ما كان اجمل الشعر اكذبه ابداً! تلك المقولة هي اشنع افتراء سمعته. وربما كانوا يتحدثون عن مهارة الصنعة في سبك الصورة الجميلة. وقد ابتليت بطفولة تنفر من الصنعة التي تزوق الظاهر، والصنعة التي تخفي حقيقة المشاعر او تلغيها ليأتي الشعر مصفقاً يموه حقائق مكروهة. اؤكد ان اجمل الشعر اصدقه. لانه عندها يقترب من نبع الشعور الذي يتفجر منه فيكون اكثر نقاء، يقترب منه الى حد التوحد، فيصبح الشعر هو الشعور. ولكن حروفنا اليوم مختزلة المجال، محاطة بأسوار وأسوار تمنعنا من التعبير عن حقائق أعماقنا ونبضات مشاعرنا. كل تلك المحاذير الاجتماعية والسياسية، تهددنا بوصمة الاشارات القرمزية وباختام الشمع الاحمر. ولنا مدى وهمي للركض محجوز في خارطة مرسومة مؤطرة بفرضيات المجتمع، وبتصاريح اولي الامر. لنا اذاً ان نتشاغل عن قضية ماهية الشعر وعلاقته بالشعور، بالبحث المؤلم في اشواك السياسة وميول المجتمع. لنا ان نملأ الصفحات بالتأسي لشاعر نفى نفسه من وطنه مكرهاً، واخضعت انسانيته على رغم هذا الاذلال واستبداد السلطة اذ نزعت عنه حقوق المواطنة. ولنا ان نطلق الاحكام على شاعر نفى نفسه عن وطنه برضاه، ثم عاد مليئاً بشعور ما، سمّه الانتماء او الغضب او الحب او العناد... ليس ذلك ما يهم الجمهور في تفاصيل شعوره. ما يهم الجمهور العادي الاستيعاب انه صفع امرأة، تطاولت عليه ام لم تتطاول، في مسألة ادبية او سياسية او شخصية، او حتى نعرة قبلية. ذلك كله ليس مهما كما يبدو. المهم في ما يتداوله الآخرون عن الحدث انه فعل غير حضاري! وأتساءل انا: حضاري بمنطق من؟ وهل الحضارة ان يتحاور الجنسان، في اي موقع وأي ساعة، او ان يمتنعا عن الحوار نهائيا، سواء تطرق ذلك الى مستوى تبادل الصفعات، او تسامى الى حوار الافكار؟ بأية لغة حضارية نتكلم؟ لغتنا ام لغة مستعارة تفتقد النبض الحي؟ لنترك اللغة ووعاءها الحضاري اذاً. الحقيقة هنا مثل السراب، نراها ولا نراها! وليس جوهريا ان نبحث في حيثياتها وهوامشها، ولا عما يجعل الجوهر جوهراً والهوامش هوامش، او بالعكس. ولنا فقط ان بقي لنا شيء من الجرأة الادبية ان نؤكد ان هناك كلاماً عادياً، وهناك شعراً، وهناك نثراً، ونظماً… وهناك محاولات لا تطال اياً مما سبق، قد نكافأ عليها وقد نعاقب، حين يطلع عليها الآخرون، المعنيون بالامر، وغير المعنيين. ربما اثارت شجون الحوار اليوم رسالة من قارئ خصني بتكريم اراه اكبر من ان اتلقاه صامتة. انه الاخ حسين ابراهيم المؤيد من جيزان . اسعدتني فعلاً، ان كنت اعجز احياناً عن اقناع نفسي اننا لا نكتب في فراغ الاصداء. وكانت الاصداء تغسل احزان الروح حين تتوهج شعراً، فأصبح النثر الواضح ساحة تعرضنا لسخط من يظنوننا نقصدهم. ولك تحية أخوية شاكرة.