها. ان أي انتصار لا معنى له إن لم يكن نصراً حاسماً، يتمثل في طرد قوات العقيد قرنق من كل الجنوب. والحال ان هذه الانتصارات تكتيكية وموقتة. وليس صحيحاً ان قوات النظام قطعت خطوط الحركة. اذ ان هناك امدادات تصل اليها، وهي لم تحرم من المنافذ للدخول والخروج، على رغم ان بعض الجهات سدت أمامها. وبالمقابل، فان النظام السوداني يتلقى الامدادات والاسلحة من عدد من الدول.ايران والصين مستمرتان في ذلك، وقد وصلت قبل فترة قريبة الى السودان ذخائر من سورية، وكانت ليبيا والعراق تمدان النظام بالسلاح".
تبقى مسألة المفاوضات التي يخطط لاحيائها قريباً بين الحكومة السودانية وحركة قرنق. غير ان المعارضة التي استبعدت عنها منذ البداية لا تتوقع لها ان تؤول الى نتيجة ايجابية اذ ان غرض النظام، كما يقول التيجاني بابكر الطيب هو "ضرب الحركة وليس الاتفاق معها. النظام يريد دفعها الى مواقع الاستسلام وليس التوصل معها الى حل متفق عليه، خصوصاً انه يعتقد ان العمل العسكري سيؤدي الى حل المشكلة جذريا". اما أبدون أقاو، ممثل الاحزاب الجنوبية، فإن له تحليلاً قريباً من التحليل السابق. فهو يقول: "ليس هناك احتمال للتوصل الى حل عن طريق المفاوضات بين الخرطوم والحركة الشعبية. ذلك ان الحكومة اصولية متطرفة ولا اعتقد انها قادرة على تقديم تنازلات بالنسبة الى ما تطرحه ايديولوجياً. ايديولوجيتها هي أسلمة السودان، وهي امور لا يمكن ان يقبلها الجنوبيون. الفيديرالية التي يطرحها النظام لا تكفي، اذ انها ستكون مفروضة في ظل القوانين الاسلامية". وعندما نقول له لماذا تقبلون الجلوس الى طاولة المفاوضات وعندكم شكوك في نوايا السلطة؟ يجيب: "التفاوض عملية طبيعية جداً. الاطراف المتحاربة لا بد ان تجلس الى طاولة المفاوضات وان تحاول الوصول الى حلّ. وشكوكنا في نوايا النظام لا يجب ان تمنعنا من قبول التفاوض. بالنسبة الينا، المسألة المهمة تكمن في القانون الأساسي للدولة السودانية الذي لا نقبل ان يكون فيه اي جانب يجعل منا مواطنين أقل من المواطنين الآخرين".
ويضيف فاروق أبو عيسى: "لا بد للجميع من الاعتراف بأن أهلنا في الجنوب قضية قائمة، وهي أنهم يختلفون عنا عرقياً، دينياً وثقافياً. غير ان هذا التمايز يجب الا يؤدي الى انفصال بل الى الوحدة وتقوية الدولة الواحدة. وعلينا احترام هذه الفوارق على ان تقوم العلاقة بين المواطن والدولة على اساس المواطنة وليس على اساس الدين".
السجل الاسود
الدكتور أمين مكي مدني: رئيس المنظمة السودانية لحقوق الانسان قضى أربعة عشر شهراً في السجون السودانية بعد وصول عمر حسن البشير الى السلطة في حزيران يونيو 1989. وقد دشن النظام الجديد عهده بحل الاحزاب والنقابات والمنظمات، ومنها منظمة حقو ق الانسان التي وضع قادتها في السجن حيث تعرضوا، كما يؤكد أمين مكي مدني، للتعذيب. ولم يطلق سراح عدد منهم، وبينهم مدني، الا بفعل الضغوط الدولية. والدكتور مدني محام، وعضو في نقابة المحامين، وشارك بدور بارز في مقاومة نظام نميري وشغل منصب وزير الاسكان في عهد سوار الذهب، عاد بعدها الى عمله المهني وللاهتمام بمنظمة حقوق الانسان. وقد سبق للدكتور مدني ان عمل في قصر الأمم في جنيف وفي منظمة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة وفي البنك الدولي في واشنطن. يقول الدكتور مدني ان السجل الاسود للنظام السوداني في مسألة حقوق الانسان "لا بد ان يساهم في إحكام محاصرته وعزله على الساحة الدولية". ويعتبر رئيس المنظمة السودانية لحقوق الانسان ان النظام، على رغم الجهود الكبيرة التي يقوم بها وعلى رغم الوفد الكبير الذي ارسله الى جنيف برئاسة وزير العدل، لعرض وجهة نظر الحكومة السودانية، أخذ يشعر ان مقتله يتمثل في تسليط الاضواء الدولية على ممارساته اليومية. وبالفعل،فإن الاقتراح الاميركي القاضي بوقف مناقشة حالة السودان، في جلسات مغلقة وفق القرار 1503 الصادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك تعيين مقرر خاص لمتابعة موضوع حقوق الانسان في السودان، يعني ان هذا الموضوع سيعود دورياً الى المناقشة وسيكون موضوع متابعة مستمرة، الامر الذي يجعل النظام السوداني تحت ضغط دولي دائم ويمنعه من تشديد قمعه اليومي وممارساته القاسية. ويعلق أمين مكي مدني على الخطاب الذي القاه وزير العدل السوداني، عبدالعزيز شدو الذي يعرفه جيداً باعتباره محامياً مثله، بالملاحظات الخمس الآتية:
1 - كيف يمكن لوزير العدل ان يدّعي ان لا مشكلة لحقوق الانسان في السودان خصوصاً ان نظام الفريق عمر البشير أوجد الاطار الدستوري والقانوني الذي يجيز انتهاكات حقوق الانسان؟ ويتابع أمين مكي مدني: "هذا النظام قام على ثلاثة اوامر عسكرية سُميت الأوامر الدستورية وهي ألغت الدستور وحظرت الاحزاب وصادرت الصحف وأسست الحكم الجديد". ويلاحظ ان هذه الاوامر نفذت ووضع السودان بموجبها في ظل حالة الطوارئ التي ما زالت قائمة. وبموجب لائحة الطوارئ، فإن حظر التجول ما زال مفروضاً في عامه الرابع. وهذه اللائحة، كما يقول مدني، تجيز الاعتقال والتحفظ ومنع السفر ومصادرة الاموال. ويضيف: "انا اموالي مصادرة وبيتي مصادر مع شركة املكها وعقار في الخرطوم رقمه 48، مربع 63". وهذه الحالة تنطبق على فاروق ابو عيسى وعبدالله ياسين والفريق عبدالرحمن سعيد…
وخلاصته ان الاطار الدستوري والقانوني الذي يؤسس لانتهاكات حقوق الانسان قائم ومفروض على السودان. وطالما ان هذا الاطار هو المعمول به، فمن الكذب الادعاء ان لا مشكلة لحقوق الانسان في السودان.
2 - ان القضاء في السودان بعكس ما أكده لنا وزير العدل السوداني معطّل بموجب لائحة الطوارئ، والحديث عن استقلالية القضاء تضليل.
3 - يدحض أمين مكي مدني ما يقوله وزير العدل السوداني عن التزام الحكم في السودان بالمواثيق الدولية ويقول: "كيف يمكن لوزير العدل ان يدعي التزام الحكم بهذه المواثيق ثم يستدرك بقوله ان المعايير الدولية تختلف باختلاف الاوضاع الاقتصادية والتنموية؟ الوزير السوداني يقول الشيء وعكسه، فمن جهة يدّعي الالتزام بالمواثيق الدولية ومن جهة اخرى يرفض المعايير الخاصة بتطبيقها". ويتابع مدني: "ان وزير العدل يريد معايير اسلامية. وجوابنا عليه هو: اذا كان ممكناً اعتبار ان مسألة جلد الشارب ورمي الزاني وغير ذلك مسائل جدلية يمكن النظر بها، فهل ان الاسلام ومعاييره يجيز قمع الحريات المدنية والسياسية والتعذيب ومصادرة الرأي وملاحقة المعارضين ومصادرة الاموال والغاء القضاء".
4 - يقول وزير العدل ان السودان اختار نظاماً سىاسياً قائماً على الغاء الاحزاب وعلى نظام المؤتمرات، وهو يضمن احترام الحريات العامة… ويلاحظ مدني ان النظام السوداني يقول انه يحترم الحريات العامة، الا انه في الوقت عينه يمنع الاحزاب، اي انه يمنع حرية الرأي والتعبير والتجمع والعمل السياسي. وليس النظام الذي انشأه الا الشكل الافضل الذي يتيح للنظام ان يحافظ على نفسه وعلى مصالحه وان يبقي الآخرين خارجه.
5 - يقول وزير العدل ان السودان منذ الاستقلال كان يبحث عن هوية وانه وجد هويته في الاسلام، وهذا خيار الاكثرية ويجب ان يسود. أما بالنسبة الى غير المسلمين فإن السودان وجد الحل في الفيديرالية. ويعلقّ مدني على هذا القول بأن هذا الطرح "يقسم السودان بين شمال وجنوب ويميز بين المواطنين على اساس الدين بوضع جغرافي". ويتساءل: هناك مليونان من اصل الجنوب يسكنون في الشمال، اضافة الى الآلاف والآلاف من غير المسلمين الذين قدموا الى السودان من الشام ومصر، فهل نطبق على هؤلاء الشريعة الاسلامية؟". ويضيف: "النظام في السودان يجب ان يعترف بالتعدّد العرقي والثقافي والديني الموجود. هذه هي طبيعة السودان ولن يحل السلام فيه ما لم نصل الى وفاق في موضوع المواطنة والمساواة بين المواطنين".
لماذا لا تعودون الى السودان؟
نقلنا الى اطراف المعارضة السودانية الذين التقيناهم ما قاله لپ"الوسط" وزير العدل السوداني السيد عبدالعزيز شدو راجع المقابلة معه في العدد الماضي بأن أبواب السودان مفتوحة أمام الجميع للعودة والعمل من الداخل. وهذه بعض الردود:
التيجاني بابكر: "وزير العدل والنائب العام ليس الشخص الذي يقول ويقرر ان بامكاننا العودة واننا لن نتعرض لأية مضايقة. الفريق البشير اعلن اكثر من مرة انه ليس في السودان سجناء سياسيون، في حين كنا نحن نرقد في المعتقلات. هذا النظام يقوم على الكذب الذي هو جزء منه. ثم ان الامر الدستوري الثاني الذي يحظر العمل السياسي ما زال قائماً. نحن لسنا خائفين على حياتنا لكن ظروف العمل السياسي في الداخل غير متوافرة. لذا نريد من بقائنا في الخارج اجراء الاتصالات وتقديم الدعم المادي والمعنوي للمعارضة في الداخل التي هي القيادة الحقيقية".
أحمد عقيل: "القضية ليست قضية ضمانات شخصية. انما المسألة ان القاعدة القانونية لضمانات من هذا الشكل غير موجودة، لأن قانون الطوارئ هو المعمول به. وكلام وزير العدل ساذج لا يجب أن يخرج من فم رجل مسؤول هو كذلك رجل قانون".
أمين مكي مدني: "أنا لا احتاج لضمانات شخصية حتى أعود الى السودان. المسألة تتعلق بالارتياح النفسي والقدرة على العمل السياسي واطاره العام. شخصياً، اتصل بي النظام وعرض عليّ ارجاع منزلي وشغل الوظيفة التي أريد، لكنني رفضت".
ما حقيقة "مجزرة" النوبة؟
ماذا جرى في قرى دلّو، في منطقة هيبان، من جبال النوبة ليلة 25 كانون الأول ديسمبر الماضي؟
المعارضة السودانية تتحدث عن مجزرة متعمدة ذهب ضحيتها 5 أو 6 آلاف شخص استهدفت الرجال والشباب من الاثنية الزنجية التي تسكن هذه المنطقة. والقصة ان اللواء بحري احمد الحسيني، حاكم كردفان، اراد الاحتفال برأس السنة في مدينة الابيض، عاصمة الاقليم وذلك بتنظيفه من كل العناصر الموالية للعقيد جون قرنق. ويروي منير شيخ الدين منير، الذي ينتمي الى الاثنية الزنجية وقضى سنتين في السجون ما زالت آثارهما ظاهرة على جسده، "ان قوات الدفاع الشعبي أبعدت الشيوخ والنساء والاطفال عن هذه القرى في عملية تهجير واسعة وجمعت الشباب والرجال وخيّرتهم بين الانتماء الى قوات الدفاع الشعبي لمحاربة انصار قرنق او الابادة. ومن رفض الالتحاق بقوات النظام "تمت تصفيته". ويضيف منير ان هذه العملية تندرج في اطار "تصفية القومية الزنجية الموجودة على خطوط التماس، في مناطق القتال بين القوات الحكومية وقوات قرنق حتى لا تتعاون مع هذا الاخير". ووفق ما أبلغنا به منير شيخ الدين منير، فان يوسف كومتي، قائد قوات قرنق العاملة في جبال النوبة هو من ابناء هذه المنطقة.
ومع ان منير يؤكد ان "المجزرة رهيبة وواسعة" الا انه لا يملك ارقاماً بشأنها، "بسبب التعتيم الاعلامي الكبير الذي فرضه اللواء بحري احمد الحسيني". وعندما نقول له ان وزير العدل السوداني السيد عبدالعزيز شدو يقول انه "حصلت تجاوزات" ولكن الارقام التي أذيعت هي من نسج الخيال، يرد منير شيخ الدين بأن وزير العدل "لا يعرف عن جبال النوبة أي شيء، وحتى هذه اللحظة لم يذهب الى هذه المنطقة". ووفق صدقي كبلّو، من منظمة حقوق الانسان السودانية، فان الحكومة البريطانية طلبت من وزارة الخارجية السودانية السماح للسفير البريطاني في الخرطوم أن يتحقق من هذه المعلومات. غير ان الحكومة السودانية لم ترد بعد على الطلب البريطاني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.